مقدمة
يعتقد بعض المختصين في إسرائيل بمجال التربية والتعليم، أن جهاز التربية والتعليم يمر في تحولات عدة، في مقدمتها تفشي حالة من التدين، أو لنقل تظهر فيه مظاهر من التدين من خلال مناهج وكتب تعليمية في مواضيع شتى، وبخاصة الآداب والاجتماعيات، وكذلك ارتفاع نسبة الزيادة في تحويل ميزانيات كبيرة لمؤسسات تعليمية دينية، وأيضاً لنشاطات دينية في مؤسسات تعليم رسمية غير دينية قيمتها 210 ملايين شيكل في العام المالي 2016. كما إن المناهج والبرامج والكتب التعليمية، تتعرض لمزيد من تغلغل مكونات ومركبات ومواضيع دينية، حتى إنّ كتب تدريس المواد العلمية، تحتوي على مضامين دينية، أو تلميحات وإشارات ذات صبغة دينية. ولا يزال وزير التربية والتعليم الحالي نفتالي بينيت، كعدد من سابقيه، وكبار موظفي وزارته، متمسكين بأنّ إسرائيل دولة يهودية وديمقراطية، وتغليب الجانب اليهودي من منطلق كونه متديناً أصلاً، ومن واجبه المحافظة على هذه التوليفة، بل يصرّح ليل نهار أن تعليم اليهودية أهم بكثير من تعليم الرياضيات.
ونرى في الآونة الأخيرة نقاشاً وجدلاً عامّاً في إسرائيل حول تعليم اليهودية في المدارس الرسمية، أي المدارس التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية. كثيرون من أولياء أمور الطلاب تحلقوا في دوائر منددة ومعترضة على تغلغل مكونات دينية في كتب التدريس التي يتعلم بها أولادهم، في حين أنّ دوائر وحلقات دينية بأطيافها كافة تعتبر هذا الأمر نصراً لها، لأنها بهذا التغلغل تفرض أجندتها العقائدية الدينية والسياسية معا على أحياز اعتُبرت إلى فترة ما ضمن حدود العلمانية في إسرائيل.
النقاش أو الجدل الدائر في إسرائيل بهذا الخصوص، يتمحور حول مخاوف وشكوك قطاعات واسعة من العلمانيين من جرّ جهاز التربية والتعليم نحو التدين، وفرض أجندات أيديولوجية بعيدة كل البعد عمّا يفكرون به، ويعيشون حوله. ومما لا شك فيه، أن التحولات داخل المجتمع الإسرائيلي باتجاه الانتشار الواسع للتيارات الدينية، لها كبير الأثر على العلمانيين. ومن جهة أخرى، سعى العلمانيين إلى الحفاظ على أن تكون إسرائيل علمانية الحياة، كما تأسّست مع احترام أحياز جماعات دينية وغير دينية من منطلق كونها ديمقراطية، وأن يكون تعليم اليهودية في المدارس الرسمية على أساس كونه مادة ثقافية، وليست دينية. أمّا المادة الدينية الصرفة، فلتدرّس في التعليم الديني. مقابل هذا التوجه، يبرز توجه التيارات الدينية المنادية بتغليب التعليم الديني والتراثي المرفق على الجانب القائم.
أصبحت ظاهرة انتشار المضامين الدينية في مناهج وكتب التعليم، ودروس إلزامية في اليهودية، وجمعيات دينية تعمل داخل المدارس، بارزة ولافتة في الآونة الأخيرة (على الأقل في السنوات الخمس الأخيرة). وهذا بفعل تنوع التيارات الدينية الناشطة على الساحة في إسرائيل، وعلى وجه الخصوص، تفاقم قوة التيار الحريدي.
هنالك أمثلة ونماذج كثيرة للتدين في المؤسسات التعليمية الرسمية؛ مثل أناشيد دينية في مناسبات دينية، أو ذات صفة قريبة من الدينية؛ مثل "يوم أورشليم"، وذلك لتعميق الارتباط بهذه المدينة التي يشار إلى أنها عاصمة إسرائيل "الموحدة والأبدية"، وأيضاً نصوص ذات مضامين دينية في كتب التدريس مثل صلوات الاستسقاء في كتب تعليم الجغرافيا، وحظر ارتداء ملابس قصيرة في المدرسة، وأثناء الفعاليات فيها.
تتطرّق هذه الورقة إلى هذه الظاهرة الآخذة بالانتشار والتوسع في المجتمع الإسرائيلي عموماً، وفي جهاز التربية والتعليم خصوصاً، وفي تخصيص الخصوصي فإنّنا سنتعمق في قراءة عدد من الكتب التعليمية المعتمدة والمقررة في المدارس الإسرائيلية الرسمية، وما تحتويها من توجهات ونصوص وإشارات ورموز دينية يهودية، وهو موضوعنا المركزي.
لكن، لا يمكننا الوصول إلى فهم الظاهرة في المناهج والكتب التعليمية إلاّ بعد عرض للظاهرة في مجمل المؤسسة التعليمية؛ أي جهاز التربية والتعليم في إسرائيل. عرض كهذا سيتيح للقارئ والمهتم بالشأن الإسرائيلي إدراك التحولات الحاصلة، ليس فقط في جهاز التعليم أو المناهج والكتب التعليمية، إنّما ما يمرُّ به المجتمع في إسرائيل في العقدين الأخيرين، بأقل تعديل من تغيرات وميول نحو عنصرية ورفض قبول أي رأي مخالف، وفرض طروحات سياسية ودينية. الطروحات الدينية ناتجة عن تفاقم قوة وحضور الأحزاب والحركات الدينية الصهيونية واليهودية سواء في إسرائيل، أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من خلال المشروع الاستيطاني. ويعتقد عدد كبير من سياسيي إسرائيل، أنّ اللجوء إلى الفكر الديني، أو النصوص الدينية، هو بمثابة خشبة خلاص لأفعال استيطانية قهرية ضد الفلسطينيين، وتعزيز ادَّعاءاتهم بحق اليهود قبل الفلسطينيين في فلسطين بكونها الأرض الموعودة، وفقاً للنص الديني. وهذا ما يعزز التوافق بين المسارين الاستيطاني والتدين بتأثير الواحد على الآخر، بل تفاعله معه.