الرئيسية » تقدير موقف » أحمد الكومي »   27 نيسان 2022

قراءة/تحميل | | | |
تداعيات استمرار منع إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة
أحمد الكومي

هذه الورقة من إعداد أحمد الكومي، ضمن إنتاج أعضاء "منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي" الذي يشرف عليه مركز مسارات.

مقدمة

مع إعلان النتائج النهائية للانتخابات المحلية في الضفة الغربية، بعد مشهد تنافسي غاب طويلًا عن الساحة الفلسطينية، تحوّلت الأنظار تجاه المحافظات الجنوبية - قطاع غزة - التي افتقدت هذا المشهد لأكثر من 17 عامًا؛ بسبب شرط "الرزمة الشاملة" الذي تطالب به حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، ويرفضه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وهو ما يثير تساؤلات حول تداعيات استمرار منع إجراء الانتخابات المحلية في غزة، وانعكاساتها السياسية والاجتماعية، التي تأتي في مقدّمتها منع اكتمال الصورة الحيوية للمجتمع الفلسطيني.

كما يعطّل استمرار المنع بغزة فرصة أن تتحول هذه الانتخابات إلى بوابة للانتخابات التشريعية والرئاسية، تُعيد وضع الأطراف السياسية على الطريق المؤدية إلى إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني، وتقديم صورة للمجتمع الدولي والمنظمات الدولية تحثّهم على دعم العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية، إضافة إلى تعزيز الانتخابات باعتبارها مظهرًا من مظاهر الكينونة الفلسطينية.

"انتخابات منفصلة"

أعلنت لجنة الانتخابات المركزية، في 27 آذار/مارس2022، نتائج المرحلة الثانية من الانتخابات المحلية، التي جرت في 50 هيئةً محليةً بالضفة الغربية، بمشاركة نحو 384 ألف ناخب، بنسبة تصويت بلغت 53.69%، من أصحاب حق الاقتراع البالغ عددهم (715,413) ناخبًا.

وأظهرت النتائج أن نسبة المقاعد التي حصلت عليها القوائم المستقلة بلغت 64.4% من العدد الكلي للمقاعد المتنافس عليها، والبالغة 632 مقعدًا، بينما حازت القوائم الحزبية على 35.6%.[1] وقد شهدت الانتخابات مقاطعة حركة حماس رسميًا، إلا أنها سمحت لكوادرها وناشطيها بالمشاركة في محافظات الضفة بشكل غير مباشر، عبر قوائم مستقلة أو مهنية أو تحالفات فصائلية أو عائلية[2] ؛ ذلك  في الوقت الذي قررت فيه الحركة مقاطعة الانتخابات التي عقدت المرحلة الأولى في 11 كانون الأول/ديسمبر 2021، وهو ما يعني أنها ترفض إجراءها في قطاع غزة.

استحقت انتخابات الهيئات المحلية بموجب القانون في شهر أيار/مايو 2021، إلا أنه جرى تأجيل انعقادها بسبب تزامن الدعوة لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كانت مقررة في تلك الفترة؛ ما جعل مجالس الهيئات المحلية بعد شهر أيار "مجالس تسيير أعمال"، وفقًا للأحكام القانونية الناظمة لها، إلى حين الدعوة لإجراء انتخابات الهيئات المحلية.

وقد شهدت الساحة الفلسطينية حراكًا واسعًا بعد تأجيل الانتخابات التشريعية والرئاسية؛ بهدف الضغط من أجل إجراء انتخابات الهيئات المحلية والانتخابات العامة، وأثمرت هذه الجهود عن إصدار مجلس الوزراء بتاريخ 6 أيلول/سبتمبر 2021 قرارًا بالدعوة إلى إجراء انتخابات الهيئات المحلية على مرحلتين.

اقتصرت المرحلة الأولى على البلدات والقرى الصغيرة في الضفة، لذلك تنبع أهمية المرحلة الثانية في كونها تضم المدن الكبرى، وهي: رام الله، والبيرة، والخليل، ونابلس، وجنين، وطولكرم، وقلقيلية، وأريحا، وبيت لحم، وطوباس، وسلفيت.

وكان مقررًا أن تشمل المرحلة الثانية من الانتخابات 25 هيئة محلية وبلدية في قطاع غزة، غير أن اللجنة لم تفتح مراكزها في غزة في ضوء موقف حركة حماس، التي سبقت الانتخابات باختيار المجالس البلدية في القطاع، من دون أن تخضع هذه المجالس للرقابة الشعبية، أو الاختيار من قبل المستفيدين من خدماتها، علمًا أن عدد الناخبين المسموح لهم بالمشاركة في أي انتخابات في القطاع يُقدّر بنحو مليون ناخب مدرجين في كشوفات لجنة الانتخابات.

وتواصل "حماس"، التي تدير العمل الحكومي في قطاع غزة، رفضَ إجراء هذه الانتخابات، وتشترط إجراء انتخابات شاملة بالتزامن أو بالتتالي، تكون الانتخابات المحلية جزءًا منها وليست بديلًا منها، إضافة إلى تعهّد مكتوب من الرئيس عباس بضمان عدم إلغاء الانتخابات في اللحظات الأخيرة، وتراجعه عن التعديلات التي أدخلها على قانون الانتخابات المحلية.

وهو ما تعتبره لجنة الانتخابات المركزية "مطالب سياسية" لا تملك صلاحية البتّ فيها[3]، بما يعنيه ذلك من عدم تمكّن إجراء هذه الانتخابات في غزة بسبب هذا الموقف؛ ما اضطر اللجنة إلى عقد الانتخابات بشكل منفصل في الضفة.

وكانت محكمة العدل العليا الفلسطينية برام الله قد ألغت في وقت سابق من العام 2016 إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، وتأجيلها بالضفة؛ بدعوى "عدم إجرائها في مدينة القدس، وعدم شرعية محاكم قطاع غزة"، بعد سقوط عدد من قوائم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" أمام لجنة الانتخابات والمحاكم الفلسطينية، وهو ما رفضته "حماس" في حينه، ووصفت قرار محكمة العدل بأنه "مسيس، ويهدف إلى إنقاذ فتح".[4]

يمكن تقدير مجموعة أسباب قادت "حماس" للمشاركة في الانتخابات المحلية بالضفة هذا العام، بصيغة غير مباشرة، وهي:

  • الرغبة في تشديد المنافسة ضد قوائم "فتح"، وخلق الظروف التي تمنعها من حسم نتائج الانتخابات أو تحقيق "فوز مريح".
  • تعزيز الحضور السياسي للحركة في الشارع الفلسطيني بالضفة باعتبارها حركة سياسية تنافس على قيادة المشهد الفلسطيني.
  • استنهاض القاعدة التنظيمية للحركة بالضفة، وإعادة تنظيم صفوفها، وحشدها، وتهيئتها للمشاركة في أي استحقاقات انتخابية مقبلة.
  • تحشيد الرأي العام ضد الأداء السياسي لحركة فتح والسلطة الفلسطينية، مقابل إبراز كفاءة قوائم "حماس" ومرشحيها.
  • إيصال رسائل إلى "فتح" والسلطة والإقليم بأن نتائج الانتخابات المحلية كانت ستكون لصالح "حماس" في حالة قررت المشاركة بشكل رسمي.

"اليوم التالي"

أعادت المرونة التي أُجريت بها الانتخابات وخريطة المنافسين، تسليط الضوء على منع إجراءها في قطاع غزة، وأوجدت مطالبات بضرورة منح المواطنين حقّهم في انتخاب من يمثّلهم في الهيئات المحلية بغزة.

فقد أصدرت شبكة المنظمات الأهلية، وهي تجمع ديمقراطي مدني مستقل يضم في عضويته 145 مؤسسةً أهليةً فلسطينيةً، عريضةً وقّعت عليها أكثر من 100 منظمة أهلية فلسطينية، طالبت فيها جميع الأطراف السياسية، بما فيها "فتح" و"حماس"، بتذليل أي عقبات إدارية أو قانونية؛ لإتمام العملية الانتخابية للمجالس المحلية في القطاع.

وشددت الشبكة على أن التوافق على إجراء الانتخابات المحلية "سيُعيد الأمل من جديد لقطاعات واسعة من شعبنا على طريق استكمالها بإجرائها لكل من المجلسين الوطني والتشريعي والرئاسة، وفق رؤية توافقية وديمقراطية، وبما يضمن الشراكة في بنية النظام السياسي الفلسطيني والمؤسسات التمثيلية المختلفة".[5]

بينما اعتبرت مراكز فلسطينية حقوقية عديدة أن عقد الانتخابات المحلية في القطاع بالتوازي مع عقدها في الضفة، أمرٌ أساسيٌ لإحياء الحياة الديمقراطية في فلسطين، "وربما تكون مدخلًا مهمًا لإنهاء الانقسام"، وأن آخر فرصة تم فيها التوافق على عقد الانتخابات المحلية كانت في العام 2017، وقد تم إجهاضها على خلفية النزاعات الانتخابات القضائية، والطعن في دستورية المحاكم في قطاع غزة، وبتاريخ 3 تشرين الأول/أكتوبر 2016، قررت المحكمة العليا في رام الله، تعليق إجراء الانتخابات في القطاع، وإجراءها في الضفة.

وفي وقت لاحق، وفق المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، تم تجاوز هذه المعضلة بتعديل القانون؛ حيث أصدر الرئيس عباس، بتاريخ 9 كانون الثاني/يناير 2017، قرارًا بتعديل قانون الانتخابات، بما يتضمن تشكيل محكمة مختصة بقضايا الانتخابات المحلية؛ للنظر في استئناف قرارات لجنة الانتخابات المركزية، والنظر في الطعون بنتائج الانتخابات، أسوة بالانتخابات العامة، وهو ما اعتبره المركز "قد أزال أهم العقبات التي واجهت عقد الانتخابات المحلية، ومخرجًا لهذه الأزمة".[6]

وتجددت، بعد إجراء الانتخابات المحلية بالضفة، مواقف الرفض والانتقاد لتعطيلها في القطاع، كما تجددت مطالب إعادة النظر في قرار منعها الذي سينعكس، وفق المرصد العربي للرقابة على الانتخابات، على نوعية الخدمات المقدمة إلى المواطنين وكفاءتها.[7] لذلك، أبدى الاتحاد الأوروبي تطلّعه لإجراء الانتخابات المحلية مستقبلًا في قطاع غزة.[8]

وتدافع "حماس" عن موقفها بعدم السماح بإجراء الانتخابات المحلية بغزة؛ حيث اعتبر سهيل الهندي، عضو المكتب السياسي للحركة، في تصريحات صحافية، أن المطالب التي وضعتها الحركة جاءت في ضوء التجارب السابقة، سواء إلغاء الانتخابات المحلية في العام 2016، أو إلغاء الانتخابات التشريعية التي كانت مقررة في 2021 بقرارات مفاجئة، بينما تردّ حركة فتح بالقول: إن رفض "حماس" نابع من تخوفها لفقدان المجالس البلدية التي تسيطر عليها حاليًا، فضلًا عن كون المطالب التي وضعتها الحركة "تعطيلية"، تهدف من ورائها إلى عرقلة إجراء الانتخابات في غزة.[9]

التداعيات

في ضوء السياقات أعلاه، يمكن استعراض مجموعة من أبرز التداعيات المترتبة على استمرار منع إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، على النحو الآتي:

  • استمرار تعطيل العملية الديمقراطية في قطاع غزة، وحرمان المجتمع الفلسطيني من استعادة حيويته السياسية، بل زيادة الاستقطاب داخل الحالة الفلسطينية، التي سيترتب عليها تفاقم الآثار الاقتصادية والاجتماعية السلبية.
  • تفويت فرصة حقيقية للتغيير بتحويل الانتخابات المحلية إلى بوابة للانتخابات التشريعية والرئاسية، عبر البناء والمراكمة عليها، بما يُعيد وضع الأطراف السياسية على الطريق المؤدية إلى إصلاح الوضع الداخلي الفلسطيني.
  • عرقلة أي مساعٍ أو توجهاتٍ خارجية - عربية أو دولية - للمساعدة في معالجة الأزمات الإنسانية في قطاع غزة، وإهدار فرص الحصول على منح ومساعدات دولية لتطوير البنية التحتية، وبالتالي تفويت فرصة تفكيك بعض حلقات الحصار الإسرائيلي، أو حثّ المجتمع الدولي والمنظمات الدولية على دعم العملية الديمقراطية في الأراضي الفلسطينية.
  • منع ضخ دماء جديدة ومنتخبة للعمل في الهيئات والمؤسسات المحلية، وانعكاس ذلك على جودة وكفاءة الأداء المؤسسي لهذه الهيئات، وبالتالي على الخدمات المُقدّمة إلى المواطنين، والمسّ بحقّهم في مساءلة المجالس البلدية.
  • خلق انطباع لدى المواطن أو الناخب، بتمّسك حركة حماس بالحكم على حساب مصلحته والخدمات المجتمعية المُقرّرة له، بعكس ما تحاول الحركة تسويقه في خطابها السياسي.
  • مشاركة المواطن الفلسطيني في الانتخابات المحلية، وغيرها، يعني شعوره بالمسؤولية والتأثير، وبالتالي فإن سلبه هذا الحق يعني فقدانه الشعور بالمواطنة والانتماء، الذي سيُصعّب مهمة السلطات المحلية في تحفيزه على تقديم التزاماته وواجباته، أو تحمّل مسؤولياته تجاهها.
  • حرمان قطاعات مجتمعية - وخاصة الشباب والمرأة بصفتهما أوسع شريحة اجتماعية - من المشاركة في العملية الانتخابية، وإهدار هذه الطاقات وعدم إشراكها في الحياة السياسية وتحقيق التنمية، أو منحهم الأدوار الفعلية لخدمة المجتمع، وانعكاس ذلك على عدم ثقة هذه القطاعات بالنظام السياسي.

خاتمة

خلق إجراء الانتخابات المحلية في الضفة الغربية في ظل مشاركة شعبية  وصلت إلى  نحو 71% في المرحلة الأولى، و53% في المرحلة الثانية؛ بيئة ضغط سياسي وحقوقي ومجتمعي على حركة حماس لحسم مصير هذه الانتخابات في قطاع غزة، وقد تجد الحركة نفسها، نتيجة لذلك، مطالبة بتقديم إجابات أكثر إقناعًا حول أسئلة المنع الدائم لإجراء هذا الاستحقاق في المحافظات الجنوبية، و"ازدواجية المواقف" في ظل مشاركتها غير الرسمية في انتخابات الضفة، وهو ما قد يضطرها، في لحظة ما، إلى إعادة النظر في موقفها، من مبدأ أن هذه الانتخابات هي في الواقع خارج الرزمة الشاملة التي تطالب بها الحركة، إلى جانب المكاسب المترتبة عليها في تخفيف أعباء الحكم بغزة، وإدارة ملف الخدمات، والأهم أنها لا تشكّل تهديدًا لحضور الحركة وشرعيتها.

الهوامش

** ما يرد في هذه الورقة من آراء يعبر عن رأي كاتبها، ولا يعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] لجنة الانتخابات تعلن نتائج الانتخابات المحلية - المرحلة الثانية، لجنة الانتخابات المركزية، 22/3/2022: bit.ly/3DTOVcf

[2] قيس أبو سمرة، رغم مقاطعة "حماس".. بعض كوادرها يشاركون بانتخابات البلدية بالضفة، الأناضول، 23/2/2022: bit.ly/3DRmVGr

[3] رائد موسى، بعد شروط "حماس" الثلاثة.. لجنة الانتخابات تستكمل إجراء الانتخابات في الضفة دون غزة، الجزيرة نت، 3/1/2022: bit.ly/3KqxylR

[4] "حماس": قرار وقف إجراء الانتخابات المحلية مسيس، الجزيرة نت، 8/9/2016: bit.ly/3JXMSpe

[5] أكثر من 100 منظمة أهلية تطالب بإجراء الانتخابات المحلية في غزة والضفة والقدس، وكالة معًا الإخبارية، 3/1/2022: bit.ly/3LOwM2y

[6] "ليكن 2022 عام الانتخابات".. المركز يطالب السلطات في غزة بتمكين لجنة الانتخابات من إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة، المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان، 3/1/2022: bit.ly/3vMrqhL

[7] إدانة فصائلية ومجتمعية لموقف "حماس" منع الانتخابات المحلية بالقطاع، شبكة فلسطين الإخبارية، 4/1/2022: bit.ly/3urKO4k

[8] الاتحاد الأوروبي يرحب بإجراء الانتخابات المحلية في الضفة ويتطلع لإجرائها بغزة، الحياة الجديدة، 26/3/2022: bit.ly/3vd5Xya

[9] يوسف أبو وطفة، غزة خارج سباق الانتخابات المحلية بفعل الخلاف السياسي، العربي الجديد، 10/1/2022: bit.ly/35X3FL0

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مشاركة: