الرئيسية » مقالات » فيحاء عبد الهادي »   24 كانون الثاني 2023

| | |
زغاريد: تأملات رحلة بحثية عن المزغردات
فيحاء عبد الهادي

"هيهي يا صبر الحرّ على الخيّال والباشِ
هيهي ياما بقينا دموع العين رِشراشِ
هيهي حمد لله صَبَرنا وما ندِمناشِ
لولولولولو ليش".
في استقبال الأسير ماهر يونس بعد أربعين عاماً قضاها في الأسر

*****
منذ القدم لعبت الزغرودة/ الزغرتة دوراً حيوياً في حياة المرأة العربية، فهل ما زالت تلعب هذا الدور؟
وهل تنتقل من جيل إلى آخر؟ وإذا كانت تفعل، فهل يكون ذلك عبر التدوين والأرشفة، أم عبر النقل المباشر؟
لاحظت الحكواتية الباحثة "سالي شلبي" - ضمن كتابها بعنوان: "زغاريد: تأملات رحلة بحثية عن المزغردات" - أن الزغاريد، وإن دُوِّنت وأُرشفت؛ إلاّ أنها لا تُحفظ الآن في الذاكرة كما كانت من قبل، وذلك بسبب انغماس الجيل الشاب باستخدام التكنولوجيا، والموسيقى بأشكالها الحديثة، التي أصبح التعرّف عليها متاحاً عبر الإنترنت، وأن التواصل الشفوي قد تراجع لصالح العالم الافتراضي.
كما لاحظت محدودية ما دُوِّن من الزغاريد؛ حيث إن التدوين اقتصر على توثيق مضمون الزغرودة مقترنة بالمكان، دون أن يتمّ ربطها بالهوية السياسية والاجتماعية والثقافية.
ولذا ركّز مشروعها البحثي "زغاريد"، الذي قامت به مع الباحث "يامن عمر"؛ على متابعة تطوّر الزغرودة عبر الأجيال، وعلى الوقوف على دلالاتها السياسية والاجتماعية، عبر المكان، ولجأت إلى البحث الأكاديمي، من حيث مراجعة الأدبيات السابقة، التي عُنيت بالموروث الشفوي، وتحديداً دراسات الفولكلور، بالإضافة إلى البحث الميداني في الأردن، - شمالها وجنوبها؛ المدينة والقرية والبادية -، وفي المخيمات الفلسطينية، الذي اعتمد أسلوب الاستماع إلى حكايات وقصص فردية وجماعية، في البيوت، وفي المراكز المجتمعية؛ والذي تناول الزغرودة ضمن سياقها المكاني والزماني، بعفوية وحيوية تتسق مع حيوية وارتجالية وجمال الزغرودة.
وأُضيف إلى أسلوب البحث؛ تشكيل مجموعات قراءة، ولقاءات مع باحثات وباحثين؛ متخصصين في الموروث الشفوي، والتاريخ الشفوي، والنوع الاجتماعي، وبالشأن الثقافي بشكل عام.

*****
أكّد البحث، اعتماداً على مراجعة الأدبيات السابقة؛ على أن جذر الزغرودة هو الأرجوزة، وهذا ما نتبيّنه حين نتابع حركة الزغرودة ثم سكونها، وحركتها ثم سكونها، كما هو في الأرجوزة الشعرية التي تتوالى فيها الحركة والسكون، مما يشبه الرجز في رجل الناقة ورعدتها.
وكشف البحث عن أراجيز ألقتها النساء وألقاها الرجال تحث على مقاومة الأعداء.
نذكر أرجوزة نسائية استقرّت في وعينا، تعود للعصر الجاهلي، أنشدتها النساء في معركة أُحُد
لحثّ المقاتلين على الصمود، والاستبسال في المعارك، وهن يقرعن الطبول:
"نحن بناتُ طارِق/ نَمشي على النّمارِق/ الدُرُّ في المَخانِق/ والمِسكُ في المَفارِق/ إن تُقبِلوا نُعانِق/ أو تُدبِروا نُفارِق/ فِراقَ غيرِ وامِق".

*****
تابع بحث "زغاريد" تحوّل الرّجز إلى ممارسات شعبية، للرجال والنساء "حيث يقول الرجال الشوباشي – موروث شفوي رجالي؛ يُحمل العريس على الأكتاف، ويمدح العريس والعرس - وتزغرد النساء وتهاهي"-، ومن ممارسة يشترك بها النساء والرجال إلى ممارسة نسائية خالصة، وخاصة كبيرات السنّ؛ ما يتيح للنساء مساحات للإبداع في الحقل الاجتماعي والسياسي العام.
كما تابع تحوّل مضمون الزغرودة عبر الزمان؛ من الحرب إلى الاحتفال بالمناسبات السعيدة، ثم عودتها – مع احتفاظها بالطابع الاحتفالي - إلى مضمونها السياسي المقاوِم الأول، حيث تمجيد الثورة والفدائيين - خاصة في فلسطين، منذ بدايات القرن الماضي –:
"وشو طلب بيِّك تَنأدّي قولُه/ طلب ميتين بَرودِه والفَرِد مع طولُه/ وشو طلب بيِّك يا عروس يا مليحة/ طلب ميتين بَرودة لَغزّة وأريحا".

*****
يطرح البحث موضوعاً طالما وقف لديه العاملون في الفلكلور والموروث الشعبي؛ موضوع الإحياء والتجديد. كيف يمكن أن نحيي تراثنا الشعبي، ومنه الزغرودة؟ هل يكون بالمحاكاة أم بالتجديد؟
وهل يمكن أن نستخدم اليوم أدوات الأمس؟ أم نستطيع الاستعانة بالتكنولوجيا والتطوّر التقني لإحياء وتجديد التراث الشعبي؟
لا شكّ أننا نستطيع أرشفة ما لم يدوّن من التراث الشعبي، بشكل أفضل، حين الاستعانة بوسائل التكنولوجيا المتطوّرة؛ السمعية والبصرية. أما التجديد فهو يعتمد على الموقف من الثقافة السائدة، حيث لا يمكن لمن يؤمن/تؤمن بمساواة المرأة أن يردِّد/ترِّدد تراثاً شفوياً؛ يجعل المرأة سلعة، ويقيِّمها بناء على مواصفاتها الجسدية.
وهنا من الضروري أن نفرِّق بين المعرفة الضرورية للتراث كما هو، وبين النظرة النقدية للتراث، حيث يمكن استلهامه لاستخدامه في حياتنا اليومية، بناء على رؤيتنا للعالم، ومعتقداتنا.
نجد مثالاً للموقف النقدي العفوي الذي وقفته النساء من الواقع السياسي الفلسطيني، في الزغرودة التالية:
"آه هي.. يا حارث الأرض أحرثها وقدّها/ آه هي.. يا طالب الرئاسة مَنتش قدّها/ آه هي..لاجل تعود القدس لأهلها/ آه هي..أعطوها للفدائي صاحبها وجدّها".

*****
ختاماً، يدعو بحث "زغاريد" إلى تحويل أرشيف الزغاريد المدوّنة إلى تسجيلات صوتية، تساهم في إعادة المركزية للزغاريد في حياتنا واحتفالاتنا، فهل نفعل؟

زغرودة للفرح/ وزغرودة للحزن،
زغرودة لزفاف عروسين/ ولنجاح في الدراسة/ وحفلة طهور/ ولاستقبال مولود جديد/ أو مسافر عائد/ أو أسيرة/ أسير،
وزغاريد لوداع أبطال/ أو عظماء/ شهداء/ أو شهيدات،
زغاريد للحرية.

faihaab@gmail.com
www.faihaab.com

(نقلًا عن جريدة الأيام)

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مشاركة: