الرئيسية » تحليل سياسات »   10 حزيران 2020

قراءة/تحميل | | | |
نحو سياسات لتحرير الغاز الفلسطيني في مياه قطاع غزة

هذه الورقة من إعداد إسراء دعّاس، حنين شعت، لينة أبو خبيزة، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السادسة 2019-2020.

مقدمة

مثّل الصراع على الموارد الطبيعية عاملًا رئيسًا في تشكيل علاقة الكيان الصهيوني بجيرانه العرب. وقد أضافت اكتشافات حقول الغاز الطبيعي في مياه شرق المتوسط بعدًا جديدًا لأبعاد ذلك الصراع.

وقّعت السلطة الفلسطينية، في العام 1999، اتفاقية مع مجموعة British Gas "بي جي" وشركة اتحاد المقاولين العرب (CCC)، تحظى بموجبها المجموعة بامتياز التنقيب واستخراج الغاز الطبيعي من المياه الاقتصادية لقطاع غزة لمدة 25 عامًا. وفي العام 2000، اكتُشِف حقل "غزة مارين" على بعد 30 كيلو مترًا من الشاطئ، وبعمق 600 متر تحت سطح البحر.[1]

بدأت المفاوضات مباشرة بعد اكتشاف الحقل، بين السلطة الفلسطينية وشركة "بي جي" من جهة، والحكومة الإسرائيلية من جهة أخرى، ضمن فصل التعاون الاقتصادي في اتفاقية أوسلو التي تمنح الفلسطينيين الحق في استخراج الثروات من المنطقة التي اكتشف فيها الغاز، لكنها تمنح إسرائيل الحق في منع حركة الملاحة فيها لأسباب أمنية. وقد سعت شركة "بي جي" في ذلك الحين إلى تأمين مشترين للغاز الذي سيُستخرج، وكانت إسرائيل المرشح الأول لذلك، نظرًا لكونها، حتى ذلك الوقت، مستوردًا لمصادر الطاقة.[2] وقد أبدت شركة (IEC)، المسؤولة عن إنتاج وتوزيع الكهرباء لكافة المناطق في إسرائيل، رغبتها بشراء الغاز، الأمر الذي لاقى قبولًا مبدئيًا من السلطة الفلسطينية.[3]

مع تصاعد انتفاضة الأقصى في العام 2000، منع حينها رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون شراء الغاز الفلسطيني لذرائع أمنية، وبعد وساطة أميركية، أعرب عن موافقة مشروطة بتزويد إسرائيل 0.05 ترليون قدم مكعبة من الغاز الفلسطيني سنويًا لتوفير الغاز لإسرائيل لمدة 10 إلى 15 سنة. لكن أهداف شارون توضحت في العام 2003، إذ اشترط عدم تحويل الريع الغازي إلى السلطة الفلسطينية، بحجة منع تمويل "الإرهاب". واقترحت إسرائيل بدلًا من ذلك إيداع الريع الغازي في "الحساب الخاص"، الذي يستعمل لاستلام المساعدات الخارجية وأموال الضرائب التي تسلمها إسرائيل للسلطة.[4]

عند استلام إيهود أولمرت رئاسة الحكومة الإسرائيلية، في العام 2006، استأنفت الحكومة الإسرائيلية التفاوض مع شركة "بي جي"، لكنها أضافت شرطًا يقضي بأن يمتد خط الأنابيب من حقل "غزة مارين" إلى مدينة عسقلان في الأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948، ومنها يوزع إلى بقية المناطق "الإسرائيلية"، إضافة إلى إيصال الغاز من عسقلان إلى غزة، ما يعني أن إسرائيل ستتحكم بإمدادات الغاز التي تزود بها غزة. لكن شركة "بي جي" رفضت هذه الشروط، وتوقف العمل في الحقل منذ حينه، وأغلقت "بي جي" مكتبها في تل أبيب. وكان تطوير حقل غزة البحري قد دخل مرحلة جمود لسنوات في ظل خلافات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي حول المشروع ومنع إسرائيل استخراج الغاز، وقد زاد الموضوع تعقيدًا سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في العام 2007.

خلال العامين 2009 و2010، اكتشفت إسرائيل حقلي "تامار" و"ليفياثان" في "مياهها" الاقتصادية، باحتياطات ضخمة من الغاز الطبيعي؛ ما حوّل إسرائيل من دولة مستوردة إلى مصدرة للطاقة، لدرجة أكسبتها أهمية جيوسياسية إضافية في المنطقة. وبذلك، زالت الحاجة الإسرائيلية إلى شراء الغاز الفلسطيني، ما جعلها في موقف تفاوضي أكثر صلابة، وأكثر تعنتًا في ملف الغاز الفلسطيني.

في نيسان/أبريل 2018، أعلن صندوق الاستثمار الفلسطيني، عن التوصل إلى اتفاق مع شركة "شل" حول خروجها من رخصة تطوير حقل الغاز الطبيعي "غزة مارين"، وهي شركة بريطانية هولندية، آلت إليها حقوق تطوير حقل الغاز قبالة سواحل غزة بعد استحواذها في العام 2015 على شركة "بي جي" البريطانية.

ويأتي هذا الاتفاق ضمن رخصة تطوير حقل "غزة مارين" بموجب قرار مجلس الوزراء الفلسطيني، الذي صادق على خروج "شركة شل" من رخصة تطوير الحقل واستبدالها بتحالف جديد يتكون من صندوق الاستثمار الفلسطيني وشركة اتحاد المقاولين بنسبة 27.5% لكل منهما بموجب الحقوق المتاحة لهما في اتفاقيات الرخصة الحالية، وتخصيص 45% لشركة عالمية مطورة يتم المصادقة عليها من قبل مجلس الوزراء الفلسطيني.

وفي أواخر العام 2019، شاركت فلسطين في تأسيس منتدى غاز شرق المتوسط للغاز بعضوية سبع دول وهي: مصر، والأردن، واليونان، وإيطاليا، وفلسطين، وإسرائيل، وقبرص، ليكون مظلة للتعاون وللتفاهم بين الدول المالكة للغاز في دول منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

أهمية الغاز للفلسطينيين

يحظى الغاز الطبيعي باهتمام متزايد في أسواق الطاقة العالمية، ووفقًا لتوقعات وكالة الطاقة الدولية، نهاية العام 2019، فإن الطلب العالمي على هذا المصدر سيستمر بالارتفاع خلال العقد القادم.[5]

يحتوي حقل غزة (مارين) على ترليون قدم مكعب، بحجم إنتاج يقدر بحوالي 1.6 مليار متر مكعب سنويًا (حوالي 57 مليار قدم مكعب). فيما وُصِفَ هذا الغاز بأنه نقي، مما يسهل بيعه، وقريب من الشاطئ، مما يسهل عملية استخراجه بأقل التكاليف، وبالتالي فإن عملية استخراجه مجدية من الناحية التجارية.[6]

يكتسب الغاز أهميةً خاصة بالنسبة إلى الفلسطينيين نظرًا للاعتبارات الآتية:

أولًا: حل مشكلة الطاقة

يعاني قطاع غزة من نقص حاد في مصادر الطاقة، يتجلى أثر ذلك بانقطاع التيار الكهربائي من 12-16 ساعة يوميًا في قطاع غزة، نتيجة توفر 47% فقط من احتياج المواطنين للكهرباء. كما أن معظم مناطق الضفة الغربية تحصل على الكهرباء عن طريق شرائها من شركة الكهرباء الإسرائيلية، ما يجعل المواطنين الفلسطينيين عرضة لابتزاز الشركة الإسرائيلية.

وفي حال تمّ استغلال الغاز الفلسطيني في شواطئ غزة، فستُحل أزمة الطاقة في القطاع وتلبية الطلب المحلي في كل من الضفة والقطاع.

ثانيًا: رفد الموازنة العامة

يشير التقرير السنوي لصندوق الاستثمار الفلسطيني للعام 2012 إلى فوائد واسعة النطاق في العديد من المجالات الرئيسية من "تسييل ناجح لمشروع غاز غزة". وتقدر الوفورات بأكثر من 560 مليون دولار سنويًا في فاتورة الطاقة للسلطة الفلسطينية، وعائدات مباشرة تقارب 2.5 مليار دولار على مدى عمر المشروع الذي يصل إلى 20 عامًا للحقل، إلى جانب توقع "فرص استثمار ضخمة في قطاع الطاقة" لشركات توليد الطاقة المستقلة.[7]

تتضاعف أهمية هذين البندين نظرًا لدورهما في تعزيز المساعي الرامية إلى الانفكاك الاقتصادي عن الاحتلال.

مشكلة الورقة

تكمن مشكلة الورقة في غياب سياسات وجهود رسمية فاعلة من شأنها كسر المنع الإسرائيلي الذي يحول دون استغلال حقول الغاز الطبيعي في مياه غزة، فعلى الرغم من ثبوت ملكية هذا الغاز للفلسطينيين وفقًا للقانون الدولي، والاتفاقيات والمعاهدات الدولية، التي جرت بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، ومرور عقدين من الزمن على اكتشاف الغاز، إلا أنه لم يجر إلى الآن أي استخراج لهذا الغاز، رغم الحاجة الفلسطينية الماسة إليه.

ومع مرور الوقت، تتضاعف خطورة غياب هذه السياسات نظرًا لخاصية الانتشار لدى الغاز الطبيعي، وإمكانية تسربه بين الشقوق، ما يعزز من احتمالية سحب الغاز الفلسطيني من خلال الآبار "الإسرائيلية" المجاورة.

وعلى صعيد آخر، فإن تكشّف النوايا الأميركية والإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية عمومًا، ينذر بتطورات مستقبلية من شأنها الحدّ من قدرة الفلسطينيين على استغلال مواردهم المختلفة، بما فيها الغاز، ذلك أن "رؤية ترامب" أو ما تسمى بـ"صفقة القرن"، التي أُعلن رسميًا عن بنودها مطلع العام 2020، تمنح إسرائيل السيادة في الجو والبر والبحر، بما في ذلك السيادة على المياه قبالة سواحل غزة، وهو ما يعزز الحاجة إلى سياسات فاعلة لتثبيت الحق الفلسطيني.

أسباب منع إسرائيل استغلال حقول غزة

في البداية، منعت إسرائيل تطوير حقول الغاز؛ لأنها سعت إلى شروط تجارية مواتية للغاز المنتج، كما أنها أرادت في مرحلة لاحقة أن تؤمن احتياجاتها من الغاز في حال انقطعت الإمدادات التي تحصل عليها من مصر. وبعد أن اكتشفت مواردها الخاصة، بدأت تتحدث عن "مخاوف أمنية" ازدادت مع سيطرة "حماس" على قطاع غزة.

تسعى إسرائيل إلى بقاء التبعية الفلسطينية لها في مجال الطاقة، من أجل إبقاء قبضتها الخانقة على الاقتصاد الفلسطيني، ولأن استقلاله في مجال الطاقة يعني دفعة قوية باتجاه تحقيق المصير. وكذلك تستفيد إسرائيل من الاعتماد الكامل عليها في موضوع الطاقة لتحقيق "سلام اقتصادي"، إذ إن احتمالات عدم الاستقرار تتضاءل عندما يتم تعزيز هذا الاعتماد.

أمّا على الجانب الفلسطيني الرسمي، فقد حال التمسك بمسار المفاوضات المباشرة مع إسرائيل - كطريق أوحد للوصول إلى حل شامل للقضية الفلسطينية، وما ترتب عليه من افتقار إلى إستراتيجية مواجهة شاملة - دون تبني السلطة الفلسطينية سياسات فاعلة لإحراز تقدم في ملف الغاز الفلسطيني. كما لعبت أطراف إقليمية دورًا في تقييد حركة السلطة في هذا المجال.

ومع انسداد أفق حل الدولتين (المبدأ الذي يستند إليه خيار المفاوضات المباشرة)، يُفتح الباب على مصراعيه لتبني إستراتيجية مواجهة شاملة مع الاحتلال، بما يتيح المجال لتوظيف السياسات الواردة في هذه الورقة.

الأهداف

الهدف العام: تقديم سياسات من شأنها تعزيز قدرة الجهات الرسمية الفلسطينية على تحرير الغاز الطبيعي الموجود في مياه قطاع غزة.

الأهداف الخاصة:

  • تسليط الضوء على الواقع الجيوسياسي الذي خلقته اكتشافات الغاز في المنطقة، وإمكانية توظيفه لتحصيل الحق الفلسطيني.
  • تقديم آليات للاستفادة من بنود القانون الدولي التي تساند الحق الفلسطيني.

المعايير

تتناول الورقة عددًا من البدائل التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، ويتطلب ذلك تحديد معايير من شأنها قياس قدرة البدائل المطروحة على الوصول إلى الأهداف، وهي:

المقبولية: مدى مقبولية البديل فلسطينيًا، على المستوى الرسمي والشعبي.

المنفعة والخسارة: حجم المكاسب والمخاسر التي يمكن أن تترتب على تبني البديل.

المعقولية: إمكانية التطبيق.

البدائل

البديل الأول: البديل القانوني

يقوم هذا البديل على اللجوء إلى محكمة العدل الدولية، لرفع دعوى قضائية، إذ تعدّ المحكمة الجناح القضائي لهيئة الأمم المتحدة، وتختص بالنظر في النزاعات التي تحيلها إليها الدول، وكذلك تقديم فتاوى في المسائل القانونية المحالة إليها من قبل أجهزة الأمم المتحدة والوكالات الدولية المخولة. ويكون قرار المحكمة في النزاع المعروض عليها ملزمًا، ويمكن أن يتضمن التعويض عن أي أضرار ثبت وجودها، و/أو السماح للفلسطينيين ممارسة حقهم في استغلال مواردهم الطبيعية، و/أو إجبار الدولة المعتدية على إعادة الحال إلى ما كان عليه.[8]

يعدّ منع إسرائيل الفلسطينيين من استغلال الموارد الطبيعية الموجودة ضمن إقليمها مخالفة واضحة وصريحة لحق مكفول في عدد من الاتفاقيات الدولية منها اتفاقية لاهاي، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي تعدّ كل من فلسطين وإسرائيل أطرافًا فيه، وهو ما أكدت عليه المادة الأولى من العهد.[9]

وعلى صعيد آخر، يمكن تعزيز الدعوى القضائية الفلسطينية بآراء الخبراء الجيولوجيين التي تؤكد إمكانية تسرب الغاز عبر الشقوق من الآبار الفلسطينية إلى الآبار الإسرائيلية المجاورة، وهو ما يفاقم الضرر الواقع على الفلسطينيين نتيجة منع إسرائيل لهم من استغلال الغاز.

المقبولية: يحظى هذا البديل بالمقبولية لدى الفلسطينيين على المستوى الرسمي والشعبي، فقد كان خيار اللجوء إلى القانون الدولي خيارًا مطروحًا على الدوام من قبل القيادة الفلسطينية، كما يحظى البديل بالمقبولية على المستوى الدولي. لكن من المرجح ألا يكون هذا البديل مقبولًا لدى بعض الأطراف الإقليمية، مثل الدول الأعضاء في منتدى شرق المتوسط للغاز، التي ترى أن حل المشاكل من هذا النوع يجب أن يتم داخل المنتدى.

المنفعة: هذا البديل يحقق منفعة للفلسطينيين في فرض هذا الملف في المحافل الدولية، وهو ما يشكل أداة ضغط جديدة على إسرائيل وحلفائها.

الخسارة: يترتب على هذا البديل تكلفة مادية عالية نظرًا لما يحتاج إليه الخبراء والمختصين في القانون الدولي لمتابعة الإجراءات القانونية في المحاكم الدولية، بالإضافة إلى الضغوطات التي ستمارسها إسرائيل وحلفاؤها لمنع الفلسطينيين من اتخاذ هذا الإجراء، مع الإشارة إلى أن هامش الضغط المتاح لدى إسرائيل والولايات المتحدة قد تقلص في الآونة الأخيرة بعد إعلان رؤية ترامب، وإعلان إسرائيل شروعها في ضم أجزاء من الضفة الغربية.

المعقولية: يحدّ من إمكانية تطبيق هذا البديل رفض إسرائيل الخضوع لولاية المحكمة، مما يعيق إجراءات التقاضي، نظرًا لكون القضاء الدولي قضاءً اختياريًا، ولأن ولاية المحكمة تبدأ من تاريخ قبول إسرائيل لاختصاص المحكمة.

البديل الثاني: استثمار عضوية فلسطين في منتدى غاز شرق المتوسط 

يمثل المنتدى أهمية للدول لا تقتصر على مسألة الغاز وتنمية الموارد فحسب، بل تتعدى إلى إمكانية حدوث اتفاقيات أخرى بين الدول التي بدورها تعزز الاتصال والحوار بينها، فالمنتدى يشكل تحالفات مرنة وفعالة تتمثل في وجود المصالح المشتركة، والاستعداد للتعاون في مواجهة التحديات الأمنية وتأثير الاختلافات وزيادة التقارب بين الدول والشعوب.

ويمثل المنتدى لبعض الدول فرصة في ترسيخ مكانتها وجعلها مركزًا إقليميًا للطاقة، والتغلب على أزمتها الاقتصادية، وتعزيز مكانتها في الساحات الإقليمية والدولية. وعلاوة على ذلك، تعدّ الولايات المتحدة والدول الأوروبية المنتدى وسيلة لتعزيز مصالح شركات الغاز الأميركية والأوروبية في شرق المتوسط، وتقليل الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. بالإضافة إلى أن التعاون بين الدول ضروري لمواجهة التحدي التركي، حيث تعمل أنقرة على فرض سيطرتها على المنطقة.

أما بالنسبة إلى إسرائيل، فيحظى المنتدى بأهمية خاصة لها تتمثل في خدمة مصالحها الاقتصادية، وتعزيز مكانتها الإستراتيجية، علاوة على مساعيها السياسية بدمجها في المنطقة، والتجسير بينها وبين العالم العربي، والعمل على تطبيع وجودها بين الدول، وتطوير علاقتها في شرق المتوسط.

بناء على ما سبق، وفي ضوء أن الإعلان التأسيسي للمنتدى ينص على أن القرارات تؤخذ بالتوافق من كافة الدول الأعضاء، تتضح إمكانية توظيف المنتدى لفرض ملف الغاز الفلسطيني والضغط على الدول الأعضاء، بما فيها إسرائيل، من أجل إيجاد حلول مناسبة، وذلك من منطق قدرة فلسطين على إحباط قرارات المنتدى ما لم يتم أخذ المصلحة الفلسطينية في الاعتبار.

يضاف إلى ذلك، أن عضوية فلسطين في المنتدى تضفي الشرعية على عضوية حكومتي الأردن ومصر، اللتين تواجهان معارضة شعبية فيما يخص عضويتهما في المنتدى، وأي شكل من أشكال التعاون مع إسرائيل في مجال الغاز الطبيعي، ما يشكل نقطة قوة لفلسطين تتمثل بإمكانية التلويح بورقة تجميد عضويتها إذا لم يُعالج ملف الغاز الفلسطيني.

المقبولية: تبقى مقبولية هذا البديل لدى المستوى الرسمي الفلسطيني مرتبطة، إلى حد كبير، بمقبوليته لدى مصر، وذلك بحكم ثقل مصر ومكانتها فيما يخص القضية الفلسطينية. لذلك، فإن اتباع هذا البديل يجب أن يترافق مع تنسيق عالٍ مع كل من مصر والأردن.

العقلانية: البديل عقلاني وإمكانية تطبيقه عالية جدًا، وذلك بحكم تمتع فلسطين بالعضوية الكاملة في المنتدى.

الربح والخسارة: يعدّ هذا البديل ورقة رابحة في يد السلطة الفلسطينية كونه وسيلة لفرض المصلحة الوطنية، كما أنه يعزز القدرة التفاوضية لفلسطين في أي مفاوضات مستقبلية مع إسرائيل في حال توفرت ظروف مواتية لخوض مفاوضات مباشرة. لكن من الممكن أن يؤدي إلى توتر العلاقات مع الدول الأخرى بسبب إحباط القرارات وتعطيل مصالح بعض الدول.

البديل الثالث: السعي للتعاقد مع شركة صينية لاستخراج الغاز

ينص هذا البديل على استدراج عطاءات من شركات صينية متخصصة في التنقيب عن الغاز الطبيعي واستخراجه. وفي حال التعاقد مع إحدى تلك الشركات، فإن الشركة الصينية ستطالب إسرائيل بإزالة العقبات التي تحول دون ممارسة حقها في التنقيب عن الغاز واستخراجه.

يعزز من فرص نجاح هذا البديل، التطورات التي شهدتها الآونة الأخيرة، والتي تمثّلت بتكثيف الولايات المتحدة ضغوطها على إسرائيل لدفعها إلى الحدّ من تنامي حجم وطبيعة الاستثمارات الصينية في السوق الإسرائيلي، الأمر الذي يتوقع أن يلاقي تجاوبًا من طرف إسرائيل وتقليص الحضور الصيني في القطاعات الاقتصادية التي تثير حفيظة واشنطن، وما يرافق ذلك من خسائر للشركات الصينية التي تستثمر في إسرائيل. لكن حجم المصالح الإسرائيلية مع الصين سيدفع المسؤولين في إسرائيل إلى تجنب أي انتكاسة قد يتسبب بها التدخل الأميركي في العلاقة مع بكين، وستكون إزالة العقبات أمام استخراج الصينيين للغاز الفلسطيني، إحدى السبل لتحقيق ذلك.

المقبولية: يحظى هذا البديل بمقبولية عالية في الأوساط الرسمية والشعبية في فلسطين، نظرًا للعلاقة التاريخية مع جمهورية الصين الشعبية، ودعم بكين لمواقف القيادة الفلسطينية فيما يخص الصراع مع إسرائيل. كما يحظى بفرصة قبول عالية لدى إسرائيل بحكم المصالح التي تجمعها مع الصين، وسعيها للحفاظ على تلك المصالح وتعزيزها.

المعقولية: إمكانية تطبيقه عالية نظرًا لحق الفلسطينيين القانوني في التعاقد مع أي طرف فيما يخص استخراج الغاز من المياه الاقتصادية لقطاع غزة، إضافة إلى توفر شركات صينية متخصصة في هذا المجال، وهو ما ينسجم مع توجه الصين للاستثمار عالميًا في قطاع الطاقة.

الخسارة: تتمثل الخسارة الناتجة عن هذا البديل في الميزة التفاوضية التي يمنحها للشركة الصينية أثناء المفاوضات مع الفلسطينيين على نسبة كل طرف من عائدات الغاز، إذ ستضغط الشركة الصينية باتجاه الحصول على نسبة عالية من العائدات مقابل تكبدها عناء مقارعة الجانب الإسرائيلي، واستغلالًا لحاجة الفلسطينيين إلى الشراكة معها. كما أن هذا البديل يجعل الفلسطينيين عرضة لتفاهمات ثنائية بين الشركة الصينية وإسرائيل، التي قد لا تصب في المصلحة الفلسطينية.

المنفعة: يحقق المصلحة الفلسطينية المتمثلة في تكثيف الضغط على إسرائيل لإزالة العقبات التي تضعها أمام استفادة الفلسطينيين من الغاز.

البديل الرابع: اعتبار إسرائيل شركة أجنبية وإجراء مفاوضات تجارية حول موضوع الغاز

ينص هذا البديل على بدء التفاوض مع إسرائيل بصفتها شركة أجنبية، فينطبق عليها ما ينطبق على الشركات الأجنبية التي تعاقدت معها السلطة الفلسطينية كشركة "بي جي" وغيرها، بغرض التوصل إلى اتفاق تجاري يقضي باستخراج إسرائيل للغاز من حقل "غزة مارين" وفق حصص متفق عليها لكلا الطرفين. وذلك قياسًا على قضية المياه، حيث تستخرج إسرائيل، ممثلة بشركة "مكوروت"، المياه من معظم آبار الضفة، ويحصل الفلسطينيون على أكثر من نصف احتياجاتهم عن طريق شرائها من الشركة الإسرائيلية.

المقبولية: لا يحظى هذا البديل بمقبولية عالية، سواء في الأوساط الحزبية أو الشعبية، لا سيما في ظل وجود دعوات للمقاطعة ووقف التطبيع، وكونه يتعارض مع التصريحات الرسمية الفلسطينية حول العمل على الحد من التبعية الاقتصادية لإسرائيل. ولكنه ينسجم مع الممارسة العملية التي تضطر إليها القيادة الفلسطينية للتعامل مع عدد من القضايا. أما بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي فقد يلقى هذا البديل مقبولية عالية كونه منسجمًا مع الهدف الإسرائيلي القائم على تعزيز تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل.

المعقولية: إمكانية تطبيقه عالية، خاصة في ظل وجود اتفاقيات اقتصادية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، كالاتفاقيات المتعلقة بقضية المياه، على أن تكون هذه الاتفاقيات ذات شروط تجارية بحتة بوساطة دولية تضمن تنفيذ بنود الاتفاق، خاصة أنه يحقق مصلحة إسرائيلية.

الخسارة: من شأن هذا البديل تعزيز التبعية الاقتصادية لإسرائيل. كما يتوقع أن يكون مكلفًا لجهة نسبة السلطة الفلسطينية من الريع الغازي في حال قامت إسرائيل باستخراجه. لذلك، فإن تطبيقه بحاجة إلى قدرة تفاوضية عالية من قِبل السلطة.

المنفعة: يحقق هذا البديل عائدًا للجانب الفلسطيني، من خلال الحصول على جزء من حقهم في الغاز الطبيعي.

خاتمة

يفرض الواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية على الجهات الرسمية خوض صراع سياسي وديبلوماسي وقانوني لتثبيت الحق في سيادة دولة فلسطين على مواردها كافة، بما فيها الموارد في المياه الإقليمية. وفي هذا السياق، قدمت هذه الورقة أربعة بدائل تسهم في تعزيز قدرة الفلسطينيين على تحرير الغاز الطبيعي الموجود في مياه قطاع غزة.

ترجح الورقة الجمع بين البديل القانوني وبديل استثمار عضوية فلسطين في المنتدى، وذلك نظرًا لمعقوليتهما وإمكانية تطبيقهما، ولما يحققانه من أعلى منفعة ممكنة، في حين يأتي البديل الثالث في المرتبة التالية، نظرًا للخسارة، والخطورة، التي قد تترتب عليه. أما بديل اعتبار إسرائيل شركة أجنبية، فهو بديل مكلف من حيث الخسارة الإستراتيجية المترتبة عليه، ولا يحظى بمقبولية واسعة في الأوساط الشعبية والحزبية، لكنه يبقى خيارًا متاحًا.

 


[1] Simon Henderso, Natural Gas in the Palestinian Authority: The Potential of the Gaza Marine Offshore Field, The German Marshall Fund of the United States, Mar 2014: bit.ly/3dL6ZYg

[2] اكتشفت إسرائيل خلال المدة (2000-2004) آبارًا للغاز في "مياهها" الاقتصادية، إلّا أن مخزون تلك الآبار لم يكن كافيًا لسد احتياجها المحلي.

[3] وليد خدوري، حقل الغاز "غزة مارين" حرب مفتوحة مع إسرائيل، جريدة الحياة الجديدة، 8/9/2018: bit.ly/3f5Q0A7

[4] الانتفاضة الفلسطينية الثانية، الجزيرة نت، 28/9/2016: bit.ly/3cKYv23

[5] Worl Energy Outlook 2019. 

[6] Simon Henderso, Natural Gas in the Palestinian Authority, Ibid.

[7] Ibid.

[8] مقابلة عبر سكايب مع علاء بني فضل، أكاديمي في جامعة النجاح الوطنية، 22/3/2020.

[9] المصدر السابق.

مشاركة: