(خاص): ناقش شباب فلسطينيون أبعاد الهبة الانتفاضية التي عمّت مختلف التجمعات الفلسطينية دفاعًا عن القدس، ودلالتها، ومستقبلها، مؤكدين أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد، وأثبتت أن الشعب الفلسطيني شعب واحد لم ينس قضيته، وانتفض في مختلف تجمعاته دفاعًا عن القدس التي تمثل مركزية القضية الفلسطينية، ودفاعًا عن حقوقه وحرياته.
وأشاروا إلى أهمية الشباب في الهبة، الذي كان لهم دور واضح في تنظيم المظاهرات والمبادرات وحملات المقاطعة وصولًا إلى الإضراب الشامل، إضافة إلى الدور الكبير الذي لعبه الناشطون والمؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي في فضح جرائم الاحتلال، ودحض روايته، وتبني الرواية التاريخية الفلسطينية القائمة على الحقوق.
وتطرقوا إلى الفجوة بين الشباب في الميدان وبين البنى والقوى السياسية الموجودة التي لم تستوعب الشباب، ولم تلتقط زمام المبادرة لقيادة الهبة، داعين إلى تجاوز المنظمة السياسية، فيما طالب البعض بتشكيل قيادة لتنظيم الهبة، وقيادتها، واستمرارها، والمراكمة عليها.
جاء ذلك خلال طاولة مستديرة نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية مسارات، ضمن أعمال مؤتمره السنوي العاشر "ما بعد النهوض الوطني دفاعًا عن القدس ... فلسطين في بيئة إقليمية ودولية متغيرة"، بمشاركة أكثر من 70 مشاركًا/ة من الباحثين/ات والأكاديميين/ات والناشطين/ات، غالبيتهم من الشباب.
وافتتح هاني المصري، المدير العام للمركز، هذه الطاولة المستديرة، مرحبًا بالحضور وبالمتحدثين الشباب، موضحًا أن المركز جعل هذه الطاولة باكورة أعمال مؤتمره السنوي العاشر لسببين، لأهمية الشباب ودورهم في التصدي للمخاطر التي تحيط بالقضية الفلسطينية، ولأهمية الهبة التي شملت كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني، وجسدته وحدته، وعدالة قضيته.
وأشار إلى أن المؤتمر سيعقد على يومين وجاهيين وعبر زووم، اليوم الأول (16 آب) سيناقش وثيقتي سيناريوهات الصمود الفلسطيني والسياسات الداعمة للصمود الفلسطيني، إضافة إلى مبادرات تحدي الصمود، فيما سيناقش اليوم الثاني (21 آب) تقريرًا إستراتيجيًا أعدته لجنة السياسات، ويضم عددًا من المحاور، تبدأ بالتوقف أمام الوضع الدولي، ومرورًا بالوضعين العربي والإقليمي، ورصد المتغيرات الحاصلة والمحتملة، وتأثيرها على القضية الفلسطينية، والتحولات الأكثر يمينية وعنصرية وفاشية في إسرائيل، وانتهاء بالتوقف بصورة مركزة أمام القضايا المحورية في الوضع الفلسطيني، فضلًا عن ورشات قبلية وبعدية حول المتغيرات الإقليمية والدولية، وإعمار غزة، ومبادرات للخروج من المأزق.
وتحدث في هذه الطاولة، التي أدارها رازي نابلسي تسعة شباب وشابات من الباحثين/ات والناشطين/ات والإعلاميين من مختلف التجمعات الفلسطينية، وهم: أحمد البديري، أحمد الكومي، أمل نزال، ريتا عمار، زيد الشعيبي، شاكر جرار، مجد كيّال، مرعي بشير، منى حوا.
وافتتح نابلسي الطاولة المستديرة بالقول إن هذه الورشة تطمح إلى أن تُشكّل صورة مصغّرة عن الهبّة، ففيها يُشارك شباب فلسطينيّ من كافة التجمّعات والمشارب التي تميّز الشعب الفلسطينيّ، وكانت جميعها فاعلة في الهبّة التي تميّزت بالوحدة والعمل المُشترك.
من القدس ... انطلقت الهبة
قال أحمد البدري، إعلامي وناشط مقدسي، إن ما حدث في رمضان ليس حدثًا محددًا، بل هو جزء من سلسلة طويلة من الاحتكاك مع الاحتلال، مشيرًا إلى أن الهبة كانت نابعة من هدف وطني وليسًا ديني أو مدنيًا، ومن المهم زيادة الاحتكاك مع الاحتلال والبناء عليه، ومنعه من بناء وقائع على الأرض تمس بمكانة القدس أو تساهم في تهجير أهلها.
وتطرق البديري إلى أهمية الإعلام الرقمي وجيل "التيك توك" الواعي في تحريك الشارع، وفي إثبات وجود قضية عادلة هدفها الأساسي التطهير العرقي، فكان لهذا الإعلام دور كبير في إبراز المخاطر التي يتعرض لها حي الشيخ جراح ومختلف أحياء المدينة المقدسة، وقد تخطى هذا الدور الديبلوماسية الفلسطينية التي فشلت فشلًا ذريعًا في حماية الحقوق الفلسطينية.
غزة حاضرة في الميدان
لم تكن غزة بمعزل عما جرى في حي الشيخ جراح، فكانت صرخات المقدسيين تصدح "يا غزة يلا"، وفي هذا السياق، قال مرعي بشير، ناشط سياسي وشبابي، إن الشباب الغزي يقظ، وانتفض مع حيفا والقدس والضفة والشتات، وشعر بأنه لاعب في هذه الهبة، لا سيما الجيس الرقمي، مثل "اهبد 194" وغيره من الحملات، التي يقوم عليها شباب يمتلكون درجة من الوعي السياسي، ولديهم خيبة أمل وسخط من الديبلوماسية الفلسطينية.
وأشار بشير إلى أن غزة تركت وحيدة بلا حلول أو إعمار بعد الهبة والعدوان عليها، وهي لم تتعاف من الحروب المتتالية عليها، في ظل تواصل الحصار، واستمرار الانقسام، والخوف من تجدد العدوان في ظل اتفاق تهدئة هش، داعيًا الشباب إلى عدم التسليم بالواقع المحبط، وتعطيل الانتخابات، والضغط من أجل إجراء انتخابات دورية.
من جانبه، قال أحمد الكومي، إعلامي وناشط سياسي، إن هناك مشهدين للشباب في غزة، مشهد يحاول فيه الشباب بأن يكون لهم موقع ومساحة في المشاركة السياسية لشعوره بوجود فراغ سياسي، ومشهد يبحث فيه الشباب عن عمل وهجرة في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر.
وأشار إلى الإنجازات التي حققها الشباب الغزي المتمثل في مسيرات العودة، والنضال الشعبي على الحدود، والتضامن مع اغتيال نزار بنات، داعيًا الأحزاب والقوى إلى استيعاب الشباب، وإلا فسيكون الشباب عامل ضغط وانقلاب من أجل المصالح التي يدافعون عنها.
فلسطينيو 48 ينتفضون من جديد
قال مجد كيال، باحث وكاتب، إنّ ما حصل حدث تاريخي غير مسبوق، واللافت للنظر في الهبة أن الذين خرجوا إلى الشوارع هم الفئات الاجتماعية التي ينساها العمل السياسي، وأشار إلى أن الداخل كان عاملًا في تفجر الأوضاع، خاصة مشهد الحافلات التي منع دخولها إلى القدس، ما اضطر الناس إلى السير مشيًا على الأقدام للوصول إلى المسجد الأقصى.
وأوضح أن ما حدث أن النخب السياسية والمجموعات الشبابية والطبقة السياسية التي تمارس النشاط السياسي كلها همشت في ظرف يوم وليلة، وفي المقابل، ظهرت حالة شعبية، حتى في المدن "المختلطة، في مواجهة الاحتلال، داعيًا إلى ترميم الحس الفردي بالمبادرة الفردية لتحمل المسؤولية، وكيفية المساهمة في الهبة، حتى يشعر كل فرد في الشارع بأنه سيد نفسه وصاحب القرار السياسي.
الفلسطينيون في الأردن ... زحف على الحدود
أوضح شاكر جرار، صحافي وكاتب، أن التفاعل الأردني كان كبيرًا مع الأحداث التي شهدتها هبة القدس، وما تلاها من عدوان على غزة، وكانت العشائر هي الداعية الأساسية للحشودات على الحدود.
ودعا جرار إلى رفع منسوب التسيس والتنظيم للهبة، ونقاش القضايا المطروحة، مثل هل مطلوب من اللاجئين في الأردن التفاعل مع القضايا الحالية أم التفاعل مع شيء آخر.
الضفة لا تهدأ ... قبل الهبة وبعدها
تطرق زيد الشعيبي، باحث وناشط شبابي، إلى مشاركة الضفة في الموجات الانتفاضية، وأوضح أن ما ميز هذه الهبة انتفاض الداخل الفلسطيني، ما أشعرنا بأننا شعب واحد، وتجلى ذلك بالإضراب الشامل الذي عمّ أرجاء فلسطين نصرة للقدس، والذي دعت إليه مجموعات شبابية مستقلة ليس لها علاقة بالبنى التقليدية، وسرعان ما انضم الجميع إليها، واصفًا الإضراب بالتاريخي حيث زحف عشرات الآلاف إلى مركز مدينة رام الله وغيرها من المدن الفلسطينية.
وأضاف الشعيبي أن عوامل نجاح الهبة تمثلت في سؤال القيادة، إذ شعر كل واحد بأنه قائد للهبة، إضافة إلى الخطاب الوطني بأن فلسطين من النهر إلى البحر، وما تضمنته الهبة من صنع وحدة وطنية تجلت في الإضراب، موضحًا أن سبب لجوء الشباب إلى العمل الفردي وخارج العمل الحزبي هو عدم استيعاب الأحزاب لهم، ولتطلعاتهم.
من جانبها، أشارت ريتا عمار، باحثة وناشطة، إلى الفجوة بين المشروع الذي تحمله النخب السياسية والشباب المنتفض في الشوارع، موضحة أن السلطة انضمت إلى الإضراب، لكنها بعد الهبة شنت حملة اعتقالات واستدعاءات بحق الشباب الذين شاركوا في الهبة، في نفس الوقت الذي شنت فيه سلطات الاحتلال حملة اعتقالات ضد المنتفضين في الداخل.
وتطرقت إلى المشاركة الكثيفة للنساء في المظاهرات، موضحة أن المرأة الفلسطينية كانت عنصرًا فاعلًا في الهبة، ليس كعنصر نسوي، بل كتواجد سياسي.
الإعلام الرقمي ... سلاح أساسي في الهبة
لعب الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي دورًا مهمًا في فضح جرائم الاحتلال، ودحض روايته، ونشر الرواية التاريخية للشعب الفلسطيني.
وفي هذا السياق، قالت منى حوا، باحثة وإعلامية وناشطة، إن المؤثرين والناشطين على منصات التواصل الاجتماعي كانوا يربطون منصاتهم مع الناشط أو المؤثر داخل فلسطين، وبالتالي وضع المتابعين الذين يقدرون بالملايين على هذه المنصات بصورة الحدث في فلسطين، موضحة أن الهبة كانت نقلة نوعية في تعريف السردية الفلسطينية، وتطهير حالة التطبيع.
وأشارت إلى أن السردية الفلسطينية تعاني من حالتين، أولاهما حالة الاستقطاب السياسي ما بعد الربيع العربي والأزمة الخليجية، وثانيتهما، موجات التطبيع العربي، إذ كان الذباب الإلكتروني يتخذ من فلسطين مادة إعلامية، ما أثر بشكل سلبي على الذاكرة الجمعية الفلسطينية، إضافة إلى الرقابة الشديدة على المحتوى الفلسطيني على وسائل التواصل الاجتماعي، ومحاربته.
من جانبها، توافقت أمل نزال، باحثة وإعلامية، مع حوا في قضية محاربة المحتوى الإلكتروني، إذ أشارت إلى وجود تقييد على المشاركة السياسية، فضلًا عن محاربة المحتوى الرقمي الفلسطيني، وكذلك الداعم للقضايا الفلسطينية.
وأشارت نزال إلى أن الهبة أرجعت مفهوم العمل السياسي البعيد عن النخب، وكانت وسائل التواصل الاجتماعي ساحة لهذا العمل، داعية إلى الاهتمام بالإعلام الرقمي، موضحة أن الاحتلال يستثمر المليارات في مجال الأمن الرقمي؛ للسيطرة على محور الأحداث في فلسطين والمنطقة.