دعا مشاركون في مؤتمر حول سيناريوهات حالة الصمود الفلسطيني، والخيارات السياساتية التي من شأنها تعزيز الصمود الفلسطيني ضمن هذه السيناريوهات، إلى منع استمرار التدهور في العوامل المؤثرة على حالة الصمود، من خلال تحسين الوضع القائم وليس القبول به، ومراكمة التغييرات الإيجابية أولًا، وصولًا إلى تعزيز احتمالات تحقيق سيناريو الصمود.
وأكد المشاركون في المؤتمر أهمية إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، باعتبار ذلك العامل الأكثر تأثيرًا على المؤشرات التي تعزز صمود الفلسطينيين سواء على أرض وطنهم، أو في التجمعات الفلسطينية في بلدان اللجوء والشتات، ويوفر لهم عناصر القوة لمواجهة المخططات الاستعمارية الاستيطانية الرامية إلى تصفية الحقوق الفلسطينية.
ونوهوا في هذا السياق إلى ضرورة إعادة بناء منظمة التحرير بمشاركة جميع القوى والأطياف بوصفها الممثل الشرعي للفلسطينيين، والعمل في الوقت الحالي على تهيئة الظروف لإنجاز الوحدة وإنهاء الانقسام، على أساس توحيد المؤسسات والتوافق على برنامج وطني مشترك، إلى جانب بناء نماذج من العمل الوحدوي في مختلف القطاعات، وخلق تيار وطني عابر للأحزاب والجغرافيا، وتعزيز دور الفلسطينيين في أراضي 48، وتجمعات اللاجئين والجاليات الفلسطينية في الخارج، فضلًا عن تعزيز صمود المواطن على أرضه واستصلاحها وزراعتها لمواجهة السياسات الإسرائيلية الرامية إلى مصادرتها وضمها.
جاء ذلك خلال مؤتمر نظّمه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، عبر تطبيق "زووم"، بعنوان "سيناريوهات المستقبل وسياسات الصمود الفلسطيني"، وذلك ضمن مشروع "دعم الصمود الفلسطيني عبر الحوار"، الذي ينفذه المركز بالتعاون مع مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية (CMI)، وبدعم من الاتحاد الأوروبي، بمشاركة ممثلين عن مبادرة إدارة الأزمات في مقدمتهم المديرة التنفيذية للمؤسسة، ورئيس مكتب تمثيل الاتحاد الأوروبي ووفد من المكتب، وعدد من السفراء والديبلوماسيين الأجانب والعرب، وأكثر من 130 شخصية من السياسيين والأكاديميين والباحثين والنشطاء والشباب من مختلف التجمعات، فضلًا عن حضور المئات لها عبر منصات التواصل الاجتماعية المختلفة. وقد أدار جلسات المؤتمر سلطان ياسين، مستشار مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية في فلسطين.
الافتتاح
افتتح المؤتمر هاني المصري، المدير العام لمركز مسارات، مقدمًا شكره لمبادرة إدارة الأزمات الفنلندية والاتحاد الأوروبي على هذه الشراكة، وموضحًا أن هذا المشروع مختلفٌ ومتميزٌ، وربما هو فريدٌ من نوعه في فلسطين ومنطقة الشرق الأوسط، إذ تصدّى للبحث في سيناريوهات الصمود في الوضع الفلسطيني الذي يمر بمرحلة استثنائية، فهو لا يعاني فقط من وباء الاحتلال والعدوان والاستعمار الاستيطاني، وإنما يعاني أيضًا من وباء كورونا، وتداعياته الصحية والاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى الانقسام المستمر منذ سنوات.
وأشار إلى أن مرجعنا في المشروع هو العلم والحقيقة، ولا شيء غيرهما، فمن خلالهما تتحقق المصالح الوطنية الفلسطينية. وبالتالي، يعرض المشروع السيناريوهات المحتملة كما هي، وكما توصل إليها الباحثون باعتماد منهجيات علمية وتشاركية، وبالاستناد إلى مجموعة من التقارير المرجعية وأوراق السياسات القطاعية التي أعدتها نخبة من الخبراء، مؤكدًا أننا لا نعد بهذا المشروع بضمانات مطلقة، لا في رسم مستقبل مرغوب ولا في منع سيناريو مرفوض. فهو عمل نسبي نعي حدوده ومكوناته. ولكنه ممكن أن يساعد على معرفة أين نقف الآن، وإلى أين يجب أن نسير، وكيف نحقق ما نريد.
وأوضح أن هذا العملية خلصت إلى أن حالة الصمود الفلسطيني تواجه ثلاثة سيناريوهات، أولها استمرار الوضع القائم الذي يتسم بالانقسام وهشاشة المجتمع، وثانيها السيناريو الأكثر سوءًا المتمثل في الانهيار والفوضى، الذي يمكن أن يتطور باتجاه سيناريوهات فرعية عدة، وثالثها الصمود والوحدة، وهو السيناريو المفضل.
وأضاف المصري: ما يميز هذا المشروع أنه لا يكتفي بوضع السيناريوهات، وإنما ركز بشكل كبير على اقتراح السياسات المناسبة التي لا بد من اعتمادها في كل سيناريو، وذلك لتعزيز الإيجابيات وتقليل السلبيات، حيث اعتمدنا عند وضع السياسات أن تشمل السياسات الممكنة والمحتملة والمفضلة، مع تحديد المتطلبات اللازمة لتنفيذها.
من جانبها، أشادت هانا كلنجي، المديرة التنفيذية لمبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، بالشراكة والتعاون مع مركز مسارات منذ تأسيسه، وبالطريقة التي تعامل فيها المركز مع التحديات السياسية التي جاءت مع جائحة كورونا، مثمنة الشراكة أيضًا مع الاتحاد الأوروبي.
وأشارت إلى أن هذا المؤتمر يعقد في ظل وضع عالمي صعب يواجه فيه العالم جائحة كورونا، وأوضحت أن هدفنا دعم الصمود الفلسطيني والتعامل مع التحديات السياسية التي تواجه الفلسطينيين، وتطوير بدائل لتعزيز الصمود الفلسطيني في ظل مختلف السيناريوهات.
بدوره، أشار سفين كون فون بورغسدورف، ممثل الاتحاد الأوروبي في فلسطين، إلى أهمية ما خلص إليه المشروع، وبخاصة من حيث مدى تأثير الوحدة على الصمود الفلسطيني، ما يتطلب استكمال جهود المصالحة لإنهاء حالة الانقسام .
وقال إن على الفلسطينيين انتهاز فرصة فوز بايدن وخسارة ترامب في الانتخابات الأميركية، من أجل توحيد الرواية والمطالب الفلسطينية ورفعها إلى المجتمع الدولي، ومواصلة العمل للوصول إلى "حل الدولتين".
وشدد على دعم الجهود المبذولة لإنهاء الانقسام، موضحًا أن إنهاء الانقسام هو السيناريو الوحيد الذي نسعى لتحقيقه، وأن الفشل في إنهائه ليس خيارًا، بل يجب بذل كل الجهود وتوفير القوة الدافعة وملء الفراغ من قبل المجموعات المختلفة لإنهاء الانقسام، وأهمية تنظيم حوار فلسطيني شامل بمشاركة واسعة للوصول إلى الوحدة.
الجلسة الأولى: سيناريوهات المستقبل وسياسات الصمود
تطرقت هيلكا جوكنن، مديرة المشروع في مبادرة إدارة الأزمات الفنلندية، إلى مراحل عمل المشروع، وأوضحت أننا مهتمون بتجربة كيفية دعم الصمود الفلسطيني من خلال الحوار بين المكونات الفلسطينية، وأننا بحثنا في الأمور التي تؤثر على الصمود الفلسطيني.
وأضافت: إننا توصلنا إلى السيناريوهات استنادًا إلى مناهج الدراسات المستقبلية والحوارات التشاركية، موضحة أن العمل الإستراتيجي في الوضع السياسي الحالي أكثر أهمية من ذي قبل.
من جانبه، قدم د. عبد الرحمن التميمي، عضو الفريق البحثي، عرضًا عن وثيقة السيناريوهات، مشيرًا إلى أن الوثيقة توصلت إلى ثلاثة سيناريوهات: سيناريو استمرار الانقسام ومجتمع هش، وسيناريو الفوضى والانهيار، وسيناريو الصمود والوحدة، موضحًا كيفية الوصول إلى كل سيناريو، والتسلسل الزمني لكل سيناريو حتى العام 2025، ومن ثم قدّم مقارنة شاملة بين السيناريوهات بالاستناد إلى العوامل المؤثرة فيها، وهي القوة والأرض والصمود وفيروس كورونا.
وأوضح التميمي أن الدراسة قامت على منهجية تشاركية، ومقاربة تحليلية لعناصر الصمود الفلسطيني، وعلاقتها مع بعضها البعض تأثيرًا وتأثرًا. وقد طُبقت المنهجية من خلال مراجعة الأدبيات، وإعداد تقارير وأوراق بحثية وأوراق سياسات قطاعية، واستطلاع آراء نخبوي، ولقاءات وورش عمل، إضافة إلى استخدام تحليل النماذج الإحصائية، ومناهج التفكير الإستراتيجي والدراسات المستقبلية، مثل: مصفوفة التأثير المتبادل، ودولاب المستقبل، وتقنية دلفي، وتقنية (5TS) لتحليل المؤثرات وتأثيرها.
وأشار إلى أن هناك عوامل عدة يمكن الارتكاز عليها في حالة سيناريو الصمود، وتحسن الأوضاع الفلسطينية، وهو ممكن في حالة حدوث أي من السيناريوهات الفرعية التي تشمل تغيرًا محليًا، أو إقليميًا، أو دوليًا، مشيرًا إلى أنه على الرغم من هشاشة الوضع الفلسطيني وسوء الحال، إلا أن الأوضاع الإقليمية والدولية والإسرائيلية في حال ديناميكية سريعة التغير، حيث هناك عوامل قوة فلسطينية على الصعيد المحلي يمكن الارتكاز عليها في تحسين مؤشرات الوضع الفلسطيني، سواء على الصعيد الفلسطيني، أو على المستويات الإسرائيلية والإقليمية والدولية.
من جانبه، قدّم د. رائد نعيرات، عضو الفريق البحثي، عرضًا موجزًا عن وثيقة السياسات، موضحًا أنها تهدف إلى تحديد الأولويات الوطنية والخيارات السياساتية الداعمة للصمود الفلسطيني، وتقديمها إلى الأطراف الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، وخصوصًا ذات العلاقة بعملية صناعة القرار، إضافة إلى تقديم آليات عملية من شأنها أن تجعل من النظام السياسي الفلسطيني داعمًا للصمود، ورسم الخطوط العريضة للسياسات الاجتماعية الاقتصادية التي تعدّ مهمة لتعزيز الصمود، فضلًا عن تقديم اقتراحات سياساتية من شأنها المساعدة على تصميم وبناء وتنفيذ نماذج وحدوية داعمة للصمود، أو تعمل على تحسين الأمر الواقع، وتقليل أضراره وخسائره.
وتطرق نعيرات إلى السياسات الخاصة بتعزيز أو تقليل أضرار كل سيناريو من السيناريوهات الثلاثة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والسياسات الإستراتيجية المحتملة والممكنة والمفضلة لكل أولوية سياسياتية، حيث اشتملت الوثيقة على 25 أولوية سياساتية في المجالات المختلفة لكل سيناريو. ففي سيناريو الصمود والوحدة، على سبيل المثال، اقترحت الوثيقة عددًا من الأولويات السياسية، مثل: إحياء وإعادة بناء وتعريف المشروع الوطني، وتغيير شكل السلطة ووظائفها والتزاماتها وموازنتها ودورها لكي تقوم بدور إداري خدمي، وتحويل دورها السياسي إلى المنظمة، وإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا، وكذلك اقترحت عددًا من الأولويات الاقتصادية، مثل: التمكين الاقتصادي للمواطن والمجتمع، وإعادة بناء النظام الاقتصادي الفلسطيني والعلاقات الاقتصادية مع الاحتلال، والمقاومة الاقتصادية ورفض السلام الاقتصادي، والتكامل في إدارة الاقتصاد الفلسطيني.
الجلسة الثانية: أولويات السياسات
قال خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات، إن المشروع يتكون من ثلاث مراحل: الأولى، دراسة السيناريوهات المتعلقة بمستقبل القضية الفلسطينية، من خلال منهجية تشاركية واسعة النطاق تنخرط فيها القطاعات والأطراف المعنية على المستويين المحلي والوطني؛ والثانية، تطوير سياسات للحدّ من تأثيرات السيناريوهات الأخطر، ومنع تدهور الوضع، وخاصة في حالة انتقال الوضع الهش إلى الفوضى والفلتان، ودعم فرص تحقيق السيناريو المفضل لصالح الشعب الفلسطيني وقضيته في مواجهة المخاطر المتعاظمة؛ أما الثالثة، فتتضمن تصميم وتنفيذ مبادرات عملية داعمة للسياسات المثلى الموصى بها في مجالات مختلفة، لتعكس نماذج وحدوية في العمل المشترك.
وأشار شاهين إلى أن التوزيع النسبي لميزان القوى مهم حتى نعرف كيف ننظر إلى السياسات المفضلة، موضحًا أن ميزان القوة النسبي، حتى في ظل اختلال ميزان القوى، ينطوي على أفضليات، ومن أفضليات الفلسطينيين، مثلًا، عدالة قضيتهم، وصمودهم على أرض وطنهم، مضيفًا أن هناك تطورًا في أشكال العمل الفلسطيني في مختلف المجالات، وأشكال أخرى من المبادرات، لا سيما الشبابية، خارج المنظومة السياسية التقليدية، مثل لجان العودة، وحركة المقاطعة، ومسيرات العودة، والحراكات الشبابية، ومبادرات العمل التطوعي، وأدوار المجتمع المدني والمرأة.
ودعا شاهين إلى استنهاض عوامل القوة لدى الفلسطينيين من أجل تحقيق سيناريو الوحدة والصمود، محذرًا من أن استمرار الانقسام سيؤدي إلى المزيد من التدهور، ومشددًا على ضرورة تطوير مبادرات وطنية وشعبية داعمة لسيناريو الصمود والوحدة عبر بناء نماذج من العمل الوحدوي المشترك في الوطن والشتات، ومحفزة لحشد الجهود لاستنهاض تيار وطني عابر للفئوية والجهوية والجغرافيا، وداعم لسياسات الصمود والنهوض الوطني.
وقدم الحضور مجموعة من الأفكار المتعلقة بنماذج العمل الوحدوي الداعمة للسياسات الموصى بها، وبخاصة فيما يتعلق بتنظيم حوارات تشارك فيها مستويات وقطاعات مختلفة حول قضايا الانقسام وسبل تحقيق الوحدة، بما فيها إعادة بناء منظمة التحرير ومكانتها التمثيلية، وإطلاق مبادرات داعمة لتوحيد واستنهاض دور الاتحادات والنقابات وأطر الجاليات الفلسطينية في الشتات، والدفاع عن الحقوق والحريات، وتشجيع مبادرات دعم الإنتاج الوطني والاقتصاد المنزلي والتعاونيات الزراعية، والتركيز على مبادرات لإبراز الهوية الوطنية في التجمعات الفلسطينية داخل الوطن وخارجه، وتعزيز المشاركة السياسية للشباب، وتعزيز مشاركة المرأة في مستويات صناعة القرار على مستوى المنظمة والسلطة والأحزاب السياسية، وكذلك تحفيز دور الأحزاب والمجتمع المدني في الضغط لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة.