خلال حلقة نقاش نظمها "مسارات" في مقرّه بمدينة البيرة
الدعوة إلى توسيع المقاطعة كأحد أسس إستراتيجية النضال الوطني
البيرة: ثمّنت شخصيات سياسية وشبابية وناشطة ما تقوم به حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) من نضال وطني على طريق إنهاء الاحتلال، وما حققته من إنجازات طوال السنوات الثماني من العمل الدؤوب. وأشاروا إلى أهمية تفعيل وتوسيع حركة المقاطعة داخل الأراضي الفلسطينيية، خصوصًا الضفة الغربية وقطاع غزة، لا سيما وأن حركة المقاطعة في الخارج لها نتائج ملموسة وصدى واسع، حيث استطاعت اختراق مؤسسات أكاديمية واقتصادية في أميركا وألمانيا وهولندا والنرويج وغيرها من دول أوروبا من أجل المساهمة في مقاطعة إسرائيل.
وطالبوا بضرورة لعب حركة مقاطعة إسرائيل دورًا أكبر من خلال تطوير دور الحركات السياسية والأطر الجماهيرية كالاتحادات والنقابات في إطار المقاطعة، لما لها من قواعد شعبية، ولما لها من تأثير على السياسات أكثر من الحركات والمؤسسات المدنية والحقوقية، وضرورة أن تلعب دورًا إيجابيًا في هذا المجال، ودعوا إلى العمل على توسيع حدودها، لتشمل المقاطعة الأكاديمية والاقتصادية والثقافية، وصولًا إلى السياسية، وعزلة إسرائيل عن محيطها الإقليمي والدولي، في نفس الوقت الذي طالبوا فيه بضرورة عدم مركزيتها لكن مع وجود تنسيق مع الحركة ولجانها ومع بقية الأطر الفاعلة والمساندة لها.
جاء ذلك خلال حلقة نقاش نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدّراسات الإستراتيجيّة (مسارات) في مقره بمدينة البيرة، لورقة أعدّها الناشط الحقوقي عمر البرغوثي، العضو المؤسس في حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS)، بعنوان "حركة مقاطعة إسرائيل (BDS): عنصر ضروري في إستراتيجية النضال الفلسطيني المطلوبة من أجل حقوقنا الشاملة"؛ وذلك بحضور عشرات السياسيين والنشطاء الشباب.
وأدار اللقاء هاني المصري، مدير عام مركز مسارات، الذي أشاد بإنجازات حركة المقاطعة، وأهمية توسيع دورها على المستويات المحلية والعربية والدولية، وكيفية توظيفها في المعركة ضد الاحتلال وفي سياق التحرر الوطني. وبين أن هناك تباينا في الآراء واعتراضات على بعض معايير المقاطعة، مع أنها حق شرعي للشعب الفلسطيني ضمن مقاومته للاحتلال الذي يكفله القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وهي بحاجة إلى زخم سياسي وشعبي وعلى كل المستويات والصعد. وأضاف: إن حلقة النقاش هذه تأتي في سياق التحضير للمؤتمر السنوي الثالث لمركز مسارات، الذي سيتمحور حول "إستراتيجيات المقاومة"، وسيعقد في مستهل نيسان المقبل.
بدوره، بين البرغوثي أن دور حركة مقاطعة إسرائيل هو القيام بشكل من أشكال المقاومة الشعبية، والعمل على إيجاد تضامن دولي أكبر مع القضية الفلسطينية، بالاستناد إلى القانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان، مع ضرورة الحفاظ على الحقوق والأهداف الفلسطينية للشعب الفلسطيني في مختلف أماكن تواجده. وأكد على أهمية تفاعل الحركات السياسية والأطر الجماهيرية مع حركة المقاطعة بصورة أكبر، منوها إلى تعاظم دور الحركة في السنوات الثلاث الأخيرة، وتزايد التضامن معها ومع نشاطاتها في دول أوروبا، وتزايد خشية الحكومة الإسرائيلية منها، لا سيما وأنها قد تواجه عزلة دولية غير مسبوقة تذكّر بعزلة نظام الأبارتهايد في جنوب أفريقيا؛ لذلك أقرت الحكومة الإسرائيلية اجتماعًا خاصًا لبحث تداعيات المقاطعة على أمن إسرائيل واقتصادها ومستقبلها، ودورها الإقليمي والدولي.
وفي عرضه للورقة، أشار البرغوثي إلى أن حركة المقاطعة BDS قطعت أشواطًا كبيرة خلال السنوات القليلة الماضية على صعيد الوصول إلى التيار العام (mainstream) في المجتمع الغربي، وليس فقط في مجتمعات الجنوب الأكثر تأييدًا لحقوق الشعب الفلسطيني. ووقال: من خلال خطابها القائم على حقوق شعبنا بأجزائه، تفضح الحركة بشكل فعال ازدواجية المعايير والمعاملة الاستثنائية التي ما فتئت الولايات المتحدة ومعظم الدول الغربية تتبعها، بدرجات متفاوتة، في تعاملها مع إسرائيل منذ إقامتها من خلال حملة الطرد والتشريد القسري التي خُططت بعناية ونُفذت بطريقة منهجية ضد الغالبية العظمى من الشعب الفلسطيني إبان النكبة في عام 1948.
وأوضح البرغوثي الذي نوه إلى أن ورقته تعبر عن موقفه الشخصي، أنه منذ توقيع اتفاقية أوسلو، عملت إسرائيل على اختراقات إستراتيجية كادت تجهض الصراع العربي - الصهيوني، أهمها: عزل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي؛ وتحويل جزء من الطبقة السياسية الفلسطينية (من مختلف الفصائل ومن المستقلين) إلى "شريك" متواطئ؛ وتقزيم قضية فلسطين إلى مجرد قضية احتلال 1967؛ وسلخ فلسطينيي 48 عن بقية الشعب الفلسطيني والتهميش المتصاعد لفلسطينيي الشتات في الأطر "القيادية" والتمثيلية للشعب؛ وإضعاف كل أشكال التضامن الفعال مع حقوق الشعب الفلسطيني تحت شعار: "لا تكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم!".
وأضاف: تم تبنّي نداء المقاطعة من قبل جميع القوى السياسية الرئيسية والهيئات الشعبية التي تناضل من أجل حق اللاجئين في العودة وجميع النقابات العمالية، بالإضافة إلى الاتحادات الشعبية، وخصوصًا اتحاد المرأة واتحاد الكتاب واتحاد الفلاحين والهيئات الثقافية والأكاديمية والشبابية وشبكات المنظمات الأهلية وغيرها؛ الأمر الذي أكسَب حركة المقاطعة زخمًا وشرعية في العالم، مما ضاعف فرص انتشار التأييد للمقاطعة بين شعوب العالم وقواها الحية.
وقال البرغوثي إنه يتوجب على الإستراتيجية الفلسطينية إعادة الاعتبار لوحدة الشعب الفلسطيني، في كل تجمعاته، وضرورة تمثيله في الأطر التي تدعي تمثيل الشعب؛ وأن تؤكد على حقوقه غير القابلة للتصرف؛ وأن تعيد اللّحمة مع العمق العربي وتفعيل دور الشعوب العربية في التصدي لإسرائيل ومخططاتها واحتلالاتها وعدوانها المتكرر؛ وأن تصعد المشاركة الشعبية الواسعة في المقاومة وتطوير حركة مقاطعة إسرائيل ومؤسساتها والشركات المتواطئة في جرائمها، محليا وعربيا ودوليًا، بما يكفل كسب غالبية الرأي العام العالمي، وكسر التواطؤ الفلسطيني والعربي والدولي في انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني.
وأشار إلى: وجود تحديين رئسيين يواجهان حركة المقاطعة عربيًا: الأول يتمثل في تواطؤ بعض الأنظمة العربية مع إسرائيل في إدامة استعمارها واضطهادها لشعبنا، فيما يكمن التحدي الثاني في كيفية تحويل الدعم والتضامن العربي الشعبي غير المحدودين لقضية فلسطين ولحقوق شعبنا إلى حملات مناصرة وتأثير فعالة ومستدامة قادرة على تحقيق انتصارات ضد الشركات والمؤسسات".
وبين أن المطلوب شعبيًا في الوطن العربي هو الضغط على الحكومات لقطع علاقاتها العلنية والسرية لا مع دولة إسرائيل وحسب، بل كذلك مع الشركات والمؤسسات والجامعات الإسرائيلية والأجنبية التي تسهم مباشرة في الاحتلال والتشريد وتهويد القدس وبناء المستعمرات وقتل الأطفال والنساء وحملات الاعتقالات واقتلاع الأشجار وهدم المنازل، إلخ.
وساق البرغوثي أمثلة ناجحة على مقاطعة شركات عالمية شاركت في مشاريع مساهمة في الاحتلال الإسرائيلي، وتكبدت هذه الشركات خسائر تتعلق بعقود بالمليارات، مثل إلغاء الحكومة السعودية للعقد الثاني لشركة "ألستوم" لبناء مشروع "قطار الحرمين"، مما أدى لخسارة الشركة عقد بقيمة 9.4 مليار دولار، وانسحاب شركة "فيوليا" الفرنسية من مناقصات عالمية، الأمر الذي يعطي مزيدًا من الأمل في نجاح إستراتيجية مقاطعة إسرائيل وتكتيكاتها.
وفي سياق المقاطعة الأكاديمية، ساق البرغوثي بعضًا من الأمثلة، مثل مقاطعة ستيفن هوكينغ، أبرز عالم فيزياء في التاريخ المعاصر، مؤتمرًا إسرائيليًا. كما أقرت نقابة المعلمين في إيرلندة المقاطعة الأكاديمية بالإجماع، الشيء الذي أقرته كذلك جمعية الدراسات الآسيوية الأميركية، وجمعية الدراسات الأميركية.
ونوه البرغوثي إلى أن نداء المقاطعة يقوم على الحقوق الأساسية الخاصة ممثلة بإنهاء الاحتلال لأراضي 67، والاعتراف بالحق الأساسي بالمساواة الكاملة لفلسطينيي 48، واحترام وحماية ودعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم؛ وإلى أن نداء المقاطعة يتجنب تبني أي صيغة سياسية معينة، وإنما يُصِرّ على ضرورة أن يشتمل أي حل عادل وقانوني على الحقوق الأساسية الثلاثة.
وتناول علاقة المقاطعة بالتطبيع، خصوصًا إلى التعريف المقر للتطبيع، مبينًا ضرورة التمييز ما بين المبادئ والتنازل عن الحقوق الفلسطينية التي لا مجال لتغييرها وبين التكتيكات والمجالات المختلفة التي يمكن التحرك فيها بشكل يتناسب مع كل ظرف، بحيث تأخذ كل جهة أو دولة ما يمكن أن تقوم به من مقاطعة الاستيطان والاحتلال، وصولًا إلى مقاطعة إسرائيل التي تجسد الاحتلال والاستيطان.
وبين البرغوثي وجهة نطر حركة المقاطعة من الزيارات والعلاج والتعليم، فأوضح أن الزيارة حتى لا تعتبر تطبيعًا ينبغي أن تتم عبر تصريح زيارة من السلطة الفلسطينية، وليس من خلال فيزا من السفارات الإسرائيلية في الخارج، كما لم يمانع العلاج في المستشفيات الإسرائيلية للحالات الخاصة، وأبدى مرونة كذلك فيما يتعلق بالحالات الإنسانية، والدراسة في الجامعات، وتنسيق البلديات في مجالات البنى التحتية والوقائية، كون فلسطين خاضعة للاحتلال حتى هذا الوقت.
وفي الختام، أكد الحضور على أهمية عقد جلسة خاصة لمناقشة كيفية التأثير في الرأي العام الإسرائيلي، وما هي الضوابط التي تحكم هذه العملية من دون فقدانها القدرة على الفعل والتأثير؟