ناقش شبابٌ وخبراء ومختصون فلسطينيون، من الجنسين، أزمة نقص وتلوث المياه في قطاع غزة، وأسبابها، والمخاطر التي ستترتب على استمرارها أو عدم توفير حلول جذرية، وتطرقوا إلى السياسات الملائمة لمواجهة هذه المشكلة، وجدواها.
جاء ذلك خلال ورشة نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بالتعاون مع مؤسسة "فريدريش إيبرت"، بمشاركة العشرات من الأكاديميين والباحثين والنشطاء، غالبيتهم من الشباب، من مختلف التجمعات الفلسطينية، وذلك في قاعة "هيفينز" بغزة، وعبر تقنية "زووم".
وعرضت في هذه الورشة الحوارية ورقة تحليل سياسات بعنوان "مواجهة أزمة تلوث المياه في قطاع غزة"، من إعداد كل من: آلاء سلامة، ومحمد ريان، والمقداد جميل مقداد، وهم أعضاء في منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي الذي يشرف عليه مركز مسارات، وعقّب عليها كلٌ من: د. عبد الرحمن التميمي، مدير عام مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين، وم. كرم العاوور، الخبير في شؤون البيئة والمياه، فيما أدارت الحوار آلاء سلامة.
تأتي هذه الورشة، وهي الخامسة، في إطار برنامج "رؤى شبابية فلسطينية"، الذي ينفذه مركز مسارات بالشراكة مع مؤسسة "فريدريش إيبرت"، ويهدف إلى إشراك الشباب في جهود التغيير، من خلال إنتاج أوراق سياساتية تتناول مشكلات تتعلق بالوضع الداخلي الفلسطيني، وارتباطاته الإقليمية والدولية، واقتراح بدائل وحلول لهذه المشكلات، وتوفير بيئة للحوار الديمقراطي لمناقشة هذه البدائل والحلول، بمشاركة مجموعة من الخبراء والمختصين.
ورحّب د. أسامة عنتر، مدير البرامج في مؤسسة فريدريش إيبرت في قطاع غزة، بالحضور، مشيدًا بالشراكة مع مركز مسارات، مؤكدًا أهمية الورقة كونها تعالج مسألة المياه في قطاع غزة. وأوضح أن مشكلة المياه في غزة فنية، لكن لها طابع سياسي، مشيرًا إلى تناقض الأرقام حول نسبة المياه الصالحة للشرب، داعيًا إلى اتباع المهنية في ذلك، والبحث في رؤية مستقبلية لكيفية معالجة أزمة المياه بأسلوب فني وسياسي.
واستعرض المقداد الورقة فيما عقب ريّان على الملاحظات، وبيّنا أنها تهدف إلى اقتراح حلول لأزمة نقص وتلوث المياه في قطاع غزّة، ووقف تدهور قطاع المياه، وتسليط الضوء على أسباب أزمة نقص وتلوث المياه، ومخاطر استمرارها، إضافة إلى توجيه صاحب القرار وتركيز اهتمامه لخطورة الأزمة.
وأشارت الورقة إلى تتعدّد مصادر المياه في قطاع غزّة، وتتمثل في الخزان الجوفي، الذي يعتمد سكان القطاع بشكل كامل عليه، ويتم شحنه من مياه الأمطار بمعدل 70- 80 مليون متر مكعب سنويًا، وتقدر نسبة العجز بنحو 150 مليون متر مكعب، وكذلك محطات تحلية مياه البحر الثلاث في كل من: خانيونس، ودير البلح، والشمال، إضافة إلى مياه "مكروت" التي تصل إلى غزّة من خلال الاحتلال الإسرائيلي، وفق اتفاقيّةٍ مع السلطة الفلسطينية، فضلًا عن تجميع مياه الأمطار.
وأوضحت الورقة أن واقع المياه في قطاع غزّة يتدهور بشكلٍ متواصل وواضح؛ حيث تُعاني المياه من تلوثٍ كبير، إلى جانب الأزمة التي يؤدي إليها السحب الزائد والجائر من الخزان الجوفي، الذي يجعله غير قادرٍ على تغطية الحاجات المائية المتزايدة للقطاع، مشيرة إلى مجموعة من العوامل التي تؤثر في تلوث المياه، ومنها: ملوحة المياه الجوفية، والآبار العشوائية، إضافة إلى عوامل أخرى مثل استخدام المبيدات الزراعية، واستخدام المواد الكيميائية في مجال الثروة الحيوانية.
وبينت الورقة أن هناك أسبابًا ومشكلات سياسية واقتصادية ساهمت في استمرار أزمة تلوث المياه، ومنها: الحصار الإسرائيلي، والانقسام السياسي، وأزمة الكهرباء.
وتطرقت إلى المشاريع والسياسات المتعلقة بالمياه، مثل إنشاء محطات للتحلية، واتباع سياسات لترشيد الاستهلاك وتقليل الاستنزاف الذي يُعاني منه الخزان الجوفي، واتباع معايير لإنشاء الآبار الجوفية في قطاع غزّة، إضافة إلى النجاح في حل مشكلات الكهرباء؛ حيث تصل الكهرباء إلى محطتي الشمال ومحطة خانيونس بشكلٍ مستمر، على مدار 24 ساعة، في الوقت الذي تسعى إلى إمداد المحطة الثالثة في دير البلح، بالكهرباء أيضًا، أسوةً بباقي المحطات.
اقترحت الورقة ثلاثة بدائل سياساتية لمواجهة أزمة تلوث المياه، وهي: إدارة وتشغيل محطات التحلية برقابة جهاتٍ دولية، وإدارة مياه الأمطار بالطرق الحديثة وتعزيز الزراعة الخضراء، وشراء المياه وإجبار الاحتلال على تقديم حصة غزة المائية تزامنًا مع سياسات داخلية للحدّ من الأزمة
وتؤكد الورقة ضرورة التكامل بين البدائل الثلاثة، وترى ضرورة العمل على تطبيق البديل الثالث، بوصفه خيارًا إستراتيجيًا، كون الاحتلال السبب الرئيس في منع قطاع غزّة من الحصول على حصّته من المياه الجوفية، وفي ظلّ الاهتمام العالمي بالأزمات البيئية؛ ما يتطلّب الضغط على الاحتلال إما من خلال الاتفاقات المُبرمة والوساطات المصرية والقطرية، أو من خلال الأمم المتحدة.
كما ترى الورقة ضرورة السعي نحو شراء المياه، بتمويلٍ ودعمٍ دولي وإقليمي، مثل الدعم القطري لشراء الوقود الخاص بالكهرباء، في إطار التخفيف من حدّة الأزمة.
بدوره، تطرق التميمي إلى ملاحظات تقنية وفنية على الورقة، موضحًا أنها لم تتناول آثار تلوث المياه بعمق، مع أنها شخصت المشكلة بالتفصيل.
وأضاف: من المهم التطرق بعمق إلى العوامل الأخرى للتلوث، مثل مجرى وادي غزة، وزيادة استهلاك المياه، وهذه العوامل بحاجة إلى تحليل، ومن ثم يأتي اقتراح البدائل، لا سيما أن البدائل المطروحة في الورقة عامة، ولا بد من تخصيصها وربطها بتحليل عميق؛ حتى تكون البدائل أقرب إلى السيناريوهات التي تواجه الوضع.
من جانبه، أشاد العاوور بالورقة، موضحًا أنها تحتاج إلى شرح وتحليل وتسلسل، إضافة إلى تحديث بعض الأرقام، مشيرًا إلى الانقسام أحد المشاكل التي أصابت القدرة المؤسسة على إدارة قطاع المياه في القطاع، مستعرضًا وضع المياه في القطاع، ومصادره المتنوعة، والمشاكل التي يواجهها.
وعرّج على الخطة التي وضعتها سلطة المياه بغزة ومحاورها لمعالجة مشكلة المياه، مبينًا أنها وضعت قبل 15 سنة، وجرت عليها تحديثات، وصممت بناء على ظرف معين مرتبط بالخزان الجوفي والسكان. كما أشار سير العمل على محطة التحلية المركزية، التي مضت مواعيد عدة على إطلاقها وتم تأخير ذلك، متوقعًا أنها لن تعمل قبل العام 2030.