الرئيسية » هاني المصري »   27 آب 2013

| | |
دعوةُ هنيّة .. مناورةٌ أم بحثٌ عن مخرج؟
هاني المصري

أثارت دعوة إسماعيل هنيّة إلى الفصائل للمشاركة في السلطة القائمة في قطاع غزة اهتمامًا لا بأس به من الفصائل، حيث رحبت الجبهة الشعبيّة بها، واعتبرتها على لسان رباح مهنّا مدخلًا للوحدة الوطنيّة، ورحبت بها كذلك الجهاد الإسلامي بحذر، مع التشديد على عدم اتخاذ موقف نهائي، لأن الدعوة لم تقدّم رسميًا، بينما رفضت بقيّة الفصائل، وعلى رأسها "فتح"، الدعوة، لأنها تعزيز للانقسام، ومجرد مناورة من "حماس" ترجع إلى محاولتها لتحميل الآخرين الأعباء في ظل المخاطر الجديدة التي تحاصرها بعد عزل مرسي والحرب التي يشنها الحكم الجديد في مصر على الإخوان المسلمين، وعلى "حماس" بوصفها امتدادًا لهم؛ بدليل إغلاق معبر رفح بصورة شبه دائمة، وتدمير الأنفاق بصورة غير مسبوقة.

بالرغم من أن دعوة هنيّة يمكن أن تكون مناورة إلا أن إطلاقها في هذا الوقت بالذات يدلّ على أن "حماس" تحاول أن تجد مخرجًا من الورطة الشديدة التي تشهدها هذه الأيام. على الفصائل مساعدة "حماس"على إيجاد المخرج، لأن عدم وجوده سيدفع ثمنه ليس "حماس" وحدها، وإنما قطاع غزة برمته، والفلسطينيون جميعًا.

لا تكفي الردود العدميّة على دعوة هنيّة بذريعة أنها تعزز الانقسام، فالكثير مما يجري في الضفة الغربيّة وقطاع غزة من إجراءات وأعمال وإصدار قوانين واعتماد سياسات وإيجاد أوضاع اقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة هو تعزيز للانقسام، أو يصب في خانة إدارة الانقسام والتعايش معه، ولكن بعضه رغم ذلك ضروري لاستمرار الحياة وتحسينها في ظل الانقسام.

أليس التنسيق بخصوص امتحان الثانويّة العامة والحج والرياضة والصحة وأمور عديدة أخرى يعزز الانقسام ويديره ويتعايش معه؟. ولكنه أفضل بكثير من القطيعة الكاملة بين الضفة وغزة.

أليست المبادرة التي قام بها كمال الشرافي، وزير الشؤون الاجتماعيّة بالضفة، بالتنسيق مع نظيره الغزي، واتسعت لتشمل وزيري الصحة والتعليم – التي حظيت بدعم الرئيس وهنيّة – إدارة للانقسام؟. ولكنها أفضل من عدم التنسيق.

إن عدم تطبيق الاتفاقات الموقعة من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة أدى إلى تعزيز الانقسام وإدارته، والآن أتت التطورات الأخيرة في مصر وانعكاساتها على القضيّة الفلسطينيّة بصورة عامة، وعلى قطاع غزة و"حماس" بصورة خاصة، لتبعد الوحدة أكثر على خلفيّة خشية "حماس" من الوحدة أكثر من السابق، لأنها في وضع صعب للغاية، وستأتي الوحدة على حسابها، ومن شأنها تقوية "فتح".

بمقدور "فتح" أن تصرّ على تحقيق الوحدة بشروطها كاملة، مثلما نراها تفعل حتى الآن من خلال دعوة "حماس" إلى التوجه إلى انتخابات فورًا، ولا تخشى من عدم تحقيقها، لأن خصمها "حماس" في وضع لا تحسد عليه. وبمقدورها أن تزود "حماس" بـ"طوق نجاة" حقيقي مثل الاستعداد لتطبيق الاتفاقات كرزمة متكاملة، وسد النواقص فيها مثل غياب البرنامج السياسي، أو إبداء المرونة إزاءها لتشجيعها، وهي مرونة من موقع القوي ولا خشية من عواقبها.

لو توفرت الإرادة اللازمة لإنهاء الانقسام لما كنا بحاجة إلى مثل هذه المبادرات التي تدير الانقسام وتقلل من شروره، ولكنها غير متوفرة ولا يمكن توفيرها بسرعة، وبحاجة إلى ضغط سياسي وشعبي فلسطيني كبير يتغلّب على الضغط من جماعات الانقسام والمدعوم من إسرائيل ومن الأطراف العربيّة والإقليميّة والدوليّة التي تريد استمرار وتعزيز الانقسام.

هل نبقى مكتوفي الأيدي بانتظار توفر الضغط اللازم، أم يجب أن نتحرك باتجاهات مختلفة تجمع ما بين تحسين الوضع في ظل الانقسام، والعمل في نفس الوقت من أجل إنهائه بأسرع وقت وأقل التكاليف؟

إن هذا الواقع يجعل إدارة الانقسام والتقليل من أضراره أفضل، أو الأصح، أقل سوءًا من تعميقه ومن الدعوات (غير المعتمدة رسميًّا) التي تطلقها أصوات فتحاوية جزافًا: مثل الدعوة إلى إعلان قطاع غزة "إقليمًا متمردًا" في ترديد لمقولة إسرائيليّة؛ وتنظيم حركة "تمرد" فلسطينيّة تسعى إلى إسقاط سلطة "حماس" مثلما أُسقِط حكم الإخوان المسلمين في مصر، مع أن تحقيق ذلك متعذر، ولكن لو سلمنا جدلًا أنه ممكن، فمن الذي سيستفيد من اقتتال فلسطيني - فلسطيني جديد غير الاحتلال عدو الجميع؟؛ ومثل الدعوة إلى إجراء انتخابات بمن حضر في الضفة الغربيّة من دون قطاع غزة، سواء من خلال الزعم بتقسيم إجراء الانتخابات على مرحلتين، الأولى تجري في الضفة، والثانية تجري في غزة عندما تتوفر الظروف الملائمة لذلك، أو من خلال الدعوة إلى مشاركة الناخبين الغزيين إلى التصويت إلكترونيًّا وضم مرشحين غزيين في القوائم الوطنيّة لكون الانتخابات ستجرى على أساس التمثيل النسبي الكامل، مع أن التصويت الإلكتروني لا يمكن في ظل الظروف الفلسطينيّة القائمة أن يكون حلًا ولا يُمكّن من تحقيق مشاركة حقيقيّة ولا انتخابات حرة ونزيهة، فضلًا عن أن تكرار الانتخابات تحت الاحتلال ومن دون أفق سياسي قادر على إنهائه يمثل تعايشًا مع الاحتلال وتكريسًا له. فمن الأسوأ، التعايش مع الانقسام، أم مع الاحتلال؟ طبعًا، كلاهما سيئ وشر.

في المقابل، هناك دعوات تفضّلها "حماس" تسعى إلى تكريس الأمر الواقع إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا، من ضمنها دعوة أحمد يوسف إلى إقامة كونفدراليّة بين الضفة وغزة، في قفزة على واقع أن المنطقتين يقطنهما شعب واحد، والكونفدراليّة تكون – عادة - بين شعبين، إضافة إلى أنهما جزء من أراضٍ محتلة لا يصح الحديث فيها عن إقامة دولة أو دولتين تحت الاحتلال، فلا دول تقام تحت الاحتلال. فالاحتلال هو صاحب السيادة، والدولة لا تقوم إلا إذا كانت ذات سيادة، ولا تكون الدولة الفلسطينيّة دولة إلا إذا استطاع الشعب الفلسطيني إنهاء الاحتلال، فكيف يتصور أحد إمكانيّة قيام دولتين ليقيما فيما بينهما كونفدراليّة؟!

إن تخفيف واقع الانقسام وتحسين شروط حياة الفلسطينيين في ظله واجب على القيادات والفصائل والفعاليّات، "فما لا يدرك كله لا يترك جلّه"، فإذا كان تحسين شروط الحياة تحت الاحتلال برنامجًا معتمدًا، ولم يعد يتعرض لنقد شديد، فلماذا لا يحذو الجميع نفس الشيء بالنسبة للتعامل مع الانقسام؟

حتى لا يتحول التعايش مع الانقسام وإدارته إلى تعميقه ويساهم في تحويله إلى انفصال دائم؛ يجب أن يكون جزءًا من خطة متكاملة، أي يجب أن يكون هناك أفق سياسي يتم العمل استنادًا إليه. هذا الأفق يتجسد في عدم التنازل عن هدف إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنيّة، التي من دونها لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يحقق أهدافه بإنهاء الاحتلال وتقرير المصير وإقامة دولة فلسطينيّة على حدود 1967.

يمكن مطالبة هنيّة بتحويل مبادرته حول مشاركة الفصائل في السلطة في قطاع غزة إلى تشكيل "هيئة وطنيّة" جديدة لحكم القطاع (وهذا يساعد على إنهاء العداء بين السلطة القائمة في غزة ومصر) انسجامًا مع المبادرة التي سبق أن قدمها النائب عن "حماس" يحيى موسى، التي دعا فيها إلى تشكيل "هيئة وطنيّة" لإدارة غزة حتى تتفرغ "حماس" وغيرها من الفصائل للمقاومة التي تضررت من طغيان الصراع على السلطة تحت الاحتلال على أي شيء آخر.

إن إدارة قطاع غزة من خلال "هيئة وطنيّة مؤقتة" تشكل من جديد وليس عبر إشراك (إلحاق) الفصائل بالسلطة القائمة تحت قيادة "حماس" قد تكون شرًا لا بد منه، ويمكن أن تكون – إذا جاءت ضمن خطة معروفة بدايتها ونهايتها وجدولها الزمني - خطوة انتقاليّة على طريق الوحدة.

حتى يكون ذلك منطقيًّا، لا بد من تنظيم حوار وطني شامل يستهدف بلورة إستراتيجيّة أو إستراتيجيّات فلسطينيّة لمواجهة التحدّيات والمخاطر الجسيمة التي تهدد القضيّة الفلسطينيّة والاستفادة من الفرص المتاحة إن وجدت. وإذا لم تفعل الإستراتيجيّات الجديدة أي شيء سوى المحافظة على ما لدينا من أرض وتواجد بشري ومقومات صمود ومكاسب وحقوق ودرء الأخطار وتقليل الخسائر وإحباط المشاريع والخطط الإسرائيليّة؛ نكون قد حققنا إنجازًا كبيرًا. فالحفاظ على ما لدينا الآن وعدم التدهور أكثر يعتبر بحد ذاته إنجازًا كبيرًا، لأن هناك مؤشرات على إمكانيّة تدهور الوضع أكثر، فالأولويّة يجب أن تكون لإحباط هذا التدهور قبل أن نندم ساعة لا ينفع فيها الندم.

إذا استطاع الحوار الوطني الشامل التوصل إلى الإستراتيجيّات المطلوبة وإلى القواسم المشتركة، فحينها يمكن الاتفاق على تشكيل إطار قيادي مؤقت للمنظمة إلى حين إجراء الانتخابات، وعندما تكون هناك مؤسسة واحدة وقيادة واحدة وبرنامج واحد يمكن بعدها التعامل مع الخصائص والظروف، بما في ذلك الواقع الخاص لقطاع غزة بعد أن أعادت قوات الاحتلال انتشارها فيه، إذ أصبح الاحتلال فيه يأخذ شكل الحصار والعدوان وليس شكل الاحتلال المباشر مثلما هو الأمر في الضفة الغربيّة.

Hanimasri267@hotmail.com

 

مشاركة: