الرئيسية » تحليل سياسات »   25 أيار 2022

| | |
سياسات مقترحة للإنفاق العام لضمان إعادة التوزيع العادل للموارد

هذه الورقة من إعداد كل من:  أسامة السافوطي، حسن الداودي، دينا أبو جبارة، ياسمين لولو، ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة السابعة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

تعدّ سياسات الإنفاق العام من أهم الأدوات المستخدمة عالميًا لإعادة توزيع الدخل، بصورة تضمن تحقيق نوع من العدالة بين طبقات المجتمع، من خلال تركيزها على ما يسمى بـ "الإنفاق الاجتماعي"، الذي يركّز على قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، ونسبة كل منها في الموازنة العامة.

يعاني الاقتصاد الفلسطيني من ضعف وقصور في سياسات الإنفاق الحكومي التي تتبعها الحكومة الفلسطينية؛ بسبب سوء توزيع نسب الإنفاق على بنود الموازنة العامة الخاصة بقطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، فعلى الرغم من أن الحكومة الفلسطينية تعتبر هذه القطاعات أولويات بالنسبة لها، فإن المؤشرات الاقتصادية توضح مدى ضعف سياسات الإنفاق العام. وتأتي هذه الورقة لمحاولة إبراز الخلل في سياسات الإنفاق الحكومي التي تعزز من اللامساواة بين أفراد المجتمع.

حصلت فلسطين عالميًا على الترتيب 118 من أصل 158 دولة، على مقياس مؤشر الالتزام بالحدّ من اللامساواة للعام 2020، الذي يقيّم مدى التزام الحكومات من خلال سياساتها المطبقة بالحدّ من اللامساواة، وهذا الترتيب يدق ناقوس الخطر، بسبب انخفاض تقييم دولة فلسطين بحوالي 33 درجة في العام 2020 مقارنة بالعام 2018؛ ما يدلل على وجود مشكلة حقيقية في سياسات الإنفاق العام الفلسطينية، إضافة إلى العديد من المؤشرات الاقتصادية التي تشير إلى انخفاض مقياس العدالة الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية، وهذا ما تحاول الورقة معالجته عبر بدائل تعيد تقليص الفارق في الإنفاق العام، وتوجيهه نحو دعم وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الهدف العام

تهدف الورقة إلى اقتراح بدائل سياساتية من شأنها أن تحقق نوعًا من العدالة الاجتماعية، من خلال إعادة التوزيع المنصف للموارد.

المشكلة السياساتية

تكمن المشكلة في قصور سياسات الإنفاق العام عن تحقيق نوع من المساواة بين طبقات المجتمع الفلسطيني المختلفة، وتتجلى هذه الإشكالية عند النظر إلى مؤشرات ظروف المعيشة (الفقر والفقر المدقع والاستهلاك)، ومؤشرات العدالة الاجتماعية، ومؤشرات العمل (البطالة، والعمالة الهشة، والحدّ الأدنى للأجور)، ومقارنة هذه المؤشرات مع واقع السياسة الحكومية في الإنفاق على القطاعات التي من شأنها أن تخفف من حدة اللامساواة في فلسطين.

أنفقت الحكومة الفلسطينية في رام الله 18.52% من إجمالي موازنتها على قطاع التعليم، وهي نسبة مرضية إذا ما قورنت بنسب الإنفاق للبلدان المتوسطة والمتدنية الدخل (16%)، والبلدان ذات الدخل المرتفع (14%)[1]، ولكن عند النظر إلى مؤشرات التغطية والتنفيذ الخاصة بهذه السياسة، نجد أن 53% فقط من الخُمس الأكثر فقرًا في المجتمع الفلسطيني يجتازون دراستهم الثانوية، وهي نسبة غير مرضية إذا ما قورنت بنسب النجاح في الثانوية العامة للمجتمع ككل (71.32% في العام 2020).

كما أنفقت الحكومة الفلسطينية 9.88% من إجمالي موازنتها على قطاع الصحة، بينما تشير مؤشرات التغطية والتنفيذ لهذه السياسة إلى أن 40% من الأفراد الفلسطينيين المشمولين بالتغطية الصحية لا يملكون الوصول إلى الخدمات الصحية الأساسية، و8.2% من الأسر الفلسطينية ينفقون 10% أو أكثر (الإنفاق الكارثي) من الميزانية الخاصة على الرعاية الصحية.[2]

ويضاف إلى ذلك، أن الحكومة أنفقت أيضًا 8.5% من إجمالي نفقاتها على قطاع التنمية الاجتماعية[3]، وهي نسبة قليلة إذا ما ربطناها بنسب الفقر المرتفعة نسبيًا في فلسطين. كما ساهمت السياسات الضريبية المتبعة في رفع قيمة معامل جيني بمقدار 1.4%[4]، وهو ما يشير إلى أن السياسة الضريبة الحالية ترسّخ اللامساواة بشكل كبير؛ لعدم تبنيها توجهًا ضريبيًا تصاعديًا يعتمد على مستوى دخل الفرد. وفي ضوء هذه المؤشرات، يتضح وجود إشكالية في الإنفاق العام، من حيث تأثيرها عدالة توزيع الدخل.[5]

سياسات الإنفاق العام

أقر مجلس الوزراء الفلسطيني في 29 آذار/مارس 2021، موازنة العام 2021 بقيمة 5.57 مليار دولار، بعجز متوقع حوالي 1.7 مليار دولار قبل المساعدات الخارجية؛ أي بزيادة قدرها 4.4% مقارنة بالعام 2020؛ حيث بلغت نسبة عجز الموازنة فيه 1.4 مليار دولار، وبرر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية زيادة النفقات باستحداث 6 آلاف وظيفة جديدة خلال العام، ومواجهة تداعيات جائحة كورونا.[6]

وتعدّ الموازنة العامـة أهـم وثيقـة اقتصادية تمتلكها الدولـة، كونها توفـر معلومـات تتعلق بأثر السياسـات الحكومية في توزيع الموارد، والنمو الاقتصادي، وغيرهما. كما توضح أولويات الإنفاق للحكومة، وهـي تعبيـر مالي لبرنامـج العمـل المعتمد الـذي تقـوم الحكومة بتنفيذه وفـق خططها الوطنيـة والإستراتيجية.

وقد أصدر مكتب رئيس الوزراء الفلسطيني مجموعة من السياسات العامة ضمن الخطة الوطنية للتنمية في فلسطين "2021-2023"[7]، توضح الأولويات والسياسات الوطنية العامة للحكومة الفلسطينية في سبيل تنفيذ الإنعاش الاقتصادي على المديين القصير والمتوسط.

لكن عند النظر إلى سياسات الإنفاق التي تتبعها الحكومة الفلسطينية على القطاعات الاجتماعية، ومقارنتها بسياسات الخطة الوطنية للتنمية، يظهر بعض التناقض في تطبيقها، فبينما يصرح رئيس الوزراء أن أولويات حكومته تتجه إلى قطاعات الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية، وأن تركيز الإنفاق الحكومي موجهٌ بشكل ثابت نحوها[8]، إلا أن أرقام الموازنة العامة لا تعكس ذلك.

يشكل الإنفاق الحكومي على قطاعات الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية نسبة 42% من إجمالي الإنفاق العام، فيما يتركز الإنفاق الحكومي على قطاع الأمن الذي يحظى بنسبة 20% من الإجمالي؛ أي حوالي نصف ما يتم إنفاقه على القطاعات الاجتماعية مجتمعة.

أنفقت الحكومة الفلسطينية خلال النصف الأول من العام 2021، 1.6 مليار شيكل على الأجهزة الأمنية، وكان ما نسبته 83% من هذا الإنفاق على شكل رواتب "قوى أمن"، وحوالي 63% منها رواتب للضباط الكبار، وفق مقياس واقع النزاهة في قطاع الأمن الفلسطيني المنشور في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.

وارتفع الدين في جهاز الأمن إلى 316 مليون شيكل خلال الربع الأول من العام 2021؛ ما أدّى إلى "تشوّه هيكلي" في الإنفاق العام، معزّزًا بذلك حالة اللامساواة، وزيادة الفجوة في تحقيق العدالة الاجتماعية.

من جانب آخر، فإن سياسات الحكومة العمالية المتمثلة في عدم وجود قانون نافذ للضمان الاجتماعي، وعدم الالتزام في تطبيق الحدّ الأدنى للأجور، والفجوة الواسعة بين خط الفقر الوطني، والحدّ الأدنى للأجور، يفاقم من حالة الفقر في فلسطين.

كما أن عدم وجود سياسات مالية لدعم الاحتياجات الأساسية، يفاقم من الأوضاع المعيشية للأسر الفلسطينية، علمًا أن الشرائح الضريبية في فلسطين تعدّ غير منصفة بشكل كافٍ لمحدودي الدخل، كذلك يعتبر التمويل السياسي المشروط أو المسيّس من العوامل الرئيسية التي تضعف العملية التنموية والإغاثية، بما في ذلك محاربة الفقر.

يشار إلى أنه من المفترض أن تشرف وزارة التخطيط على تصميم السياسات العامة، بعد دراسة احتياجات القطاعات الوطنية، ومراعاة التوزيع العادل للموارد، ويتم توصية "الخطّة الوطنية" بعد الانتهاء من إعدادها، لوزارة المالية التي توافق عليها بدورها، وتباشر مهام صرف الميزانية وفق بنودها.

وتعتمد الحكومة الفلسطينية على الجباية والضرائب المباشرة وغير المباشرة بشكل رئيسي في تغذية ميزانية الإنفاق العام، وتشكّل هذه الحالة ضغوطًا حقيقية على المواطن، خاصّة أن الإنفاق لا يتم بشكل فعّال يضمن استثمار هذه الموارد لتوليد موارد أخرى، وبناء مؤسسات تعود بالنفع المباشر على الوطن والمواطن لتعويضه.

وتعدّ ضريبة الدخل من أكبر نسب هذه الضرائب التي تعتمد عليها ميزانية الإنفاق، وتأتي بعد ضريبة القيمة المضافة على الاستهلاك، وتكمن إشكالية ضريبة الدخل في جمودها؛ إذ إنها نسبة ثابتة بحسب شريحة الدخل، وتتراوح من 5-15% على الفرد، و15%على الشركات، و20% على شركات الاتصال والشركات التي تتمتع بامتياز الاحتكار.[9]

وبشكل عام، فإن الضرائب في فلسطين تواجه إشكالات عدة، أبرزها عدم اكتمال السيادة على موارد الإيرادات، خاصّة المقاصة، أو الحركات التجارية الرئيسية "الاستيراد والتصدير"، إضافة إلى أن أغلب الأُطر القانونية للسياسات الضريبية في فلسطين مستوحاة من قوانين ضريبية قديمة بعضها يعود إلى الحقبة العثمانية، والبعض الآخر من مخرجات اتفاقية باريس الاقتصادية وقوانين أردنية مثل قوانين الأملاك والأراضي والجمارك. وهي خارجة عن احتياجات السياق الوضعي، ولا تواكب الظرف الاقتصادي الحالي.

ويمكن الوقوف وإجمال أبرز الأسباب التي تغذّي الضعف والقصور في سياسات الإنفاق الحكومي، وما يترتّب عليها من التوزيع غير العادل للموارد، وهي على النحو الآتي:

  • الفساد، وضعف الشفافية في إدارة المال العام، فقد أشار الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان، في تقريره السنوي الثالث عشر حول (واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2020) بالضفة الغربية وقطاع غزة، إلى ضعف الشفافية في إدارة المال العام بشكل عمّق الفجوة بين دافع الضرائب والمسؤول في الضفة والقطاع.[10]
  • ضعف وتقادم الأطر القانونية للسياسات الضريبية في الأراضي الفلسطينية، وعدم مواكبتها للوقائع الاقتصادية والمالية القائمة حاليًا.
  • عدم اكتمال السيادة على موارد الإيرادات والحركات التجارية الرئيسية، خاصة المقاصة.
  • غياب السياسات المالية الداعمة للاحتياجات الأساسية للمواطن الفلسطيني والقطاعات المجتمعية، أو أخرى ضريبية تصاعدية تنصف محدودي الدخل والشرائح المجتمعية الأكثر تضررًا مع تردّي الأوضاع المعيشية.
  • سوء إدارة الإنفاق الحكومي، وتغليب قطاعات حكومية على أخرى مجتمعية أكثر حاجة، وعدم القدرة على إدارة الموارد التنموية وتوحيدها.
  • التبعية الاقتصادية للاحتلال، وعدم القدرة على تنفيذ خطط الانفكاك الاقتصادي عنه، وفقدان الإرادة السياسية لذلك، إلى جانب الاعتماد على السياسيات المقيّدة لاقتصادنا المنصوص عليها في بروتوكولات باريس.

آثار التوزيع غير العادل للموارد

يرتبط التوزيع العادل للموارد بسياسات الإنفاق العام المتبعة، وفي ضوء ذلك فإن عدم العدالة في القطاعات الاجتماعية تترتّب عليه مجموعة آثار رئيسية، وهي:

  • تدنّي مستويات التعليم في فلسطين؛ حيث إن 53% فقط من الخُمس الأكثر فقرًا في المجتمع الفلسطيني يجتازون دراستهم الثانوية، وهي نسبة غير مرضية إذا ما قورنت بنسب النجاح في الثانوية العامة للمجتمع ككل.
  • انعدام قدرة الفرد والأسر الفلسطينية على الوصول إلى الخدمات الصحيّة الأساسية في فلسطين، وعدم القدرة على دفع تكاليفها، وارتفاع نسبة "الإنفاق الكارثي" على الرعاية الصحية.
  • ارتفاع أعداد العائلات الفلسطينية المصنفة تحت خط الفقر، وعدم قدرتها على تلقي مساعدات إغاثية وغذائية؛ ما يفاقم الوضع المعيشي بالضفة والقطاع، ويهدد قطاع التنمية الاجتماعية.

ويظهر تأثير الإنفاق العام على القطاعات الثلاثة في الحدّ من اللامساواة في فلسطين، فقد عمل الإنفاق على تخفيض قيمة "معامل جيني" بنسبة 3.5%، وهو من المقاييس المهمة والأكثر شيوعًا في قياس عدالة توزيع الدخل القومي.

تبلغ قيمة معامل جيني في فلسطين 37.4% في العام 2017، وفق بيانات استهلاك الأسر الفلسطينية.[11] وهذا يعني أن الإنفاق الحكومي على قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية عمل على تخفيض قيمة جيني بنسبة 1.3%؛ ما يضع فلسطين في الترتيب 82 عالميًا من حيث تأثير الإنفاق المجتمعي في الحد من اللامساواة.

يضع هذا الترتيب فلسطين في درجة متأخرة عن دول فقيرة ماليًا "من حيث الموازنة"، ومضطربة سياسيًا، مثل بيليز وبينين وليزوتو ومالدوفا ... وغيرها من الدول التي اتّبعت حكوماتها سياسات فعّالة؛ للحدّ من اللامساواة.

تشير الأرقام والمؤشرات السابقة، بشكل ضمني، إلى أن المشكلة في الإنفاق الحكومي لا تقتصر على قيمة الإنفاق على القطاعات المجتمعية، بل تتعداها إلى فعالية هذا الإنفاق، كما هي الحال في الإنفاق على قطاع التعليم.

البدائل السياساتية المقترحة

 تقدّم الورقة ثلاثة بدائل من شأنها أن تساهم في ضمان تحقيق العدالة في توزيع الموارد.

المعايير العامة:

تتناول الورقة البدائل التي يمكن من خلالها تحقيق الأهداف المنشودة، ويتطلب ذلك تحديد معايير محددة تحكمها، وهي على النحو الآتي:

  • المصلحة المجتمعية العامة التي تَفْرِض تحقّق العدالة الاجتماعية.
  • واقعية البدائل وإمكانية تنفيذها؛ كونها تتفق مع "الخطة الوطنية للتنمية" التي أقرتها الحكومة الفلسطينية.
  • النتائج الفاعلة وذات الأثر، في حال العمل على تطبيق هذه البدائل وتطوير سياسات الإنفاق العام.  

البديل الأول: سياسة ضريبية تصاعدية

يقوم هذا البديل على إعادة بناء السياسة الضريبية المتبعة حاليًا، نحو سياسة ضريبية تصاعدية، تركز أكثر على جباية الضرائب المباشرة (ضريبتي الدخل والثروة)، وبشكل خاص استحداث ضريبة على صافي الثروة، وزيادة نسبة الضريبة على ما يسمى بـ "الربح غير العادي" (الأرباح المرتفعة)، وتحديـدًا على دخل الشركات الاحتكارية والقابضـة والبنوك.

ويضاف إلى ذلك، زيادة عدد الشرائح الضريبية عمودية الدخل؛ لضمان نوع من العدالة الاجتماعية، والعمل على رفع نسبة الضريبة الحدّية على الشرائح التي تحقق دخلًا شخصيًا مرتفعًا (للأفراد)، أو تحقق عائدًا كبيرًا وسريعًا على الاستثمار (للشركات). وفي المقابل، تخفيض نسبة الضريبة الحدية للشرائح التي تحقق دخلًا منخفضًا، والشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم التي تجني أرباحًا منخفضة ومعقولة.

ويرافق ذلك حلّ مشكلة الازدواج الضريبي التي يعاني منها قطاع غزة بشكل خاص منذ العام 2007، من خلال إعفائه من الضريبة المفروضة من السلطة الفلسطينية إلى حين إنهاء الانقسام، مع الحاجة إلى إعفاء بعض السلع الأساسية من ضريبة القيمة المضافة؛ لدعم الأُسر الفقيرة، وتنويعها على السلع الأخرى وفق أهميتها.

محاكمة البديل الأول

المقبولية: يحظى هذا البديل بقبول عام لدى غالبية الشرائح المجتمعية، باستثناء أصحاب الثروات الذين يمكن أن يتضرروا منه؛ لكونه سيقلل الأرباح المرتفعة لديهم.

إمكانية التطبيق: يرتبط تطبيقه بمدى قدرة السلطة الفلسطينية على التحلّل من اتفاقية باريس الاقتصادية؛ حيث سيصطدم بها باعتباره عائقًا، كونها تشكل سدًا أمام سنّ قوانين وطنية للضرائب بحرية.

المنفعة: ستحقق المنفعة لغالبية الشرائح المجتمعية ولخزينة السلطة، من دون المساس بالفئات الهشة.

الربح والخسارة: ما تخسره الفئات ذات الثروات العالية لا يذكر مقارنة بما سيعود على باقي الفئات والشرائح، تحديدًا الهشة من خدمات أعلى جودة.

البديل الثاني: خطة اقتصادية وطنية للتحلل من بروتوكول باريس الاقتصادي

يقوم هذا البديل على فكرة اقتراح خطة إستراتيجية للتحلّل التدريجي من اتفاقية باريس الاقتصادية وفق إطار زمني محدد، والتحلّل من التبعية للسوق والاقتصاد الإسرائيليَيْن، والتحايل على النظام الضريبي الذي يفرض نسبة قيمة مضافة عالية تبلغ 16%، بمقارنته مع فرق الدخل بين فلسطين و(إسرائيل)، الذي يصل إلى ثلاثة أضعاف.

يستند هذا البديل إلى مجموعة سياسات وآليات، أبرزها:

  • وضع خطة تنموية وطنية تعتمد على مصادر دخل قومي جديدة، تقلّل من الاعتماد الرئيسي على الضرائب المقيِّدة للاقتصاد الفلسطيني المنصوص عليها في برتوكولات باريس الاقتصادية، وضخ عائد هذه الإيرادات في قطاعات الإنفاق المجتمعي (الصحة، والتعليم، والتنمية الاجتماعية)؛ من أجل زيادة التدفق الداخلي، والسيادة على مصادر الدخل والإنفاق في المستقبل.
  • تبنّي سياسة "الاستثمار التنموي"؛ لخلق فرص عمل للأسر ذات الدخل المحدود، من دون الاكتفاء بصرف مخصصات للأسر الفقيرة، من خلال الاستثمار الإيجابي بمشاريع إنتاجية مدرّة للدخل لتلك الأسر؛ ما يعيد تدوير رأس المال، ويقلل من البطالة.
  • العمل على توحيد الموارد التنموية للسلطة الفلسطينية، وإدارتها عبر الصناديق السيادية وغيرها، والتخطيط لتقليل الاعتماد على الدعم الخارجي في صورة المنح والمساعدات.

محاكمة البديل الثاني:

المقبولية: يتمتع بمقبولية عالية، رسميًا وشعبيًا، ورفض إسرائيلي كبير، وتحفظ دولي.

إمكانية التطبيق: يرتبط ذلك بمدى توفّر الإرادة الوطنية، والقدرة على تحدّي الرغبة الإسرائيلية في إبقاء تبعية الاقتصاد الفلسطيني.

المنفعة: تحقق المنفعة لاقتصاد فلسطين بشكل عام؛ ما سينعكس على الأفراد والشركات والحكومات بالإيجاب، ويفقد الاحتلال ورقة ضغط مهمة كذلك.

الربح والخسارة: ربح كبير لفلسطين، الرسمية والشعبية، ويكاد يمثل نقطة تحوّل تاريخية لإنشاء اقتصاد وطني أفضل، ويتوقع أن تكون الخسارة في بعض العلاقات الدولية التي ستضغط باتجاه إبقاء الوضع الراهن.

البديل الثالث: سياسة مالية لامركزية

يقوم هذا البديل على فكرة تبنّي إنشاء حكومات محلية (مناطقية)، على أن تُعطى هذه الحكومات صلاحية تخطيط وتنفيذ سياسات الإنفاق في مناطقها، طبقًا للمحددات الخاصة بكل منطقة، على أن يتم تمويل مثل هذا الإنفاق من الإيرادات التي يتم تحصيلها من نفس المنطقة.

يرجع سبب طرح هذا البديل إلى التفاوت الكبير بين المناطق الفلسطينية في مستويات الدخل والتشغيل ومعدلات الأجور، وهذا التفاوت المناطقي يُصعِّب من عملية رسم سياسات إنفاق حكومية (مركزية) تأخذ بعين الاعتبار مثل هذه الفروقات، وبالتالي فإن التوجه إلى السياسات المالية اللامركزية من شأنه الحدّ من هذه الفروقات على المستوى الوطني.

كما أن الحكومات في المناطق الفقيرة (المهمشة) ستمتلك صلاحيات تركيز الإنفاق على قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، إلى جانب صلاحية بناء سياسات ضريبية غير مضرّة بالطبقة الفقيرة والمتوسطة التي تقطن مثل هذه المناطق، أما في المناطق الغنية فسيكون تركيز الحكومات المحلية على سياسات الرفاه الاجتماعي، وتبنّي سياسات ضريبية تصاعدية.

هذا التفاوت بين السياسات الضريبية وسياسات الإنفاق الحكومي المحلية بين المناطق المختلفة؛ من شأنه أن يعمل على تخفيض فجوة الدخل بين هذه المناطق على المدى البعيد.

محاكمة البديل الثالث:

المقبولية: سيكون البديل مقبولًا بدرجة كبيرة بين الفئات الشعبية التي تعاني من مركزية السياسات المالية، التي تركّز على مناطق معينة دون غيرها.

إمكانية التطبيق: يمكن تطبيق البديل من خلال توسيع صلاحيات الهيئات المحلية؛ لتصبح أشبه بالحكومات.

المنفعة: يعمل هذا البديل في المنظور الطويل على تخفيض التفاوت الكبير في مستويات الدخل بين المناطق المختلفة.

المفاضلة بين البدائل

تخضع جميع البدائل المقترحة إلى عامل الإرادة الوطنية بشكل رئيسي وحاسم، وتطبيق أيّ منها يمكن أن يحدث الفارق في الإنفاق العام الذي يضمن عدالة التوزيع للموارد، وتعزيز "الإنفاق الاجتماعي" على قطاعات التعليم والصحة والتنمية الاجتماعية، لكن يظل البديلان الأول والثاني الأعلى مرونة بالنظر إلى عاملَيْن رئيسيَيْن، وهما القدرة والوقت، في ظل تعقيدات وصعوبة الواقع المعيشي بالضفة الغربية وقطاع غزة، أما البديل الثالث فهو مجدٍ اقتصاديًا، ويعمل على تحقيق الكفاءة عبر توزيع الموارد بشكل عادل؛ لكنه قد يحوي مخاطرة سياسية في حال ضعف الحكومة المركزية، وعدم قدرتها على الإشراف ومحاسبة الحكومات المحلية في حال تقصيرها.

الهوامش

[1] قاعدة بيانات مؤشر الالتزام بالحد من اللامساواة، المنظمة الدولية لتمويل التنمية ومنظمة أوكسفام الدولية (بيانات خام).

[2] المصدر السابق.

[3] المصدر السابق.

[4] مؤشر يستخدم لقياس العدالة في التوزيع باستخدام الدخل أو الاستهلاك. تتراوح قيمة هذا المؤشر بين الصفر والواحد، وكلما اقتربت قيمة المؤشر من الصفر دل على وجود عدالة في التوزيع، والعكس بالعكس.

[5] نتبنى في هذه الورقة تعريف المساواة على أنه ذلك الجزء من العدالة الذي يمكن قياسه رقميًا. العدالة الاجتماعية مفهوم أوسع، ويشمل إلى حد ما مفهوم المساواة، ولكن يتعداه إلى القياس الأخلاقي والقانوني. هذا التعريف مدعوم نظريًا من العديد من الباحثين الذين يتناولون مفهومي العدالة والمساواة.

[6] فلسطين.. الحكومة تقر موازنة 2021 بعجز 1.7 مليار دولار، وكالة الأناضول، 29/3/2021: bit.ly/3xG2aKz

[7] انظر: الخطة الوطنية للتنمية، السياسات العامة 2021-2023، مكتب رئيس الوزراء: bit.ly/3vG1CmW

[8] مجلس الوزراء: اعتماد خطة تزويد فلسطين بلقاحات الكورونا بما يكفي لتغطية الاحتياجات، وكالة وطن للأنباء، 14/2/2020: bit.ly/3ri7rXH

[9] الشرائح الضريبية في فلسطين، هيئة تشجيع الاستثمار والمدن الصناعية: bit.ly/3nqBvg1

[10] ائتلاف أمان يطلق تقريره السنوي الثالث عشر حول واقع النزاهة ومكافحة الفساد للعام 2020، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة - أمان، 28/4/2020: bit.ly/33lsZbZ

[11] النتائج الرئيسية لمستويات المعيشة في فلسطين (الإنفاق والاستهلاك والفقر)، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، 2017.

 
 
 
 
 
 
مشاركة: