الرئيسية » هاني المصري »   05 تموز 2012

| | |
موفاز والحراك الشّبابيّ والأزمة الماليّة
هاني المصري

 

الأول: هؤلاء الشباب شباب الفيس بوك ورواد "مطعم بيت أنيسة"، ماذا يريدون بعد أن تم إلغاء زيارة موفاز، ولماذا يريدون الذهاب إلى مكتب الرئيس؟.

الثاني: حرام عليك، هؤلاء من أفضل الشباب الفلسطيني الذين يناضلون ضد الاحتلال والاستيطان والجدار وضد التطبيع، ومن أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وكانوا في مقدمة الصفوف في حملات التضامن من أجل الإفراج عن الأسرى ودعم مطالبهم.  ولماذا لا يذهبون إلى المقاطعة لإيصال رسالتهم إلى الرئيس؟، أليس هو رئيس الشعب ومن واجبه أن يستمع إلى مطالب أي فئة منه، خصوصًا أن زيارة المجرم موفاز لم تلغَ، وإنما أُجِّلَت.

هذا الحوار كنت شاهدَ عيانٍ عليه مساء يوم السبت الماضي، الذي شهد مظاهرة، انطلقت من المنارة، وحاولت جاهدةً الوصول إلى مكتب الرئيس ولم تتمكن.  بالفعل، رأيت في صفوف المتظاهرين، من هم من أفضل الطلبة وحاملي الشهادات العليا والموظفين والمحامين والصحافيين والكتاب والنشطاء الاجتماعيين والسياسيين، ولم أرَ أي قائد لفصيل سياسي ولا تواجد مهم لأعضاء الفصائل الفلسطينية، حتى تلك التي عارضت بشدة زيارة موفاز.

لقد تمكّن الغضب الشعبي والسياسي من تأجيل زيارة موفاز التي كانت مقررة يوم الأحد الماضي في مقر المقاطعة برام الله، فلقد انتصرت الإرادة الشعبية جزئيًّا، ويمكن أن تنتصر كليًّا إذا تحلى الحراك الشعبي بالمثابرة والإصرار والابتعاد عن الاستعجال وحرق المراحل والعنف والتخوين والتكفير، لأنه بعد الثورات العربية التي انطلقت في تونس ومصر حلّقت روح ميدان التحرير في السماء العربية، ولن يستطيع أحد أن يعيد عقارب التاريخ إلى الوراء.

وفقًا لأوساط موفاز، فإن نتنياهو هو من أحبط الزيارة، وهذا صحيح دون التقليل من أهمية التحرك الشعبي والسياسي لإلغائها، لأن مجيء موفاز إلى اللقاء لإتمام الزيارة وجعبته فارغة شجّع "أبو مازن" على اتخاذ قراره بتأجيل الزيارة.

المطلوب إلغاء الزيارة كمقدمة للإقلاع عن النهج المرتبك الذي تسير عليه القيادة على الأقل منذ بداية العام 2009 وحتى الآن. النهج الذي أعلن عن وقف المفاوضات وبتحقيق مطالب قبل استئنافها، ويخضع لأي ضغط لعقد مفاوضات، مباشرة أو غير مباشرة، تقريبية أو استكشافية، أو لقاءات الرسائل، غير اللقاءات بين الرئيس وشمعون بيرس، واللقاءات مع أيهود باراك وتسيبي ليفني، التي تقوم على أساس أنها ليست مفاوضات، وإنما حوارات أو مباحثات تهبط بالسقف الوطني، وتركز على الفتات وتحسين شروط الحياة تحت الاحتلال دون أفق سياسي قادر على إنهائه.

فإذا لم تكن مفاوضات، فما الداعي لها؟، خصوصًا أنها تمس بمصداقية الموقف الفلسطيني وتظهره وكأنه لا يؤمن بما يقوله. فموقف القيادة الفلسطينية سيئ جدًا، فليس من المعروف إن كانت تفاوض أو لا تفاوض، وتبدو كأنها بالرغم مما تقوله وتفعله عن الخيارات والبدائل بانتظار شيء واحد فقط هو نجاح الجهود الرامية إلى استئناف المفاوضات على أساس أن الحياة مفاوضات.  نفس الأمر ينطبق على المصالحة، فالقيادة الفلسطينية تريد المصالحة ولا تريدها، وتجعلها مرهونة بالشروط والإرادة الخارجية والتمويل، كما تتحدث عن المقاومة الشعبية ولا تمارسها ولا توفر مقوماتها، وتتحدث كذلك عن التوجه إلى الأمم المتحدة في الوقت المناسب بالرغم من أن هذا الوقت انقضى منذ زمن، حتى بالنسبة للجدول الزمني الذي أعلنته سابقًا؛ لأنها تخشى دفع ثمن هذا الخيار، فتسير خطوة إلى الأمام وترجع اثنتين إلى الوراء.

الحل يكون بإلغاء اللقاء مع موفاز وعدم عقد لقاءات مماثلة، خصوصًا في رام الله المدينة الفلسطينية، لأن عدم القدرة على الحرب الآن لا تبرر الاستسلام، (فالمفاوضات الآن في ظل موازين القوى المختلة وبعد الخبرة الماضية وفي ظل التعنت الإسرائيلي والتطبيق المحموم للمخططات الإسرائيلية استسلام)، بل إن الاستعداد للحرب أقصر طريق لتحقيق السلام، والبديل عن الحرب غير المستعدين لها والسلام الاستسلامي الذي يدعو إليه البعض الاستعداد للحرب ولإجراء المفاوضات عندما تصبح ضرورية من موقع القوة وليس من موقف الضعف والاستجداء. يمكن أن نناوش ونناور ونرتب بيتنا الفلسطيني ونعزز مقومات صمودنا وتواجدنا على أرض وطننا ريثما يحين وقت الحرب.

الحل أيضًا لا يكون بالادعاء بتأمين حرية الرأي والتظاهر في الوقت الذي شهدنا فيه قمع المتظاهرين ومنعهم من الوصول إلى مقر المقاطعة من قبل أشخاص مدنيين يحملون المسدسات، ويندسون بين المتظاهرين، ويضربونهم، ويعتقلونهم، ويفتعلون المشاكل؛ لتبدو المسألة أنها خلافات بين المتظاهرين، في استعادة فلسطينية لصور بلطجية مصر وشبيحة سوريا، فالمتظاهرون هم الذين يحرمون من حقوقهم وحرياتهم ويتعرضون للاعتداء، وتحركهم هو للمصلحة الوطنية، وليس من أجل أجندات خارجية ولا ينشدون الفوضى وفقًا لتصريحات الناطق باسم الأجهزة الأمنية.

ففلسطين تختلف عن البلدان العربية في أنها تحت الاحتلال، والاحتلال يستهدف الجميع، ويجب أن يتوحد الكل الفلسطيني لمواجهته.  والتحقيق الذي أعلنه وزير الداخلية أمر جيد، ولكنه يجب أن يتركز على من أصدر الأوامر لأفراد الأجهزة الأمنية بالاعتداء على المتظاهرين واعتقال بعضهم.

 

الأزمة المالية حقيقية، لكنّها تُضَخَّمُ وتُقَزَّمُ

بعد أن استمعنا إلى رئيس الحكومة وغيره من المسؤولين في السلطة منذ عدة أشهر بأن الأزمة المالية في طريقها إلى الحل خلال شهرين (أي في حزيران الماضي)؛ فوجئنا ببيان اللجنة التنفيذية الذي يتحدث عن أزمة مالية غير مسبوقة تهدد إمكانية صرف الرواتب.

هناك أزمة بلا شك، تظهر في عجز الموازنة والديون للمصارف والقطاع الخاص والمقاولين، ناتجة عن عدة أسباب، أبرزها الاعتماد على التمويل الخارجي، والارتهان إلى اتفاقية باريس الاقتصادية. لكن لماذا تتضخم الأزمة فجأة، مثلما حدث بعد توقيع اتفاق المصالحة، وتتقزم فجأة، مثلما حدث بعد تشكيل الحكومة الجديدة؟، فهذا يدل على أن الأزمة المالية تستخدم لأغراض سياسية، ما يجعل المواطن الفلسطيني لا يصدق السلطة حتى لو صدقت.

ألم يقل فياض بأن عام 2013 سيكون عام الاستغناء عن المساعدات المالية الخارجية، وكلما اقتربنا من هذا الموعد تزداد الأزمة المالية تعقيدًا.

ماذا عملت السلطة لتجاوز الأزمة، أو هل تبقى حائرة مكتوفة اليدين باتجاه انفجارها؟

على ماذا كانت تراهن، على المساعدة الأميركية والإماراتية وبعض الدول العربية؟، ولماذا لا يتم الحديث عن علاقة ذلك بالموقف الأميركي ضد تشكيل حكومة الوفاق الوطني والتوجه إلى الأمم المتحدة، وبالعلاقات بين الرئيس ورئيس حكومته التي أظهرت مقابلة فياض مع الـ "واشنطن بوست" أن هناك ما يشوبها، خصوصًا بعد رفضه أن يكون ساعيَ بريدٍ عند الرئيس.

لماذا لا يبحث بشكل جدي في إقامة اقتصاد صمود وتقشف يتناسب مع بلد تحت الاحتلال، والعمل على تقليل النفقات التي تصل إلى 54% من الموازنة والباقي للرواتب، خصوصًا على الأمن، التي تصل إلى أكثر من 30%، والتي فرضت علينا لصالح الاحتلال، ولماذا لا تبحث مسألة زيادة الموارد من خلال تشجيع الاستثمار في الزراعة والصناعة والتعليم والصحة، وحل لغز عزوف المانحين، خصوصًا العرب عن الوفاء بالتزاماتهم؟ ولماذا لا تتم مكافحة التهرب الضريبي (المقاصة)، التي يمكن أن نحصل منها على 800 مليون دولار تتمتع بها إسرائيل.

لماذا لا نمضي في مقاطعة الاستيطان عملًا وتعاملًا وتجارة (بالمناسبة، أين أصبحت حملة المقاطعة، ولماذا توقفت مثلما توقفت متابعة تقرير غولدستون دون إعلان)؟، ولماذا لا نقاطع البضائع الإسرائيلية التي لها بديل محلي وعربي وأجنبي؟

الله يكون في عون الدكتور نبيل قسيس الذي يواجه في أول شهر بعد استلامه منصبه وزيرًا للمالية احتمال عدم صرف كلي أو جزئي للرواتب، ويحتار بين دفع الرواتب أو سداد القطاع الخاص لديونه قبل أن ينهار. الموضوع بحاجة إلى مراجعة شاملة وحل جذري، فلا ينفع الترقيع والاكتفاء بالمسكنات، فالمرض عضال، وبحاجة إلى عمل جراحي، يكون جزءًا من عملية متكاملة تهدف إلى إحياء المشروع الوطني والمؤسسة الجامعة وتوحيد الشعب والقوى.

من سخرية القدر، أن إسرائيل المسؤول الأول عن الأزمة التي تعانيها السلطة قدمت طلبًا وفقًا لصحيفة "هآرتس" إلى  صندوق النقد الدولي من أجل تقديم قرض من خلالها بقيمة 100 مليون دولار إلى السلطة لإنقاذها من الانهيار، ورُدّ الطلب.

Hanimasri267@hotmail.com

مشاركة: