هذه الورقة من إعداد: إبراهيم مقبل، خالد زين الدين، رائد غباين، ضمن إنتاج المشاركين/ات في البرنامج التدريبي "إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي" 2018 الذي ينفذه مركز مسارات.
مقدمة
أفرزت اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل العام 1993، وما تبعها من اتفاقيات، حالة أمنيةً فريدةً من نوعها، تحدّدَّت بموجبها العلاقات الأمنية بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. وعلى الرغم من أن جميع الاتفاقيات الأمنية أخذت الطابع السري، وبقيت طيَّ الكتمان، فإن جميع الاتفاقيات السياسية ركزت على محاربة "الإرهاب"، حيث افترضت الاتفاقيات أن "الإرهاب" يشكل عدواً مشتركاً للطرفين.
هنا برزت الإشكالية الكبرى في التصنيف الإسرائيلي للإرهاب، حيث إن المقاومة الفلسطينية مصنفة وفقه على أنها إرهاب، وربطت الحكومات الإسرائيلية والممولون أي تقدم في عملية السلام، بمدى قدرة السلطة على محاربة الإرهاب.
وفي ظل هذا الدور الذي اضطلعت به السلطة الفلسطينية بهدف توسيع الرقعة الجغرافية لعملها في الأراضي الفلسطينية، ضمن ما نصت عليه الاتفاقيات، نجد أن العلاقة الأمنية بين السلطة وإسرائيل كانت مثار جدل، وشكلت محور الإشكالية في العلاقات الفلسطينية–الفلسطينية الداخلية، وتركزت جل هذه الإشكاليات في "التنسيق الأمني".
المطالبة بوقف التنسيق الأمني ليس بالأمر الجديد، بل كانت هنالك العديد من المطالبات التي جاءت من القوى والشخصيات والمؤسسات الفلسطينية، بل إن العديد يعتبر أن التنسيق الأمني يشكل عبئاً على الشراكة بين فصائل العمل الوطني، والثقة بين الشعب الفلسطيني والقيادة الحالية.[1] كما إن هذا الجدل والمطالبات تجددت بعد إعلان ترامب بشأن القدس عاصمة لإسرائيل في شهر كانون الأول 2017، إذ طالبت مجموعة من الكتاب والأكاديميين والإعلاميين السلطة والقيادة الفلسطينية بانتهاج استراتيجية وخيارات جديدة. كما دعوا إلى وقف عملية المفاوضات، وإنهاء التنسيق الأمني، والتبعية الاقتصادية مع الاحتلال.[2] وعلى الرغم من الجدل حول طبيعة التنسيق الأمني وأهدافه وغاياته، فإن قيادات السلطة تعتبر التنسيق الأمني أمراً لا بد منه، وأن الحديث عن وقفه لا ينسجم مع الحقائق على الأرض وواقع العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية المرتبط بتعهدات دولية.[3]
شكل الخامس من آذار/مارس 2015 محطة مفصلية، حيث أصدر المجلس المركزي لمنظمة التحرير في بيانه الختامي قراراً بوقف التنسيق الأمني بأشكاله كافة مع سلطة الاحتلال، في ضوء عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة. وفي 15 كانون الثاني/يناير 2018، أعاد المجلس ذاته التأكيد على القرار نفسه، وأوكل هذه المهمة للجنة التنفيذية للمنظمة، وهو ما تكرر في دورة المجلس الأخيرة في آب 2018. جاء ذلك جراء عدم التزام سلطات الاحتلال، أصلاً، باتفاق أوسلو وملحقاته، ومواصلتها الاستيطان غير الشرعي وفق القانون الدولي، ورفض ترسيم الحدود، وذلك بعد 22 عاماً من توقيع اتفاقية أوسلو؛ إضافةً للتطورات الأخيرة بشأن العلاقة مع الجانب الأمريكي، الراعي الحصري لعملية السلام ومساندته التامة للاحتلال.
وعلى الرغم من مطالبات أعلى مجلس تمثيلي للمنظمة (المجلس الوطني) في أيار/مايو الماضي (2018) بتطبيق قرار المجلس المركزي في دورتيه الأخيرتين، إضافة إلى دورة المجلس في 15-17 آب 2018، التي قاطعتها عدة قوى وشخصيات من أعضاء المجلس، فإن القرار لم يُطبق -حتى اللحظة- على الرغم من تشكيل لجنة فنية لتطبيقه، ولم تلتزم السلطة بتطبيق القرارات.
هذا الإصرار يثير تساؤلات عديدة حول الهدف من إعادة إصدار القرار على الرغم من عدم التطبيق؛ فيما يرى البعض أن القرار جاء نتيجة ردة فعل على ظروف وحوادث طارئة تعيشها القضية الفلسطينية، دون أن يكون هنالك إدراك تام لإمكانيات التنفيذ.[4]
المشكلة
تتمثل مشكلة ورقة تحليل السياسات هذه في عدم تطبيق السلطة الوطنية الفلسطينية قرارات وتوصيات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الداعية إلى وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي. فعلى الرغم من مرور 25 عاماً على بدء مسار أوسلو، والتزام السلطة بتلك الاتفاقات وترتيباتها، فإن الاحتلال الإسرائيلي لم يلتزم بتلك الاتفاقيات.
وعلى الرغم من إصدار المجلس المركزي لمنظمة التحرير قرارين بوقف التنسيق الأمني خلال العامين 2015 و2018، فإن هذا التنسيق لا يزال قائماً كما هو دون أي تغيير، وهو ما يتوقع حدوثه حتى بعد إعادة تأكيد المجلس للمرة الثالثة على القرار ذاته في دورة آب 2018. فما هي الأسباب التي تقف وراء ذلك، مع أنه بات يشكل تهديداً وخطراً كبيراً على القضية الفلسطينية والمشروع الوطني؟
الأهداف
الهدف العام: تقديم بدائل سياساتية واضحة لصانعي القرار في السلطة الوطنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، لتنفيذ قرارات الأخيرة، في ما يخص وقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي؛ ما يضمن صيانة حقوق الشعب الفلسطيني، ويجنب المشروع الوطني الفلسطيني مزيداً من التدهور.
الهدف الفرعي: تقديم مقترحات لمواجهة الصعوبات التي قد تواجه السلطة الوطنية الفلسطينية عند تطبيق القرار على الأرض –وبخاصة في ما ذكر من أسباب وآثار- بما يضمن تطبيقاً أكثر فعالية.
المعايير
تنطلق هذه الورقة من المعايير الآتية:
المقبولية: يركز هذا المعيار على رؤية مدى مقاربة هذه البدائل من رؤية واهتمام صناع القرار في السلطة الوطنية الفلسطينية.
معيار المنفعة والتكلفة: يقيس هذا المعيار مدى تكلفة السياسة المقترحة على القضية الفلسطينية، وما هي المنفعة التي سيحققها.
معيار الوعي الفلسطيني العام: يقيس هذا المعيار مدى وعي الشعب الفلسطيني ودعمه للبدائل المطروحة.
التنسيق الأمني من منظور فلسطيني
يعدُّ التنسيق الأمني مجموعة من التفاهمات الموقعة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي، التي جاءت بناءً على اتفاقيات مبرمة بينهما خلال فترة التسعينيات، والتي جاءت عقب اتفاق أوسلو، الذي يشكل الاتفاق الأساس لهذه الاتفاقيات التي تبعها مجموعة من البروتوكولات العام 1995، بينها بروتوكول الترتيبات الأمنية، والتي تحدد شكل هذا التنسيق.
يشمل التنسيق الأمني ترتيب العلاقة الأمنية بين أجهزة السلطة والاحتلال؛ من قبيل تحديد مواقع الانتشار للقوات والتنسيق في مجال حماية المناطق الخاضعة لكل منهما، وكذلك كيفية التعامل مع المستوطنين والمواطنين الفلسطينيين، وآلية دخول أي طرف من الأطراف إلى المناطق الخاضعة للطرف الآخر[5]، ما يعني أن مفهوم التنسيق الأمني، بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، بات واسعاً جداً، ما عنى في الكثير من الحالات وقف عمليات المقاومة الفلسطينية الموجهة ضد الاحتلال في إطار السعي إلى التحرر الوطني، كما تعدى ذلك إلى التنسيق في مجال المطلوبين، ما بقي حصراً على الفلسطينيين، إذ لم يتم ذكر حوادث تقوم فيها دولة الاحتلال بتسليم مطلوبين إلى السلطة، على خلاف الأخيرة، التي لطالما صرحت بأنها أوقفت العديد من المطلوبين والعمليات ضد الاحتلال الإسرائيلي.
لقد جاء التنسيق الأمني، والتساهل الذي أبدته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية في الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، على أمل أن تلتزم "إسرائيل" بما نصت عليه تلك الاتفاقيات الساعية في النهاية إلى بناء الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967.
إلا أن الاحتلال أبقى ما يخدم وجوده، وتنكر للحقوق الفلسطينية التي جاءت عبر تلك الاتفاقيات. فلم يتم نقاش ملفات الوضع النهائي خلال خمس سنوات من اتفاقية أوسلو، حيث لم تلتزم "إسرائيل" بذلك، ما أعقبه اندلاع انتفاضة الأقصى، التي كان شرارتها، حينها، دخولُ "أرئيل شارون" إلى المسجد الأقصى في 28 أيلول/سبتمبر العام 2000.
لقد شهدت تلك الفترة توتراً في العلاقة بين أجهزة السلطة والاحتلال، ووصلت في بعض الأحيان إلى المواجهة خلال فترة ترؤس الراحل ياسر عرفات قيادة السلطة والمنظمة، إلا أنه عبر اتفاق الهدنة الذي وقع بين السلطة و"إسرائيل" العام 2005، عادت الأوضاع إلى ما كانت عليه سابقاً، ووقعت اتفاقيةُ المعابر حينها.[6]
تبع ذلك رئاسة الرئيس محمود عباس للسلطة والمنظمة، وبدأت سلسلة من المفاوضات مع الاحتلال الإسرائيلي، ما أفرز تعززاً في التنسيق الأمني بين الطرفين. إلا أن تلك المفاوضات توقفت العام 2014 في ظل تعنت "إسرائيل" ومواصلتها نهجها المتبع في الاستيطان، وقتل مقومات وأسس الدولة الفلسطينية المنشودة.
أما بالنسبة إلى موقف السلطة من التنسيق الأمني؛ فهو مبني على التمسك به كخيار واقعي، وعدم القدرة عن التخلي عنه، فقد أكد عديد من القيادات ذات النفوذ في السلطة، وفي هذا المجال، التمسك بهذا التنسيق مع الاحتلال.
الأسباب التي تمنع تطبيق السلطة قرار وقف التنسيق الأمني
أولاً. نهج السلطة: تتبنى السلطة الوطنية الفلسطينية منذ نشأتها بعد اتفاقية أوسلو مبدأ المفاوضات، وضرورة وجود علاقات مع الاحتلال الإسرائيلي أياً كان شكلها، حيث إنها لا تريد الدخول في نهج مغاير للمفاوضات.
ثانياً. العلاقات الداخلية: لا يزال هناك عدم استشعار من قيادة السلطة للعدو المشترك الذي يتمثل في الاحتلال الإسرائيلي، حيث إن هناك استشعاراً لخطر سيطرة قوى فلسطينية أخرى على القرار السياسي (تبدل الأولويات للسلطة).
ثالثاً. قدرات النظام السياسي للسلطة: يفتقر النظام السياسي الفلسطيني إلى عديد من إمكانيات تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني، ويتمثل ذلك في الآتي:
الأسباب الاقتصادية: السلطة الفلسطينية غير قادرة فعلياً على الوفاء بالتزاماتها المالية، والمتمثلة، بشكل أساسي، في دفع رواتب موظفيها، والبالغ عددهم نحو 150 ألف موظف، حيث لا تملك القدرة على التحكم بتدفق الأموال لخزينتها، وبخاصة أموال المقاصة.
ضعف مقومات السيادة: لا تمتلك السلطة السيطرة الكاملة والفعلية على معظم الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، وكذلك المعابر الخارجية والداخلية، حيث يتحكم الاحتلال الإسرائيلي بالحركة التجارية وحركة مرور السكان.
خشية فقدان مراكز القوة: هناك خشية من تشكل جيوب خادمة للاحتلال كقيادات وسطى تضطلع بمهام السلطة حال وقف التنسيق الأمني، ما يمهد لتشرذم الحالة الفلسطينية في الضفة الغربية، وتحقيق فكرة الكانتونات الإسرائيلية، وبخاصة أنه لا يمكن تجاهل إمكانية تطور علاقات ذات طابع شخصي في بعض الأحيان بين قيادات أمنية إسرائيلية، وشخصيات فلسطينية بمختلف المستويات.
قيود الاتفاقيات الموقعة: لا تزال القيادة مصرة، على المستوى الدولي، على الوفاء بالتزاماتها الموقعة في هذه الاتفاقيات، وترى أنها لو أوقفت التنسيق الأمني لخسرت التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، التي ترى أنها تُحرز تقدماً في المحافل الدولية.
رابعاً. أسباب خارجية: حالت حالة التشرذم العربية، والانشغال عن القضية الفلسطينية، وتبدل الأولويات دون تنفيذ القرار؛ حيث لم يعد الاحتلال الإسرائيلي هو العدو الرئيسي لها، إضافة إلى عدم استعداد الدول العربية لملء الفراغ، وسد العجز المالي للسلطة.
الآثار المترتبة على عدم تطبيق قرار وقف التنسيق الأمني
- فقدان جدية تهديدات السلطة والقرارات التي تتخذها منظمة التحرير، وعدم إمكانية الضغط بها في المستقبل على الاحتلال الإسرائيلي والمجتمع الدولي، ما يعني تآكلاً للقرار السياسي الفلسطيني، وزيادة تغول الاحتلال والاستيطان.
- فقدان ثقة الشعب الفلسطيني بالمنظمة وفاعليتها في كونها الممثل الشرعي والوحيد، ويعزز هيمنة السلطة على المنظمة، وعدم قدرة الأخيرة على إلزام السلطة بقرارات مصيرية، كإعادة النظر في شكلها ووظائفها والتزاماتها، أو حلها مثلاً، كما جرى التلويح به أكثر من مرة.
- زيادة حالة الغضب الشعبي على السلطة في الأراضي الفلسطينية، حيث أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز استطلاعات الرأي والدراسات المسحية في جامعة النجاح في آذار/مارس 2015 أن 59% من المستطلعة آراؤهم يؤيدون وقف التنسيق الأمني.[7]
- يدفع استمرار التنسيق الأمني إلى إثارة النزاعات بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد، وتمزيق صفوفه، وتشتيت جهود بناء المشروع الوطني الفلسطيني.
- زيادة الفجوة بين السلطة الفلسطينية والأحزاب الوطنية الفلسطينية، وبخاصة المقاومة بسبب تعنت السلطة الفلسطينية في تقديم خدمات للاحتلال الإسرائيلي.
البدائل
البديل الأول: إعادة بناء ورسم العلاقة مع الاحتلال من علاقة مع سلطة إلى علاقة بين دولتين
ينطلق هذا البديل من محدد أساسي قائم على أن الاحتلال لم يلتزم بالاتفاقيات الموقعة معه منذ العام 1993، وبالتالي من حق السلطة والقيادة الفلسطينية أن تعيد النظر في سياساتها تجاه الاحتلال كاملة، من خلال الاستناد إلى مجموعة من الركائز؛ أولها أن التطبيق يجب أن يكون بالتوازي وليس بالتوالي، وثانيها الانطلاق من فكرة انتهاء المرحلة الانتقالية، وثالثها الموقع الجديد للسلطة وتحولها إلى دولة يؤهلها إلى ذلك.
ويقوم هذا البديل على تبني مجموعة من السياسات، من أبرزها:
- تحديد العلاقة، بما فيها بعض الجوانب الأمنية بحكم الأمر الواقع، فقط بوزارة الشؤون المدنية، وأن يكون هناك جسم مختص داخل وزارة الشؤون المدنية للقيام بهذا الدور.
- التجريم القانوني لأي علاقة مع الاحتلال خارج إطار الهيئة المختصة داخل وزارة الشؤون المدنية، سواء للأشخاص أو المؤسسات.
- تشكيل هيئة وطنية لمتابعة الضغط الدولي، من خلال المؤسسات الدولية، على الاحتلال، لوقف سياساته المتجاوزة للسلطة، والقائمة على التعامل مع المواطنين مباشرة.
- تشكيل هيئة وطنية للتعبئة الجماهيرية بضرورة عدم التعامل مع السياسات الاحتلالية المدنية المباشرة، وتبيان مخاطرها المستقبلية على تكريس الاحتلال.
محاكمة البديل
أولاً. يبدو أن حجم الخسارة حال اعتماد هذا البديل سيكون كبيراً؛ كون إسرائيل والدول المانحة ستتخذ سياسات وإجراءات من شأنها أن تمس بالبنية التحتية للسلطة الفلسطينية، وتجعل الشعب الفلسطيني يدفع أثماناً سياسية واقتصادية كبيرة، إلا أن المنفعة من هذا البديل تقاس بمعيار أنه إذا لم يتم تطبيق البديل، سيعني تأبيد الاحتلال، وبقاء الوضع الحالي، ما يقود إلى المس بقدرة الشعب الفلسطيني وقيادته على التحول نحو خيارات جديدة تتعلق بمستقبله السياسي.
ثانياً. مقبولية البديل من عدمه تعتمد على مدى قناعة صانع القرار بالبديل، فإذا اعتمد صانع القرار البديل، سنجد أن القناعة الجماهيرية والشعبية تزداد تجاه تطبيقه، وهذا حدث كثيراً في تاريخ الشعب الفلسطيني.
ثالثاً. هناك وعي كبير بضرورة تطبيق البديل، سواء لدى شرائح المجتمع المختلفة، أو لدى القيادات الحزبية والفصائلية.
رابعاً. أما بخصوص معقولية تطبيق البديل، فالبديل يتمتع بمعقولية تطبيق عالية، وذلك نتيجة للوضع القانوني الجديد للسلطة الفلسطينية، باعتبارها دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة، كما أن السلطة تبنت، منذ العام 2012، سياسات خارجية تقوم على "خيار دبلوماسية المنظمات الدولية".
البديل الثاني: تعزيز قدرات النظام السياسي الفلسطيني
تكمن الإشكالية الأساسية في عدم تنفيذ السلطة قرارات المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير، في التخوف من العواقب التي ستلقاها جراء ذلك؛ سواء على المستوى الدولي أو المستوى الإسرائيلي. وتنوعت المخاوف من عقوبات اقتصادية وسياسية وأمنية، فمثل قرار كهذا، لا بد أنه يتطلب مجموعة من الإجراءات المتوازية لإنجاحه في مسعىً لتعزيز قدرات النظام السياسي، سواءً على المستوى التمثيلي أو المستوى التنفيذي، بما يمكّن من تعزيز الحالة الفلسطينية في مواجهة تداعيات التحول نحو خيارات جديدة، بما فيها وقف التنسيق الأمني. وتتمثل هذه الإجراءات في ما يأتي:
- ترتيب البيت الفلسطيني، بشكل أكثر ديمقراطية وأكثر فاعلية، وذلك من خلال إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، وإجراء المصالحة الوطنية.
- إعادة تحديد العدو المشترك للشعب الفلسطيني، والاتفاق على برنامج وطني موحد.
- إعادة بناء شبكة العلاقات الإقليمية والدولية، القائمة عليها السياسة الخارجية للسلطة الفلسطينية، بحيث يتم التركيز على أحلاف صديقة قديمة مثل أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، وكذلك الصين والهند.
- إيجاد شبكة ضمان اقتصادية؛ هدفها سد عجز رواتب موظفي السلطة، والموازنة الحكومية للوزارات، وذلك عبر جامعة الدول العربية، إضافة إلى الدول الصديقة، وذلك حال وقف سلطات الاحتلال تحويل أموال المقاصة.
- العمل على إنهاء التبعية الاقتصادية، وإنهاء سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على المعابر التي تربط الأراضي الفلسطينية بالعمق العربي (مصر-الأردن)، وذلك بالتحلل من الاتفاقيات التي وقعت في هذا الجانب، مع التوجه إلى المجتمع الدولي بتلك المساعي.
- العمل على تعزيز المصالحة الفلسطينية والوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ووضع استراتيجية وطنية واضحة تشترك فيها كل شرائح المجتمع الفلسطيني، تكون متوافقة على نتائجها وعواقبها لتتحمل مسؤوليات اتخاذ قرارات مصيرية كهذه.
- العمل على دعم حركة المقاطعة لإسرائيل التي تشهد نجاحات كبيرة خلال الفترة الحالية، وهي تعزز الرواية الفلسطينية، وتدحض الرواية الإسرائيلية لدى الشعوب الغربية.
- العمل على دعم المشاريع المتوسطة والصغيرة في الاقتصاد الفلسطيني لتعزيز صمود المواطنين.
محاكمة البديل
يمتاز هذا البديل بميزات عدة تجعله غير قابل للنقاش، فهناك إجماع وطني وإقليمي وشبه دولي على ضرورة تحقيق جانب كبير من السياسات التي يفترضها تطبيق البديل.
كما إن البديل يعتبر مسلمة وطنية فلسطينية، ويصلح لأن يكون بديلاً لكل الظروف الفلسطينية، إذ إنه في أي حالة فلسطينية، يتطلب تعزيز قوة النظام الفلسطيني ومناعته.
خاتمة
حتى تتمكن السلطة الفلسطينية من تنفيذ قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني مع الاحتلال الإسرائيلي، الذي بات يشكل خطراً على القضية الفلسطينية، ويهدد بتصفيتها، وبخاصة في ظل الإدارة الأمريكية الجديدة، فإنه لا بد من تكامل البدائل في ما بينها حتى يتم تحقيق الهدف المنشود. لكن يعد البديل الثاني هو الأفضل في ما بينها، وبخاصة أن أغلب السيناريوهات المطروحة، في ظل وقف التنسيق الأمني، تعنى أن هنالك حلولاً أو سياسات تفرض على السلطة بسبب عجزها عن فعل شيء وضعفها في مواجهة هذه التحديات.
كما أنه لا بد من العمل على تعزيز الثقة الشعبية بالقيادة الفلسطينية، التي تشكل الحاضنة الرئيسية والأساسية والحامية للقضية الفلسطينية من محاولات التصفية، وبخاصة أن السلطة الفلسطينية تعيش أسوأ حالاتها السياسية بعد 25 عاماً على مسار المفاوضات التي بات واضحاً للجميع أن نتائجه مقرونة بالفشل، وعدم وجود إرادة إسرائيلية للوفاء بأيٍّ من الالتزامات التي تعهدت بها إسرائيل في اتفاق أوسلو وملحقاته. كما إن دولة الاحتلال، في الوقت ذاته، لن تسمح بتنفيذ "حل الدولتين"، أو "حل الدولة الواحدة"، وتعمل على فرض الحل الإسرائيلي كما يبدو واضحاً في العمل على ضم الضفة الغربية (مستوطناتها) لسيادتها الكاملة، وإنشاء تجمعات فلسطينية (معازل) منفصلة عن بعضها البعض.
[1] لقد طالبت معظم الفصائل الفلسطينية، ومنها الجبهتان الشعبية والديمقراطية وقيادات من فتح، السلطة الفلسطينية، بوقف التنسيق الأمني. ويمكن مراجعة هذه المواقف من خلال الروابط الآتية:
bit.ly/2KKPjwy - bit.ly/2ATEnxd - bit.ly/2AVgB3E
[2] كتاب وإعلاميون فلسطينيون يطالبون القيادة الفلسطينية بانتهاج استراتيجية جديدة واعتماد أشكال المقاومة الشعبية، موقع أمد للإعلام، 7/12/2017. https://bit.ly/2nqwuW8
[3] جدل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، برنامج الواقع العربي، قناة الجزيرة، 19/12/2012. bit.ly/2My51wI
[4] هاني المصري، هل يمكن تعليق التنسيق الأمني مع إسرائيل؟، ورقة مقدمة إلى مؤتمر التوجهات الفلسطينية لتغيير الوضع الراهن الذي نظمه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، شباط 2016، 3. bit.ly/2MTCm8Z
[5] محمد عواد، أسس الترتيبات الأمنية الفلسطينية الإسرائيلية في الضفة الغربية وأثرها على التنمية السياسية (رسالة ماجستير)، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2015، 1.
[6] "اتفاق الهدنة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل العام 2005"، أمد للإعلام. bit.ly/2nqwuW8
[7] استطلاع الرأي العام للمركز الفلسطيني للدراسات المسحية، استطلاع رأي رقم 50، نيسان 2015. bit.ly/2vTJBmG