الرئيسية » تقدير موقف » عبد السلام البواب »   29 أيلول 2021

| | |
برمجية بيغاسوس الإسرائيلية: أبعاد التعاون مع الأنظمة السلطوية في المنطقة
عبد السلام البواب

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

كشف تحقيق لشبكة الجزيرة الإعلامية، في 20 كانون الأول/ديسمبر 2020[1]، عن بيع شركة المراقبة الإسرائيلية "إن إس أو"، مجموعة (NSO)، برمجية تجسس متطورة للعديد من الحكومات التي استخدمتها في التجسس على الصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان ورجال الأعمال والسياسيين.

يقود هذا التعاون إلى التساؤل حول دلالاته السياسية، وأبعاده الحقوقية، إذ يعكس المسعى الإسرائيلي لتوظيف هذا الأمر لتطبيع العلاقات مع الأنظمة السلطوية في المنطقة، ولتصدير النموذج الشمولي لترسيخ سلطة هذه الأنظمة في مواجهة نشطاء حقوق الإنسان ودعاة التغيير والديمقراطية[2]، وذلك نظرًا للعلاقات القائمة بينها وبين إسرائيل، وسعي الأخيرة لتقويض العمل الحقوقي الذي قد يهدد مصالحها الاستعمارية.

 تاريخ من التعاون الاستخباري

نسجت شركات إسرائيلية، مختصة بصناعة الأسلحة والتكنولوجيا وأمن المعلومات، علاقات استخبارية سرية مع بعض الدول العربية، خاصة الخليجية. وقد مهدت هذه العلاقات إلى تعاون أمني واسع النطاق بين هذه البلدان وإسرائيل. وقامت هذه الشركات، بإشراف وزارة الحرب الإسرائيلية، ببيع أنظمة متطورة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة وبعض دول الخليج، تقدر بملايين الدولارات سنويًا، من أهمها أنظمة "رافائيل" الدفاعية المتقدمة، وشركة "إلبيت" التي تصنع نظمًا إلكترونية للأسلحة المتطورة.[3]

تستورد بعض الدول العربية التقنيات الاستخبارية والأمنية بشكل رئيسي من إسرائيل، فقد وقّعت هيئة المنشآت والمرافق الحيوية بأبو ظبي، في العام 2008، عقدًا مع شركة (AGT International) الإسرائيلية لشراء معدات مراقبة، و3 طائرات مسيّرة[4]، ونظام مركزي للمراقبة الأمنية.[5] واستعانت الرياض، في العام 2012، بشركة إسرائيلية للأمن السيبراني لوقف الهجوم الذي تعرضت له شركة أرامكو السعودية.[6]

كما أبرمت الإمارات صفقة بقيمة 3 مليارات دولار مع إسرائيل لتزويدها بقدرات استخبارية متقدمة، تشمل طائرتي تجسس حديثتين، فضلًا عن عرض شركة أمنية إماراتية على ضباط سابقين في الاستخبارات الإسرائيلية العمل لديها برواتب تصل إلى مليون دولار سنويًا.[7]

ويقدر يوسي مان، الباحث في المركز متعدد التخصصات في هرتسليا، حجم الاستثمارات والصفقات بين الإمارات وشركات التكنولوجيا والصناعات الجوية والأسلحة الإسرائيلية بين 300 و500 مليون دولار سنويا، علمًا بأن مجمل التبادل التجاري بين إسرائيل والدول العربية يصل إلى 300 مليون سنويًا، بحسب معطيات معهد التصدير الإسرائيلي.[8]

تتجلى القوة الدافعة لهذه العلاقات في تداخل المصالح الذاتية. ففترة النمو الأكثر وضوحًا في الاتصالات الإسرائيلية تعود إلى التسعينيات وإلى اتفاقية أوسلو التي سمحت لبعض الدول الخليجية بتخطي ترددها بسبب غياب السلام بين إسرائيل والفلسطينيين.[9]

وفي هذا السياق، تسعى إسرائيل على مدى العقود الأخيرة إلى تطبيع العلاقة بينها وبين الأنظمة العربية الاستبدادية، وترسيخ سلطتها في مواجهة النشطاء ودعاة التغيير؛ ذلك نظرًا للعلاقات الديبلوماسية التي نسجتها معها والمصالح المشتركة بينها، إضافة إلى حاجة إسرائيل إلى تجاوز التسوية مع الفلسطينيين، التي كانت شرطًا ومعضلة في وجه علاقاتها السياسية مع الدول العربية، وفقًا للمبادرة العربية للسلام، التي تبنتها القمة العربية في بيروت، العام 2002.

أبعاد التعاون الاستخباري

تزايد، مؤخرًا، اهتمام بعض دول الخليج بشراء التكنولوجيا الاستخبارية الإسرائيلية للتجسس على معارضيها السياسيين، ومراقبتهم، حيث تبيع شركة "إن إس أو" برامج تجسس للعديد من الحكومات في الشرق الأوسط لاستخدامها في "مكافحة الإرهاب والتحقيقات الجنائية"، لكنها في الواقع استُخدِمت ضد أكثر من 600 سياسي ومسؤول حكومي، و189 صحفيًا، و50 ألف رقم هاتفي مسرب، و64 رجل أعمال، و85 من ناشطي حقوق الإنسان، بالإضافة إلى أسر عربية حاكمة، وذلك وفق تحقيق أجراه اتحاد يضم 17 مؤسسة إعلامية، في تموز/يوليو 2021، الذي خلُص إلى أنه ربما كان لدى قائمة الأهداف المحتملة التي جمعتها 10 دول تراخيص لاستخدام الأداة.[10]

وبحسب التقارير، فإن القائمة المذكورة تضم 189 صحفيًا من منظمات عديدة، بينها وكالة الأنباء الفرنسية، وشبكة "سي إن إن"، وصحيفة "نيويورك تايمز"، وشبكة الجزيرة، إضافة إلى امرأتين مقرّبتين من الصحفي السعودي جمال خاشقجي الذي قُتل في قنصلية بلاده في إسطنبول في العام 2018، إذ وجدت التحقيقات أن برنامج تجسس استهدف هاتف خطيبة خاشقجي بعد أيام من مقتله، وكذلك اختراق هاتف زوجته في الفترة التي سبقت مقتله، فيما نفت شركة "إن إس أو" أي علاقة بأي شكل من الأشكال بعملية القتل. [11]

وتعدّ مجموعة "إن إس أو" شركة رائدة في جميع أنحاء العالم في صناعة برامج التجسس الخاصة وغير المنظّمة، وطورت هذه الشركة برمجية بيغاسوس، وباعتها لدول ذات أنظمة شمولية، منها العربية وغير العربية، وهذه البرمجية قادرة على اختراق الهواتف الذكية، ومنح الوصول إلى بياناتها الأكثر حساسية، وتنشيط الميزات عن بُعد، مثل الكاميرات والميكروفونات. ووصف تيموثي سمرز، مهندس الأمن السيبراني السابق في مجتمع الاستخبارات الأميركية، هذه البرمجية بأنها أداة يمكن استخدامها للتجسس على سكان العالم بأسره تقريبًا.[12]

وطُورت هذه البرمجية بواسطة جواسيس إنترنت إسرائيليين سابقين قبل عقد من الزمن، وهي مستخدمة منذ العام 2016 على الأقل. وتنظم وزارة الحرب الإسرائيلية بشكل وثيق عمل هذه الشركة، وتوقّع على تراخيص تصدير جديدة لتكنولوجيا المراقبة الخاصة بها.

وحول بيع شركة "إن إس أو" برامج التجسس، وقّعت منظمة مراسلون بلا حدود مع منظمات أخرى رسالة مشتركة في نيسان/أبريل 2021، عاتبت فيها الشكة على عدم الوفاء بالعديد من التعهدات التي قطعتها حول احترام وتنفيذ المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان.[13] ولذلك، فإن استخدام الحكومات لأدوات التجسس المتقدمة لمراقبة الصحفيين والناشطين يعرض الممارسة الديمقراطية في العالم للخطر مع تزايد انتشار هذه التكنولوجيا، فلا يجوز الترويج لهذه الأدوات القمعية والرقابية غير المضبوطة من أي دولة كأي منتج تجاري يتم بيعه للحكومات.

تصدير النموذج السلطوي

صرحت منظمة العفو الدولية أنه على إسرائيل إلغاء منح ترخيص التصدير للشركة التي استُخدمت منتجاتها في هجمات خبيثة على ناشطي حقوق الإنسان في المغرب والسعودية والمكسيك والإمارات.[14]

في المقابل، أنكرت الشركة القيام بأية انتهاكات، موضحة أن البرنامج صُمم لاستهداف المجرمين والإرهابيين، وأنه لا يقدَّم لغير المؤسسات الاستخبارية والعسكرية والمعنية بإنفاذ القانون في دول ذات سجلات جيدة في مجال حقوق الإنسان. وقالت في بيان لها إن التحقيق الأصلي الذي استندت إليه التقارير، وقامت به كل من منظمة "فوربيدن ستوريز" غير الحكومية من باريس، ومنظمة العفو الدولية المعنية بحقوق الإنسان، كان "مليئًا بفرضيات خاطئة ونظريات غير موثقة". وعندما حاولت المؤسسات التي أجرت التحقيق التواصل مع مسؤولي تلك الدول، فإنهم إما أنكروا استخدام برنامج بيغاسوس، أو أنكروا إساءة استخدام قدراتهم في مجال المراقبة.[15]

وورد في الآونة الأخيرة أن بيغاسوس استغل ثغرات في تطبيق "آي مسج" الذي طورته شركة أبل، تمكنه من احتمالية الوصول تلقائيًا إلى مليار جهاز آي فون قيد الاستخدام.[16] كما يذكر أنه في العام 2019، رفع تطبيق المراسلة "واتس آب" دعوى قضائية ضد الشركة "إن إس أو" قال فيها إنها استخدمت إحدى الثغرات في نظام التشغيل الخاص به لتثبيت برامج التجسس لنحو 1400 هاتف. وبمجرد الاتصال بالشخص المستهدف عبر "واتس آب"، يمكن أن ينزل بيغاسوس سرًا على هاتفه حتى لو لم يرد على المكالمة، غير أن الشركة الإسرائيلية أنكرت ذلك.[17]

تقول شركة "إن إس أو" إنها تبيع برامج التجسس الخاصة بها فقط لاستخدامها ضد المجرمين الخطرين والإرهابيين، لكن تكمن المشكلة في كيفية تحديد هذه الفئات، فكثيرًا ما تزعم الدول الأكثر استبدادًا أن الصحفيين والمعارضين ونشطاء حقوق الإنسان يمثلون تهديدًا للأمن القومي، مما يجعلهم هدفًا للملاحقة والمراقبة من قبل السلطات.[18]

وفي هذا السياق، حتى لو كان دور السلطات الإسرائيلية في مثل هذه القضية دورًا غير مباشر، فإنه ليس بإمكانها التنصل من مسؤوليتها، علمًا أن المؤسسات الحكومية هي التي تمنح "إن إس أو" وغيرها من الشركات المتخصصة في تكنولوجيا التجسس تراخيص التصدير.[19]

وعلاوة على ذلك، هناك ارتباط واضح بين هذه الصادرات والسياسة الخارجية لإسرائيل، إذ إن الإمارات والمغرب، اللتين أقامتا علاقات تطبيع مع إسرائيل خلال العام 2020، تُعدان من أبرز الجهات التي اشترت هذه الأنظمة التكنولوجية، إضافة إلى أن السعودية، التي لم تقم علاقات ديبلوماسية رسمية مع إسرائيل، اشترت برنامج بيغاسوس.[20]

طالب 4 أعضاء ديمقراطيين في الكونغرس الأميركي إدارة بايدن باتخاذ إجراءات ضد شركة "إن إس أو"، والنظر في فرض عقوبات عليها، مثلما فعلت مع شركات التكنولوجيا الصينية.[21] إلا أن ردود الفعل تجاه هذا الانتهاك لن تتجاوز بعض التوترات الديبلوماسية المؤقتة والمحدودة، ولن تؤدي إلى تغيير جذري في النظرة لإسرائيل، إذ أخبر مسؤول إسرائيلي كبير مستشاري بايدن أن إسرائيل تأخذ القضية على محمل الجد، وأنها بصدد فحص ما حدث بالضبط، وإذا كان هناك انتهاك لترخيص التصدير، أو حاجة لتغيير السياسة الإسرائيلية بشأن التصدير، وبالتالي فقد تقتصر ردود الفعل ضد الشركة وتتنصل الحكومة الإسرائيلية من مسؤوليتها.[22]

خاتمة

إن سعي الأنظمة السلطوية في الشرق الأوسط لامتلاك تكنولوجيا الرقابة والتجسس المتطورة واستخدامها ضد النشطاء يؤدي إلى استمرار انتهاكها لحقوق الإنسان، ويُضعِف قدرة الشعوب على التأثير تدريجيًا في هذه النظم السياسية للضغط نحو الانتقال الديمقراطي، أو حتى نحو تحقيق أي تقدم على مستوى الحقوق أمام هذه النظم التي تطور أساليب قمعها لمعارضيها باستمرار.

ويصب ذلك بشكل مباشر في مصلحة إسرائيل من حيث مسعاها للتطبيع وتطوير العلاقات الديبلوماسية مع هذه الأنظمة لتجاوز عقبة القضية الفلسطينية، وكذلك لإبقاء الشعوب العربية مقموعة تحت ظل أنظمة استبدادية، لأن تحقق إرادة الشعوب من خلال الديمقراطية يشكل خطرًا جيوإستراتيجيًا على إسرائيل، إذ يرى 66% من الرأي العام العربي أن إسرائيل والولايات المتحدة مجتمعتين هما الدولتان الأكثر تهديدًا لأمن الوطن العربي، كما يوجد إجماع بنسبة 89% على أن سياسات إسرائيل هي المصدر الأكثر تهديدًا لاستقرار المنطقة وأمنها، إضافة إلى رفض 88% من الرأي العام العربي اعتراف بلدانهم بإسرائيل.[23]

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] شركاء التجسس، برنامج ما خفي أعظم، قناة الجزيرة، 20/12/2020: bit.ly/3E2rsFL

[2] Israeli -not Chinese- firm caught exporting its 'authoritarian model, Responsible Statecraft, 20/7/2021: bit.ly/3jXZH94

[3] محمد وتد، من السر إلى العلن.. تعاون أمني يشهر صفقات الأسلحة والاستثمارات العسكرية بين إسرائيل والإمارات، الجزيرة نت، 29/8/2020: bit.ly/3jY08QK

[4] Mysterious Israeli Businessman Behind Mega-deal to Supply Spy Planes to UAE, Haaretz, 21/8/2019: bit.ly/3twVooj

[5] "مركز التحكم" يطلق "عين الصقر" في أبوظبي، الإمارات اليوم، 14/7/2016: bit.ly/3tup2uB

[6] How Do Israel’s Tech Firms Do Business in Saudi Arabia? Very Quietly, Bloomberg Businessweek, 2/2/2017: bloom.bg/3A1ktu4

[7] أبرز محطات التقارب في علاقات الإمارات وإسرائيل السابقة على اتفاق التطبيع، فرانس 24، 14/8/2020: bit.ly/3yVDYTC

[8] محمد وتد، من السر إلى العلن، مصدر سابق.

[9] سايمون هندرسون، الروابط بين إسرائيل ودول "مجلس التعاون الخليجي" بعد خمسة وعشرين عامًا من حرب الخليج الأولى، معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 14/10/2015: bit.ly/3tW3dV1

[10] Revealed: leak uncovers global abuse of cyber-surveillance weapon, The Guardian, 18/7/2021: bit.ly/3lckkOm

[11] Private Israeli spyware used to hack cellphones of journalists, activists worldwide, Washington Post, 18/7/2021: wapo.st/38YQ2ZO

[12] Ibid.

[13] تحقيق إسرائيلي بشأن برنامج بيغاسوس: غانتس يطمئن باريس بعدم اختراق هاتف ماكرون وقلق أميركي من الأنشطة التجسسية، الجزيرة نت، 28/7/2021: bit.ly/3yYImRH

[14] إسرائيل: أوقفوا تصدير مجموعة "إن إس أو" لبرامج التجسس إلى منتهكي حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، 14/1/2020: bit.ly/3jWXkU6

[15] إسرائيل باعت برنامج تجسس على الهواتف لدول بينها السعودية والإمارات والمغرب "يستهدف ناشطين وصحفيين"، بي بي سي عربي، 19/7/2021: bbc.in/3nnwtCU

[16] كيف يعمل برنامج التجسس بيغاسوس لاختراق هواتف ضحاياه؟، فرانس 24، 20/7/2021: bit.ly/3yWUC57

[17] إسرائيل باعت برنامج تجسس، مصدر سابق.

[18] بيغاسوس: مراسلون بلا حدود تطالب إسرائيل بحظر تصدير برامج التجسس، مراسلون بلا حدود، 23/7/2021: bit.ly/3nmEQOX

[19] المصدر السابق.

[20] كيف يعمل برنامج التجسس بيغاسوس لاختراق هواتف ضحاياه؟، مصدر سابق

[21] فضيحة برنامج بيغاسوس: هل أصبحنا جواسيس دون أن ندري؟، بي بي سي عربي، 22/7/2021: bbc.in/3BXDOgk

[22] تحقيق إسرائيلي بشأن برنامج بيغاسوس، مصدر سابق.

[23] المؤشر العربي 2019/2020، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 6/10/2020: bit.ly/3bGQKwS

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مشاركة: