الرئيسية » مقالات » عبد الجبار الحروب »   12 تموز 2020

| | |
اجتماع منتدى "التعاون الصيني العربي" والمستقبل المشترك
عبد الجبار الحروب

عُقِد قبل أيام قليلة، الاجتماع الوزاري التاسع لمنتدى التعاون الصيني العربي، الذي تستضيفه الأردن هذه المرّة، عبر تقنيّة التواصل المرئي. وتبنّى الاجتماع "إعلان عمّان"، وخطة عمل لتعميق التعاون والعلاقات بين الصين والدول العربية، وتعزيز نمط جديد من العلاقات الدولية يقوم على الاحترام المتبادل والنزاهة والتعاون متبادل النفع، إلى جانب تعزيز الجهود الصينية العربية لمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد.

وتزامن عقد هذا الاجتماع في وقت يسجّل فيه العالم أعلى معدل إصابات يومي بفيروس كورونا منذ انتشار الوباء، بحوالي أكثر من 200 ألف إصابة يوميًا في الأيام الأخيرة، وتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي.

وجاء في وقت تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة والصين توترًا غير مسبوق، على خلفيّة اتهام واشنطن لبكين بالمسؤولية عن انتشار الفيروس. وما سبق ذلك خلال العامين الماضيين من حرب تجارية بين البلدين، تخللها رفع التعرفة الجمركية على مجموعة من السلع، وانتهت باتفاق بينهما مطلع العام 2020، لوقف التصعيد المتبادل في العلاقات التجارية، إلى جانب خلافهما على قضايا أخرى، كاستقلال تايوان، وقضية بحر الصين الجنوبي، وحقوق الملكية الفكرية، والتطبيقات الإلكترونية مثل "التيك توك".

ستناقش هذه المقالة أبرز التوصيات التي حملها "إعلان عمّان"، مع التركيز على ما طرحه وزير الخارجية الصيني وانغ يي حول تعزيز الجهود في مكافحة وباء كورونا، والتعاون في عملية التنمية وإقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، وتداعيات ذلك على العلاقة المستقبلية للصين مع العالم العربي، وقضاياه، وخاصة القضية الفلسطينية.

"إعلان عمّان" والشراكة الإستراتيجيّة الصينيّة العربيّة

تأسس منتدى التعاون الصيني العربي في العام 2004، وتقوم فكرة إنشائه على التعاون في المجالات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والشؤون الدولية بين الصين والدول العربية، ويعقد مرة كل عامين، وقد عقد هذا العام باستضافة العاصمة الأردنية عمّان، التي حملت اسم الإعلان.

أوصى "إعلان عمّان" بتعزيز علاقات الشراكة الإستراتيجية الصينية العربية القائمة على التعاون الشامل والتنمية المشتركة لمستقبل أفضل، بما يحقق التنمية المشتركة والمنفعة المتبادلة والكسب المشترك، بما في ذلك مواجهة وباء كورونا، والعمل على إقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك.

تعززت العلاقات التجارية بين الصين والدول العربية في الأعوام القليلة الماضية بصورة أكبر، حتى أضحى حجم التبادل التجاري العربي الصيني أكبر من حجم التبادل التجاري العربي الأميركي، فقد بلغ حجم التبادل التجاري العربي الصيني في العام 2019 حوالي 266 مليار دولار بزيادة ما نسبته 9% على أساس سنوي، في حين كان التبادل التجاري مع الولايات المتحدة في العام 2017 حوالي 158 مليار دولار مقابل 235 مليار مع الصين[1]، إضافة إلى أن الدول العربية أكبر مصدر للنفط إلى الصين، إذ استوردت بكين 221 مليون طن من النفط الخام من الدول العربية في العام 2019، ما يشكل 43.7% من إجمالي واردات النفط الخام الصيني، الأمر الذي يشير إلى تطور أكبر في العلاقات التجارية العربية مع الصين.

وتطرق "إعلان عمّان" إلى مبادرة "الحزام والطريق، وما تطرحه من فرص واعدة للتعاون والمنفعة المشتركة، وستساهم هذه المبادرة التي ستكلف الصين 6 ترليون دولار، في تطوير المصالح الصينية في المنطقة، كون طريق الحرير يمرّ بالمنطقة العربية جوًا وبرًا، ويتعزز هذا الأمر بتوقيع 19 دولة عربية على وثائق تعاون لبناء "الحزام والطريق"، فضلًا عن أن المواءمة بين الإستراتيجيات التنموية للجانبين أصبحت أكثر دقة وفعالية.

وتطرق الجانبان الصيني والعربي خلال الاجتماع إلى أبرز القضايا السياسيّة الدوليّة والإقليميّة ذات الاهتمام المشترك، وبحثا سبل تعزيز وتعميق التعاون في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة.

مواجهة وباء كورونا

دعا الرئيس الصيني شي جين بينغ في رسالته إلى الاجتماع إلى العمل سويًا على إقامة مجتمع المستقبل المشترك للبشرية، وتعزيز التعاون في مكافحة وباء كورونا، الذي ينتشر بتسارع كبير، حيث يقترب عدد الإصابات من 13 مليون والوفيات من 570 ألفًا، وتحتل الولايات المتحدة الصدارة مسجلة أكثر من 3 مليون و355 ألف إصابة، و137 ألف وفاة، تليها البرازيل مسجّلة مليون و840 ألف إصابة، وأكثر من 71 ألف وفاة، في حين تحتل الصين المرتبة 23 عالميًا في عدد الإصابات بعدما كانت حتى آذار/مارس في صدارة الدول، مسجلة أكثر من 83 ألف إصابة.

باشرت الصين بعدما سيطرت على انتشار الوباء داخل أراضيها بتقديم الدعم لدول العالم، حيث قدمت مساعدات طبية إلى 130 دولة، وعقدت 120 مؤتمرًا عبر الفيديو كونفرنس مع ما يزيد عن 160 دولة ومنظمة، وتبادلت معهم المعلومات والطرق لمواجهة الوباء، فضلًا عن دعم منظمة الصحة العالمية.

وكان للدول العربية - التي ساندت الصين في مواجهة الوباء التي انتشر فيها أولًا - نصيب من المعونات الطبية. فقدمت بكين إلى الدول العربية التي بلغ عدد إصابات كورونا فيها 750 ألفًا، أكثر من مليون شريحة لاختبار للفيروس، و13 مليون كمامة، وحوالي 300 ألف قطعة من الملابس الطبيّة الواقية. كما عقدت مؤتمرات فيديو لخبراء الصحة مع 21 دولة عربية[2]، وأرسلت فرقًا طبية إلى ثماني دول، من بينها فلسطين، التي استقبلت من الصين أكثر من شحنة من المعونات الطبية، إلى جانب إرسال فريق طبي صيني للمساهمة في الجهود المبذولة لمواجهة وباء كورونا، ومشاركة السياسات الوقائية لمكافحة نقل العدوى.

مجتمع صيني عربي لمستقبل مشترك

طرح وانغ يي، وزير الخارجية الصيني، ومستشار الدولة، مقترحات خلال الاجتماع لتعزيز التعاون في عملية التنمية، وإقامة المجتمع الصيني العربي للمستقبل المشترك، من خلال تعزيز التعاون والتضامن لهزيمة فيروس كورونا، وتبادل الدعم الثابت للدفاع عن العدالة والحفاظ على الأمن السياسي والاستقرار، والالتزام بتعددية الأطراف واستكمال الحوكمة العالمية، إلى جانب التشارك في بناء "الحزام والطريق"، والعمل سويًا على تحقيق النهضة، من خلال إعطاء الأولوية للتعاون الصيني العربي في مجالات استئناف العمل والإنتاج، وضمان التوظيف ومعيشة الشعب، وتعزيز الحوار السياسي وصيانة الأمن في الشرق الأوسط.

وركّز الوزير على التعاون في مجالات الإصلاح والتنمية، والتواصل الإعلامي، ونقل التكنولوجيا والتدريب في الطاقة النظيفة، والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، ونظام بيدو للملحة عبر الأقمار الصناعية، الذي شهد تقدمًا في السنوات الأخيرة، في مجالات تطوير وتصنيع وإطلاق الأقمار الصناعية، ومشاركة البيانات وتطبيقاتها، وتدريب المختصين في تكنولوجيا الأقمار الصناعية.

في المقابل، أشاد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بحرص الجانبين العربي والصيني على تعميق التعاون في إطار منتدى التعاون العربي الصيني، ليصل إلى ما يزيد عن 15 آلية في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثمنًا مواقف بكين الداعمة للقضايا العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.

القضية الفلسطينية و"إعلان عمّان"

على الرغم من دعم الصين للحقوق الفلسطينية، وتوصية "إعلان عمّان" بمواصلة التنسيق لدعم القضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني، ورفض مخططات الضم والاستيطان، إلا أن الطموح الفلسطيني هو أن تلعب الصين دورًا أكبر في دعم الحقوق الفلسطينية، خاصة بعد طرح رؤية ترامب، بوصفها قوة عظمى تنطلق من سياسة ومبادئ بعيدة عن الاستعمار والهيمنة، وتسعى للتعاون وتبادل المصالح، وكذلك بحكم المصالح المشتركة بينها وبين العرب، إضافة إلى لعب دور في إنهاء الانقسام الفلسطيني، ودعم فلسطين ماديًا ومعنويًا بصورة أكبر.

وفي المقابل، يتطلب هذه الأمر اتباع سياسة فلسطينية عربية تدفع باتجاه التعاون على مختلف المجالات، بصورة أكبر مع الصين، القوة الصاعدة بثقة لتلعب دورًا قياديًا أكبر، واستغلال هذا التعاون لدعم القضايا العربية، وخاصة القضية الفلسطينية.

وفي الختام، يشكل هذا المنتدى فرصة لتعزيز أوثق العلاقات بين الصين والدول العربية في سبيل خدمة القضايا الصينية العربية المشتركة، وزيادة التبادل التجاري بين بكين والعواصم العربية، فضلًا عن توظيف هذا المنتدى لخدمة القضايا الإنسانية، وخاصة القضية الفلسطينية.

الهوامش

[1] وليد عبد الحي، الوطن العربي 2035، صفحة وليد عبد الحي على الفيسبوك، 30/4/2017: bit.ly/2APVjVX

[2] التعاون الصيني العربي ... آفاق واعدة ومستقبل مشرق، صحيفة الشعب، 9/7/2020: bit.ly/2ZTiVRW

مشاركة: