الرئيسية » محسن أبو رمضان »   10 أيلول 2013

| | |
"حماس" بعد الأحداث المصرية
محسن أبو رمضان

تقدير موقف

"حماس" بعد الأحداث المصرية

 

 

 

أقدمت حركة حماس على تقديم مؤشرات تعكس رغبتها في الانفتاح على المجتمع والشراكة السياسة، وظهر ذلك بوضوح من خلال مقترحات الأستاذ إسماعيل هنية، رئيس الوزراء في حكومة غزة، وقد أتت تلك المؤشرات على أثر الأحداث المصرية العاصفة التي أدت إلى خروج حركة الإخوان المسلمين من الحكم، وقيام السلطة المصرية الجديدة بملاحقة قادة وكوادر وأعضاء الحركة واعتقال رموزها السياسية؛ الأمر الذي أدى إلى دخول مصر في مرحلة جديدة عنوانها "الاحتقان والتوتر" بين النظام الجديد وجماعة الإخوان المسلمين، في سياق العمل الذي يقوده الجيش في إطار "خارطة طريق" جديدة تهدف إلى إعادة صياغة النظام المصري بصورة مختلفة عن الفترة التي حكم بها الإخوان المسلمين ممثلة بالرئيس السابق الدكتور محمد مرسي.

شكل خروج حركة الإخوان من مصر ضربة كبيرة لقيادة "حماس" في فلسطين، خاصة بعد اعتماد الحركة في تحالفاتها على المحور، القطري المصري التركي، فبعد فقدان الحليف المصري، أصبحت ركائز هذا التحالف مهتزة وليست بذات القوة عندما كان الإخوان هم الذين يحكمون مصر، خاصة إذا أدركنا مدى الثقل الكبير الذي تحتله مصر في الخارطة العربية كدولة مركزية، ومدى تأثيرها على الأوضاع الفلسطينية، وذلك بسبب الترابط العضوي المبني على صلة الدم والتاريخ والعلاقات المشتركة والجغرافية بين فلسطين، وتحديدًا قطاع غزة، وبين مصر.

قدّر قادة "حماس" بأن أوضاع مصر في ظل حكم الإخوان ستستمر فترة زمنية طويلة جدًا، ما خلق حالة من الشعور بالثقة والطمأنينة وصياغة الخطط والرؤى بناءً على هذا الوضع الطويل المفترض، وبالتالي فإن تغيير الأوضاع المصرية قد خلق حالة من الإرباك لدى الحركة وجعلها تفكر بمقترحات تساهم في قدرتها على معالجة تداعيات الأوضاع الجديدة.

في الوقت الذي أعلنت فيه "حماس" على لسان قياداتها وناطقيها الرسميين في العديد من المرات عن عدم تدخلها بالشأن المصري وبأن ما يحدث شأن خاص، إلا أن اعتبار ذاتها فرعًا من فروع الحركة وقيام وسائل إعلامها بإظهار مظاهر التأييد للرئيس السابق مرسي وانحيازها لفعاليات الحركة، وخاصة اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، وما تلاه من أحداث أدى إلى اعتبار الإعلام المصري بأن "حماس" متورطة في الأحداث المصرية في حملة تجاوزت استهداف حركة حماس فقط، لتشمل الفلسطينيين بصورة عامة، في محاولة لشيطنتهم واعتبارهم مادة الاضطراب والتوتر الرئيسية في الساحة المصرية.

لقد بدأت بعض التقديرات من بعض المثقفين والكتاب تستند إلى إمكانية محاكاة النموذج المصري في قطاع غزة، عن طريق استخدام ذات الأدوات والوسائل التي استخدمت في مصر، مثل حركة "تمرد" التي ينشط أعضاؤها على صفحات التواصل الاجتماعي، وقد حددوا يوم 11/11 من هذا العام لإسقاط حكم "حماس" في غزة، علمًا بأن كل من "تمرد" و"جبهة الإنقاذ" في مصر قد أدى نشاطهما إلى الحراك الشعبي الواسع الذي توج في 30 حزيران بإزاحة الرئيس السابق مرسي، واستبداله بحكومة انتقالية تقود البلاد إلى مسار جديد وفق خارطة المستقبل، وبدعم كبير من الجيش وقائده الفريق أول عبد الفتاح السيسي.

من الواضح أن هناك اختلافًا بين الحالة الفلسطينية التي يشهدها قطاع غزة وبين الأوضاع المصرية، حيث أن قطاع غزة المحاصر هو جزء من الأراضي الفلسطينية التي ما زالت تخضع للاحتلال، كما أن فلسطين لم تنجز مهام الاستقلال والتحرر الوطني بعد، وتعاني يوميًا من احتلال كولونيالي استيطاني اقتلاعي وعنصري، بينما مصر فهي دولة ذات سيادة منذ نشوء الحضارة الإنسانية، الأمر الذي يصبح به الصراع على الهوية وماهية الدولة مشروعًا في هذه الحالة، على أن يكون في الإطار الديمقراطي والسلمي، بينما في الحالة الفلسطينية فإن قانون حركات التحرر الوطني هو الذي ينطبق عليها والمبني على فكرة الوحدة الوطنية بوصفها شرطًا للاستمرار والانتصار.

يعمل الاحتلال على تعزيز الانقسام من أجل الاستفراد بمقومات القضية الوطنية، فالاستيطان مستمر على قدم وساق وبناء جدار الفصل العنصري مستمر أيضًا، والقدس تتعرض إلى خطة منهجية ومتسارعة من التهويد، ويقوم الاحتلال بإرساء دعائم لنظام فصل عنصري أبشع من النظام الذي كان مطبقًا في جنوب إفريقيا.

فالانقسام مصدر ضعف للفلسطينيين ومصدر قوة لدولة الاحتلال، حتى في مجال المفاوضات، فإن استمرار الانقسام يستخدم وسيلة ابتزاز ضد الرئيس محمود عباس، عندما يواجه بتصريحات إسرائيلية تتهمه بعدم تمثيل كل الفلسطينيين.

لقد أثبتت المجتمعات التي تمر بالمرحلة الانتقالية، مثل الحالتين المصرية والتونسية، أن لغة الإقصاء غير مجدية، بل تساهم في تعزيز الاحتقان والتوتر، ومن ثم  انقسام المجتمع، الأمر الذي يتطلب استخلاص النتائج والعبر على قاعدة ضمان دستور توافقي برؤية مدنية وديمقراطية، تستند إلى مبدأ المساواة وعدم التمييز، وعدم تغليف الدستور بغلاف أيديولوجي أو عقائدي محدد، فالدستور هو عبارة عن عقد اجتماعي يعكس مصالح المجتمع بكل تناقضاته، بما يعظم من المشترك الإنساني فيه، والقائم على المساواة بين المواطنين بغض النظر عن الدين، أو الجنس، أو اللغة، أو العرق، أو الأصل الاجتماعي، وبما يقلص إلى درجة كبيرة من درجات الاختلاف والفوارق؛ آخذًا بعين الاعتبار إنجازات البشرية المجسدة بالشرعية الدولية لحقوق الإنسان، التي جاءت بوصفها نتاجًا لصراعات وحروب داخلية وخارجية كبيرة؛ أدت إلى الوصول إلى مبادئ إنسانية مشتركة تستند إلى حقوق المواطنين، وتضمن إدارة اختلافاتهم بوسائل ديمقراطية بعيدة عن العنف أو الإقصاء.

في الوقت الذي أثبتت فيه المجتمعات التي تمر بالمرحلة الانتقالية أهمية التوافق بعيدًا عن الإقصاء؛ فإن هذا القانون له أهمية مميزة واستثنائية في المجتمعات التي تمر بمراحل التحرر الوطني، مثل الحالة الفلسطينية، التي تتطلب المشاركة والوحدة في مواجهة الاحتلال بوصفه العدو المشترك، كما تتطلب الاتفاق على عقد اجتماعي يرتكز على الرؤية السياسية والمجتمعية المشتركة، علمًا بأن الفلسطينيين قد توافقوا على الرؤية السياسية المجسدة بوثيقة "الوفاق الوطني"، التي ربما بحاجة إلى تحديث وتطوير، وكذلك فقد توافقوا على "القانون الأساسي" بوصفه "الدستور المؤقت" للسلطة الفلسطينية، الذي ترتكز مبادؤه على العديد من المحاور، على قيم المواطنة، وحقوق الإنسان، والديمقراطية، ومبدأ سيادة القانون.

 

أمام التحول العاصف في مصر، يمكن تلخيص الخيارات المحددة لقيادة "حماس في غزة" بالآتي:

1.    الاستمرار بالانحياز لحركة الإخوان المسلمين وإبراز ذلك عن طريق وسائل الإعلام التابعة للحركة، وكذلك عبر بعض المظاهر الأخرى، مثل الاستعراض العسكري الذي نظمته الحركة في رفح، في إشارة للجاهزية والاستعداد لدعم القوى الرافضة للحكومة الجديدة في مصر.

2.    إعادة تنظيم روابط العلاقة مع إيران بعد أن أدركت أهمية هذا المحور، إلا أن هذه العلاقة إذا ما نجحت الحركة بإعادة تنظيمها فإنها لن تكون وفق القوة التي كانت عليها في السابق، خاصة بعد خروج قيادة الحركة من دمشق والاستدارة تجاه المحور القطري التركي.

3.    إعادة ترتيب العلاقة مع الأطراف الفلسطينية عن طريق تقديم مبادرات ومقترحات تقود إلى إعادة دمج الحركة في مكونات النظام السياسي، ولكن على قاعدة تضمن تحقيق الشراكة لها، وإنهاء حصار قطاع غزة، وضمان حرية العمل السياسي لها في الضفة.

 

وإذا كان الخيار الأول يشكل انتحارًا سياسيًا للحركة في ظل آليات القمع والملاحقة التي يقوم بها النظام الجديد في مصر تجاه قادة وكوادر الحركة وتجاه المجموعات المتطرفة في سيناء، فإن خيار إعادة العلاقات مع إيران محفوف بحالة من عدم اليقين والضبابية، وعليه فإن الخيار الثالث هو الذي من الممكن أن يشكل شبكة الخلاص للحركة؛ وعلى أطراف العمل الوطني الفلسطيني توفير الآليات القادرة على تحقيقه في سياق القدرة على دمج الحركة في مكونات النظام السياسي على أرضية تحقق الرضى والشراكة والطمأنينة للجميع.

وإذا كان قطاع غزة يختلف في بنيته وسياقه عن الدولة المصرية، فإن هناك خصوصية تتميز بها "حماس"، وهي امتلاكها لورقة المقاومة التي تستطيع أن تستند إليها في الوقت المناسب، بما يساهم في تعزيز شعبيتها وإعادة تحقيق روابطها مع المجتمع المحلي، كما ستعزز من حملات التضامن الشعبي والدولي معها، التي ستسعى للوصول إلى قطاع غزة بوصفه عنوانًا للصمود والمقاومة؛ بحيث ستضعف في هذه الحالة أية أصوات معارضة قد تدعوا لسحب النموذج المصري على حالة قطاع غزة، كما تمتلك "حماس" أدوات القوة العسكرية بخلاف الحالة المصرية التي تدخل بها الجيش وانحاز للمتظاهرين الذين خرجوا بالملايين في 30 حزيران/يونيو، فأدوات القوة العسكرية في غزة ستنحاز بالضرورة لحكومة "حماس"، وبالتالي ستقاوم أية محاولات لإزاحتها عن الحكم.

من المهم الإشارة إلى أن حكم "حماس" في غزة كان قد سبق وصول مرسي وحركة الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم في مصر، في ظل سوء الأداء الذي قام به الرئيس السابق مرسي عبر محاولات أخونة الدولة، والسيطرة والاستحواذ، وإقصاء الآخرين، وخوض معركة ضد القضاء ووسائل الإعلام، وصياغة الدستور وفق رؤية أيديولجية معينة لا تعكس التوافق المجتمعي الضروري، وغياب آليات ومنهجية الشراكة والرغبة بإدارة الحكم بصورة منفردة، لدرجة أدت إلى استياء الجميع ونفور حتى أقرب حلفاء الحركة، حيث تم إعادة تكرار لمظاهر السيطرة والاحتكار الاقتصادي والعمل على تنفيذ سياسات الإحلال والاستبدال، بما يشمل استبدال شريحة رجال الأعمال قبل ثورة 25 يناير بشريحة رجال أعمال جدد، إضافة إلى استنساخ النموذج الاقتصادي السابق الذي كان سائدًا، والمبني على آليات السوق وتعظيم القطاع الخاص على حساب الدولة وأسس الحماية الاجتماعية، وعدم اتخاذ سياسات تخفف من حدة الفقر والبطالة وتراعي مصالح الفقراء والمهمشين وتسير باتجاه العدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى بروز ملامح لرؤية سياسية طائفية تعزز الخلافات في بنية المجتمع بدلًا من الحفاظ على تماسكه ووحدة نسيجه الداخلي؛ في ظل كل ذلك كان طبيعيًا تكتل واصطفاف قطاعات سياسية واجتماعية واسعة لمواجهة حركة الإخوان المسلمين والسعي باتجاه إسقاط حكمها.

من المفيد قيام "حماس" باستخلاص العبر من التجربة المصرية ومن التجربة المحلية الفلسطينية، خاصة أن إدارة الحكم في غزة تعتريها العديد من الملاحظات والتحفظات والانتقادات من قبل قطاعات اجتماعية مختلفة، سواءً فيما يتعلق بالأداء الاقتصادي أو بالشق الخاص بالحريات العامة؛ الأمر الذي يؤكد أهمية استخلاص العبر من التجربة المحلية أيضًا، وقد برز ذلك الاستخلاص من خلال الإشارات التي قدمتها الحركة مؤخرًا، وخاصة على لسان هنية، إذ إنها تعكس رغبة الحركة بالانفتاح على المجتمع وفي الشراكة السياسية، حيث تمت الإشارة إلى الاستعداد لإجراء الانتخابات للبلديات ومجالس الطلبة والاتحادات النقابية، إلى جانب إعادة افتتاح الجمعيات الأهلية المغلقة، وتوسيع مساحة الحريات العامة، وخاصة الرأي والتعبير والنشر والتجمع السلمي، إلى جانب الاستعداد لإشراك القوى السياسية في إدارة شؤون السلطة، التي أسماها هنية "هيئة وطنية" لإدارة شؤون قطاع غزة، وذلك كخطوة على طريق المصالحة، بالتوازي مع أهمية إجراء حوار وطني يقود إلى إعادة بناء منظمة التحرير على قاعدة سياسية متوافق عليها، تضمن إشراك الجميع في بنيتها وتركيبتها ومؤسساتها.

تعددت ردود الفعل تجاه تلك المقترحات، حيث قوبلت المبادرة بالترحيب تجاه مسألة إجراء الانتخابات وتوسيع مساحة الحريات العامة، كما برز من تصريحات عن كل من ممثلي الجبهة الشعبية والديمقراطية والجهاد الإسلامي، وكذلك الاستعداد للانخراط في حوار وطني يؤدي إلى إعادة بناء وتطوير منظمة التحرير على أرضية تضمن الشراكة السياسية الكاملة للجميع، مع استمرار التحفظ على المشاركة في "هيئة إدارة شؤون قطاع غزة"، خاصة في ظل الانقسام، حيث إن المشاركة في إدارة شؤون السلطة، سواءً في غزة أو الضفة سيفسر على أنه تشريع لحالة الانقسام والعمل على استدامتها ومأسستها وإدارتها بدلًا من إنهائها على قاعدة حكومة وفاق وطني واحدة وموحدة.

أعتقد أنه من المهم ربط أي مقترحات بالمسار الوطني، فالمسألة المركزية لا تكمن في الشراكة في إدارة الحكم في غزة، بل ماذا بعد ذلك؟ وكيف يمكن إعادة اللحمة بين الضفة والقطاع لمواجهة سياسة التقسيم والتجزئة التي يمارسها الاحتلال؟ وما هي وضعية السلطة؟ وكيف يمكن إعادة تعريفها لتصبح أداة من أدوات المنظمة بعد أن تضخمت وتجاوزت حجم وقوة المنظمة، وبعد أن فشل الرهان على تحويل السلطة إلى دولة مستقلة، حيث ورغم وجود هذا الاستحقاق في 4/5/1999 فما زالت تعيش تفاصيل المرحلة الانتقالية التي أصبحت طويلة ومستدامة، وتحاول إسرائيل تحويلها إلى مرحلة نهائية بعد أن رسمت على الأرض تفاصيل رؤيتها للحل النهائي المبنية على نظام التمييز العنصري؟

أما أبرز الردود السلبية على مقترحات هنية، فجاءت على لسان قيادات من "فتح"، حيث اعتبرت تلك التصريحات تعبير عن أزمة، وهي "مناورة" ليس إلا، وأن الأساس يكمن في إجراء الانتخابات، وقد برزت بعض الإشارات تلوّح بإعلان قطاع غزة" إقليمًا متمردًا" بوصفها أوراق ضغط على قيادة "حماس" من أجل القبول بالمشاركة في الانتخابات، التي يعلم الجميع أنها ليست وصفة للحل، بل ربما تكون أداة للتمزيق والتجزئة مرة أخرى. فلا بد من التوافق على أساس المشروع الوطني، بما يشمل المنظمة والسلطة، وكذلك الدولة ذات العضوية المؤقتة في الأمم المتحدة، التي يجب البناء على هذا الاعتراف عبر العضوية في المنظمات الدولية، ومنها محكمة الجنايات الدولية، وبما يشمل تفعيل طاقات المجتمع والشعب الفلسطيني، واتباع أشكال خلاقة من المقاومة المثمرة، بأبعادها الشعبية، والسياسية، والقانونية، وغيرها.

يعلم الجميع بأن الانتخابات في ظل غياب الحريات وتحجيم "حماس" في الضفة و"فتح" في القطاع، وفي ظل عدم الاتفاق على رؤية سياسية موحدة؛ لن تقود بالضرورة إلى وحدة النظام السياسي الفلسطيني، وقد أثبتت تجربة انتخابات 2006 ذلك، حيث كانت الانتخابات أداة للتفتيت والتجزئة ولم تكن وسيلة للوحدة، علمًا بأن الاحتلال شكل عاملًا رئيسًا وراء إفشال نتائج الانتخابات عبر اعتقاله لعشرات النواب، وقد أظهر الخلاف القانوني بين صلاحيات كل من الرئيس ورئيس الوزراء مدى عمق الخلاف السياسي، خاصة بعد شروط الرباعية الظالمة التي وضعتها للاعتراف بأي حكومة فلسطينية، بما ترتب عليه من سياسة احتلالية ومدعومة دوليًا عززت من الحصار المفروض على قطاع غزة.

 

السؤال هنا: كيف يمكن التعامل مع تلك المقترحات، وما هو مصير قطاع غزة بالكامل، وليس "حماس" فقط، نتيجة لتداعيات الأحداث المصرية؟

-       أعتقد أنه من المهم البناء على ما هو إيجابي من تلك المقترحات، وبالرغم من الإدراك بأن هناك أزمة تعيشها "حماس" بسبب الأحداث المصرية، فإن الأزمة ستنعكس على الجميع إذا لم يتم توفير مناخات تقود إلى إعادة اندماج "حماس" في بنية النظام السياسي الفلسطيني، فإن ترك "حماس" بالأزمة يعنى الاستمرار في تبني سياسة الإقصاء والعزل، وبما يترتب عليه من الانجرار للمربعات القديمة التي قادت إلى التوتر ومن ثم الاقتتال، حيث إن إعادة استنساخ السياسة القديمة بالتعامل مع الحركة سيكون له تداعيات سلبية على وحدة النسيج الاجتماعي، وستدخل المجتمع في أتون نزاع عنيف لا تحمد عقباه.

-       إن الموقف الوطني العقلاني يجب أن ينطلق من الترحيب ببعض المقترحات المقبولة (منظمة التحرير، انتخابات البلديات، الحريات)، والبناء عليها وتطويرها، عبر توفير "شبكة أمان" لـ"حماس" جرّاء تداعيات التفاعلات الحادة التي يشهدها الإقليم، حيث سيساهم ذلك ليس في تجنب العودة إلى مربعات العنف والتوتر على المستوى الداخلي فقط، بل سيؤدي أيضًا إلى إنقاذ قطاع غزة وتجنب زجه بالملعب المصري، بما يشمل وقف حدة الانجراف على حدوده الجنوبية، وبما قد يترتب عليه من موضعته كدائرة من دوائر الصراع الدموي الذي يدور في سيناء، أو أن يبحث عن خياراته الفردية، وبإعادة تواصله مع الضفة الغربية بوصفهما وحدة سياسية وجغرافية وقانونية واحدة، وأراضي للدولة الفلسطينية المستقلة.

إن العمل على دمج "حماس" في بنية النظام السياسي تعني الخطوة الأولى المهمة،  باتجاه وقف حالة التدهور، وستعيد تصويب البوصلة في مواجهة الاحتلال على قاعدة تضمن توحيد إدارة الكفاح الوطني المجسدة بمنظمة التحرير، وستوفر مناخات تساعد على إطلاق أشكال النضال المختلفة في مواجهة الاحتلال، سواءً عبر المقاومة الشعبية أو الديبلوماسية أو الحقوقية، أو عبر حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على دولة الاحتلال "BDS"، أو غيرها من الأشكال التي ستعمل على تعديل توازنات القوي لصالح شعبنا وعدم الإبقاء على الاحتلال بحالة من الراحة، بحيث بات يوصف بأنه احتلال خمسة نجوم.

-       من المهم مطالبة "حماس" بوضع الاقتراح الخاص بـ"الهيئة الوطنية" المشتركة لإدارة قطاع غزة في سياق رؤية وطنية شاملة، تقود إلى تحقيق المصالحة وإعادة بناء المؤسسة الوطنية الفلسطينية الواحدة، الأمر الذي يتطلب العمل من جديد باتجاه تشكيل الهيئة، وليس عبر استدعاء البعض للشراكة في ظل استمرارية السيطرة والنفوذ للحزب الأكبر الذي يتحكم بمفاصل السلطة في غزة، حيث إن هناك فرقًا ما بين دعوة الفصائل للمشاركة، وبين العمل على تأسيس "هيئة وطنية" جديدة يشارك فيبها الجميع، التي ربما ستعمل على تجنيب القطاع أي تداعيات سلبية جراء التحوّلات الإقليمية الحادة.

-       من الضروري ربط الهيئة أيضًا بالمسار الوطني، بمعنى أن تتم بالتوازي مع تأسيس قيادة وطنية موحدة كجزء من منظمة التحرير، بحيث تكون بمثابة المرجعية العليا لكل الهيئات والمؤسسات، ومن بينها "الهيئة الوطنية" في قطاع غزة، وكذلك حكومة الضفة الغربية، وذلك كمرحلة انتقالية يتم بعدها تشكيل حكومة وفاق وطني موحدة تمثل الضفة الغربية وقطاع غزة، على أن يتم تشكيلها بالتوافق، أو بالانتخابات إذا توفرت شروط ومناخات تقود إلى إجرائها على قاعدة اعتبارها أداة للبناء ولاستكمال مهمات التحرر الوطني.

-       إن مواجهة سياسة التفتيت والتجزئة تتطلب بذل الجهد الضروري لإعادة بناء الأداة المعبرة عن الهوية الوطنية الفلسطينية المجسدة بالمنظمة عبر دمج كل مكونات شعبنا بها بوصفها جبهة وطنية موحدة، وبما يشمل أهمية دمج كل من الشتات ومناطق 48 إلى جانب أبناء الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، حيث تفترض مرحلة التحرر الوطني العمل على توحيد كافة الطاقات على قاعدة تعزيز مقومات الهوية الوطنية الواحدة، التي تتعرض عبر إجراءات الاحتلال إلى سياسات من التجزئة والتفتيت والتقسيم، كما تفترض استخدام وسائل النضال المناسبة لكل منطقة المحددة، وذلك من أجل إعادة صياغة المشروع الوطني على قاعدة تعمل على إعادة ترتيب المرحلة، بوصفها مرحلة تحرر وطني وديمقراطي، تفترض إحدى مقوماتها تفعيل الاتحادات الشعبية والنقابات المهنية في إطار الترابط الجدلي بين الاجتماعي والحقوقي والوطني.

-        لقد بات من الضروري تعزيز آليات المشاركة وتجاوز آليات العزل والإقصاء، وتبدأ المسألة، بتقديري، بالبحث عن السؤال الرئيس المجسد بكيفية إعادة بناء المشروع الوطني وأداته الوطنية الجامعة على قاعدة تضمن مشاركة الجميع فيها، ما يتطلب التعامل بإيجابية مع أي مقترحات تقود إلى تحقيق هذا الهدف.

-        لا يوجد منتصر بين الفاعليات السياسية إذا ما استمر الاحتلال، فالجميع سيكون خاسرًا في هذه الحالة، حتى لو سيطر على السلطة، علمًا بأن سيطرة حزب ما يعمل على نفي الآخر سيكون مستندًا إلى أدوات العنف والتدمير والاقتتال، الأمر الذي سيربح الاحتلال ويفرحه كثيرًا، وسيظهر المجتمع الفلسطيني بأنه غير مؤهل لإدارة شؤون حكمه، ولكن الجميع سيكون منتصرًا حتى لو طالت عملية التحرر ونيل الاستقلال، خاصة إذا بنيت العلاقات على قاعدة الشراكة السياسية وتقبل الآخر، عبر الاستثمار الخلاق والنوعي والديمقراطي للتنوع الذي يساهم بإثراء وتقوية النضال الفلسطيني.

إن عدم مد اليد لـ"حماس" والسعي باتجاه إسقاط حكمها في غزة، سيعزز من التيار المتشدد لديها ولدى حركات الإسلام السياسي قاطبةً، حيث بدا البعض منهم يتحدث عن فساد الديمقراطية وبأنها وسيلة سيئة، فقد جربت في الجزائر وفلسطين ومصر ولم يسمح لحركات الإسلام السياسي بالحكم، الأمر الذي سيستخلصوا من خلاله أهمية العودة إلى آليات العمل العنيف والتكفيري البعيد عن لغة التخاطب والحوار، بما يشمل الابتعاد عن صندوق الاقتراع، واتباع أدوات القوة العنيفة والمجردة للوصول إلى السلطة. 

 

-       واضح أن حركة "النهضة" في تونس قد استخلصت العبر أيضًا من تجربة مصر، من خلال موافقتها على اقتراح الاتحاد العام للشغل القاضي بتشكيل حكومة توافقية انتقالية، ورسم مسار سياسي جديد يقود إلى تعزيز الشراكة والتعددية، وهذا يظهر بأن هناك قواسم مشتركة ما بين استخلاصات كل من "حماس" و"النهضة" باتجاه تجنب سياسة الإقصاء والرغبة في المشاركة والانفتاح على الآخرين، الأمر الذي ينبغي تشجيعه والبناء عليه وتطويره، علمًا بأن حركات الإسلام السياسي لا يجب التعامل معها بوصفها حالات أمنية، أي عبر القمع والملاحقة، حيث إنها حركات سياسية لديها عمق اجتماعي واسع بين أوساط المجتمع، ما يتطلب التعامل معها عبر آليات الشراكة وفق عقد اجتماعي وليس بآليات العزل والتهميش.

إن تعزيز التيار العقلاني في حركات الإسلام السياسي، ومنها "حماس"، يتطلب تسهيل عملية دمجها في بنية النظام السياسي وفق رؤية قائمة على الشراكة والديمقراطية، خاصة إذا أدركنا أن "حماس" تتميز عن غيرها من حركات الإسلام السياسي بأنها اتبعت نهج المقاومة، الأمر الذي عزز من قبولها بين أوساط المجتمع، كما أن ذلك يسهل من عملية اندماجها في مبنى النظام والحركة الوطنية، خاصةً إذا أدركنا أن هناك وثائق قد تم إنجازها وقد وقعت عليها كافة القوى والفعاليات السياسية، وهي تشكل قاعدة سياسية واجتماعية للمشاركة والعمل الموحد.

 

مشاركة: