الرئيسية » هاني المصري »   13 آذار 2014

| | |
العد العكسي لجهود كيري
هاني المصري
 
 
 
مع اقتراب موعد الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى في نهاية الشهر الجاري، ومع اقتراب نهاية فترة الأشهر التسعة المتفق أن يتم فيها التوصل إلى اتفاق في نهاية إبريل/ نيسان المقبل، بدأ العد العكسي لجهود كيري، وبدأ الرئيس الأمريكي باراك أوباما التدخل من خلال لقائه نتنياهو في الثالث من مارس/ آذار الحالي، ولقائه المرتقب مع الرئيس أبو مازن في السابع عشر من مارس .

نتائج لقاء أوباما مع نتنياهو لا تبشر بالخير بالنسبة إلى الفلسطينيين، لأن رئيس الحكومة كرر في خطابه أمام مؤتمر "الأيباك" الموقف نفسه الذي يصر على الاعتراف ب"إسرائيل" كدولة "يهوديّة"، والتمسك بالقدس عاصمة موحدة ل"إسرائيل"، وتنازل الفلسطينيين عن حق العودة، واستمرار السيطرة "الإسرائيليّة" على الحدود والمعابر، واستمرار الاستيطان، وأن يتضمن أي اتفاق نهائي إنهاء الصراع والكف عن المطالب .

حتى كتابة هذه السطور، أعلن أبو مازن أن الجانب الفلسطيني لم يستلم "خطة كيري"، وأن كل ما حدث حتى الآن ليس أكثر من تبادل أفكار، وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات إن الأفكار الأمريكيّة يغلب عليها كونها "بالونات اختبار"، تهدف إلى جس النبض وقياس ردود الأفعال .

الأمر الأهم الذي يستحق النقاش هو: هل هناك إمكانيّة للتوصل إلى اتفاق، وما نوع هذا الاتفاق: "معاهدة سلام"، أم "اتفاق إطار"، أم "إطار" لاستئناف المفاوضات، وإيجاد مرجعيّة جديدة سقفها أقل بكثير من سقف القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، وأقل من سقف المرجعيات المعتمدة سابقاً؟ وهل سيلبي هذا الاتفاق- إذا افترضنا جدلاً أنه يمكن التوصل إليه - حتى الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينيّة، أم سيؤدي إلى الاستمرار في تآكل الأرض والحقوق وضياع القضيّة الفلسطينيّة أكثر وأكثر؟

لقد بدأ كيري مهمته متفائلاً ومصمماً على التوصل إلى معاهدة سلام لتسجيل اسمه في التاريخ كصانع معجزة السلام في الشرق الأوسط التي عجز عن تحقيقها أسلافه طوال عشرات السنين، وانتهى بعد أن واجه التعنت والتطرف "الإسرائيلي" الذي وصل إلى مستويات غير مسبوقة، وبعد الهوة الواسعة بين الجانبين التي تزايدت بعد استئناف المفاوضات، كما صرح فريق التفاوض الفلسطيني؛ بسبب عدم توفر إرادة لدى الإدارة الأمريكيّة المنحازة ل"إسرائيل" بشكل مطلق لممارسة ضغط جدي وحقيقي على "إسرائيل" . فكل الضغط الذي مورس أمريكياً على "إسرائيل" ضغطاً يناسب العلاقات بين الأصدقاء والحلفاء الاستراتيجيين، والحرص على مصلحة "إسرائيل" والمصالح المتبادلة، مثل تذكير أمريكي ل"إسرائيل" ورد على لسان كيري أكثر من مرة وعلى لسان أوباما عشيّة لقائه الأخير بنتنياهو؛ بأنه في حال عدم التوصل إلى اتفاق سلام ستواجه بالعزلة والمقاطعة، خصوصاً إذا رفضت الخطة الأمريكيّة التي يحاول كيري بلورتها منذ حوالي ثمانية شهور، وهي - كما أشارت بعض التصريحات الأمريكيّة والتسريبات الفلسطينيّة و"الإسرائيليّة" - تلبي جوهر، وفي بعض النقاط، كل المطالب "الإسرائيليّة" .

بعد فشل كيري في التوصل إلى اتفاق سلام كما كان يأمل في البداية، انتقل إلى الخطة (ب)، وأخذ يتحدث علناً عن الحاجة إلى "اتفاق إطار" وإلى مراحل لتطبيقه، وإلى تمديد التفاوض تسعة أشهر أخرى، حتى يمكن التوصل إلى معاهدة السلام . 
بدأ كيري يبحث في إمكانيّة التوصل إلى اتفاق إطار، أكبر من إعلان مبادئ وأقل من معاهدة سلام، أو الاكتفاء في هذه المرحلة بالاتفاق على إطار للمفاوضات يحدد جدول الأعمال وبعض النقاط المتفق عليها، أي مجرد إطار يرمي لإخفاء الفشل ويضمن استمرار المفاوضات، لأن وقفها قد يؤدي إلى انهيار ما يسمى "عمليّة السلام"، وبروز خيارات وبدائل أخرى، ونشوء فراغ يمكن أن تملؤه الأطراف الأخرى، المحليّة والإقليميّة والدوليّة .

إن الخشية من فشل المفاوضات والعواقب المترتبة على ذلك تجعل كل الأطراف لها مصلحة في استمرار المفاوضات، وإن بدرجات متفاوتة، ف"إسرائيل"، التي أصبح وزير خارجيتها المتطرف بقدرة قادر مؤيداً ومتحمساً لخطة كيري؛ طالب بتمديد المفاوضات، حتى لو لم يتم التوصل إلى أي شيء، وهذا مفهوم تماماً . فالمفاوضات من أجل المفاوضات من دون التزام "إسرائيل" بأي شيء، بما في ذلك وقف العدوان بكل أشكاله، خصوصاً الاستيطان الذي تصاعد أثناء المفاوضات بطريقة غير مسبوقة؛ تحقق فوائد ومزايا ل"إسرائيل" لا تقدر بثمن، فهي تظهر "إسرائيل" كطرف يريد السلام بالرغم من أنه يزرع الحرب والعدوان .

ولتذليل الصعوبات، اقترح كيري، كما أشار بنفسه في مقابلة مع صحيفة "الواشنطن بوست" إلى إمكانيّة تحفظ كل طرف على النقاط التي لا يستطيع الموافقة عليها، لأن ذلك الطريقة الوحيدة لاستئناف المفاوضات، وهذا إن حصل يكون مسخرة كاملة، لأنه يغطي على الفشل والعجز عن الضغط على "إسرائيل"، والأخطر أنه يوثق مرجعيّة جديدة تتضمن كل التنازلات الفلسطينيّة، التي قدمت منذ فشل قمة "كامب ديفيد" العام 2000 وحتى الآن، فهي تنازلات لم توثق بسبب عدم التوصل إلى اتفاقات موقعة . والأمانة تقتضي القول إن الناطق باسم الرئاسة الفلسطينيّة نبيل أبو ردينة أعلن رفض فكرة التحفظ على نقاط . هذا الموقف صحيح ونأمل الاستمرار فيه، لأن التحفظ سيمكن "إسرائيل" من عدم الالتزام بأي شيء، وهي الطرف القوي الذي يمكن أن يجعل تحفظه ساري المفعول، بينما الطرف الفلسطيني بوصفه الطرف الضعيف فستذهب تحفظاته أدراج الرياح .

يضاف إلى ذلك، أن من بنود خطة كيري التي يجري التداول حولها بنداً يتناول الانسحاب إلى خطوط ،67 وهذا البند ستتحفظ عليه "إسرائيل"، بالرغم من اقترانه بعبارة "مع تبادل أراضٍ" حتى وإن كان من دون تحديد نسبة التبادل . إن إقرار مبدأ التبادل أمر في منتهى الخطر، لأنه يعطي الشرعيّة للاستيطان، ويمكن أن يستوعب كل الحقائق الاحتلاليّة التي تم فرضها أو يمكن إقامتها حالياً أو في المستقبل .
الأمر الآخر الذي بات واضحاً أكثر من أي فترة سابقة، أن أي اتفاق مهما كان اسمه أو شكله أو مضمونه لا يمكن إلا أن ينتقص من الحقوق الفلسطينيّة، ليس في ما يتعلق بمطالبة تل أبيب بالاعتراف ب"إسرائيل" كدولة "يهوديّة" فقط، وإنما في ما يخص جميع القضايا من دون استثناء . فالمطروح بقاء المستوطنات وتصفية قضيّة اللاجئين والقدس، وتقاسم بقيّة الضفة؛ مقابل تسمية الكيان الذي سيقام على 60 أو 70% من الضفة "دولة"، في حين أنه سيكون في الحقيقة محميّة "إسرائيليّة" مقطعة الأوصال وبلا سيادة ومن دون قطاع غزة . 

إن نتنياهو في خطابه أمام "الأيباك"، أثناء زيارته إلى الولايات المتحدة أكد شروطه التعجيزية عندما تحدث عن فوائد السلام ل"إسرائيل"، وأعرب عن استعداده في الوقت المناسب لإخلاء بعض المستوطنات من أجل السلام، مع تعهده بالعمل لكي يخلي أقل عدد ممكن من المستوطنات، وهذا يدل على أنه بات مطمئناً للخطة الأمريكيّة، خصوصاً بعد أن وعده أوباما بالضغط على أبو مازن من أجل اتخاذ الخطوات الشجاعة المطلوبة، بما فيها الموافقة على تمديد المفاوضات .

آمل أن يصمد أبو مازن ويرفض الضغط الأمريكي ويفتح الطريق أمام خيارات وبدائل أخرى، وسيجد الشعب الفلسطيني معه بأغلبيته الساحقة، بما في ذلك القوى التي لا تزال خارج منظمة التحرير .

إلا أن الاستمرار في الصمود والنجاح والانتصار بحاجة إلى عوامل وشروط وظروف واستعدادات أخرى لا نراها متوافرة الآن .

باحث وكاتب فلسطيني
Hanimasri267@hotmail.com

 

مشاركة: