البيرة، غزة (خاص): أطلق المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) كتاب "الصهيونيّة والاستيطان: منظومات السيطرة على الأرض وإنتاج المعازل" للباحث الشاب رازي نابلسي، وذلك ضمن سلسلة إصدارات برنامج "دراسة المشروع الصهيوني".
جاء ذلك خلال ورشة عمل نظمها المركز في مقريه بالبيرة وغزة، بحضور حشد كبير من الباحثين والأكاديمين والشباب. وأدار الحوار في البيرة خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، بينما أداره في غزة صلاح عبد العاطي، مدير المكتب في القطاع.
وقال شاهين: يأتي هذا الإصدار ضمن برنامج "دراسة المشروع الصهيوني"، الذي أطلقه مركز مسارات لدراسة وفهم المشروع الصهيوني، وطبيعة الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وصيرورة تطورهما بصورة نقدية، وأصدر البرنامج حتى الآن خمسة أبحاث، اثنان منها قيد التحكيم والطباعة، وسيتبعها العديد من الإصدارات، التي تشمل بدائل سياسات فلسطينية لمواجهة السياسات الإسرائيلية ومنظومات السيطرة الاستعمارية على طريق الكفاح من أجل إحباط أهدافها وتفكيكها.
وأضاف: يهدف البرنامج الذي يشرف عليه فريق بحثي متخصص إلى تحقيق فهم معمّق لطبيعة وأهداف وديناميات سيطرة النظام الصهيوني الاستعماري الاستيطاني، وفهم التناقضات داخل المشروع الصهيوني على طريق امتلاك رؤية وطنية للمشروع التحرّري الفلسطيني، مضيفًا أن مركز مسارات يولي اهتمامًا بالباحثين الشباب للمساهمة في هذا البرنامج وغيره من البرامج التي ينفذها المركز.
وعرض رازي كتابه مبينًا أن السؤال الأساسيّ الذي كان بمثابة بوصلة خلال العمل على إنجاز هذا الإصدار، هو ما الجديد الذي سيضيفه هذا العمل على المجال، خاصة أن الاستيطان كموضوع من أكثر المواضيع التي يتم بحثها أو التطرّق إليها فلسطينيًا، إن كان من خلال الإعلام، أو من خلال الأبحاث والإصدارات المختلفة، وأن الجديد الذي يمكن إضافته "هو المزيج ما بين الدراسة الموضوعيّة المهنيّة والحالة السياسيّة الفلسطينيّة والإسرائيليّة، من خلال دراسة موضوعيّة تنظر وتتطلّع إلى السياسة".
وأضاف أن "أبحاث الاستيطان في فلسطين، خاصة منذ أوسلو حتّى يومنا هذا، انطلقت من مبدأ حل الدولتين. وحتّى تلك التي صدرت لنقد حل الدولتين، أو لإثبات فشله، انطلقت منه حتّى لو من دون وعيّ. وبالتاليّ، كانت هناك حاجة إلى إعادة دراسة الاستيطان الإسرائيليّ في الضفّة الغربيّة من منطلق فهمه كمنظومة سيطرة وجوهر في الصهيونيّة كأيديولوجيا وحركة استعمار استيطانيّ إحلاليّ".
ونوه إلى أن الفصل الأول تناول العلاقة ما بين المنظّمة الصهيونيّة العالميّة والدولة الإسرائيليّة، "إذ ومع إقامة واقع جديد هو واقع دولة سياديّة كإسرائيل، بدأت الحركة الصهيونيّة بمؤسّساتها المختلفة بالتعامل مع واقع مختلف. وكما انخرطت الميليشيات الصهيونيّة في الجيش الذي تأسّس بعد إقامة الدولة ونكبة فلسطين، أقرّ الكنيست الإسرائيليّ قانونًا خاصًا بمكانة مؤسّسات الحركة الصهيونيّة في العام 1951 الذي ضمن مكانة الحركة الصهيونيّة كحركة تحافظ على العلاقة وتشكّل حلقة الوصل بين دولة إسرائيل، وباقي اليهود في العالم".
وتابع أنّه "تبيّن من فحص بعض الوثائق التي تخص الاستيطان في الضفّة الغربيّة، أن الحكومة الإسرائيليّة حوّلت إلى شعبة الاستيطان في المنظّمة الصهيونيّة العالميّة حواليّ 600 ألف دونم من أراضيّ الدولة في الضفّة. وهذا ما قاد إلى فحص نشاط شعبة الاستيطان في المنظّمة، حيث تبيّن أن هذه الشعبة هي المسؤولة عن بناء وتخطيط ومناقصات ومشاريع الاستيطان في الضفّة. وهذا ما أقرّته الحكومة الإسرائيليّة قبل عامين فقط من خلال قانون جديد".
وشدّد نابلسي على أن "المنظّمة الصهيونيّة العالميّة تعمل على خارطة فلسطين التاريخيّة، باستثناء المناطق ذات الكثافة السكّانية اليهوديّة العالية مثل تل أبيب ونتانيا ومستوطنات الساحل في مركز البلاد، وتنشط أساسًا في إقليم المركز الذي يمتد من حدود المثلّث داخل أراضي 48 حتّى حدود الأردن وإقليم الجنوب الذي يمتد من جنوب جبال الخليل حتّى إيلات. هذه الأقاليم التي تنشط فيها المنظّمة هي أقاليم لا تراعي أي اختلاف قانونيّ بين داخل وخارج خط أخضر، فتغدو ذات الجهة هي المسؤولة عن إعادة توطين المستوطنين الذين أخرجوا من قطاع غزّة على أنقاض قرية أم الحيران في النقب، وذاتها المسؤولة عن تهجير سوسيا لبناء مستوطنة إسرائيليّة مكانها".
وأوضح أن الفصل الثاني تطرق إلى "القانون كأداة شرعنة واقع كولنياليّ، ففي الوقت الذي يأتي فيه القانون في الدول الطبيعيّة لتنظيم حياة المواطنين والموارد، يأتي القانون في قضايا الأرض في إسرائيل مجرّد إجراء يشرعن واقع قامت هي مسبقًا بفرضه". واختار البحث مرحلتين سياسيّتين- قانونيّتين مهمّتين لإثبات هذا الادّعاء على الرغم من وجود أكثر من 17 قانونًا إسرائيليًا يخص الأراضي. وهي: أولًا، قانون أملاك الغائبين الذي جاء لتنظيم الأراضيّ التي سلبتها إسرائيل بعد تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على أملاكهم خلال النكبة؛ والثاني هو قانون التسويّة الذي يهدف إلى تبييض المستوطنات والسماح بالاستيطان في أراض خاصّة، إذ تبيّن المعطيات أن القانون سيشرعن ما يعادل 8 آلاف وحدة استيطانيّة في الضفّة الغربيّة مقامة على أراضي خاصّة ما يدل مرة أخرى على أن إسرائيل: تستوطن أولًا.
وقال نابلسي إن الفصل الثالث يركز على أن السياسات الاستيطانيّة الإسرائيليّة في الضفّة الغربيّة أنتجت واقعًا في الضفّة الغربيّة يعيش فيه الفلسطينيّون في معازل وسجون، إذ باتت الضفّة أشبه بـ5 معازل بدلا من كونها وحدة واحدة، وهي: أريحا، رام الله والبيرة، الخليل، نابلس وبيت لحم. يعيش الفلسطينيّون في هذه المعازل غير متواصلين بفعل الاستيطان والتخطيط. إذ تحيط مستوطنات "بيت أيل" و"بساغوت" وكوخاف يعقوب" و"دوليف حتّى "حلاميش" بمحافظة رام الله والبيرة، ويحيطها من الجانب الآخر الجدار ليجعل منها مساحة غير قابلة للتوسّع. وإذا تفحّصنا كافة المحافظات في الضفّة هي على ذات الحال تحيطها كتل استيطانيّة كبيرة.
وأضاف أن "هذا الواقع هو نتاج سياسات مستمرّة، اعتمدت بالأساس على فلسفة وضعها أحد قادة الصهيونيّة في العام 1904، وتم الاستيطان استنادًا إليها في الأراضي المحتلة العام 1948، وتحديدًا في مدينة يافا، وتهدف إلى إنشاء كتل استيطانيّة متراصّة ومتواصلة في مناطق ذات كثافة سكّانيّة فلسطينيّة عالية، تضمن أولًا الحماية لمجموعة المستوطنات التي تتحوّل لكتلة كاملة؛ وثانيًا تضمن تفكيك الكتلة العربيّة المتواصلة. هذه السياسة عمليًا هي ذات السياسة التي تم استنادًا إليها بناء كتلة المستوطنات (كريوت) الواقعة بين عكا وحيفا، كما هي ذات السياسة التي بنيت فيها كتلة مستوطنات (كوخاف يعاكوف)، وهي ذات الطريقة التي بنيت فيها كتلة المستوطنات التي تفصل نابلس عن كفر قاسم، وذات السياسة التي تهدف إلى بناء مستوطنات على طول جبال الخليل تفصله عن التجمّعات البدويّة في النقب حتّى بئر السبع".
وأشاد الحضور بالكتاب وما تناوله من قضايا تمس حياتهم اليومية، وطرحوا العديد من الأسئلة ووجهات النظر حول استخدام الصهيونية للاستيطان كأدة للسيطرة على الأرض وعزل السكان وقطع الطريق على أي حل للقضية الفلسطينية.