الرئيسية » فيحاء عبد الهادي »   12 تشرين الثاني 2013

| | |
إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير: نحو أوسع حوار مجتمعي
فيحاء عبد الهادي
 

أثار نقاش وثيقة "إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية"، في عمان/ الأردن، في 3 تشرين الثاني 2013؛ تساؤلات عديدة، حول جدوى إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، في ظل وجود فعلي لسلطة وطنية فلسطينية، ساهمت في تهميش دور المنظمة، وإبقائها أداة تستخدم بشكل موسمي، وحين الضرورة؟!
كما طرحت تساؤلات حول الفارق الجدي بين ضرورة تفعيل المنظمة، أو إحياء مؤسساتها، وبين إعادة بناء مؤسساتها؟! وجرى تشكيك بإمكانية إعادة البناء، وخصوصاً، إذا تمّ على يد من ساهموا في ترهل وضعف وشلل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية؟!
وجرى تساؤل حول الميثاق الوطني الفلسطيني، وإذا ما كان يلبي احتياجات العمل الوطني الفلسطيني! وحول جدوى التركيز المستمر على إجراء الانتخابات، كوسيلة ديمقراطية وحيدة.
وبرز تساؤل كبير حول دور الشباب، في التغيير وإعادة البناء، بعد ملاحظة غياب العلاقة بينهم/ن وبين أطر ومؤسسات المنظمة، التي لا يحسون بانتماء إليها، بأية صورة من الصور.
* * * * *
تفصل الوثيقة بين المنظمة ككيان جامع وموحِّد، اكتسب اعترافاً عربياً ودولياً، لا يجدر التفريط به، وبين إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، التي تمَّ تهميشها، وأصابها الترهل والتكلس. 
ثم تبيِّن الوثيقة أن عملية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، بصفتها الكيان الجامع، والموحِّد، تستدعي: "الإسراع في بناء إطار تنظيمي جامع، يستند إلى عمليات دمقرطة مكوِّنات الحركة الوطنية السياسية (الأحزاب)، والقطاعية (اتحادات ونقابات)، وموقعية (لجان شعبية ومجالس بلدية وبلديات)؛ وينبغي أن يترافق ذلك مع صوغ وثيقة مرجعية، تحظى بأوسع درجة من الإجماع الوطني والشعبي، ليتمّ إقرارها من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني، المشكَّل ديمقراطياً، وعبر آليات أخرى، حين يتعذَّر إجراء الانتخابات".
وتؤكِّد الوثيقة مدى احتياج الحركة الوطنية، باعتبارها حركة تحرر وطني؛ إلى "استراتيجيات مواجهة ونضال، تشترك فيه أوسع الفئات الاجتماعية، وإلى توسيع دور الثقافة كونها الأقدر على الحفاظ على الرواية الفلسطينية التاريخية وتغذيتها من مختلف حقول الثقافة الشعبية والعالمية".
وحتى يمكن إنهاء الانقسام، وتستعاد الوحدة الوطنية؛ تبيِّن الوثيقة، أهمية إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني، من حيث كونه مشروعاً تحررياً، يهدف إلى إنهاء الاحتلال، ويتضمن حق العودة، وتقرير المصير، بالإضافة إلى الدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني، في فلسطين وفي الشتات. 
* * * * *
أوضح منظِّمو اللقاء - "مركز أبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية/ مسارات"، الذي يناقش وثيقة "إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينيّة" -؛ طريقة إعداد الوثيقة، وبيَّنوا أن صياغتها تمَّت نتاج توافق سياسي، بعد عدة اجتماعات عقدتها "مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة"، التي هي إطار وطني تعددي، شاركت به مجموعة من مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي، وأنها تشكلت بعد ثلاث ورش عمل بمشاركة ممثلين عن الفصائل الفلسطينية، ومستقلين/ات، من داخل الأراضي المحتلة ومن الشتات. 
أما طريقة صياغتها، فقد استندت إلى مجموعة من الأوراق المرجعية، التي كتبها عدد من الباحثين/ات، ونوقشت في جلسات متتالية، في عدد من العواصم العربية، بين العامين 2010 و2013. 
* * * * *
تدلِّل طريقة صياغة الوثيقة، وأسلوب العمل الذي أنتجها، وطوَّرها، عبر طرحها للنقاش، في مدن فلسطينية متعددة، داخل فلسطين، وفي الشتات؛ على فكر ديمقراطي، يؤمن بالتعددية، ويعتمد الحوار سبيلاً لحل الخلافات، ويؤمن بمبدأ المشاركة. 
وأعتقد أن نقطة قوة الوثيقة تتركَّز في تطوّر المفهوم الذي بدأت به "مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة"، فقد بدأت بالحديث عن أهمية المصالحة الفلسطينية، ثم ركَّزت على إنهاء الانقسام، وانطلقت بعد ذلك للحديث عن أهمية إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية.
أما التحدي الكبير الذي لا يمكن إعادة البناء سوى بتحقيقه، كما أرى، فهو إيجاد الأدوات القادرة على إعادة البناء، والتركيز على جوهر العمل الديمقراطي، الذي يؤمِّن توزيعاً عادلاً للسلطة والفرص والخدمات، ويتضمَّن حرية التعبير، وحرية وسائل الإعلام، وحرية التجمع والتنظيم، بالإضافة إلى حقوق الأفراد.
* * * * *
لاحظ الباحث "صقر أبو فخر"، بعد مشاركته في الندوة التي ناقشت الوثيقة، من تنظيم مركز "مسارات"، مع مركز "عائدون"، في لبنان؛ غياب الشباب الفلسطيني عن الحضور، واقتصار المشاركة، على ممثلي الفصائل وممثلي الجمعيات الأهلية العاملة في الوسط الفلسطيني، متسائلاً عن سبب غياب الصوت الثالث المستقل، الذي يحمل موقفاً مغايراً لمواقف التنظيمات الفلسطينية؟! 
ورغم مشاركة مجموعات من الشباب، ضمن الندوات التي ينظِّمها "مسارات"، في العديد من المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، في الوطن وفي الشتات، ورغم توجّه المركز إلى فئة الشباب وإشراكها في برامج بحثية، لدراسة الوضع الفلسطيني، ومعرفة رأي الشباب فيه، والبناء عليه؛ تبقى هناك ثغرة يجب الالتفات إليها بوعي وبعناية، (ليس من قبل المراكز البحثية فحسب؛ بل من قبل السياسيين، وصانعي السياسات) حول ضرورة إشراك الشباب، ليس لمناقشة الأوضاع السياسية الفلسطينية فحسب؛ بل للاستماع الواعي إلى الأسباب التي تمنعهم من المشاركة، ثم لتحديد مسؤولية القوى الفلسطينية المختلفة، في تهميشهم، وبالتالي غيابهم، والبحث في الوسائل التي تضمن المشاركة؛ إذا اردنا أن نبني مؤسسات المنظمة حقاً، لا أن نصلح ما لا يمكن إصلاحه، أو نرمِّم ما يجب تغييره، ونصنع مستقبلاً أفضل لفلسطين، وللفلسطينيين، أينما وجدوا.
* * * * *
أعتقد أن نقاش الوثيقة، عبر وسائل الإعلام، المقروءة والمسموعة، يمكن أن يوسِّع دائرة المشاركة، ويعمِّق الحوار، من خلال إشراك المزيد من قطاعات الشعب الفلسطيني، في تشخيص الأزمة التي يمر بها العمل السياسي الفلسطيني، وسبل الخروج منها.

مشاركة: