الرئيسية » برنامج القطان لدراسة المشروع الصهيوني » إصدارات المركز »  

| | |
الصّهيونيّة والاستيطان ... إستراتيجيّات السّيطرة على الأرض وإنتاج المعازل

مقدّمة

يُولد الإنسان من رحم الأم وحيداً، وحين يموت، يذهب وحيداً، يستقبله الإنسان ويودّعه الإنسان في دورة تبدأ بالأم، وحين تنتهي، تنتهي إلى الأرض.  وكذلك هو صراع الفلسطينيّ مع الصهيونيّة، يبدأ بالإنسان لينتهي دائماً إلى حقيقة واحدة: الأرض.  فتُسخّر كافة منظومات السيطرة الاستعماريّة من القضاء، مروراً بالعسكر حتّى التنميّة والاقتصاد، جميعها لهدف الاستيلاء على الأرض.  وعلى الجهة المُقابلة، يستشهد ويُسجن ويُعتقل ويُعذّب ويُطرد فيُنفى، يسخّر العائلة والبلدة وتضحّي الأم بالابن، ويُضحّي الأب بالابنة والطفل والطفلة، جميعهم للحيلولة دون استيلاء المُستعمر على الأرض.  ومن هذا المنطق، ينطلق الباحث لدراسة الاستيطان الإسرائيليّ، بوصفه أداة السيطرة على الأرض والمجتمع والإنسان الفلسطينيّ، وبوصفه أداة السيادة الاستعماريّة على الأرض؛ أي الشكل المادّي النهائيّ للبناء على الأرض وإحاطتها كمُستعمرة ودليل إعلان سيادة على الحيّز الذي أقيمت فيه.  وبما أن المشروع الاستعماريّ في أرض فلسطين لم ينتهِ بعد، فإنّها، وإضافة إلى كونها إعلان سيادة، تشكّل نقطة ارتكاز للانطلاق نحو السيطرة على المزيد من الأرض، ما يعني بالضرورة المزيد من البناء الاستيطانيّ، وطالما أن البناء الاستيطانيّ لم يتوقّف وما زال يتوسّع، فإن المشروع ما زال قائماً؛ أي مستمراً ولم يكتمل بعد.

رابط الكتاب

يعمل هذا البحث على قراءة منظومات السيطرة الإسرائيليّة على الأرض الفلسطينيّة، من خلال قراءة مراحل تاريخيّة مهمّة أدّت إلى تحوّلات في طريقة الاستيلاء على الأرض، وليس في الاستيلاء على الأرض ذاتها، مستنداً إلى مقولة أن الاستيلاء على الأرض في فلسطين ليس حدثاً بل هو المنظومة، وأن الاستيطان هو جوهر الصهيونيّة وليس ظاهرها.  وبالتاليّ، فإن البحث يذهب في البداية إلى تفكيك العلاقة ما بين "الدولة" و"الحركة الصهيونيّة" بهدف فهمها من خلال قراءة تاريخيّة لهذه العلاقة، وخصوصيّة وحيثيّات العلاقة في "المناطق المحتلة"، وما هو دور الحركة، وبخاصة "المنظّمة الصهيونيّة العالميّة" في الاستيطان في الأراضي المحتلة العام 1967، والأراضيّ المحتلة العام 1948، وبخاصة منطقة النقب، وما هي طُرق عملها، ما يُساعدنا على فهم منطق الصهيونيّة ودورها كحركة سياسيّة وأيديولوجية في العام 2017.  وثانياً، يذهب البحث إلى قراءة تاريخيّة في صيرورة العلاقة بين "الاستيطان" و"القانون الإسرائيليّ"، وكيف شكّل "القانون" في المراحل كافة التي لها علاقة بـ"الاستيلاء على الأرض" مرحلة يتم من خلالها إعادة صيانة الذراع الاستيطانيّة، بعد أن يصطدم بواقع ناتج عن ممارسات استعماريّة تسبق عمليّة التشريع، بعكس ما هو متّبع في واقع "طبيعيّ".  وبعد فهم آليّات السيطرة الإسرائيليّة، يذهب البحث إلى دراسة السياسة الاستيطانيّة من حيث أماكن الاستيطان، ومناطق تواجده، والعمق الاستراتيجيّ-الأمنيّ، والأهم: معرفة كيف تمّت عمليّة إنتاج "المعازل" الفلسطينيّة.  وكيف تمّت على الأرض عمليّة منع تشكّل أساس مادّي لقيام كيان سياسيّ فلسطينيّ.  أمّا الجزء الرابع من البحث، فسيكون سياسيّاً فلسطينياً، حيث يقدّم حلولاً وتوصيات وقراءة في الحالة الفلسطينيّة، وما الممكن فعله، من خلال التركيز على النقاط التي تؤثّر على وتيرة الاستيطان ومجتمع المستوطنين.  ومن المهم الإشارة، منذ البداية، إلى أن على هذا البحث أن يكون جزءاً من عمل جماعيّ، يتكامل ويتصافى ويُساهم في إنشاء لوحة معرفيّة متكاملة تشكّل هي الأخرى بدورها جزءاً من لوحة أكبر يشكّلها الشعب الفلسطينيّ بأكمله، من الباحث حتّى السياسيّ، مروراً بالحرفيّ والمربّي، لتتشكّل اللوحة الأكبر التي يشحذها البحث المعرفيّ كما تشحذها المُقاومة، وكما الفن والأدب والاقتصاد والتربيّة وتُسمّى: حركة تحرّر.

يود الباحث توجيه شكر خاص إلى المركز الفلسطينيّ لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية "مسارات"، الذي منح الكاتب الدعم اللازم لإنجاز هذه الدراسة، وبخاصة كلاً من الأستاذ هاني المصريّ، والأستاذ خليل شاهين.  وطبعاً يود الباحث توجيه شكر خاص، أيضاً، إلى كل من د. عميد صعابنة، ود. هنيدة غانم وديانا الزير وفارس جقمان، على دعمهم وملاحظاتهم القيّمة التي قدّموها للباحث خلال مسيرة العمل على إنجاز هذا البحث، ما أغناه وطوّره وساهم في صدوره بشكله النهائيّ، فلهم كل الشكر، ويتحمّل الباحث المسؤوليّة الكاملة عن كل ما ورد ويرد في هذا البحث.

مشاركة: