الرئيسية » هاني المصري »   15 أيار 2014

| | |
ذكرى النكبة: كل فلسطين تحت مقصلة التهويد
هاني المصري
 
 
تمر الذكرى السادسة والستون للنكبة والقضية الفلسطينية تواجه الكثير من التحديات والمخاطر التي تهددها بأسوأ العواقب، والقليل من الفرص التي تفتح أمامها آفاق المستقبل .

فهناك الهجمة الاستعمارية الاستيطانية الاحتلالية العنصرية الإجرائية التي تستهدف مصادرة وتهويد أكبر مساحة مما تبقى من أرض فلسطين بأيدي سكانها الأصليين، وطرد أكبر عدد ممكن منهم بأسرع وقت . فبعد إقامة "إسرائيل" على 78% من أرض فلسطين التاريخية خلافاً للمساحة التي منحها إياها قرار التقسيم؛ هناك محاولة لحسم الأمر على الأرض من خلال استكمال فرض أمر واقع لا يُبقي شيئاً للتفاوض عليه، ويجعل الحل "الإسرائيلي" بأشكاله المختلفة هو الحل الوحيد الممكن عملياً .

أصبح عدد المستوطنين في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، أكثر من 700 ألف مستوطن، أي يشكلون خُمس السكان، وهناك مخطط جار تطبيقه بشكل محموم لإيصال عددهم إلى مليون مستوطن مستعمر خلال سنوات قليلة، حتى يقال للفلسطينيين والعالم كله: هل يعقل اقتلاع مليون شخص من أماكن سكنهم ومعيشتهم؟، وإذا تقرر ذلك: من يستطيع أن يعوضهم عن الأرض والبيوت وأماكن عملهم؟ وهذا يفتح الباب واسعاً لضم المستوطنات التي يقيمون عليها إلى الكتل الاستيطانية التي تزمع "إسرائيل" ضمّها إليها في أي اتفاق على حل نهائي؟ لا سيما أن هناك وزراء في الحكومة يدعون علناً إلى ضمها الآن وفوراً، خصوصاً بعد توقيع "اتفاق مخيم الشاطئ" في 23 إبريل/ نيسان الماضي، الذي تضمن الاتفاق على تشكيل حكومة وفاق وطني فلسطينية وتحديد موعد للانتخابات وأمور أخرى . 

في هذا السياق يجب سحب الموافقة الفلسطينية والعربية على مبدأ "تبادل الأراضي"، لأنه يعطي الشرعية للمستوطنات، ويُقدمُ سابقةً يمكن للاحتلال "الإسرائيلي" استخدامها لضم أي مناطق يرى أنها مهمة أو حيوية لأسباب دينية أو اقتصادية أو أمنية أو عسكرية أو ثقافية، فكل منطقة في الضفة لا تخلو من موقع أو أكثر تدّعي "إسرائيل" أنّها مهمة لها، وإذا نظرنا نظرة سريعة نجد أن الأقصى الشريف مستهدفٌ وفق الزعم الصهيوني بأن هيكل سليمان موجود تحته، والحرم الإبراهيمي بخليل الرحمن الذي جرى تقسيمه أصلاً بين المسلمين واليهود، وكذلك قبر النبي يوسف وقبة راحيل وبيت أيل كلها مناطق مقدسة في نابلس وبيت لحم ورام الله، وتقدم نافذة مفتوحة للاعتداءات المستمرة وللمطالبة بضمها أو استمرار السيطرة عليها .

إن الحقيقة الساطعة سطوع أشعة الشمس تشير إلى أن المشروع الذي تتبناه الحركة الصهيونية، والذي يقوم على مقولة "شعب بلا أرض لأرض بلا شعب" لا يزال مفتوحاً ولم يغلق، وهو مبني على إقامة "إسرائيل الكبرى" على أكبر مساحة ممكنة مع أقل عدد ممكن من الفلسطينيين . ومن أجل تحقيق هذا الهدف تتواصل الاعتداءات والمصادرة والتهديد وطرد السكان ورفض إقامة دولة فلسطينية تملك مقومات الدول، فما تطرحه الأوساط الرسمية "الإسرائيلية" عن الدولة الفلسطينية يجعلها إذا قامت على أساس هذه الشروط لا تملك من مقومات الدول سوى الاسم .

عند توقيع اتفاق أوسلو اعتقد البعض، وربما الكثيرون، أن هناك إمكانية للتوصل إلى تسوية بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية، وأن هناك إمكانية لقيام دولة فلسطين على 22% من أرض فلسطين التاريخية إلى جانب "إسرائيل"، وأن هذه التسوية ممكنة إذا أبدى الفلسطينيون مرونة، أو الأصح إذا قدموا تنازلات عن القضايا الأخرى، خصوصاً قضية اللاجئين، وفي قلبها حق العودة، وقضية حقوق شعبنا في أراضي 48 .

بعد أكثر من عشرين عاماً على توقيع "اتفاق أوسلو"، اتّضح الآن، حتى لمعظم من آمنوا بهذا الاتفاق ودافعوا عنه؛ أن "إسرائيل" لم تتراجع عن إقامة "إسرائيل الكبرى" أو على كامل أرض فلسطين، وأن المؤمنين بحل الدولتين أقلية في "إسرائيل"، وأن معظم من يؤمنوا بهذا الحل من "الإسرائيليين" لا يؤيدون إقامة الدولة استجابة للحق الفلسطيني أو نوعاً من الاعتراف بالشعب الفلسطيني، وإنما لتجنب قيام دولة واحدة تقضي مع الزمن على "إسرائيل" بوصفها دولة "يهودية" . كما أن معظم "الإسرائيليين" المؤيدين للدولة الفلسطينية لا يؤيدون إقامتها على 22% من مساحة فلسطين، أي على كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما في أراضي 67 على مساحة تتراوح ما بين 40 - 60% ومنهم من يريد اقتطاع القدس بالكامل أو معظمها من أراضي هذه الدولة، وكلهم تقريباً يريدون ضم الكتل الاستيطانية وأراضي يعتبرونها حيوية ل"إسرائيل" .

ومن التحديات التي تواجه القضية الفلسطينية الجهود الأمريكية الرامية للتوصل إلى حل نهائي أو انتقالي ينتقص من الحقوق الفلسطينية ويلبي جوهر الأطماع "الإسرائيلية"، ليس محاولة لتوظيف الوضع العربي الذي لا يسرّ صديقاً ويسعد كل الأعداء .

وإذا لم تنجح هذه الجهود كما لاحظنا مصير جهود جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي، فتنصب الجهود على التوصل إلى اتفاق لتمديد المفاوضات لكي تقطع الطريق على اعتماد الفلسطينيين خيارات وبدائل أخرى تفتح طريق المستقبل، بعد أن أغلق تماماً بعد اعتمادهم طريق المفاوضات الثنائية برعاية أمريكية انفرادية وبعيداً حتى عن المرجعية الدولية .

فالمفاوضات التي جرت في السابق، وإذا جرت لاحقاً، من دون أسس ولا مرجعية تمزّق الفلسطينيين، وتُضعِف عمقهم العربي، وتحيّد العالم، وتمكّن "إسرائيل" من استكمال تطبيق مخططاتها الاستعمارية والاستيطانية والعنصرية بأسرع وقت وبأقل التكاليف، والدليل على ذلك أن فترة الأشهر التسعة السابقة التي تم فيها استئناف المفاوضات شهدت توسعاً غيرَ مسبوقٍ في الاستيطان، دفعت حتى مارتن أنديك، مساعد كيري وأحد زعماء "الأيباك" اللوبي الصهيوني الأقوى في الولايات المتحدة، إلى تحميل الجانبين مسؤولية فشل المفاوضات: "إسرائيل" بسبب التوسع الاستيطاني؛ وفلسطين بسبب انشغال الرئيس أبو مازن بإرثه التاريخي، والانضمام إلى الاتفاقيات الدولية، ومصالحة "حماس" عن اهتمامه بالسلام . فأنديك الصهيوني الذي يسعى لتأمين مصالح "إسرائيل" يساوي بين الضحية والجلاد، ويعتبر الوحدة الوطنية واستخدام الفلسطينيين لحقوقهم سبباً في فشل الجهود الأمريكية .

لن تتوقف الجهود الأمريكية لاستئناف المفاوضات رغم إعلان باراك أوباما الحاجة إلى وقفة تتأمل فيها الأطراف البدائل التي لديها، لأن المفاوضات تحقق مصلحة "إسرائيلية" - وأمريكية من خلال التحكم بملف القضية الفلسطينية المهمة رغم التراجع الذي شهدته في السنوات الأخيرة، ومنع استفادة أطراف أخرى من الفراغ الذي يمكن أن ينشأ إذا سحبت الإدارة الأمريكية يدها . 

يمكن أن يتغير مستوى الاهتمام من الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته إلى السفراء والمبعوثين والمساعدين، ويمكن أن يتغير الهدف ويعود إلى إدارة الصراع وليس محاولة حله، وذلك على أمل أن تعود الأطراف إلى المفاوضات وهي أكثر استعداداً للمرونة وإبداء التنازلات المطلوبة . إن أوباما يخادع، لأن تقديم المزيد من التنازلات الفلسطينية أقل ما يمكن وصفه بالإقدام على انتحار سياسي من الرئيس أبو مازن تجاوزاً للخطوط الحمر .

واذا انتقلنا إلى الفرص القليلة التي تلوح في الأفق، نجد مظاهر استمرار القضية الفلسطينية حية متمثلة بالصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين رغم كل شيء، والمقاومة بكل أشكالها، والمقاطعة، وإحياء الهوية والثقافة وكل أنواع الفنون، والاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، ولو كعضو "مراقب"، واستمرار التضامن الدولي مع القضية الفلسطينية، واستمرار اعتبار العرب للقضية الفلسطينية كقضية مركزية رغم تراجع الاهتمام بها، بحكم الانشغال بما يجري من ثورات ومؤامرات ومتغيرات، وكذلك اتفاق الشاطئ، الذي نأمل أن يكون مصيره أفضل من سوابقه، وأن يؤسس لقيام وحدة حقيقية ولاعتماد استراتيجيات فلسطينية جديده قادرة على تحقيق ما لم تستطع تحقيقه الاستراتيجيات المعتمدة حتى الآن .
 

* باحث وكاتب "فلسطين"
Hanimasri267@hotmail.com

(نقلًا عن جريدة "الخليج")

 

مشاركة: