خلال اليوم الثاني من مؤتمر "مسارات"
تراجع في حلفاء فلسطين، واغتيال بنات أضر بالقضية الفلسطينية
ويجب استثمار ما يجري في المنطقة والعالم لصالح القضية
وطن للأنباء: أوصى مشاركون في اليوم الثاني من مؤتمر مسارات العاشر بضرورة الاستفادة مما يجري في المنطقة، ومن التغيرات الدولية، وخاصة الصراع الصيني الأميركي، لصالح القضية الفلسطينية، وتكثيف وتوسيع الدور الديبلوماسي مع الدول الصاعدة واهتماماتها، وتطوير العلاقات معها بما يخدم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، لا سيما أن الديبلوماسية الفلسطينية فشلت فشلًا ذريعًا على مدار الـ 15 سنة الماضية، ولم يبق لدينا حلفاء تقريبًا.
كما أوصوا بضرورة تشكيل حراك وطني فلسطيني جامع في داخل فلسطين وخارجها، من أجل استعادة الحقوق، ولملة القضية من التشتت، وبلورة إستراتيجية وبرنامج عمل وطني لاستنهاض طاقة الشعب الفلسطيني بعيدًا عن اتفاق أوسلو، من خلال أداة جديدة وقيادة جديدة.
وأعربوا عن رفضهم لما يسمى خطوات "بناء الثقة" بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كونها محاولة لإعادة إنتاج أوسلو بشكل أسوأ، مشددين على ضرورة مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة، واستعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتعزيز صمود المواطنين في مواجهة المشروع الاستيطاني الاستعماري.
وأكدوا أن ما شهدته فلسطين من أحداث تتعارض مع حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان شكل تحديًا عميقًا، ووجه أنظار العالم للإخفاقات الداخلية، بدلًا من التركيز على العنصرية والأبرتهايد الإسرائيلي، موضحين أن الهبة الانتفاضية في أيار شكلت فرصة أمام الفلسطينيين، لكنها سرعان ما انقلبت إلى كارثة بعد اغتيال نزار بنات.
وبيّنوا أن المنطقة تشهد تنافسًا حاميًا بين إيران وتركيا وإسرائيل، وهذا أنهى مخطط فرض إسرائيل كدولة مهيمنة على المنطقة، التي تعاني من غياب مشروع عربي، وتشهد مزيدًا من التصدع والتراجع بعد ظاهرة التطبيع المتصاعدة.
جاء ذلك خلال وقائع اليوم الثاني من المؤتمر السنوي العاشر للمركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، الذي عقد تحت عنوان "ما بعد النهوض الوطني دفاعًا عن القدس ... فلسطين في بيئة إقليمية ودولية متغيرة: السيناريوهات والسياسات"، وذلك في قاعة الهلال الأحمر بالبيرة وقاعة سيدار في غزة، بمشاركة أكثر من 200 من السياسيين والأكاديميين والباحثين وممثلين عن مؤسسات المجتمع المدني والمرأة والشباب، من مختلف التجمعات الفلسطينية.
الافتتاح
افتتح د. ممدوح العكر، رئيس مجلس الأمناء، اليوم الثاني للمؤتمر، قائلًا: لا يجوز الادعاء بأننا أسقطنا صفقة القرن وأننا نرى بأم أعيننا تطبيقًا متدرجًا لها، من خلال التمدد الاستيطاني، والتهجير القسري من القدس ومناطق (ج) لتفريغها من الفلسطينيين، موضحًا أنه لا يجوز التقليل مما أنجزه نتنياهو وترامب من صفقة القرن، وخاصة بما يتعلق بالقدس، ومسار التطبيع الذي انزلقت فيه الأنظمة العربية.
وأكد أن التمدد الاستيطاني ماض بوتيرة متسارعة في حقبة بينيت-بايدن، حتى وإن لم يأخذ شكل ضربة واحدة حاسمة كما خطط له في صفقة نتنياهو-ترامب.
وأضاف: حتى تكتمل الدائرة لدى الاحتلال للمضي في مشروعه الاستيطاني، لا بد من توفير الغطاء السياسي الضروري لحجب الأنظار عما يجري على الأرض، فلم يجدوا أفضل ما سمي إجراءات بناء الثقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وتساءل العكر: أي ثقة يمكن أن تبنى بين المستعمر وبين الشعب الذي يتعرض يوميًا للإرهاب والتنكيل والتمييز العنصري من قبل المستعمر؟! ألا يذكرنا هذا الهذيان ببدعة التنسيق الأمني وعملية السلام التي امتدت لربع قرن؟ والأسوأ من ذلك هو العودة إلى مفاوضات عبثية. وما المهمات العاجلة التي يجب اتباعها؟ وما المسار البديل الذي يجب علينا سلوكه؟
وقال: لا يمكن بناء الدولة تحت حراب الاحتلال الذي يتحكم في كل صغيرة وكبيرة من حياتنا، ولا يمكن بناء الدولة ونحن نواجه أشرس مشروع استعماري عرفه التاريخ.
وبيّن العكر أن هناك ثلاث مهمات أساسية مترابطة عضويًا ومصيريًا لمسار حركة تحرر وطني: أولًا، مقاومة هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني بكل الوسائل الممكنة، والمهم أن نجعل الاحتلال ومشروعه الاستيطاني مكلفًا. وثانيًا، العمل الحثيث لاستعادة وحدتنا الوطنية بأي ثمن ودون مماطلة. وثالثًا، توفير وتعزيز كل مقومات الصمود في كافة الميادين، مضيفًا أن هذا يحتاج إلى إستراتيجية وبرامج عمل وطني لاستنهاض الشعب، ويتطلب أداة جديدة وقيادة جديدة.
عرض التقرير الإستراتيجي "فلسطين في بيئة إقليمية ودولية متغيرة"
عرض هاني المصري، المدير العام للمركز، في الجلسة الأولى، التقرير الإستراتيجي "فلسطين في بيئة إقليمية ودولية متغيرة"، موضحًا أن التقرير اعتمد منهجية دراسة التطورات الأخيرة في فلسطين والمنطقة والعالم وتأثيرها المتبادل، لذلك بدأ التقرير بالوضع الدولي، ثم الإقليمي، ثم الإسرائيلي، ثم الوضع الفلسطيني، وهذا لا يعني أن مصير الفلسطينيين بيد الآخرين.
وأضاف: اعتمدنا هذه المنهجية اقتناعًا منا بأننا لا يمكن معرفة ما يمكن عمله إلا بمعرفة المخاطر والتهديدات والفرص، ونقاط القوة والضعف، والتسلح بإستراتيجية استشراف المستقبل، لا أن نكون ضحايا له.
واعتبر المصري أن الملاحم التي سطرها شعبنا منذ 100 عام حتى الآن تدل على أنه قادر على الانتصار ويستحق الانتصار.
وأوضح أنه على المستوى الدولي يوجد صراع أميركي-صيني على قيادة العالم بعد اتضاح انتهاء التفرد الأحادي الأميركي في العالم، بالإضافة إلى التقدم الصيني المستمر، لذلك قررت الإدارة الأميركية إعادة التموضع في العالم، والانسحاب من بعض المناطق والسعي لتوقيع اتفاق نووي مع إيران للتفرغ للصين، وهناك مراكز بحثية ومؤسسات مختلفة تحدد إنه في العام 2028 سيكون اقتصاد الصين هو الأكبر، وهذا العامل في منتهى الأهمية.
وبيّن أن تراجع دور الولايات المتحدة في الإقليم أنشأ فراغًا، وقد أعطى دولًا إقليمية كي تتقدم مثل إسرائيل وتركيا وإيران في ظل غياب مشروع عربي واحد، مع الإشارة إلى أنه يجب التفريق بين إسرائيل التي زرعت في المنطقة، وهي مشروع استعماري من جهة، وبين إيران وتركيا الجارتان، موضحًا أن جزءًا من العرب ذهب للتطبيع مع إسرائيل لسد الفراغ الأميركي.
وقال: في منطقتنا فشل الربيع العربي، ولكننا بحاجة إلى ربيع عربي في ظل وضع الاستبداد والفساد، ولا يمكن إحداث الربيع العربي بالاعتماد على قوى استعمارية والأعداء.
واعتبر المصري أن هناك محاولة لإعادة إنتاج اتفاق أوسلو عبر ما يسمى بناء الثقة، لكن بكل أسف الصورة ستكون أسوأ لأنها لن تنتج حتى أوسلو القديم، بل إنها من دون أي أفق سياسي، ومن دون الالتزام بإنهاء الاحتلال ووقف العدوان والحصار والاستيطان ... إلخ، مبينًا أننا أمام مرحلة فاصلة، إما أن تتحول السلطة إلى سلطة ملتحقة أكثر بالمشروع الاستعماري، أو تكون هناك فرصة أخيرة لإعادة التموضع على أساس أننا جزء من حركة تحرر وطني.
أما فيما يخص الوضع الإسرائيلي، فرأى المصري "أن الضعف الفلسطيني والانقسام، والإجماع الإسرائيلي على أن القضية الفلسطينية أصبحت قضية هامشية، أدى إلى تحول التركيز على الوضع الداخلي الإسرائيلي، والقضايا الاقتصادية، والتنافس بين الأحزاب الإسرائيلية، وبالتالي فإن الرهان على إسرائيل أصبح خطأ فادحًا، وربما جريمة".
الجلسة الأولى: تعقيب أكاديميين وسياسيين على التقرير الإستراتيجي (1)
تحدث في هذه الجلسة التي أدارها د. عماد أبو رحمة، المستشار في مركز مسارات، كل من: د. نور عودة، كاتبة ومحللة سياسية؛ وخالد بركات، كاتب فلسطيني؛ ود. هنيدة غانم، مديرة المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)؛ ود. محمد المدهون، مدير مركز غزة للدراسات والإستراتيجيات.
وقالت عودة إنه في ظل المتغيرات الدولية والإقليمية نجد أنفسنا كفلسطينيين في أزمة حقيقية، وهي غياب المواطن، فهناك سلطتان منقسمتان على نفسيهما، في ظل غياب لصوت الشعب في تقرير مصيره والمسار الذي يريده، موضحة أن أزمتنا – على المستوى الإقليمي - ليست في التطبيع فقط، وإنما في التتبيع أيضًا، مثلما حدث مؤخرًا من انضمام إسرائيل إلى المؤتمر الأفريقي.
واعتبرت أن الأزمة تتخطى أزمة السلطة، بل إن النظام السياسي الفلسطيني مأزوم ويفتقد إلى مشروع وطني موحد، وهناك حاجة لتغيير شامل في المفاهيم والتصالح مع الواقع، والرقي لما يستحقه شعبنا، ومواجهة خطر التصفية للقضية.
من جهته، شدد بركات على ضرورة معرفة الصين ليس من منظور تقدمها الاقتصادي فقط، وإنما في القضايا الأخرى، ومنها القضايا الداخلية.
وأشار إلى أهمية معرفة كيف يعبر الحزب الشيوعي الصيني عن السياسية الداخلية الصيني، والخطوط الحمر، مثل بناء الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، وعلاقة الحزب الشيوعي مع الشعب، وهي تمثل علاقة اللحم بالدم، بالإضافة إلى وحدة الصين.
بدورها، رأت غانم وجود اتفاق بين الشعب الفلسطيني على أنه في أزمة وورطة لا نعرف كيفية الخروج منها، معتبرة الأحداث الحالية كارثية ومخيفة، مثل قضية نزار بنات، حيث إننا شعب تحت احتلال ووضعنا في الهاوية، فقد وصلنا إلى مرحلة نفتقد فيها نموذجًا جاذبًا يحافظ على حقوق الإنسان.
وحول الوضع الإسرائيلي، قالت إن حقبة نتنياهو انتهت، لكن الأخطر نجاح مشروعه، موضحة أن الذي يسمح بأن يكون بينيت ولبيد والحركة الإسلامية الجنوبية معًا في حكومة واحدة، يجعل موضوع الاحتلال خارج النقاش، ومشيرة إلى أنه في إسرائيل يوجد نقاشان حاليًا: أولًا، الحكم الرشيد والفساد، وثانيًا التوسع الاستيطاني.
وشددت غانم على أن الحل حاليًا يكمن في محاولة ترميم الكينونة الفلسطينية من خلال محاولة لملمة ما تشتت على مستوى شعبنا الفلسطيني، من خلال إقامة مؤسسات جامعة.
وفي نهاية الجلسة الأولى، تحدث المدهون، الذي رأى في معرض تعليقه على تقرير المؤتمر أنه يجب البدء في تناول الإطار الفلسطيني ثم الانتقال إلى الخارج، مشددًا على ضرورة استثمار الصراع الأمريكي-الصيني لصالح القضية الفلسطينية.
وأوضح أن الصراع الإقليمي والدولي هو صراع اقتصادي أكثر منه سياسي عسكري، وهذه القوى المتصارعة تبحث عن نقاط لقاء وليس نقاط خلاف بينها، وأبرز مثال على ذلك الصراع في سوريا، فهناك أدوار لكل الأطراف في القضية السورية، والشأن الفلسطيني ليس بعيدًا عن ذلك، وقد نجد موقفًا صينيًا أميركيًا مشتركًا في القضية الفلسطينية، مبيّنًا أن السياسة الخارجية الدولية لم تعد قائمة على سياسة المحاور، وإنما قائمة على مصلحة في قضية منفردة.
واعتبر أن القضية الفلسطينية أمام مفترق، فهل نحن أمام مسار التمديد لأوسلو، أم أمام مسار الرجوع؟ مشددًا على ضرورة تشكيل حراك وطني جامع في الضفة وغزة والشتات.
الجلسة الثانية: تعقيب أكاديميين وسياسيين على التقرير الإستراتيجي (2)
تحدّث في هذه الجلسة التي أدارها سلطان ياسين، عضو مجلس أمناء مركز مسارات، كل من: د. دلال عريقات، أستاذة الديبلوماسية والتخطيط الإستراتيجي في كلية الدراسات العليا في الجامعة العربية الأميركية؛ ود. حسام الدجني، كاتب ومحلل سياسي؛ ود. حسن أيوب، رئيس قسم العلوم السياسية في النجاح؛ وحسن عبده، كاتب ومحلل سياسي.
وأبدت عريقات اتفاقها مع كثير مما أورده التقرير حول القوى الدولية، وحقيقة أن بيئة فلسطين متغيرة محليًا وإقليميًا ودوليًا، إذ تصاعد التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية في أيار الماضي "خلال العدوان على غزة" لكن للأسف لم ننجح في البناء عليه.
وقالت: ما شهدته فلسطين من أحداث تتعارض مع حرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، وشكل ذلك تحديًا عميقًا ووجه أنظار العالم نحو الإخفاقات الداخلية، بدلًا من التركيز على العنصرية والأبرتهايد الإسرائيلي.
وأضافت: تحدث التقرير عن المنافسة بين أميركا والصين، وتحدث عن نظام جديد غير قطبي، وسيكون لصالح فلسطين، وهذا اتفق معه تحليليًا، لكن يجب النظر إلى أن إدارة بايدن تحاول ترميم ما دمره ترامب من علاقات، موضحة أن أيًا من الدول من روسيا أو الهند أو إيران لم تجرؤ على الوقوف في وجه أميركا في ظل عهد ترامب وخروجه عن القانون الدولي، ولم تأخذ أي إجراء لوضع حد للموقف الأميركي، بل اكتفت بالتصريحات.
ورأت أن "صفقة القرن مستمرة، وليست مرتبطة بترامب ونتنياهو، ولكنها تتعلق بمشروع كولونيالي استيطاني إسرائيلي ينفذ على الأرض اليوم، معربة عن الخشية من العودة إلى سياسة العصا والجزرة، ومضيعة الوقت على حساب الحقوق الفلسطينية، من خلال ما يطلق عليه خطوات "بناء الثقة" والسلام الاقتصادي، مؤكدة أن المطلوب من الفلسطينيين التركيز على إنهاء الاحتلال.
أما الدجني، فأوضح أن التقرير تناول المحور الدولي بشكل ممتاز جدًا، وخاصة إمكانية أن تقود الصين العالم، أو تشكيل نظام متعدد الأقطاب، لكن لم يتحدث التقرير عن موقع القضية الفلسطينية من هذا التغير، مضيفًا أن التقرير تحدث عن التغيير الإقليمي، لكنه لم يوضح كيف يمكن لصانع القرار الفلسطيني التعاطي معه؟
وحول السلام الاقتصادي، أشار الدجني إلى وصول رسالة إلى حركة حماس من أحد الأطراف تتضمن تعبيرًا جديدًا، وهو "السلام المدني"، أي تغيير المفهوم إلى ما يشبه القضايا المدنية الحياتية، ولكن التقرير لم يتحدث عن ارتباطنا بالاقتصاد الإسرائيلي، وكيفية المزواجة بين الاحتياجات الحقيقية الحياتية وبين السلام الاقتصادي.
وأضاف: إننا بحاجة إلى تحديد الخطر الوجودي للقضية الفلسطينية الذي تحدث عنه التقرير، ونحن بحاجة ماسة إلى تحديد مضمونه ومعناه.
بدوره، قال أيوب إن ما حدث في انتفاضة أيار أظهر الكثير من المؤشرات، التي ستأخذنا بكل تأكيد نحو التحدي الأساسي الذي تواجهه القضية الفلسطينية في التصدي لتحالف نشأ في المنطقة؛ لإفراغ انتفاضة أيار من مضمونها، وهذه الانتفاضة شكلت فرصة أمام الفلسطينيين، لكنها سرعان ما انقلبت إلى كارثة بعد اغتيال نزار بنات.
وبيّن أن انتفاضة أيار أوضحت أربع قضايا يتم تغييبها لصالح قضايا وحلول جزئية، وهي: أولًا، تهجير الشعب الفلسطيني وتجرديه من ملكيته في العام 1948. ثانيًا، القدس ووضعها. ثالثًا، ما يفترض أنه احتلال عسكري مؤقت، ولكنه استمر وتحول إلى مشروع استعماري استيطاني. رابعًا، مسألة تغييب القرارات والقوانين الدولية.
أما عبده، فأكد ضرورة التنبيه بأن ظاهرة النظام العالمي لا تقتصر على الصراع الأميركي الصيني، بل على كافة الدول الناهضة التي لها مستقبل على النظام العالمي، وبالتالي الاهتمام بذلك في منتهى الأهمية، لأننا نريد أن نعرف بالضبط أين نتموضع، وهذا لم يخبرنا به التقرير.
وشدد على ضرورة التوصية بتكثيف وتوسيع الدور الديبلوماسي في الدول الصاعدة واهتماماتها، وتطوير العلاقات معها بما يخدم القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
الجلسة الثالثة: تعقيب باحثين ونشطاء شباب على التقرير الإستراتيجي
تحدّث في هذه الجلسة التي أدارها عبد الجبار الحروب، المحرر والباحث في مركز مسارات، كل من: أبي العابودي، المدير التنفيذي لمركز بيسان للبحوث والإنماء؛ وأيهم السهلي، صحافي وكاتب؛ وريناد المجدلاوي، باحثة وطالبة دكتوراة في العلوم السياسية؛ وسليم الآغا، ناشط سياسي؛ وفادي قرعان، ناشط سياسي ومدير حملات آفاز.
وقال العابودي إنه يوجد نهجان على الساحة الفلسطينية: نهج مقاوم؛ ونهج قيادة أصبحت لديها امتيازات اقتصادية واجتماعية ونفوذ سياسي، ولم تأت إلى الحكم نتيجة إرادة شعبية، وتقوم بتوزيع ريع سياسي مقابل امتيازاتها، وتقوم بعملية بيع وهم للشعب.
وأشار إلى أن المواجهات الأخيرة أظهرت أن لنا حلفاء في العالم حتى في أميركا، لكن السؤال: هل نستطيع أن نبني مع حلفائنا خطابًا تقدميًا إنسانيًا من أجل إحقاق حقنا في تقرير المصير؟
ورأى أن القوى الفلسطينية السياسية الحالية لا تستطيع أن تعبر عن المهام المطلوبة حاليًا، فليس هناك جسم سياسي يمثل كافة الفلسطينيين، داعيًا إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة قائمة على مشروع التحرر، إضافة إلى إعطاء دور للشباب في القيادة.
وفي كلمته، قال السهلي إن تقرير "مسارات" غطى كل شبكة محاور القضية الفلسطينية، وما تطلبه الحالة الفلسطينية. وأضاف: لو تدرك القيادة الفلسطينية عُقد القضية التي تكاثرت حتى باتت مع الزمن معضلة بالنسبة إلى الفلسطينيين، في حين كانت يجب أن تكون معضلة لإسرائيل، موضحًا أن الفلسطينيين يعملون لأهواء ومزاجات أشخاص، فيما لم تعد الإستراتيجية أو التكتيك موجودين لدى الفصائل.
واعتبر أن القوى الإقليمية حاضرة بقوى بمشاريعها في المنطقة، بينما لا يوجد مشروع عربي، بل إن العرب متخبطون تابعون لتلك القوى الإقليمية، أما الحالة الفلسطينية فتقف متفرجة على ما يحدث، في ظل إحباط فلسطيني من القيادة بشقيها المقاوم والمفاوض.
من جانبها، عرّجت مجدلاوي على العلاقات بين القوى الثلاث الكبرى في المنطقة (إيران، تركيا، إسرائيل)، موضحة أن العلاقات الإيرانية التركية، والعلاقات التركية الإسرائيلية تشهد تعاونًا كبيرًا، فمثلًا في بداية العام الجاري تعدّ إسرائيل الدولة الثامنة من حيث الصادرات لتركيا، مضيفة أن هذا ينعكس على القضية الفلسطينية، فتركيا لها علاقات متعددة مع الدول العربية، وكذلك مع السلطة والحركات الإسلامية.
وأشارت إلى أن التوغل الإيراني في المنطقة يعزز من حدة التوتر والصراع بين إيران وإسرائيل، فيما تكتفي تركيا بالدعم الإعلامي والمعنوي بعيدًا كل البعد عن الدعم المالي للقضية الفلسطينية.
من جانبه، قال الآغا إن التقرير غفل عن قوى دولية مهمة كروسيا والاتحاد الأوروبي، ومن المهم لنا كفلسطينيين البحث في دور هذه القوى وتأثيرها على القضية الفلسطينية، موضحًا أن التقرير قارن إلى حد ما بين الدور الأميركي الداعم بشكل مطلق لإسرائيل، ووضع الصين، منوهًا إلى وجود اتفاقيات وعلاقات بين الصين وإسرائيل، وأن للأخيرة علاقات اقتصادية وعسكرية واتفاقيات مع الدول الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي وروسيا.
وأضاف: حمّل التقرير السلطة وحركة حماس المسؤولية عما إلى ما آلت اليه الأوضاع في غزة، فصحيح أنه يوجد قصور لدى الأطراف الفلسطينية، لكن لا يمكن تحميلها بأي حال من الأحوال ممارسات الاحتلال.
وتساءل الآغا عن التراجع الأميركي في المنطقة، هل هو تراجع تكتيكي أم إستراتيجي؟ موضحًا أن أميركا تحاول إعادة تموضع في العديد من المناطق، وترتيب أوراقها لمواجهة الصين.
وفي ختام الجلسة، قال قرعان إن الديبلوماسية الفلسطينية فشلت فشلًا ذريعًا على مدار الـ 15 سنة الماضية، وتقريبًا لم يبق لدينا حلفاء، ولا يوجد أحد مقتنع أن الرئيس محمود عباس قادر على استنزاف الاحتلال لتغيير موازين القوى.
وأضاف: كلما نشأت محاولات شبابية من الجيل الجديد لتغيير الوضع باتجاه جديد من العمل الوطني، يتم إحباطها من قبل السلطة وقياداتها، مثل هبة القدس في العام 2015 وما تبعها من علميات أحبطها التنسيق الأمني.