الرئيسية » تحليل سياسات »   01 تشرين الثاني 2021

قراءة/تحميل | | | |
سياسات لتعزيز الصمود الاقتصادي في القرى المحاذية للمستوطنات في مناطق (ج)

هذه الورقة من إعداد كل من: دعد محمود، عبد السلام البواب، غزل الناطور، ولاء أبو عصب، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدّمة

تعاظمت سياسات الاحتلال الإسرائيلي بعد توقيع اتفاقات أوسلو للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وبخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى العام 2000، لا سيما المناطق المصنفة (ج)، التي كان من المفترض أن تنتقل إلى السيطرة الفلسطينية الكاملة بعد مرور خمس سنوات (الفترة الانتقالية)، إذ توسعت منظومة السيطرة الاحتلالية على الأرض والسكان للاستيلاء على الأراضي المصنفة (ج) كافة.

تختزن المناطق (ج) الموارد الطبيعية كالمياه والطاقة والمعادن والمراعي، إذ تحتوي على 90% من الثروات الطبيعية في الضفة الغربية، وتعتبر الأخصب زراعيًا، وهو ما عزز إجراءات وسياسات الاحتلال في تلك المناطق، وبسط نفوذها، ما أدى إلى إلحاق ضرر بالغ بها، وجعلها تعاني أوضاعًا اقتصادية هشة. وتدرك القوى الرسمية والشعبية خطر الاستيطان في تلك المناطق، ومدى هيمنته على مواردها وإعدامه للفرص الاقتصادية.

رسمت الحكومات الفلسطينية المتعاقبة مجموعة خطط تنموية على مدار السنوات الماضية، بهدف حماية المناطق (ج)، وتعزيز الوجود الفلسطيني فيها؛ فقد دعا رئيس الوزراء السابق سلام فياض إلى وقف العمل بتقسيمات (أ ب ج) المنصوص عليها في اتفاقيات أوسلو، فيما أكدت الحكومة اللاحقة برئاسة رامي الحمد الله أنها ستركز على تنمية مناطق (ج) وفق أجندة السياسات الوطنية 2017-2022، وأوضحت أنها تعمل على إلغاء التقسمات المناطقية، واعتبرت مناطق (ج) الأقل حظًا من حيث المشاريع التنموية، وأقرت بضرورة تقديم الخدمات اللازمة لها.[1]  وقد أكدت الحكومة الحالية برئاسة محمد اشتية على أهمية مناطق (ج)، وأعلنت في العام 2019 وقف العمل بتقسيمات (أ ب ج)، ومع أنه تم فعلًا إلغاء العمل بهذه التقسيمات، وبدأت الوزارات بتقديم تراخيص بناء في المناطق (ج)، فإن التراخيص الممنوحة للبناء لا تحمي أصحابها من إجراءات الهدم الإسرائيلية.

مع ذلك، لم تحقق السياسات الحكومية التحسن الاقتصادي المرجو، وبخاصة القرى المجاورة للمستوطنات الكبرى -الأكثر تضررًا بسياسات الاحتلال- وعلى الرغم من ذلك، كان هنالك بعض الخطط والمشاريع التي استندت إلى التمويل الخارجي. ولذلك، تسعى الورقة إلى إيجاد سياسات وبدائل تعزز الصمود الاقتصادي، بأدوات ووسائل متنوعة، تعتمد على المجتمع الفلسطيني ومكوناته الوطنية، بما يدعم تحقيق التواصل بين مناطق (ج) وباقي مناطق الضفة الغربية، وكسر حالة العزلة التي يفرضها عليها الاحتلال الإسرائيلي؛ وهو ما يتطلب منا صياغة بدائل تعمد إلى تعزيز صمودها الاقتصادي، وتراعي الفروق الفردية للقرى الفلسطينية، والفروقات المتعلقة بطبيعة المستوطنات في كل منطقة منها.

الأهداف السياساتية

الهدف العام:

تهدف الورقة إلى تقديم سياسات وبدائل ترمي إلى تقديم سياسات اقتصادية فاعلة في المناطق (ج)، لتعزيز صمودها الاقتصادي، ودعم بقاء السكان وحماية ممتلكاتهم.

الأهداف الخاصة:

  • تقديم بدائل سياساتية لتعزيز الصمود الاقتصادي للقرى الفلسطينية المحاذية للمستوطنات الإسرائيلية الكبرى، وصياغة سياسات اقتصادية قادرة على التعامل مع عمق إشكاليات القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، التي فرضها الاحتلال ليشكل واقعًا جغرافيًا وديمغرافيًا يعمل على تقسيم المناطق الفلسطينية وتجزئتها على شكل معازل.
  • اقتراح سياسات من شأنها التعامل مع الاختلافات بين المناطق المصنفة (ج)، ووضع آليات ومشاريع بما يتناسب مع واقعها؛ سواء تجارية، أو زراعية، أو صناعية، أو سياحية.

المشكلة السياساتية

أدت السياسات والممارسات الإسرائيلية في الضفة الغربية بشكل عام، ومناطق (ج) بشكل خاص، إلى إضعاف البنية الاقتصادية فيها، وبخاصة في القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، نتيجة التغول الاستيطاني ومصادرة الأراضي ومنع البناء فيها، على الرغم من امتلاكها أكبر ثروة طبيعية في الضفة، إذ تحتوي على 90% من الموارد الطبيعية، وتتوفر فيها معظم إمكانيات التطور الحضري والزراعي في الضفة.[2]  تشكل مناطق (ج) 64% من مساحة الضفة الغربية، أي ما يقارب 3500 كم2، ويسكنها حوالي 900 ألف فلسطيني[3]، إلا أنها تعاني من واقع اقتصادي هش، وبخاصة القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، حيث يخسر الفلسطيني حوالي 740 مليون دولار في القطاع الزراعي وحده.[4]

زادت إسرائيل من سياسات فصل مناطق (ج) عن المدن الفلسطينية، ما أثر، بشكل أساسي، على تنقل البضائع والسلع والحرية التجارية، مع سيطرة شبه تامة على الموارد كالأراضي الزراعية، والمياه، والمعالم الأثرية والسياحية، والمحاجر. وقد أشار مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في فلسطين إلى أن مناطق (ج) تعيش مستويات متدنية من الأمن الغذائي، وازداد عدد الأسر الفقيرة فيها.[5]

يتطلب الفارق بين مقدرات مناطق (ج) الاقتصادية وبين وضعها الاقتصادي الراهن نتيجة التغول الاستيطاني والمستوطنين فيها واستغلالهم للموارد الطبيعية على حساب المواطنين الفلسطينيين، سياسات فاعلة لتجاوز أسباب تشوه اقتصادها، والتحول بها إلى مناطق قادرة على الصمود ومواجهة السياسات الإسرائيلية، وبخاصة في القرى الفلسطينية المحاذية للمستوطنات الكبرى.

تستهدف إسرائيل كل مساحة تقع ضمن مناطق (ج) لتحولها إلى مستوطنة إسرائيلية مستقبلية، تحت حجج وذرائع متعددة، كإسقاط رمزية دينية يهودية على أي منها، أو اختلاق حجج أمنية وعسكرية أو بيئية لتفرض إسرائيل سيطرتها عليها وتؤهلها لقدوم مستوطنين جدد إليها.

ومع تعدد التصنيفات الإسرائيلية للاستيطان في أراضي الضفة الغربية والقدس، ما بين بلديات وسلطات محلية ومجالس إقليمية، فإنه يبقى استيطانًا وجوديًا في الأراضي الفلسطينية، إذ إنه يهدف إلى زيادة المستوطنين، وتهجير الفلسطينيين قسرًا في المناطق (ج) - الصراع الديمغرافي.

تنتشر المستوطنات الإسرائيلية بأشكالها في شمال ووسط وجنوب الضفة، وتعاني القرى الفلسطينية نتيجة للإجراءات الإسرائيلية مجموعة انتهاكات، أبرزها:

شمال الضفة: تعد مستوطنة "أرئيل" واحدة من المستوطنات الأربع الكبرى التي منحتها وزارة الداخلية الإسرائيلية لقب بلدية، وتقوم على مجموعة من القرى الفلسطينية التي تتبع محافظة سلفيت، ومنها: سكاكا، مردة، كفل حارس، وتتقاطع معها مستوطنة بركان، وهي مستوطنة صناعية كبيرة تمتد على ما تبقى من قرى سلفيت.

يعاني سكان قرى سلفيت من وجود واحدة من المدن الاستيطانية فيها، وتتضاعف معاناتهم في ظل تقاطعها مع مستوطنة صناعية كبرى، وكون قرى سلفيت تشترك في مصادر مائية وأراضٍ زراعية بامتياز تعاني كل من قرى اسكاكا، ومردة، وكفل حارس، وبروقين، وكفر الديك من مخلفات المستوطنات، فتتلوث مياه هذه القرى وأراضيها بمياه الصرف الصحي للمستوطنات، وتخسر سلفيت التي تعد من أكبر الأحواض المائية في فلسطين أهم مواردها، إضافة إلى تلف المحاصيل الزراعية، وتصبح غير صالحة للاستهلاك البشري أو الحيواني. وبفعل السيطرة الإسرائيلية على الطرق لحماية مستوطناتها، وتوفير حركة آمنة للمستوطنين، يضطر سكان القرى الفلسطينية إلى سلوك طرق أكثر تعقيدًا للوصول إلى سلفيت، ما يضاعف التكلفة المالية ووقت الوصول، فيصل في بعض المناطق إلى 40 دقيقة بدلًا من 10 دقائق في الوضع الطبيعي.

وسط الضفة: تقع مستوطنة "موديعين عيليت" غرب مدينة رام الله، متعدية على أراضي قراها: بيت سيرا، بيت عور، صفا، بلعين. كما تقوم على أراضي بلدتي العيزرية وأبو ديس مستوطنة ثالثة من المستوطنات الكبرى وهي مستوطنة "معاليه أدوميم".

وتتميز قرى غرب رام الله التي تقوم على أراضيها مستوطنة "موديعين عيليت" بكونها أراضيَ زراعية بامتياز، فتشتهر بيت عور بزراعة التين والعنب والمشمش والرمان، أما قرية صفا فيمتاز سكانها بتربية النحل، وتورد نعلين الصبر للمناطق الفلسطينية، ويتركز النشاط الاقتصادي لـبلعين في الزراعة.

إضافة إلى الزراعة، فإن قرى غرب رام الله تمتاز بوجود مناطق أثرية فيها كقرى بيت عور، وخربتا، وبيت سيرا. ومع ذلك، تمنع التقييدات الإسرائيلية خدمات البريد والهاتف والخدمات الصحية، كما تغيب في جزء منها الجمعيات الخيرية والتعاونيات، ما يضاعف انفصالها عن بقية المناطق الفلسطينية، وإضعاف تطورها الاقتصادي.

في القدس تتميز بلدة العيزرية بوجود مناطق أثرية فيها، وينشط سكانها في التجارة والعمالة، إذ ضعف قطاع الزراعة فيها بسبب مصادرة الأراضي لصالح الجدار والمستوطنات. يفصل الجدار ما تبقى من البلدة عن المنطقة الأثرية فيها، ويقطع التواصل بين أجزاء البلدة نفسها، كما تهدد سياسات الفصل العنصري بلدة العيزرية في ضوء الحديث المستمر عن مشاريع ضم مناطق من البلدة ضمن مشروع القدس الكبرى، وفصل هذه الأجزاء من البلدة كليًا عن امتدادها الفلسطيني.

في أبو ديس دمرت إسرائيل القطاع الزراعي باعتدائها على الأراضي ومصادرتها وحاصرتها من جميع الجهات. وبسبب التضييق الناتج عن سيطرتها على معظم أراضي البلدة، اضطر أهالي المنطقة إلى المد العمراني في المناطق الزراعية على حساب استفادتهم من الثروات الطبيعية للبلدة، وخلقت مشاكل في الإسكان والازدحام العمراني. وقد أعدمت إسرائيل التواصل بين العيزرية وأبو ديس من جهة، والأغوار وأريحا من جهة أخرى، ما أضعف النشاط الاقتصادي المعهود بينهم.

جنوب الضفة: تقع مستوطنة "بيتار عيليت" على أراضي قرى جنوب غرب بيت لحم: حوسان، نحالين، وادي فوكين، وهي واحدة من أصل 14 مستوطنة تقوم على أراضي محافظة بيت لحم.

تمتاز قرى جنوب غرب بيت لحم بالزراعة، ووفرة المياه، ووجود المناطق الأثرية والمقامات والمواقع الدينية فيها، وهي مناطق مهمة للحياة البرية.

تمنع إسرائيل أهالي حوسان من الوصول إلى أراضيهم بحجة أنها مناطق أمنية، وتضع مخططات لبناء مشاريع صناعية للمستوطنين على أراضي القرية، إضافة إلى حرمان أهالي القرية من الوصول إلى 400 نبع، مجبرة مزارعي المنطقة على شراء المياه لري أراضيهم بهدف دفعهم لهجرة أراضيهم، وتؤمن إسرائيل مسارات سياحية للمستوطنين في القرية ومحيطها، ما يعيق حركة الفلسطينيين. وفي نحالين، تشق إسرائيل الطرق مستغلة أراضي القرية لإنشاء شبكة مواصلات آمنة بين مستوطنات المنطقة، وكما في القرى المجاورة ومعظم الأراضي (ج)، تعاني نحالين إشكالية إدارة النفايات، إذ تسيطر إسرائيل على المناطق المناسبة لتكون مكبات نفايات، ما يسبب فوضى في إدارة النفايات تترك آثارها الملوثة للمياه والمحاصيل وتشوّه بيئة المنطقة.

أسباب المشكلة السياساتية

تتعدد الأسباب التي تمنع الفلسطينيين من الانتفاع بمقدرات مناطق (ج) الاقتصادية بشكل متفاوت، حيث يؤثر كل سبب في التنمية البشرية والاقتصادية، ويمكن إجمالها بما يأتي:

أولًا: منظومة السيطرة الإسرائيلية

التوسع الاستيطاني: يتغول الاحتلال على مناطق (ج)، ويستغل بشكل مباشر ما نسبته 76% من مجمل مساحتها، وتسيطر مجالس المستوطنات على 63% منها؛ ما يهدد وجود الفلسطينيين، إضافة إلى تزايد مستمر في أعداد المستوطنين بحسب تقرير لـمركز المعلومات الإسرائيلي عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم" الذي كشف عن زيادة بنسبة 42% في العام 2021 مقارنة بالعام 2010.[6]
اعتداءات المستوطنين: يخضع الفلسطينيون لمجموعة اعتداءات بجانب اعتداءات قوات الاحتلال، حيث يقوم المستوطنون كأداة قمعية ضد الفلسطينيين القاطنين في مناطق (ج) والقرى المحاذية للمستوطنات، وذلك من خلال: تخريب وتدمير حصاد الحبوب وقطف الزيتون، الذي يصل لحد القمع، حيث أصاب المستوطنون (26) عاملًا في موسم قطف الزيتون العام 2020، وأضرموا النار في 1700 شجرة زيتون. كذلك عرقلة البناء الفلسطيني في مناطق (ج)، مقابل دعم البناء الاستيطاني.
جدار الفصل العنصري: يتسبب جدار الفصل العنصري بعزل 10% من الضفة الغربية، ويمنع 80% من المزارعين من الوصول إلى أراضيهم[7]، ما يعيق حرية التنقل، ما يجبر بعض الفلسطينيين المقيمين في مناطق (ج) على تغيير مكان إقامتهم، وترك أراضيهم ومنازلهم، وعزلهم عن باقي التجمعات الفلسطينية. كذلك يمنع الجدار الوصول إلى مياه الآبار والينابيع التي يستخدمها السكان لأغراض الشرب والزراعة والصناعة، وألحق الضرر بالمناطق الأثرية، وقيّد الحركة السياحية.
الإجراءات الأمنية والعسكرية: تستخدم إسرائيل الحواجز ونقاط التفتيش لعزل مناطق الضفة الغربية عن بعضها، حيث بلغ عدد الحواجز 600 حاجز تفصل بين المدن والقرى الفلسطينية، ما يكبد الفلسطينيين خسائر في الوقت والتكلفة، إذ قدّر مركز أريج الخسائر السنوية بسبب الزيادة في الوقود المستهلك بنحو 135 مليون دولار.[8]
الصراع الديمغرافي: تعمل إسرائيل من أجل التغلب على المعضلة الديمغرافية على تعظيم البناء والتوسع الاستيطاني، وإخلاء أعداد أكبر من السكان الفلسطينيين، ومن ثم نقل المستوطنين إليها.
السيطرة الإسرائيلية على الموارد: تستنزف إسرائيل 82% من كمية المياه المتجددة سنويًا في الأحواض الجوفية في الضفة الغربية، بينما يستهلك الفلسطينيون 17% منها، إضافة إلى احتكارها معظم مياه نهر الأردن؛ منتهكة بذلك الحقوق المائية للفلسطينيين، كما تسيطر على 85% من أراضي الأغوار الشمالية، والجزء الشمالي من البحر الميت، وبالتالي فإن نسب 40% من صادرات التمور الإسرائيلية مصدرها هذه الأراضي.[9] وتحرم إسرائيل الفلسطينيين من الاستفادة من إنتاج الحجارة الصغيرة الجيدة، بالمقابل تكسب الكسارات الإسرائيلية غير الشرعية في المناطق (ج) 105 ملايين دولار سنويًا منها[10]، إضافة إلى موارد عدة تحول إسرائيل دون الاستفادة منها فلسطينيًا.

 

ثانيًا: السياسات الفلسطينية

ضعف الموازنة المخصصة: عدم توفر ميزانية ثابتة يحول دون القدرة على مواجهة السياسات الإسرائيلية المستمرة، إذ تعتمد الموازنة المخصصة على التمويل الخارجي، والأوروبي تحديدًا، وهو الذي تحاربه إسرائيل سعيًا منها إلى وقف مصادر الدعم الموجه لتعزيز الصمود الفلسطيني فيها.
ضعف مشاريع الحكومة الفلسطينية وإفشالها: على الرغم من محاولات الحكومة الفلسطينية لجلب تمويل ورسم سياسات من أجل تعزيز صمود مناطق (ج)، فإنها ما زالت ضعيفة أمام منظومة السيطرة الإسرائيلية، وبخاصة الساعية إلى إفشال المشاريع الفلسطينية؛ سواء العامة أو الخاصة، بمنعها أو هدم منشآتها وإعاقة الوصول إليها، وتعدم فرص العمل بالسيطرة على الاقتصاد الفلسطيني ككل، وتصعّب تنقل العمال إلى المناطق الفلسطينية، دافعة باتجاه ترغيبهم في العمل في سوق العمل الإسرائيلي وفي المستوطنات.
تفرض إسرائيل مجموعة سياسات لإفشال المشاريع، وعندما تقوم الحكومة الفلسطينية بالتنفيذ دون الموافقة يتم تدميرها؛ ففي العام 2021 نفذت 90 مشروعًا ممولًا من أصل 130 بدون انتظار موافقة إسرائيلية، وهو ما يقابل بالهدم.[11] هذا إضافة إلى الفوارق الكبرى بين المشاريع في المناطق (ج) والمستوطنات المقامة عليها، في ضوء ضعف آليات تحفيز الانتقال للعمل إلى المشغل الفلسطيني، فالراتب الذي سيتقاضاه العامل أقل بكثير مما يتقاضاه في المستوطنات.
سوء الأوضاع الاقتصادية: بلغت نسبة البطالة في الضفة الغربية في بداية العام 2021 نسبة 17%، وارتفع عدد العاملين في المستوطنات الإسرائيلية من 20 ألف في الربع الأخير من العام 2020 إلى 21 ألف في العام 2021.[12] وتشمل هذه النسب المناطق (ج)، حيث بلغت نسبة البطالة في محافظة سلفيت وحدها 20% خلال العام 2020.
ضعف التنسيق مع القطاعات غير الرسمية: افتقرت الخطط التنموية الحكومية في المناطق (ج) إلى التنسيق الكامل مع القطاعات الأخرى. وتخشى القطاعات الأهلية والخاصة العمل نتيجة السياسات الإسرائيلية. ووفقًا لتقارير البنك الدولي، تعد المناطق (ج) مفتاح التنمية الاقتصادية في فلسطين، ومع ذلك، فإن تكلفة الاستثمار فيها عالية جدًا، وذات مناخ استثماري خطر بسبب السيطرة الإسرائيلية.[13]
تنصل إسرائيل من اتفاقات أوسلو: كان من المفترض أن تنتقل السيادة على مناطق (ج) تدريجيًا إلى السلطة الفلسطينية بحسب اتفاقات أوسلو -باستثناء قضايا محددة كان سيتم الاتفاق بشأنها لاحقًا كالمستوطنات والنقاط العسكرية- غير أن إسرائيل رفضت دفع استحقاقات عملية التسوية، وزادت من وتيرة الاستيطان، وفرضت كامل سيطرتها أمنيًا على مناطق (ج).

ثالثًا: البيئة الدولية

عجز الشرعية الدولية: يدين القانون الدولي الاستيطان، لكن لا يمنع تمدده؛ ويمنع نقل مواطنين الدول المحتلة "المستوطنين" إلى الأراضي التي تحتلها، وقد أدان مجلسا الأمم المتحدة -الأمن الدولي والجمعية العامة- الاستيطان مرات عدة، وطالبت بوقفه، ولكن إسرائيل لا تلتزم بالقرارات الدولية، ولا يجابه المجتمع الدولي تمردها ولا يفرض عليها العقوبات، وكان أخرها قرار رقم 2334 العام 2016.
تتنصل إسرائيل من قواعد وقرارات الشرعية الدولية، وتتهرب من اتفاقية جنيف نافية أن مصر والأردن امتلكتا صفة الأطراف السامية على الضفة الغربية وقطاع غزة، كما تستغل تأخر وضعف المؤسسات القانونية الدولية في تطبيق أحكامها أو متابعة القضايا المتعلقة باختصاصاتها. من جهتها، تدعم الولايات المتحدة الأميركية المشاريع الإسرائيلية أمام القانون الدولي باستخدام حق النقض الفيتو، وهو ما يمنع مجلس الأمن من إصدار عقوبات بحقها ويكتفي بالشجب والتنديد، إضافة إلى الدفاع عنها أمام المحكمة الجنائية الدولية.
مؤسسات الأمم المتحدة: تظهر الأمم المتحدة عجزًا في مواجهة الإجراءات الإسرائيلية في المناطق (ج)، إذ تجرم مؤسسات الأمم المتحدة والمواثيق المستوطنات الإسرائيلية، وتحظر على إسرائيل تدمير الممتلكات الخاصة بالأفراد والجماعات والهيئات العامة والخاصة، وتعترف بالحقوق الفلسطينية، وقد أصدرت هيئة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة قائمة بأسماء (112) شركة تجمعها علاقات تجارية بالمستوطنات الإسرائيلية كخطوة في اتجاه الحد من التوسع الاستيطاني، وهو ما يجرم هذه الشركات، ويمكّن الفلسطينيين من ملاحقتها قانونيًا.
العلاقات التجارية للدول مع المستوطنات: في تقرير أصدره ائتلاف "لا تساهم في تمويل الاحتلال" في العام 2021، ظهر أن 672 مؤسسة مالية أوروبية متورطة وفقًا للقانون الدولي بالعمل مع 50 شركة إسرائيلية تعمل في المستوطنات، بقيمة 114 مليار دولار من الأسهم والسندات يمتلكها المستثمرون الأوروبيون في هذه الشركات. وتوقع التقرير أن تصل إلى قيمة 141 مليار دولار خلال أيار/مايو 2021، وهو ما يسهم في النمو الاقتصادي للمستوطنات.[14]

تستغل إسرائيل التطبيع مع الدول العربية لتعزيز الاستيطان وتجارته، وذلك من خلال بناء علاقات مباشرة بين مجالس المستوطنات والدول المطبعة، من أجل تعزيز مكانة المستوطنات اقتصاديًا، ومن بين الدول المطبعة التي بدأت علاقات اقتصادية مباشرة مع المستوطنات، الإمارات؛ فوقعت اتفاقيات تجارية مع مجلس استيطاني "شمرون" الذي يضم 30 مستوطنة غير شرعية مقامة على أراضي قرى مدينة نابلس.[15]

الاستيطان أداة استعمارية: السياق والمسارات

يعد الاستيطان من أهم المرتكزات الرئيسية في الفكر الصهيوني لإقامة "دولة صهيونية" على أراضي فلسطين، الأمر الذي تبلورت مرتكزاته تلك في أربع مراحل رئيسية: الهجرة اليهوديـة إلـى فلسطين، بناء المستعمرات اليهودية، ترحيل السكان الأصليين، التوسـع والاحـتلال والضم وتهويد الأرض والمقدسات.[16]

بعد العام 1948، أصبح المشروع الاستيطاني أكثر نهمًا، إذ باشرت إسرائيل بعمليات تطهير عرقي ممنهجة عمدت من خلالها إلى إخلاء الأراضي الفلسطينية من سكانها، وضمان عدم عودتهم إليها، ولجأت إلى السيطرة على الأراضي إلى قوانين صاغتها لتتلاءم مع أهدافها الاستعمارية، فاختلقت مسمى أملاك الغائبين للأراضي المهجرين أهلها، وخلال العقدين الممتدين بين العامين 1948 و1967، أقامت مئات المستوطنات على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بدأت إسرائيل ببناء المستوطنات على أراضي الضفة الغربية بعد احتلالها العام 1967، وجاء ذلك لتوسيع الحدود استنادًا إلى فكرة "تعديلات في الأرض مقابل حدود آمنة" وفقًا لخطة ألون التي تبناها حزب العمل -آنذاك- وكان التركيز على أراضي القدس والأغوار. وبعد العام 1977، زادت وتيرة الاستيطان مع صعود حزب الليكود إلى الحكم، فزاد عدد المستوطنين بمعدل 44000 مستوطن في السنوات الخمس الأولى من حكمه، وأنشأ 105 مستوطنات.[17] أما الفترة التالية، فقد شهدت وتيرة أقل مع تشكل الائتلافات بين الحزبين اللذين اختلفا في إستراتيجياتهما الاستيطانية، إذ ركز الليكود اليميني المتطرف على استخدام الاستيطان لتغيير الواقع الديمغرافي لصالح اليهود، بينما ركز حزب العمل على استغلاله لأهداف جيوإستراتيجية.

بعد العام 1991، وخلال مرحلة التسوية السياسية، بدا أن معدل بناء المستوطنات قد انخفض، إلا أنه ووصولًا إلى العام 2019، ركزت إسرائيل على توسيع المستوطنات القائمة، واستقدام المستوطنين إليها، مقابل امتيازات وتسهيلات أمنية ومالية، إضافة إلى زيادة وتيرة بناء البؤر الاستيطانية.

الاستيطان ومناطق (ج) في اتفاقيات أوسلو

تعاظمت سياسات الاحتلال الإسرائيلي الاستيطانية بعد "اتفاقات أوسلو" للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية بما فيها القدس، ولا سيما المناطق المصنفة (ج) حسب تقسيمات اتفاقات أوسلو، التي كانت من المفترض أن تسري لمدة خمس سنوات فقط[18]، ومن ثم تنتقل بعدها السيادة الكاملة عليها إلى السلطة الفلسطينية، إلا أن ما حدث العكس تمامًا، حيث تسيطر إسرائيل على جميع جوانب الحياة في تلك المناطق.

بحسب اتفاق أوسلو 2 (اتفاق طابا)، قسمت أراضي الضفة الغربية إلى مناطق (أ، ب، ج)، ووضحت الترتيبات الأمنية والإدارية لكل منها على النحو الآتي:[19]

المنطقة (أ): تخضع المسؤوليات الأمنية والمدنية فيها والنظام العام للسلطة الفلسطينية، ويشمل ذلك أراضي الدولة وأراضي الوقف.

المنطقة (ب): يتم نقل المسؤوليات المدنية فيها غير المرتبطة بالأراضي للسلطة الفلسطينية، وكذلك يخضع النظام العام في مناطق (ب) للسلطة الفلسطينية، وتبقى اليد العليا في الأمن فيها لإسرائيل لحماية الإسرائيليين ومواجهة الإرهاب. ويتم نقل المسؤوليات الأمنية (النظام العام والأمن الداخلي) فيها للسلطة الفلسطينية على ثلاث مراحل تمتد على 18 شهرًا من تاريخ تنصيب المجلس "السلطة الفلسطينية".

المنطقة (ج): الأراضي التي تقع خارج مناطق (أ) و(ب)، وتقع فيها المستوطنات والمناطق العسكرية الإسرائيلية، والتي سيتم نقل مسؤوليات النظام العام والأمن الداخلي فيها تدريجيًا للولاية الفلسطينية باستثناء القضايا التي سيتم الاتفاق عليها في قضايا الحل النهائي (الاستيطان والحدود).

على الرغم من ذلك، تخضع مناطق (ج) بعد فشل عملية التسوية السياسية وتعاظم السياسات الاستيطانية حاليًا (العام 2021)، للسيطرة الإسرائيلية بشكل كامل على مستويات الأمن والتخطيط والبناء، وبجانب المستوطنات الكبرى، تقيم إسرائيل مجموعة كبيرة من البؤر الاستيطانية، التي من شأنها إعاقة التنمية الاقتصادية في هذه المناطق، وبخاصة القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، من خلال السيطرة على مواردها، وعدم منح تراخيص بناء فيها، إضافة إلى عمليات الهدم التي تمارسها ضد البيوت والمنشآت الفلسطينية الخاصة والعامة في المنطقة.

تزايدت سياسات السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية من خلال إدخال منظومة سيطرة جديدة وهي "البؤر الاستيطانية"، محاولة بذلك الالتفاف على المحددات القانونية التي تدعي الالتزام بها، والمواقف الدولية الرافضة للاستيطان، فالحكومة الإسرائيلية لا تعترف بالبؤر الاستيطانية كما هو الحال مع المستوطنات، ومع ذلك تشرعن من آن إلى آخر أعدادًا جديدة من هذه البؤر.

يشار إلى أنه بلغ عدد المستوطنات في الضفة الغربية 198 مستوطنة حتى العام 2019، إضافة إلى 220 بؤرة استيطانية، يقطنها حوالي 824 ألف مستوطن، منهم 318 ألفًا في القدس الشرقية المحتلة[20]، والعمل جار على رفع العدد إلى مليون مستوطن خلال عامين.[21]

البدائل السياساتية

المعايير

المقبولية: تقدم الورقة مجموعة بدائل تحظى بقبول صانع القرار ومكونات المجتمع المدني الفلسطيني، الساعي إلى مواجهة السياسات الاستيطانية في مناطق (ج)، وتعمل على تعزز صمود المواطنين اقتصاديًا.

المعقولية: تحظى البدائل المطروحة بمقبولية عالية؛ لاعتمادها على الإرادة الفلسطينية في مواجهة الاستيطان بشكل موحد على المستويين الرسمي وغير الرسمي، قابلة للتنفيذ رغم تباينها، إذ إن هناك بدائل سياساتية مطروحة تعتمد على المجهود الذاتي للفلسطينيين، وأخرى تعتمد على قرارات الشرعية الدولية.

الفاعلية: تراعي البدائل المطروحة قدرة السياسات المقترحة على التعامل مع المتغيرات الطارئة احتلاليًا ودوليًا، ومراعاة خصوصية المناطق واحتياجاتها لتعزيز صمودها اقتصاديًا.

الربح والخسارة: تتنوع البدائل المطروحة ما بين الاحتياج المادي والإداري، وإن كانت ذات تكاليف مرتفعة نتيجة التدمير الإسرائيلي، إلا أنها، على المدى الطويل، تحقق نجاحًا وطنيًا في المحافظة على المناطق (ج) والاستثمار فيها.

الوعي: تنسجم البدائل المطروحة مع الرأي العام الفلسطيني، ترتكز على الوعي الشعبي في مواجهة الاستيطان من خلال التركيز على العامل الاقتصادي، وتعزز هذا الوعي لكل فئة بأهمية دورها ومدى فاعليتها لتعزيز صمود المناطق (ج).

البديل الأول: تدخل حكومي متكامل في مناطق (ج)

تتزايد الإجراءات والسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى إحكام السيطرة على مناطق (ج) وتفريغها من سكانها الأصليين، وتدمير البنى التحتية والمشروعات الاقتصادية والبناء، وتهيئتها للضم إلى إسرائيل. في المقابل، ما زالت السياسات الفلسطينية قاصرة -إلى حد كبير- في مواجهة السياسات الإسرائيلية، وهو ما يضعنا أمام ضرورة ملحة لوجود برنامج حكومي شامل يتعامل مع كافة الإشكاليات المتعلقة بالمناطق (ج) بشكل عام، والقرى المحاذية للمستوطنات الكبرى بشكل خاص، وذلك من خلال:

  • تخصيص موازنة للقرى المحاذية للمستوطنات: العمل على تخصيص موازنة ثابتة قادرة على مواجهة التذبذب في التمويل، وسياسات إسرائيل الساعية إلى تجفيف مصادر التمويل الموجهة لمناطق (ج).
  • دعم المشروعات الصغيرة من قبل الحكومة ماليًا وإداريًا وفنيًا؛ عن طريق مؤسسات التمويل، وتمويل عملية إنشاء تلك المشاريع في مناطق (ج) بفوائد معقولة، حيث إنها مدرجة ضمن الفئات عالية الخطورة كما أشار تقرير لـ "ماس" من أن التزام الحكومة تجاه مؤسسات التمويل ضعيف جدًا[22]، كذلك العمل على توفير برامج إقراض حكومية للمشاريع الصغيرة في القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى.
  • تصميم برامج مخصصة للقرى الفلسطينية: تتنوع مشكلات القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، وهذا يتطلب سياسات تراعي الفروقات بين القرى الفلسطينية، تتضمن تصميم برامج وتوفير كوادر مختصة لتخطيط مشاريع في المناطق (ج)، بما يتناسب مع إمكانيات وقدرات كل منطقة، وطبيعة سكانها واهتماماتهم، والموارد المتاحة في قراهم.
  • تفعيل الرقابة (عمل الضابطة الجمركية)، على التبادل التجاري مع المستوطنات، وملاحقة المنشآت التجارية الفلسطينية المقامة داخل المستوطنات بهدف التخلص من قيود التجارة على المعابر الإسرائيلية، واستخدام المستوطنات كمناطق عبور إلى إسرائيل، لما له من أثر على تعزيز اقتصاد المستوطنات القائمة أساسًا على أراضٍ فلسطينية تنهتك مواردها وحقوق سكانها.
  • خطة إستراتيجية: يتوجب على الحكومة الفلسطينية بناء خطة إستراتيجية متكاملة تراعي البنى التحتية والاحتياجات بشكل دائم، ومراقبة فعالية تنفيذ البرامج الحكومية، وفقًا لخطة عنقودية تشمل القطاعات كافة، برسوم رمزية تعزز صمود المواطنين في مناطق (ج).

البديل الثاني: ملاحقة ومحاسبة إسرائيل وقادتها على انتهاكاتها باستخدام أدوات القانون الدولي

تعتبر البيئة الدولية عاملًا مهمًا وأساسيًا في مواجهة الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل عام، ومناطق (ج) بشكل خاص، وبخاصة بالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي المناهض للاستيطان في الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية وفق قرارات الأمم المتحدة، وكذلك مجابهة الاحتلال في البيئة الدولية، وقد أثبتت سياسة المجابهة -على الرغم من الدعم الأميركي ماديًا وسياسيًا لسياسات إسرائيل الاستيطانية- نجاحًا ملحوظًا في المحاولات الدائمة لحركة المقاطعة (BDS) لتشكيل ضغط أدى إلى وسم منتجات المستوطنات، وتجاوبت جامعات غربية مع حملة المقاطعة الأكاديمية للجامعات والمؤسسات الأكاديمية القائمة في المستوطنات الإسرائيلية.

وحتى نتمكن من الوقوف في وجه الانتهاكات الإسرائيلية للقوانين والشرعية الدولية، وسياساتها الساعية إلى تغيير الحقائق في مناطق (ج)، يطرح البديل التحرك على المستويات الآتية:

أولًا. قانونيًا:

  • التوجه إلى المحاكم والمنظمات الدولية لملاحقة الانتهاكات الإسرائيلية في مناطق (ج) على مستوى السيادة والسيطرة على الموارد، وفقًا لما ورد في اتفاق أوسلو 2 (طابا 1995).
  • ملاحقة المستوطنين وجرائمهم ضد السكان الفلسطينيين وممتلكاتهم في مناطق (ج)، والمتمثلة في الاستيلاء على الأراضي بالقوة لإقامة بؤر استيطانية، ومنع وصول المواطنين إلى أراضيهم ومزارعهم وممتلكاتهم، إضافة إلى تلويث البيئة الفلسطينية جراء رمي مخلفات المستوطنات والنفايات والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية، وذلك من خلال فتح ملفات تتضمن أسماء المستوطنين ومسؤوليهم وتوثيق انتهاكاتهم، إضافة إلى تقديم دعاوى ضد مزدوجي الجنسية منهم في البلدان التي يتيح قانونها الوطني مقاضاتهم ومحاسبتهم.
  • ملاحقة الشركات الدولية والإقليمية التي تستثمر في المستوطنات اقتصاديًا في مناطق (ج)، باعتبارها تنتهك القانون الدولي، وشريكة في جرائم الاحتلال، استنادًا إلى القرارات الدولية، وقرارات مجلس حقوق الإنسان، بالاعتماد على القائمة السوداء التي تتضمن أسماء تلك الشركات، وأي شركة جديدة تضاف إليها.
  • اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لاستصدار قرار يعتبر الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، وليس فقط التغيرات والممارسات التي يقوم بها في المناطق المحتلة، بل إن وجوده كله غير قانوني.

ثانيًا. ديبلوماسيًا:

  • تفعيل الديبلوماسية الفلسطينية والتحرك باتجاه الدول، وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي، وبرلماناتها، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، وحركات التضامن فيها، للاضطلاع بدورها لمجابهة ما تقوم به دولة الاحتلال من انتهاكات، وتحميلها مسؤولياتها باعتبارها القوة القائمة بالاحتلال.
  • العمل من أجل وقف منابع التمويل المالي والعسكري لإسرائيل، وبذل جهود فلسطينية لتحويل التمويل الموجّه لإسرائيل إلى تمويل مشروط بوقف الاستيطان، ووقف الدعم الحكومي الإسرائيلي (الحوافز) للمستوطنات.
  • تنظيم نشاطات وزيارات إلى مناطق (ج) باستضافة فلسطينية لإطلاع وفود دولية رسمية وغير رسمية على أحوال مناطق (ج).

ثالثًا. الأمم المتحدة ومؤسساتها:

  • تفعيل العمل في الهيئات التابعة للأمم المتحدة مثل مجلس الأمن، والجمعية العامة، ومجلس حقوق الإنسان، من أجل تحميل دول العالم مسؤولياتها تجاه تنفيذ القرارات الدولية الصادرة بشأن الانتهاكات الإسرائيلية، وبشكل خاص قرار مجلس الأمن رقم 2334 الصادر في 23 ديسمبر/كانون الأول 2016 ضد الاستيطان؛ وحشد الجهود لمحاسبة إسرائيل ومنعها من تقديم حوافز مادية للمستوطنات؛ سواء الحكومة الإسرائيلية أو المنظمات غير الحكومية فيها والهيئات الداعمة للمستوطنات، وكذلك المنظمات غير الحكومية الداعمة للمستوطنات في الخارج.
  • عرض معاناة المواطن الفلسطيني في الأمم المتحدة، والمطالبة بتنفيذ الاتفاقات الدولية الخاصة بمناطق (ج).
  • تخصيص لجنة فلسطينية لمتابعة قضايا مناطق (ج)، لتوثيق الانتهاكات وعرضها في الأمم المتحدة ومؤسساتها، والعمل وقفها.

البديل الثالث: إطار عمل مشترك عابر للقطاعات الفلسطينية

يستلزم واقع الاستيطان في الضفة الغربية العمل المشترك مع مكونات المجتمع الفلسطيني كافة؛ سواء الرسمي وغير الرسمي، عبر تضافر الجهود والتنسيق المشترك بين القطاعات، للوقوف عند مسؤولياتها الوطنية والاجتماعية تجاه تعزيز الصمود في مناطق (ج) بشكل عام، والقرى المحاذية للمستوطنات الكبرى بشكل خاص، ويمكن العمل في إطار برنامج سياساتي مشترك يقوم على:

أولًا. مقاومة الاستيطان:

المقاومة الشعبية: التنسيق بين الهيئات الحكومية وغير الحكومية وإعادة تفعيل المقاومة الشعبية في مناطق (ج)، وفي القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى، بشكل دائم ومستمر، ومحاولة توسيع أشكال المقاومة الشعبية، وبخاصة في المناطق المعرضة للاستيلاء والتهجير على غرار نموذجي نعلين وبلعين.
تعزيز الوعي والصمود لسكان مناطق (ج): حملات توعوية وبرامج تقودها هيئات حكومية وغير حكومية لتعزيز الوعي لدى سكان مناطق (ج) بحقوقهم في أراضيهم، وأن صمودهم أمام سياسات الاحتلال الاستيطانية هو مقاومة.
دراسة الاستيطان: إنشاء مركز دراسات بمشاركة جميع الأطراف ذات العلاقة، المتمثلة في الحكومة، ومؤسسات المجتمع المدني، والقطاع الخاص، بغرض دراسة الاستيطان في الضفة الغربية والقدس بشكل عام، ومناطق (ج) بشكل خاص، بحيث تشكل قاعدة معلوماتية عن الاستيطان، ومركزًا للأفكار (Think Tank)، تساعد صانع القرار في اتخاذ القرارات والإجراءات اللازمة لمواجهة التغول الاستيطاني سياسيًا وقانونيًا ومحليًا، ليس هذا فحسب، وإنما دراسة واستشراف الخطط الاستيطانية وتأثيراتها قبل تنفيذها، ما يتطلب تخصيص موازنة مالية لدعم دراسة الاستيطان، بدلًا من الاعتماد على معلومات ودراسات دولية قد تحمل أجندات معينة تؤثر على عملية التخطيط وعمل السياسات.

ثانيًا. دعم المشروعات الاقتصادية في القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى

يتطلب دعم المشروعات الاقتصادية من القطاع العام تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في مناطق (ج)، وتوفير حوافز وتسهيلات بما يضمن قدرته على خلق فرص استثمارية جديدة فيها، وتوعية دائمة ومستمرة من القطاع الأهلي بضرورة الثبات والصمود فيها، وذلك من خلال تعزيز الصمود بالمشروعات الآتية:

دعم المشاريع الزراعية: من خلال تقديم مساعدات تتناسب مع المحاصيل الزراعية المناسبة لكل منطقة، وتوفير برامج ومشاريع لتطوير القطاع الزراعي في القرى الزراعية، وتخصيص عدد مناسب يزرع سنويًا، واستحداث طرق ووسائل جديدة في هذا المجال لدعم محاصيل جديدة تحتاجها الأسواق الفلسطينية، ودعم تسويقها.
دعم الصناعات التحولية: من خلال تقديم مشاريع تدعم الصناعات التحويلية، بما يتناسب مع طبيعة كل قرية أو بلدة في مناطق (ج)، على سبيل المثال: إنتاج الفواكه المجففة- تين ومشمش في قرى رام الله المحاذية لمستوطنة "موديعين عيليت"، إضافة إلى وضع برامج بالتعاون مع وزارة السياحة الفلسطينية، والهيئات المحلية والشبابية في القرى المحاذية للمستوطنات، للتعريف بالمناطق الأثرية الموجودة فيها، وتنظيم أنشطة وفعاليات تضمن توطيد علاقة الشباب الناشئ بهذه المناطق، وتقديمها للعالم كمناطق فلسطينية أثرية عبر رواية مضادة للرواية الإسرائيلية التي تسعى إلى تهويد وأسرلة الآثار الفلسطينية. كذلك تسجيل كافة القرى والآثار الفلسطينية المهددة في مناطق (ج) في قائمة التراث العالمي، كنموذج قرية (بتير) المسجلة في منظمة اليونسكو العام 2014.

المفاضلة بين البدائل

توصي الورقة باتباع البدائل الثلاثة بشكل متوازٍ، كون كل منها يكمل الآخر بما يحقق التأثير المطلوب، لا سيما أن تعزيز الصمود الاقتصادي والتنمية في القرى المحاذية للمستوطنات الكبرى كما في البديلين الأول، والثالث القاضي بوضع إطار عمل مشترك ضمن خطة شاملة وبمشاركة الجهات الحكومية والقوى السياسية والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بما يضمن مشاركة كل الفلسطينيين، بحيث تتضمن الآليات اللازمة والموارد، كما تحدد أدوار الأطراف ذات العلاقة بتنفيذ السياسات وتحويل الخطط والبرامج إلى واقع ملموس في حياة المواطن الفلسطيني في مناطق (ج)، فيما يشكل البديل الثاني رافعة لتطوير الحراك الديبلوماسي والقانوني.

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء تعبر عن رأي معدّيها، ولا تعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] خطة أجندة السياسات الوطنية "المواطن أولًا" 2017-2022، مكتب رئيس الوزراء، رام الله، كانون الأول/ديسمبر 2016: bit.ly/3GGbke7

[2] إكرام عمر، الواقع الاقتصادي للمناطق المسماة (ج): السياسات والإمكانات، مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، 2019: bit.ly/3o1U3DZ

[3] المصدر السابق.

[4] مناطق (ج) .. خسائر مركبة للفلسطينيين، متراس، 2/8/2021: bit.ly/3w0BEe8

[5] تأثير توسيع المستوطنات الإسرائيلية القائم لفرض الأمر الواقع على الأوضاع الإنسانية: النتائج وتوصيات لتحسين الوضع، مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، 11/3/2017: bit.ly/3mt4pNm

[6] هذه لنا.. وهذه أيضًا، مركز المعلومات الإسرائيلي عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بتسيلم"، 9/3/2021: bit.ly/3kcBg7R

[7] الإستراتيجية القطاعية لتنمية الاقتصاد الوطني (2021-2023)، وزارة الاقتصاد الوطني، أيلول/سبتمبر 2020: bit.ly/2ZyDIxL

[8] يوم البيئة العالمي: البيئة الفلسطينية بين الواقع والاحتفال بيومها العالمي، معهد الأبحاث التطبيقية - القدس (أريج)، 7/6/2021: bit.ly/3ECTpn3

[9] إكرام عمر، الواقع الاقتصادي للمناطق المسماة (ج)، مصدر سابق.

[10] المصدر السابق.

[11] جهاد بركات، المناطق (ج) في الضفة: التهجير طريقًا للضم، العربي الجديد، 28/6/2021: bit.ly/30R6z0S

[12] الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2021: bit.ly/3GwWHtL

[13] وزير الاقتصاد الوطني يفتتح ملتقى "مال وأعمال" في مدينة أريحا، وزارة الاقتصاد الوطني، 7/7/2021: bit.ly/3FamfMC

[14] اليورو في خدمة الاستيطان، متراس، 9/10/2021: bit.ly/3Eraznk

[15] "التطبيع التجاري .. أموال الإمارات تعزز اقتصاد المستوطنات، الجزيرة نت، 18/12/2020: bit.ly/3mecyUH

[16] غازي حسين، الاستيطان اليهودي في فلسطين من الاسـتعمار إلى الإمبريالية، اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2003، ص 17.

[17] محمد اشتية، المستعمرات الإسرائيلية وتآكل حل الدولتين، مركز الأبحاث، رام الله، 2017: ص 40- 50

[18] وثيقة اتفاقية أوسلو (إعلان المبادئ- حول ترتيبات الحكومة الذاتية الفلسطينية)، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا): bit.ly/3l7yth2

[19] وثيقة اتفاقية طابا، وكالة وفا: bit.ly/2ZWJKZl

[20] جاد إسحاق وسهيل خليلية، منظومة الاستيطان الإسرائيلي: أبعادها وآلية مواجهتها، في: مجموعة مؤلفين، كتاب المؤتمر السنوي الثامن "نحو خطة نهوض وطني لمواجهة المخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية، ط1، المركز الفلسطيني للأبحاث والسياسات والدراسات الاستراتيجية (مسارات)، البيرة، 2018، ص 45.

[21] الضفة الغربية: مليون مستوطن و20 مليون وحدة استيطانية خلال 20 عامًا، قناة الميادين، 23/8/2018: bit.ly/2GDHMj6

[22] خيارات وتحديات تمويل التنمية في فلسطين بين مؤسسات التمويل الصغيرة وبنوك التنمية، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس)، 6/9/2021: bit.ly/3jT5Yma

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مشاركة: