البيرة- خاص: حثت مجموعة من السياسيين والأكاديميين وخبراء في الأمن على أهمية إعادة توحيد وهيكلة الأجهزة الأمنية وفقًا لرؤية فلسطينية واضحة تنطلق من سياسة أمنية وطنية مقرة من القيادة الفلسطينية، وتعتمد على المهام والواجبات والوظائف المطلوب من الأجهزة الأمنية القيام بها، حسب التوجهات السياسية للقيادة الفلسطينية، مع مراعاة الاختلاف الظرفي لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وخصائص التجمعات الفلسطينية الأخرى.
وأكد المشاركون على أولوية الاتفاق على برنامج سياسي تجمع عليه كافة الفصائل الفلسطينية، ينطلف من الأرضية التي وفرتها وثيقة الأسرى "وثيقة الوفاق الوطني" واتفاقات المصالحة الوطنية، لاسيما اتفاق القاهرة لعام 2011، لخلق عملية انسجام ما بين العمل الميداني والعمل السياسي.
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمتها مجموعة دعم وتطوير مسار المصالحة الوطنية في مقر المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بالبيرة، لمناقشة ورقة حول السياسات الأمنية أعدها الدكتور عزمي الشعيبي والأستاذ جهاد حرب ضمن سلسلة من الأوراق التي قام بتطويرها فريق متخصص من الخبراء ضمن جهود المجموعة لدعم تنفيذ الشق الأمني في اتفاق المصالحة، وذلك تحت عنوان "نحو وضع سياسة أمنية فلسطينية: تصور للمحددات والمعايير"، وهي ورقة لا تزال مسودة مطروحة للنقاش والتطوير.
وفي بداية الورشة، قدم جهاد حرب، الباحث المشارك في مشروع دعم وتطوير مسار المصالحة، استعراضًا للجهود التي بذلتها المجموعة عبر سلسلة طويلة من الحوارات التي نظمت في القاهرة، بمشاركة غير رسمية لقادة من عدة فصائل وفريق خبراء فني، في إطار دعم تنفيذ الشق الأمني عبر اقتراح سياسات ومشاريع قوانين وآليات لتسهيل مهمة عمل اللجنة الأمنية العليا المنصوص عليها في اتفاق المصالحة، وخلق حوار و/ أو تفاهمات غير رسمية حول القضايا المتعلقة بالشق الأمني لاتفاق المصالحة.
وأشار لما تم تقديمه من أوراق عمل خلال الفترة الماضية، ومن ضمنها إعداد مسودة قانون الشرطة، وورقة تضمنت رؤية عملية حول إعادة بناء وتوحيد وهيكلة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل تدريجي، بدءا من جهاز الشرطة، الذي تم إعداد ورقتين بشأن آليات إعادة دمجه وهيكلته، والمعايير الدولية الفضلى لعمل الشرطة الفلسطينية، وكذلك ورقة حول تجارب عربية ودولية في عملية الإصلاح الأمني، وأخرى حول صلاحيات ومهمات اللجنة الأمنية العليا، إلى جانب إعداد مشروع قانون مجلس الأمن القومي الذي لا يزال قيد النقاش والتطوير.
وقال حرب إن هذه الجلسة تأتي في إطار توسيع النقاش مع الأطراف السياسية والنواب والمختصين في المجال الأمني، حول نتائج عمل المجموعة الخاصة بالشق الأمني التي عقدت سلسلة من اللقاءات والحوارات غير الرسمية في القاهرة، بدعم وتشجيع من جمهورية مصر العربية؛ لاقتراح تصورات وآليات تسهم في دعم وتطوير مسار المصالحة، وإزالة العراقيل التي تعترض ذلك، منوها إلى أن العمل يتواصل حاليا على إعداد أوراق حول تصورات وآليات أخرى لدعم تنفيذ المصالحة الوطنية في ضوء توقيع اتفاق الشاطئ.
ومن ثم عرض د. عزمي الشعيبي، عضو فريق الخبراء الخاص بالشق الأمني، الفلسفة التي استندت إليها ورقة السياسيات الأمنية لمعالجة الأوضاع الفلسطينية، وأشار إلى محددات الوضع الفلسطيني ما بعد المصالحة وفقًا للظروف الناشئة ما بعد الانقسام. وأضاف: أن الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة في العام 2005 شكل منعطفا سياسيا مهمًّا أثّر على شكل وطبيعة الاحتياجات الأمنية الداخلية في كل من الضفة والقطاع. كما شكل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة (كانون الأول 2012) مؤشرا على مستقبل السياسة الأمنية الإسرائيلية تجاه القطاع، حيث استهدف تعزيز سياسة الردع الإسرائيلية، وتدمير مخزون القوة العسكرية الفلسطينية الذي تمت مراكمته في قطاع غزة، وهي سياسة سوف تتواصل من قبل إسرائيل. أما في الضفة الغربية، فالمؤشرات تشير غاليا نحو استمرار التصادم بين البرنامجين الفلسطيني والإسرائيلي بسبب استمرار سياسة إسرائيل الاستيطانية في الضفة الغربية واستمرار تهويد مدينة القدس، وعدم وجود أفق سياسي في ظل مأزق المفاوضات الثنائية، الأمر الذي يتيح تبني مشروع مقاومة فعالة ومدروسة تشارك فيها جميع الأطراف وفق سياسة وآليات متفق عليها ومقرة من القيادة السياسية.
وبين أن هذه الصورة لواقع الحال الفلسطيني ومستقبل الصراع تدعو إلى تبني سياسة أمنية فلسطينية وطنية تنسجم مع الوضع السياسي، وتأخذ بالاعتبار الاختلاف الظرفي لكل من الضفة الغربية وقطاع غزة لاختلاف موقف إسرائيل من ناحية، وأيضا لتنوع طبيعة الأهداف الأمنية الوطنية الفلسطينية من ناحية ثانية، إضافة الى جود قوات لفصائل المقاومة في الخارج وأخرى بإمرة منظمة التحرير الفلسطينية، الأمر الذي يعني أن المصالحة بأبعادها المختلفة، تتطلب انخراط الجميع في حوار مسؤول للتوافق على مضمون وشكل السياسة الأمنية الوطنية، والمشاركة في تحقيقها.
واستعرض الشعيبي محاور الورقة، التي جاء فيها: إن السياسة الأمنية الفلسطينية في الضفة الغربية تستهدف إفشال سياسة الاحتلال في الاستيلاء على الأراضي وتهويد القدس من خلال تعزيز صمود ومقاومة الشعب الفلسطيني وتوظيف جميع الموارد المالية في هذا الاتجاه من ناحية، والحفاظ على النظام العام وسيادة القانون في المناطق التي تسيطر عليها السلطة من ناحية ثانية، أي أن السياسة الأمنية ينبغي أن تأخذ بالأساس المخاطر والتهديدات للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وكذلك التهديدات للسلطة الفلسطينية في قطاع غزة.
وأضاف: تتطلب إعادة بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية في المرحلة الجديدة المحافظة على النظام والأمن العام داخل المجتمع الفلسطيني ضمن قواعد تقوم على احترام سيادة القانون والمبادئ الديمقراطية؛ وهي غاية أساسية يجب السعي لتحقيقها، من خلال تعزيز بنية جهاز الشرطة المدنية كجهاز قوي وفعال، وترشيد بنية الأجهزة الأمنية الفلسطينية الأخرى والاعتماد على فكرة وجود خدمة إلزامية يشكل أفرادها احتياطًا بديلاً.
وأخذ مفهوم العقيدة الأمنية حيزًا من النقاش والجدل حول ضرورته، سواء في ظل السلطة الفلسطينية أو بعد إقامة الدولة. لكن المشاركين أكدوا على أهمية بدء البحث به وإعداد ورقة خاصة لذلك، ليتم عرضها عند إنشاء مجلس الأمن القومي، على أن تحدد على الأقل المخاطر والتهديدات المحدقة بالشعب الفلسطيني.
وثمن المشاركون فكرة الخدمة الوطنية الالزامية "الإجبارية" القاضية بإخضاع كافة الشباب خريجي الجامعات والمعاهد للعمل المجتمعي بأشكاله المختلفة، مما يشكل إطارا واسعا وجسما احتياطيا عند الضرورة للكثير من المهام في حالات الطوارئ؛ يعوض الحاجة لوجود جسم بيروقراطي للأجهزة الأمنية الكلاسيكية، وخاصة العسكرية، ويتيح الفرصة لإعادة بناء أجهزة الأمن على أساس احترافي مهني يغلب على أعمار منتسبيها عنصر الشباب، لاسيما في جهاز الشرطة، الذي يشكل العمود الفقري والجسم الأوسع للأجهزة الأمنية، مع وجود جسم محترف محاط بأعداد كبيرة من احتياطي متراكم ممن أدوا الخدمة الوطنية.
كما دعوا إلى التفكير بكيفة إيجاد سلطة تتجاور مع المقاومة، بحيث تصبح وظيفتها تنظيم الشأن الفلسطيني بطريقة تتيح التعامل مع أشكال النضال ضد الاحتلال، وأشار البعض إلى وجود تناقض رئيسي بحكم طبيعة المرحلة ووظائف السلطة في ظل استمرار النضال التحرري، معتبرين أن مثل هذا التناقض لن يحل بشكل كامل إلا بإعادة النظر بشكل السلطة ومهامها الحالية، إلى بنية تأخذ بعين الاعتبار استمرار التهديدات الناجمة أساسا عن استمرار الاحتلال والتصادم بين مشروعه الاستيطاني الاستعماري والمشروع الفلسطيني التحرري.
ونوه بعض المشاركين إلى أن الوظيفة الرئيسية للأمن وفق اتفاق أوسلو هي "حماية الاتفاق"، الذي كان مطلوبًا الانتهاء منه في العام 1999، أي منع قيام أي شكل من أشكال المقاومة ضد الاحتلال، وهذا الالتزام يتناقض مع البنية الأمنية للأجهزة الفلسطينية التي بقيت تلتزم البنية الوطنية لها ولمنتسبيها رغم كل التغييرات، مؤكدين أن الوظائف التي تقوم بها الأجهزة يحددها في نهاية المطاف القرار السياسي للقيادة الذي تلتزم به المؤسسة الأمنية.
كما أكد عدد من المشاركين الحاجة للتوافق على سياسة واضحة للعلاقة بين سلاح المقاومة ومبادئ حفظ الأمن وسيادة القانون التي تعتبر من اختصاص المؤسسة الأمنية، الأمر الذي يتطلب التوافق على أشكال وتوقيت استخدام سلاح المقاومة، وبخاصة في قطاع غزة، على أن يتم استخدامه وفق اتفاق وطني في مواجهة العدوان الاسرائيلي.
وأشاد المشاركون بما تضمنته ورقة السياسات الأمنية من رؤية واضحة لمستقبل وآليات تطبيق الشق الأمني في إطار اتفاق المصالحة، بحيث تقوم على أساس المساءلة السياسية والبرلمانية من ناحية، والانسجام مع الرؤية الوطنية للبرنامج السياسي الفلسطيني، وتحديد الاتصال الخارجي للأجهزة الأمنية وفق القواعد المحددة في الورقة.