ناقش مشاركون في ورشة رقمية التوجّهات الإسرائيلية في العام 2020 لحسم السيطرة على الضفة الغربية، حيث تناول المشاركون الحالة الإسرائيلية في أعقاب طرح رؤية ترامب، والصراع داخل اليمين الإسرائيلي القومي والديني، ورؤيته إلى الصراع الفلسطيني.
وأشار المشاركون إلى أن مشروع الضم لا يزال قائمًا، وأن تأجيله لا يعني أن الخطر زال، بل يعود إلى عوامل عدة، تتمثل في المواقف العربية والدولية الرافضة للضم، وعوامل داخلية في إسرائيل والولايات المتحدة، وخاصة تداعيات أزمة كورونا الاقتصادية. وقال البعض إن المواقف الدولية الرافضة للضم لا يمكن أن ترتقي لمواجهته، وأنه من غير الممكن أن تذهب السلطة الفلسطينية بعيدًا في مواجهة المشروع، لتداعيات ذلك على مستقبلها.
جاء ذلك خلال ورشة رقميّة نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) لمناقشة ورقة أعدّها رازي نابلسي، الباحث في مركز مسارات، بعنوان "إسرائيل 2020: حسم الصراع على الضفة الغربية"، بمشاركة أكثر من 70 من الأكاديميين والباحثين والنشطاء من الضفة الغربية وقطاع غزة والشتات وأراضي 48، وهذه الورشة هي الثالثة ضمن سلسلة الورش التحضيرية للمتمر السنوي التاسع للمركز "فلسطين ما بعد رؤية ترامب نتنياهو ... ما العمل"، الذي سيعقد يومي 22 و23 آب/أغسطس 2020.
وعقّب على الورقة كل من: عايدة توما، نائب في الكنيست عن القائمة العربية المشتركة؛ وعبد الرحمن شهاب، مدير مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية؛ وعصمت منصور، كاتب مختص في الشأن الإسرائيلي، في حين أدار الحوار سعد عبد الهادي، رئيس مجلس إدارة مركز مسارات.
وقال عبد الهادي قد يفهم من حسم الصراع أنها تعني الصراع العربي الإسرائيلي، أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن في ظل التطورات الأخيرة، يمكننا أن نرى أن محاور الصراع تعدد إلى صراع إسرائيلي إسرائيلي يمتد إلى موضوع حسم وضع الضفة، ويصل إلى زعامة نتنياهو واليمين ويمين اليمين، وهناك صراع إسرائيلي دولي يشمل حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، والمصاعب التي يواجهها ترامب هذه الأيام.
وأضاف: إن الصراع الأهم في التأثير على مجريات الأحداث، هو الصراع الداخلي الإسرائيلي الذي وصل إلى داخل الليكود، إلى درجة انتقاد نتنياهو من داخل حزبه، وتواصل المظاهرات ضده للأسبوع الثالث.
وأوضح نابلسي أن هذه الورقة تناولت السياق الإسرائيليّ والحالة الإسرائيليّة في أعقاب طرح رؤية ترامب، والبرامج السياسيّة والنقاشات المُهمة التي تتعلّق بمُستقبل كُل فلسطينيّ، وتُشير إلى حقيقة ماذا تريد إسرائيل، ونُخبها الفكرية والسياسيّة والعسكريّة من الحالة الفلسطينيّة. وتطرقت إلى حجم هذه التيّارات وقدرتها على التأثير في إطار السياسة الإسرائيليّة، إلى جانب تحليل هذه السياسات والنقاشات والبرامج، على طريق وضع خارطة واضحة للمخطّطات الإسرائيليّة، ومن ثم وضع خيارات فلسطينيّة في ظل المُخطّطات الإسرائيليّة والتوجّهات والخيارات المطروحة على الفلسطينيين.
وقال: يشكّل "الصراع داخل اليمين" نظرة مُعمّقة، إلى ما يُخطّطه هذا اليمين، وأين يقف اليوم في رؤيته وصراعه مع الحالة الفلسطينيّة، حيث يقف "الليكود" ويدّعي أن "صفقة القرن" لن تمنح الفلسطينيين دولة، فالدولة المُقرّة في الصفقة هي ليست دولة بالمفهوم الأصلانيّ للدولة، كما أن الوصول إليها يستوجب اعتراف الفلسطينيين بالدولة اليهوديّة. وفي المقابل، يرفض مجلس المستوطنات الصفقة من مبدأين: الأول، هو مقولة "الدولة الفلسطينيّة" الواردة في الصفقة، ويعدّها المجلس تنازلًا لن تستطيع إسرائيل التراجع عنه لاحقًا عن أرض إسرائيل الكُبرى؛ وثانيًا، لحقيقة أن الصفقة تُطالب بتجميد الاستيطان خارج حدود المُستوطنات.
وأشار إلى أن الوزن الفعليّ السياسيّ، والقدرة على التأثير، تُشير إلى حقيقة أن أحد طرفي اليمين هو من سيفرض رؤيته بالنسبة إلى مستقبل الصراع، وذلك لسببين: الأول، سيطرة اليمين على مراكز القوّة والسياسة الإسرائيليّة، إذ يتصارع الطرفان في إطار اليمين وتعزيز حكم اليمين، والثاني، لحقيقة أن المُعسكر المُقابل لمُعسكر اليمين، بات بقايا اليمين القوميّ المُختلفين على شخص نتنياهو، أمّا حزب "العمل" فانهار تدريجيًا ولا يملك أي بنية حزبية تنظيميّة، بالإضافة إلى أن المُعارضة تحوي داخلها "يمينا" و"إسرائيل بيتنا"، وكلاهما على يمين "الليكود".
وتطرق إلى أن الصراع على حسم مصير الضفّة في الحالة الفلسطينيّة، أثبت أن القضيّة الفلسطينيّة لا تزال قضيّة مركزيّة في العالم العربيّ والعالم عمومًا، وأن الحالة الفلسطينيّة هي الأقل تأثيرًا على إسرائيل وعلى مُستقبل الصراع، إضافة إلى ضيق الأفق الفلسطينيّ وحالة التيه الموجودة سياسيًا ومعرفيًا، إذ لم يطرح أي من القيادات الفلسطينيّة، أو النُخب الفكريّة والثقافيّة، أي حل واقعي يقوم على قراءة الواقع والخروج منه، بل ذهبت القيادة إلى التهديد بحل سُلطتها.
واقترحت الورقة توصيات للخروج من المأزق السياسيّ القادم ما بعد الضم، تتمثل في عقد حوار وطنيّ شامل على قاعدة وحدة المصير الفلسطينيّ في كافة أماكن تواجد الفلسطينيين، ووضع خطّة جادّة لبناء مُقاومة شعبيّة يُشارك فيها الكل الفلسطينيّ، وإجراء مراجعة شاملة للمرحلة التي وصلت إليها الحالة الفلسطينيّة، إضافة إلى ترميم وبناء علاقة أكثر تكامليّة مع العالم العربيّ والإقليم، ووضع إستراتيجيّة كفاحية فلسطينيّة تُشكّل الإطار العام للصراع مفاهيميًا وسياسيًا، على طريق تحقيق الأهداف وحقوق الشعب الفلسطينيّ يكون الجميع شريكًا في صياغتها.
من جانبها، أشارت توما إلى أن نتنياهو هيأ الرأي العالمي الإسرائيلي والدولي والأرضية القانونية للضم، عبر إصدار مجموعة من القوانين حول الضم الزاحف، إلى جانب قانون القومية الذي أقرّ في ظل رسم "صفقة القرن"، وكرّس الرواية الدينية والمواطنة غير المتساوية، في تمهيد لمرحلة الضم.
وأوضحت أن تداعيات أزمة كورونا والوضع في الولايات المتحدة، أربكت نتنياهو، وأرجأت عملية الضم، إلى جانب ملفه القضائي، موضحة أن نتنياهو حتى لو قرر الانتخابات فلن يخوضها على خلفية فشله في ملف كورونا والقضايا الاقتصادية والاجتماعية في إسرائيل، بل قد يلجأ إلى عملية ضم جزئية تخلق واقعًا جديدًا لأي رئيس حكومة، موضحة أن الهروب إلى حل الدولة الواحدة هو إعلان لانتصار الرواية الصهيونية والمشروع الصهيوني وانهزام مشروع التحرر الوطني.
أما شهاب، فأشار إلى أن الصراع على مكانة الضفة أثبت أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية، موضحًا أن الموقف الفلسطيني الرسمي من الضم كان له الدور الأكبر في وقفه، حيث أبدى الاحتلال تخوفه من وحدة الموقف الفلسطيني وأرجأ الضم.
وأضاف: أن المشروع الصهيوني يدفع باتجاه إنهاء الوجود الفلسطيني، وأن صفقة القرن شكلت فرصة لكشف فشل التوجهات الإسرائيلية، وأن نتنياهو عاجز عن مواجهة الحق الفلسطيني، موضحًا أن حل الدولة الواحدة هو أكثر انهزامية من حل الدولتين، مؤكدًا أن تحلل الاحتلال من الاتفاقيات وفّر فرصة للفلسطيني للتحلل من الاتفاقيات والعودة إلى بداية جديدة.
بدوره، أشار منصور إلى أن الاصطفاف الدولي ضد ترامب ونتنياهو لم يواجه بموقف فلسطيني بمستوى الخطر، ولا بمستوى المواقف الدولية الرافضة للضم، وأن تأجيل الضم الذي حدث لأسباب أميركية وإسرائيلية لا يلغي خطر الحسم، إذ إن حسم الصراع على الضفة قائم وليس بعيدًا، غير أن المجتمع الإسرائيلي غير مستعد لحسم الصراع حول الضم.
وأوضح أن الخطر الأساسي يكمن في صفة القرن لا في الضم، حيث أصبحت إحدى المرجعيات التي لا تتنازل عنها الولايات المتحدة.