الرئيسية » تحليل سياسات »   01 حزيران 2023

قراءة/تحميل | | | |
ورقة سياسات: مواءمة مخرجات التعليم العالي مع متطلبات سوق العمل الفلسطيني

هذه الورقة من إصدار أعضاء التكتل الشبابي لدعم الحق والعدالة في الخدمات العامة، إيناس اخلاوي - الخليل، مهند شعث – قطاع غزة، القاسم عفانة – قطاع غزة، أزهار عبيد - قطاع غزة، إشراف:  د. عماد أبو رحمة، ضمن إطار برنامج الشراكة الإستراتيجية بين مركز مسارات ومؤسسة أكشن إيد - فلسطين.

الملخص

تهدف الورقة الى تقديم مقترحات لسد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي وحاجات سوق العمل الفلسطيني.

وتتمثل المشكلة السياساتية في أن مخرجات مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني لا توائم متطلبات سوق العمل الفلسطيني، وأبرز مؤشرات المشكلة:

  1. يدخل حوالي 40 ألف شخص سنوياً إلى سوق العمل، في حين لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لسوق العمل 8 آلاف فرصة عمل بالحد الأقصى. مما أدى الى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريين الى أكثر من 50%،[1]
  2. تستحوذ برامج التعليم والأعمال والإدارة والقانون على النسبة الأكبر من الخريجين بنسبة 54%، في حين نسبة البطالة بين خريجي التعليم تجاوزت 67%، والأعمال والإدارة 50.5%، والقانون 49%.
  3. تبين أن المشكلة لها صلة أيضا بنوعية التعليم وجودته، من حيث التدريب وإكساب الطلبة المهارات المطلوبة في سوق العمل.

أسباب المشكلة:

  1. أسباب لها صلة بمؤسسات التعليم العالي:
  • ضعف التمويل الذاتي للجامعات وعدم كفايته.
  • محدودية دور البحث العلمي، وضعف مساهمة القطاع الخاص.
  • ضعف برامج التعليم التقني، والتوسع غير المخطط لمؤسسات التعليم العالي.
  • تقادم البرامج والخطط الدراسية وضعف مواكبتها للثورة التكنولوجية.
  1. أسباب لها صلة بالسياسات الحكومية وآليات تنفيذها:
  • ضعف التمويل الحكومي لمؤسسات التعليم العالي.
  • ضعف مدخلات التعليم العام (تدني تحصيل طلبة المدارس، وضعف برامج تأهيل المعلمين، وضعف برامج التعليم المهني).
  • ضعف دور الوزارة الرقابي، ونقص تمويل قضايا الجودة ومحدودية خبرة العاملين فيها.
  1. عوامل ضاغطة على صانع السياسات التعليمبة:
  • السياسات الإسرائيلية التي تستهدف نظام التعليم وإعاقة تطوره (السيطرة على الموارد، التحكم في المعابر، الاغلاق والحصار، والتوسع الاستيطاني ...الخ).
  • الوضع الاقتصادي التابع والهش، والذي يكبح عملية تنمية قطاع التعليم وتوفير الموارد اللازمة.

التوصيات:

  1. زيادة تمويل قطاع التعليم، تنويع مصادر التمويل.
  2. تعزيز التمويل والدعم للبحث العلمي، تعزيز التعاون والشراكات البحثية.
  3. تشجيع الاستثمار والتعاون مع القطاع الخاص.
  4. توفير برامج تدريبية مهنية معتمدة، تشجيع ريادة الأعمال والابتكار.
  5. تطوير المناهج والبرامج وتحديثها، تعزيز التدريب المهني والتقني.
  6. وضع استراتيجية تتضمن معايير واضحة للقبول والتوسع في برامج التعليم.
  7. توفير البنية التحتية التكنولوجية.

مقدّمة

على الرغم من التوسع الكمي الكبير الذي شهدته مؤسسات التعليم العالي في فلسطين، من حيث العدد، والبرامج التعليمية، والخريجين، فإنها لا تزال تواجه الكثير من التحديات التي تحد من قدرتها على مجاراة الطفرة العلمية والتكنولوجية العالمية، وبالتالي الاستجابة لحاجات سوق العمل من حيث نوعية الخريجين، والمهارات والمؤهلات التي يمتلكونها.

ويعود ذلك إلى أسباب لها صلة بضعف الموارد المالية للجامعات، واعتمادها أساساً على رسوم الطلبة، في ظل محدودية الدعم الحكومي، وضعف التعاون مع القطاع الخاص في مجال البحث العلمي، إضافة إلى ضعف فعالية السياسات الحكومية الكفيلة بتحسين جودة التعليم العالي، وربطها بمتطلبات سوق العمل، وتوفير آليات للتنسيق والتعاون بينه وبين مؤسسات التعليم العالي.

من جهة أخرى، يعاني سوق العمل الفلسطيني من تحديات كبيرة، تؤثر على قدرته الاستيعابية للعمالة، حيث تشير بيانات مسح القوى العاملة إلى دخول حوالي 40 ألف شخص إلى سوق العمل، ثلثهم تقريباً من الشباب، في حين لا يستوعب سوق العمل سنوياً أكثر من 8 آلاف فرصة عمل بالحد الأقصى،[2] ويعكس هذا ضعف وهشاشة الاقتصاد الفلسطيني وقطاعاته الإنتاجية، بسبب تبعيته للاقتصاد الإسرائيلي، وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الموارد الفلسطينية، وتحكمه بحركة البضائع والأفراد على المعابر، في ظل غياب خطة وطنية للتخلص من علاقات التبعية وتنمية الاقتصاد الوطني الفلسطيني، ما أدى إلى ارتفاع حاد في معدلات البطالة بين المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر)، التي وصلت في العام 2022 إلى حوالي 24%، وبلغ إجمالي نقص الاستخدام إلى حوالي 31%، بينما ارتفع معدل البطالة بين الشباب (19-29) سنة، من حَمَلة شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، نحو 48.3%، ويشكلون 25.6% من إجمالي المتعطلين على العمل.[3]

يظهر ما سبق أهمية دراسة أسباب هذه المشكلة، وكذلك أسباب فشل السياسات الحكومية المتبعة في الحد من تفاقمها على مدار السنوات الماضية، بهدف تقديم مقترحات بحلول، ربما تساهم في الجهود الرامية لسد الفجوة بين مخرجات التعليم العالي ومتطلبات سوق العمل الفلسطيني.

الهدف العام:

تقديم مقترحات بحلول تستهدف سد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل الفلسطيني.

الأهداف الفرعية:

  1. تسليط الضوء على واقع مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية.
  2. تشخيص المشكلة، وتحليل الأسباب التي أدت إلى تفاقم الفجوة بين مخرجات مؤسسات التعليم العالي وحاجات سوق العمل الفلسطيني.

المشكلة السياساتية:

تتمثل المشكلة السياساتية في أن مخرجات مؤسسات التعليم العالي الفلسطيني لا تستجيب لمتطلبات سوق العمل الفلسطيني.  ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال المؤشرات التالية:

  1. الفجوة بين سياسات القبول والتسجيل وحاجات سوق العمل: بلغ عدد المؤسسات المعتمدة والمرخصة، في العام الدراسي 2021/2022، 53 مؤسسة تعليمية، بواقع 36 في الضفة الغربية و17 في قطاع غزة.  ووصل عدد الطلبة الجدد الملتحقين بالتعليم العالي، في العام نفسه، (66.408) طلبة، بينما بلغ عدد الطلبة المسجلين والمنتظمين (225.975) طالباً/ة.[4]

ولكن هذا التوسع لم يرتبط بسياسات قبول وتسجيل مدروسة، سواء لدى الوزارة أو مؤسسات التعليم العالي، تستهدف سد الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل، بل ساهمت هذه السياسات في تفاقم المشكلة، وزيادة معدلات البطالة في أوساط الخريجين.

جدول رقم (1): مقارنة نسبة الطلبة المسجلين والخريجين 2021 بمعدل البطالة بحسب التخصص

التخصص العلمي

نسبة الطلبة المسجلين

نسبة الخريجين

معدل بطالة الخريجين (20-29) سنة

الحاصلين على شهادة دبلوم متوسط أو بكالوريوس

التعليم

12.6%

17.9%

67.5%

الفنون والعلوم الإنسانية

10.3%

10%

  • الفنون 47.8%

العلوم الاجتماعية والصحافة والإعلام

5%

5.2%

  • العلوم الاجتماعية والسلوكية 59.1%
  • الصحافة والإعلام 44.3%

الأعمال والإدارة والقانون

24.8%

30.1%

  • الأعمال والإدارة 50.5%
  • القانون 47.9%

العلوم الطبيعية والرياضيات والإحصاء

3.2%

3.2%

  • الرياضيات والإحصاء 49.8%
  • العلوم الفيزيائية 64.7%

تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

9.6%

4.9%

52.6%

الهندسة والتصنيع والبناء

9.3%

9%

  • الهندسة والحرف الهندسية 44.3%
  • الهندسة المعمارية والبناء 53.7%

الزراعة والحراجة ومصائد الأسماك والبيطرة

0.7%

0.6%

 

الصحة والرفاه

22.9%

17.7%

  • الصحة 43.3%
  • الرفاه 68.9%

الخدمات

0.9%

1.4%

 

 

المصدر: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي[5] والجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.[6]

  1. الفجوة الكبيرة بين عدد الشباب الخريجين مقابل فرص العمل التي يوفرها سوق العمل المحلي سنوياً: تظهر بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن هناك تسارعاً، وبشكل متزايد، خلال العقدين الأخيرين، في نسبة الأفراد (19 سنة فأكثر) الحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، من حوالي 13% العام 1997، إلى نحو 18% في العام 2007، و25% العام 2017.  ويدخل حوالي 40 ألف شخص سنوياً إلى سوق العمل، ثلثهم تقريباً من الشباب، في حين لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لسوق العمل 8 آلاف فرصة عمل بالحد الأقصى، والبقية تنضم إلى قوائم الشباب الخريجين العاطلين عن العمل، الذين تجاوزت معدلات البطالة بينهم 50%،[7] مع وجود فجوة كبيرة بين الذكور والإناث بواقع 66.4% بين الإناث، مقابل 38.4% للذكور، وأخرى بين الضفة الغربية وقطاع غزة (73.8% في غزة، مقابل 35.1% في الضفة).[8]
  2. الفجوة بين مجالات تعليم الخريجين (التخصصات) وحاجات سوق العمل: تحظى برامج التعليم والأعمال والإدارة والقانون بأكثر من 54% من نسبة الخريجين، وفقاً للاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021-2023.[9]  ويظهر جدول (1) أن برامج التعليم العالي وسياسات القبول لهذه البرامج، لا تستند إلى دراسة حاجات سوق العمل؛ ذلك أن البطالة بين خريجي تخصص التعليم تجاوزت 67%، ومع ذلك فإن نسبة خريجي تخصص التعليم، للعام الدراسي 2020/2021، بلغت 17.9%، والمسجلين للعام نفسه 12.6%، ما يعني أن أعداداً إضافية من الخريجين ستنضم إلى قوائم البطالة المرتفعة.

والملفت للنظر أن معدل البطالة مرتفع في التخصصات كافة، تقريباً، حتى التخصصات التي تنخفض فيها نسبة الخريجين والمسجلين، مثل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (4.9%، و9.6% على التوالي)، حيث بلغ معدل البطالة 52.6%.يشير هذا إلى أمرين: الأول، هشاشة الاقتصاد الفلسطيني وضعف القدرة الاستيعابية لقطاعاته الإنتاجية للعمالة، حتى في التخصصات التكنولوجية، والثاني، أن الفجوة ليست كمية فحسب، بل لها صلة بنوعية التعليم العالي ومدى جودته.وهذا ما أكدته دراسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (2019)، التي لاحظت وجود تراجع ملحوظ في جودة التعليم الجامعي، وأبرز مظاهر هذا التراجع افتقار فترة الدراسة الجامعية للتدريب في مجالات يحتاجها سوق العمل ضمن التخصصات التي يتم تدريسها.[10]

نظرة على مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية

تعتبر مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية حديثة نسبياً، وذلك بسبب الاحتلال الإسرائيلي وما يفرضه من قيود على إنشائها وعلى العملية التعليمية بشكل عام.  ومنذ العام 1950، تم إنشاء كليات تمنح درجة الدبلوم المتوسط، وركزت على التعليم التقني وتأهيل المعلمين وتدريبهم.  أما الجامعات، فقد نشأت منذ العام 1970، وكانت جزءاً من الجهد الجماعي الوطني للحفاظ على الهوية الفلسطينية، وتوفير فرص للشباب الفلسطيني للالتحاق بالتعليم العالي، وبخاصة في ظل القيود التي يفرضها الاحتلال على السفر.[11]

وبعد إقامة السلطة الفلسطينية، شهدت مؤسسات التعليم العالي توسعاً كبيراً، سواء من حيث عددها أو البرامج التعليمية والطلبة الملتحقين والخريجين.  تشرف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وتنفيذ السياسات الخاصة به، بموجب الصلاحيات الممنوحة لها وفقاً لأحكام القرار بقانون رقم (6) لسنة 2018م بشأن التعليم العالي.[12]

يبلغ عدد مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية المعتمدة والمرخصة، 53 مؤسسة تعليمية، منها 34 مؤسسة في الضفة الغربية، و17 في قطاع غزة.  وتصنف مؤسسات التعليم العالي، حسب نوع المؤسسة وجهة الإشراف، إلى التالي:

  1. جامعات تقليدية: منها 4 حكومية، و8 عامة، و7 خاصة.
  2. كليات جامعية: 7 حكومية، واحدة عامة، و6 خاصة، وواحدة تشرف عليها "أونروا".
  3. كليات المجتمع: 7 حكومية، وواحدة عامة، و6 خاصة، وواحدة تشرف عليها "أونروا".
  4. التعليم المفتوح: جامعة عامة، وجامعة خاصة.

وفقاً لكتاب الإحصاء السنوي لمؤسسات التعليم العالي 2021/2022، يبلغ عدد الطلبة المسجلين في مؤسسات التعليم العالي 225.975 طالباً/ة، منهم 138.983 إناث و86.992 ذكور، ويتوزعون على مؤسسات التعليم العالي وفقاً للنسب التالية: 69% جامعات تقليدية، 19% تعليم مفتوح، 7% كليات جامعية، 5% كليات مجتمع؛ إي أن النسبة الأكبر مسجلون في الجامعات التقليدية، وغالبيتهم مسجلون في برامج البكالوريوس (182.288)، مقابل (160) فقط مسجلين في الدبلوم المهني.

أما فيما يتعلق بالخريجين للعام 2021-2022، فبلغ عددهم (46.225) خريجاً/ة، 29.294 منهم إناث، مقابل (16.931) ذكور، موزعين حسب نوع المؤسسة كالتالي: 46.1% جامعات تقليدية، 6.4% كليات مجتمع، و4.3% كليات جامعية، و25.2% تعليم مفتوح.  أما توزيعهم بحسب الشهادة: 35.765 خريجاً/ة بكالوريوس، و6.420 دبلوم متوسط، و40 فقط دبلوم مهني.[13]

تخضع الجامعات الحكومية، والجامعات الخاصة، لآليات تمويل وأنظمة إيرادات ونفقات مختلفة عن الجامعات العامة، التي لا تتلقى تمويلها من السلطة الفلسطينية، وتعتمد أساساً على الرسوم والأقساط الجامعية للطلبة، التي تمثل بين 40-80% من إيراداتها، إضافة إلى المنح والهبات المتقلبة وغير الثابتة، والمساعدات الحكومية غير المنتظمة، علما أن الطلبة الملتحقين في الجامعات العامة يشكلون قرابة 78% من مجموع الطلبة في الجامعات الفلسطينية.  أما الجامعات الحكومية، فتدار وتمول من قبل السلطة الفلسطينية تحت إشراف الوزارة، في حين الجامعات الخاصة –ربحية وغير ربحية- مسجلة كشركات وتخضع للقوانين والأنظمة ذات العلاقة.[14]

أسباب المشكلة

تتعدد الأسباب التي ساهمت في تفاقم مشكلة الفجوة بين مخرجات التعليم العالي وحاجات سوق العمل الفلسطيني، ولكننا سنركز، هنا، على الأسباب ذات الصلة بمؤسسات التعليم العالي نفسها، والأسباب التي تتعلق بالسياسات والإجراءات الحكومية، إضافة إلى أسباب أخرى، تتصل بالاحتلال الإسرائيلي، والانقسام، والأوضاع الاقتصادية للسلطة الفلسطينية.

أولاً. أسباب لها صلة بمؤسسات التعليم العالي:

ويمكن حصرها تحت مجموعة من العناوين التالية:

  1. ضعف تمويل قطاع التعليم وعدم استدامته

ويعود هذا لأسباب رئيسية عدة تتمثل في:

  1. اعتماد مؤسسات التعليم العالي على الرسوم والأقساط الجامعية للطلبة مصدراً رئيسياً لإيراداتها، في مقابل سوء الأوضاع الاقتصادية لأسر الطلبة: وتظهر المشكلة بشكل أوضح في الجامعات العامة، التي تصل نسبة الطلبة الملتحقين بها إلى نحو 78% من إجمالي الطلبة الملتحقين بالجامعات، بسبب اعتمادها على الرسوم والأقساط بنحو 40-80% من إيراداتها، في حين يقع العبء الأكبر في تغطية نفقات التعليم العالي على الأسر الفلسطينية، وهي أسر فقيرة بمعظمها، حيث يبلغ متوسط الإنفاق الشهري للأسرة 1400 دولار أمريكي، بينما متوسط الأجر الشهري 900 دولار، وبالتالي، فإن متوسط إنفاق الأسرة على الرسوم الجامعية لطالب واحد يمثل نحو 16% من دخلها الشهري، إذا كان شخص واحد على رأس عمله، وترتفع النسبة إلى 27% إذا كان اثنان من الأسرة على رأس عملهما، وهذا من دون حساب النفقات الأخرى.[15]
  2.  قلة المخصصات الحكومية المقدمة للجامعات، وعدم انتظامها: رتب القانون رقم (11) لسنة 1998م بشأن التعليم العالي، التزامات على الحكومة تجاه الجامعات العامة، ولكنه لم يحدد بشكل واضح نسبة المساهمة التي من المفترض أن تقدمها.  كما أن وزارة المالية لم تقم بإدراج الجامعات ضمن موازنتها السنوية.  وبغياب السياسات والأنظمة التي تنظم قطاع التعليم العالي، لجأت الجامعات للرئيس بشكل مباشر لحل مشاكلها.  وفي العام 2002، قامت الحكومة بتخصيص 20 مليون دولار من موازنتها السنوية للجامعات، يتم توزيعها ضمن معايير أهمها عدد الطلبة المسجلين، إلا أن وزارة المالية لم تفِ بالتزاماتها بسبب الأزمة المالية، وتراوحت المساعدات المقدمة بين 50-75%، ثم توقفت المساعدات بسبب الأزمة المالية العام 2006.

عاد الدعم الحكومي وارتفع إلى 34 مليون دولار، ثم 40 مليون دولار، في العامين 2009 و2010 على التوالي، ولكن في معظم الحالات كان يتم صرف حوالي 60% فقط، وتناقص الدعم تباعاً بعد العام 2010 بسبب الأزمة المالية للسلطة، ما ساهم في تفاقم الأزمة المالية للجامعات، علماً أن هذا الدعم –في حال انتظامه- يغطي حوالي 8-10% من الموازنة السنوية للجامعات، ولا يحل مشكلتها المالية.[16]

  1. توقف الدعم الخارجي المباشر: وبخاصة الدعم الأوروبي، واقتصار الدعم على أنشطة وبرامج محددة تتعلق بالبنية التحتية (مثل إنشاء المباني والمختبرات، المعدات)، ولا يمكن الاستفادة منها في تمويل النفقات الجارية للجامعات.[17]

وفي المحصلة، فإن ضعف مصادر التمويل لمؤسسات التعليم العالي، ساهم في تعميق أزمتها المالية، وحدّ من قدرتها على تطوير برامجها الأكاديمية والبحثية، أو زيادة الإنفاق على الطالب، علما أن تكلفة الإنفاق على الطالب في الجامعات الفلسطينية- بحسب د. خليل الهندي، الرئيس السابق لجامعة بيرزيت- تقدر بنحو 1000-2000 دولار، في حين تصل إلى 15.000- 40.000 في العالم ككل.[18]

  1. محدودية دور البحث العلمي في ترقية الجامعات والكادر الأكاديمي: على الرغم من ارتفاع عدد الأبحاث المنشورة في فلسطين، من 21 بحثاً العام 1996 إلى 843 العام 2018، وتحسن تصنيف فلسطين عالمياً في مجال البحث العلمي، من المرتبة 150، العام 1996، من بين 214 دولة، إلى المرتبة (100) من بين 233 دولة، العام 2018، فإن نسبة الإنتاج البحثي لا تزال ضئيلة على مستوى العالم، حيث بلغت 0% العام 1996، و03% العام 2018، وتحتل فلسطين الترتيب 14 بين دول الشرق الأوسط، وهو ترتيب متدنٍّ إجمالاً.  ويعود هذا لأسباب عدة، أبرزها: محدودية قدرة الباحثين على تقديم أبحاث تنافسية، وقلة الإنتاج البحثي التطبيقي لأساتذة الجامعات والطلبة، وضعف التمويل للبحث العلمي ... إلخ.[19]
  2. قلة مساهمة القطاع الخاص: فغالباً ما تنحصر مساهمة القطاع الخاص في أنشطة وبرامج محددة، لا تحمل صفة الاستدامة، ولا تستفيد منها الجامعات في نفقاتها الجارية.[20]  ولكن من جهة أخرى، يمكن القول إن قلة الإمكانات التي تتوفر لدى الجامعات لتقديم خدمات للقطاع الخاص، تقلص آفاق التعاون.
  3. ضعف برامج التعليم التقني: فهي لا تعد برامج جاذبة لخريجي/ات الثانوية العامة، بل تواجه وضعاً حرجاً من حيث أعداد الخريجين المتزايد، وتكرار تداخل التخصصات في الجامعات والكليات، واستمرار التوجه نحو التخصصات الأكاديمية، دون التخصصات التقنية، التي وصل عددها إلى 99 تخصصاً نهاية العام 2017، وبلغت نسبة الالتحاق بها 13%.  ويرجع ذلك إلى ارتفاع البطالة بين الخريجين، وضعف مواءمة هذه البرامج مع سوق العمل، وضعف الجودة في التخصصات التقنية، وبخاصة في المجالات التطبيقية، إضافة إلى النظرة المجتمعية الدونية للبرامج التقنية، مقابل ضعف البرامج الإرشادية والتوجيهية، وارتفاع تكلفة تطوير برامج خاصة بالجوانب العملية والتطبيقية، والنقص في الكادر الأكاديمي الفني في العديد من التخصصات.[21]
  4. التوسع غير المخطط لمؤسسات التعليم العالي:[22] عمدت مؤسسات التعليم العالي إلى فتح تخصصات وكليات جديدة، استجابة لزيادة الطلب على التعليم العالي من جهة، وكوسيلة لزيادة إيراداتها والتخفيف من حدة أزمتها.  ولكن هذا التوسع لم يكن مخططاً بالقدر الكافي، لأنه ترافق مع توسع كبير في أعداد الكادر الأكاديمي والإداري، والنفقات التشغيلية، ولم يتم توجيه جزء من الموارد الجديدة لتحسين جودة البرامج التعليمية من الناحية النوعية بما يستجيب لحاجات سوق العمل، أو تطوير البنية التحتية الداعمة للعملية التعليمية، مثل المختبرات والمكتبات ووسائل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة.  من جهة أخرى، سمح هذا التوسع باستقطاب أعداد كبيرة من الراغبين في الالتحاق بالتعليم العالي، بغض النظر عن مؤهلاتهم، وتم اللجوء لوسائل لتسهيل التحاقهم، مثل التعليم الموازي، على حساب النوعية.  وفي المحصلة لم يساهم هذا التوسع في التخفيف من حدة الأزمة المالية، أو تحسين مخرجات التعليم وفقاً لحاجات سوق العمل.  والدليل على ذلك، أن معدلات البطالة بين الخريجين لم تتراجع تبعاً لهذا التوسع، كما أن الأزمة المالية للجامعات تواصل تفاقمها.
  5. تقادم البرامج والخطط الدراسية وضعف مواكبتها للثورة المعلوماتية والتكنولوجية: حيث استمر اعتماد البرامج التعليمية على كمية المحتوى المعرفي، واستخدام طرائق التعليم المباشر، ونقص استخدام التعليم الإلكتروني والمدمج وعناصر التكنولوجيا كافة.  وهذا ما كشفت عنه جائحة كورونا، من حيث عدم جاهزية البنية التحتية للجامعات، وعدم كفاية الكادر الأكاديمي المؤهل، وضعف مهارات الطلبة في التعامل مع وسائل التعليم التكنولوجية، ما شكل عملية ضغط على قطاع التعليم العالي، تجعل من التطوير والمواكبة عملية ضرورية، وبخاصة أن العولمة والمنافسة فرضتا تحديات جديدة على كل الدول، فيما يتعلق بالتعليم العالي، تتطلب إبراز منتج يستطيع المنافسة في السوق العالمي.[23]

ثانياً. أسباب لها صلة بالسياسات الحكومية وآليات تنفيذها:

تشير المراجعة لتقارير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، وخططها الاستراتيجية القطاعية، إلى أن المشكلة السياساتية التي تتناولها الورقة، مشخصة من قبل الوزارة، بل ووردت ضمن أولويات الخطط القطاعية الاستراتيجية للوزارة.  فقد ورد هدف "المواءمة بين التعليم والحياة واحتياجات سوق العمل" ضمن أولويات الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017-2022.[24]  وكذلك جاء هدف "تحسين جودة ونوعية مخرجات التعليم العالي" كهدف استراتيجي أول في الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي 2021-2023.[25]  وكان الهدف الثالث للاستراتيجية "الارتقاء بمستوى البحث العلمي وضمان فعاليته في التنمية المستدامة"، والرابع "الارتقاء بالتعليم التقني كماً ونوعا"؛ أي إنها تضمنت سياسات مباشرة لمعالجة أسباب ذات صلة بالمشكلة.

وأشارت الخطة إلى أبرز النتائج التي تم تحقيقها في مجالات عدة، نذكر منها:[26]

  • في مجال تحسين جودة التعليم: تنفيذ دراسة مسحية لتحديد الاحتياجات الفعلية للبرامج والتخصصات التي يحتاجها سوق العمل؛ تقييم شمولي لخمس مؤسسات تعليم عال؛ إعداد دليل للترخيص والاعتماد للبرامج؛ اعتماد 235 برنامجاً للتعليم العالي بمستوياته كافة؛ إغلاق وتجميد ودمج 212 برنامجاً؛ تطوير برامج التدريب العملي لـ45 برنامجاً؛ تحديد مفتاح للقبول في برامج عدة بالتوافق مع النقابات المهنية ذات الصلة؛ توفير قاعدة بيانات حول الجامعات؛ تصنيف البرامج والتخصصات كافة ومواءمتها حسب التصنيف العالمي؛ تزويد بعض الجامعات بأدوات وأجهزة متخصصة.
  • في مجال التعليم التقني: استحداث 4 برامج للتعليم التكاملي؛ تطوير الخطط الدراسية لـ20 برنامجاً وفق معايير حديثة، فتح 55 برنامجاً تقنياً جديداً؛ إنشاء مراكز تميز في الكليات التقنية؛ إدخال مفهوم الريادة في البرامج التقنية.

ولكن، ومن دون التقليل من أهمية ما قامت به الوزارة، فإن ذلك لم يحل دون استمرار المشكلة، بل وتفاقمها، كما تشير بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلا تزال نسبة البطالة بين الشباب الخريجين هي الأعلى، بنسبة تتجاوز 50%، ولا يزال نقص كفاءة ومهارات الخريجين سبباً رئيسياً من أسباب الفجوة بين مخرجات التعليم وحاجات سوق العمل، كما تشير دراسة الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.[27]  ولا تزال الفجوة واسعة بين مجالات الدراسة في مؤسسات التعليم العالي وبين حاجات سوق العمل.[28]

يستدعي هذا تسليط الضوء على أوجه القصور السياساتي التي تتعلق بالمستوى الحكومي، وهي:

  1. ضعف التمويل الحكومي لمؤسسات التعليم العالي: ويتجلى هذا الضعف في عدم انتظام هذا الدعم، إضافة إلى عدم كفايته، حيث يغطي بين 8-10% من موازنة الجامعات في حال انتظامه.[29]
  2. ضعف مدخلات التعليم العام: التي تشكل مدخلات للتعليم العالي من حيث المهارات الأساسية المطلوبة للانخراط في التعليم العالي.  وهناك مؤشرات عدة لهذا الضعف:
    • أشارت الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017-2022،[30] إلى أن نسبة امتلاك طلبة الثانوية العامة للقيم الأخلاقية والاتجاهات الإيجابية، بلغت (57.9%)، ولأنماط التفكير المختلفة (48.6%)، وللمهارات الحياتية (62.6%).  كما بلغت نسبة معلمي المرحلة الثانوية المؤهلين وفق استراتيجية إعداد المعلمين (19%)، وارتفعت إلى (24%) العام 2015، وبلغت (73.2%) لدى الذكور، و(47.7%) لدى الإناث، للعام 2018/2019.  كما بلغت درجة امتلاك الطلبة لمهارات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات (44.4%) للذكور، و(43.75%) للإناث.
    • أبرزت الاستراتيجية القطاعية للتعليم 2021-2023 تدني تحصيل طلبة المدارس في فلسطين، وبخاصة في مواد العلوم (الخامس: 44.3، والتاسع: 33.9) والرياضيات (الخامس: 42.2، والتاسع: 30.3)، علماً أن فلسطين توقفت عن المشاركة في الاختبارات الدولية (TIMMS) منذ العام 2011.[31]
    • المعيار الوحيد للقبول في الجامعات هو امتحان الثانوية العامة، وهناك مشكلة في مدى قدرته على قياس معارف الطلبة ومهاراتهم العليا.
    • الالتحاق غير المتوازن في مساقات التعليم الثانوي (المهني والعلمي والأدبي): تشير الدراسات إلى أن اتجاهات المجتمع تجاه التعليم المهني ليست إيجابية، إذ إن غالبية الطلبة والأهل لا يفضلون الانخراط في التعليم المهني، بل الجامعي.[32]  وبلغت نسبة الملتحقين بالتعليم المهني، العام 2012/2013، نحو (3%)، والعلمي (21%)، والأدبي (76%).  وبلغت نسبة طلبة المرحلة الثانوية المهنية، للعام 2018/2019، نحو (5.1%) للذكور و(1.36%) للإناث.[33]
    • ضعف مناهج التعليم والتدريب المهني: أظهر المؤشر الخاص بدرجة احتواء مناهج التعليم المهني على الكفاءات الملائمة لسوق العمل، أن هناك تبايناً واضحاً بين الكفاءات التي يطلبها سوق العمل وبين المنهاج.  من المعروف أن سياسات التعليم العام ليست من ضمن اختصاصات وزارة التعليم العالي، ولكن يقع ضمن اختصاصات الوزارة، الواردة في قانون التعليم العالي رقم (6) للعام 2018 (المادة 5، بند 18)، مسؤولية "التنسيق بين المؤسسة ومؤسسات التعليم العام، بما يكفل تحقيق التكامل بينهما"، علاوة على المسؤولية العليا للحكومة بهذا الشأن.  وهذا ينقلنا إلى الحديث عن أسباب أخرى ذات صلة، وردت في الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي 2021-2023.
  3. ضعف مستوى التشبيك والتعاون مع الأطراف ذات العلاقة.  ويشمل ذلك عدم وجود استراتيجية وطنية ومجالس تنسيق دائمة لتطوير العلاقات بين القطاعات الإنتاجية والخدمية حسب مجالات برامج التعليم العالي.
  4. ضعف عمليات التقييم الذاتي والخارجي، وعدم ربطها باحتياجات سوق العمل، وقلة مرونة معايير الترخيص والاعتماد وضبط الجودة.
  5. ضعف دور الوزارة الرقابي على مؤسسات التعليم العالي، وقلة الأدوات والمعايير المقننة والتقارير والدراسات الوطنية لقياس وتقييم ومتابعة عمليات التعليم والتعلم ومعايير الجودة كافة.
  6. النقص في تمويل قضايا الجودة، ومحدودية خبرة العاملين وقدراتهم في وحدات الجودة من منظور عالمي.
  7. عدم وجود سياسات أو تنظيم لعمليات القبول، بحيث تراعي طبيعة البرامج وقدرات المتعلم ورغبته من جهة، والاحتياجات الوطنية والمؤسسات الوطنية ذات الصلة من جهة أخرى.
  8. غياب السياسات الوطنية لعمليات تطوير القدرات والتدريب المستمر للكوادر الإدارية والأكاديمية والبحثية.
  9. ضعف الجودة في التخصصات التقنية، وبخاصة المجالات التطبيقية، والمواءمة بين مخرجاتها واحتياجات سوق العمل، وتوقف الابتعاث لمؤسسات التعليم العالي التقنية.
  10. عدم استدامة مصادر تمويل البحث العلمي، وغياب السياسات الوطنية التي تلزم ربط نتائج البحوث بمشكلات المجتمع.

ثالثاً. عوامل إضافية ضاغطة على صانع السياسات الفلسطينية

وهذه العوامل ليس لها صلة مباشرة بصانع السياسات التعليمية، ولكن لها تأثير كبير على عملية صنع السياسات وتنفيذها.  ومن هذه العوامل:

  1. الاحتلال الإسرائيلي:[34] استمرت السياسات الإسرائيلية التي تستهدف نظام التعليم وإعاقة تطوره، وتجلى ذلك في العديد من الإجراءات:
    • سياسات الإغلاق، وقطع الطرق، والحواجز العسكرية، واقتحام الجامعات واعتقال الطلبة والكادر التعليمي.
    • فرض قيود على إدخال المعدات والمختبرات والتجهيزات الضرورية لتطوير التعليم في مؤسسات التعليم العالي.
    • التحكم في الدعم المقدم من المانحين لمؤسسات التعليم العالي، عبر فرض قيود على نوع المساعدات، الأمر الذي حرمها من الكثير من مصادر التمويل.
    • تقييد التواصل بين مؤسسات التعليم العالي والشركاء العرب والدوليين.
    • فرض حصار مشدد على قطاع غزة، ومنع الطلبة من الالتحاق في مؤسسات التعليم العالي بالضفة.
    • إلحاق الضرر بالاقتصاد الفلسطيني، من خلال تعميق التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، والسيطرة على الموارد الفلسطينية، واقتطاع أموال المقاصة الفلسطينية.
  2. الوضع الاقتصادي للسلطة: يعاني الاقتصاد الفلسطيني أوضاعاً صعبة، نتيجة علاقات التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وسيطرة الاحتلال الإسرائيلي على الموارد وحرمان الفلسطينيين من استثمارها، والتحكم بالمعابر، وسرقة أموال المقاصة، والتراجع الحاد للتمويل الذي تتلقاه السلطة من الدول المانحة.

وقد انعكست هذه الأوضاع على الموازنة العامة للسلطة، وعلى قدرتها على تلبية الموارد لتطوير القطاعات المختلفة، حيث أقر مجلس الوزراء، خلال جلسته في 2/4/2023، موازنة طوارئ نقدية للعام 2023، بعجز يصل إلى 360 مليون دولار، بدون الاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، ما يرفع عجز الموازنة إلى 610 ملايين دولار.[35]

وتعني موازنة طوارئ نقدية أنه يتم الصرف منها وفق ما هو متاح، في ضوء تقديرات الموازنة للإيرادات المحلية، وإيرادات المقاصة، والدول المانحة، وهذا يجعل النفقات على قطاع التعليم، وغيره من القطاعات، رهناً بتوفر إيرادات الموازنة التقديرية، التي غالباً ما تعجز السلطة عن توفيرها، بسبب الزيادة المستمرة للاقتطاعات الإسرائيلية من أموال المقاصة، وتراجع تمويل الدول المانحة للموازنة، ما يعيق فرص تطوير قطاع التعليم العالي.

التوصيات السياساتية والإجرائية:

أولاً. فيما يتعلق بضعف تمويل قطاع التعليم وعدم استدامته:

  1. زيادة تمويل قطاع التعليم:
    • زيادة الاستثمارات الحكومية في قطاع التعليم عن طريق زيادة الميزانية المخصصة للتعليم العالي.
    • استكمال وتنفيذ الاتفاقيات الدولية والمساعدات المالية الخارجية لتمويل مشاريع التعليم، وتطوير المناهج والبنى التحتية.
  2. تنويع مصادر التمويل:
    • تشجيع التبرعات والتمويل من القطاع الخاص والمؤسسات الدولية والمنظمات غير الحكومية لدعم التعليم العالي في فلسطين.
    • تطوير آليات وبرامج للشراكة بين الجامعات والقطاع الخاص لتوفير التمويل والدعم المالي للبرامج التعليمية والبحثية.
    • توفير التسهيلات والمزايا الضريبية للشركات والمنظمات التي تستثمر في التعليم العالي، وتوفر فرص التدريب والتوظيف للطلاب.
  3. تعزيز الاستدامة المالية للجامعات:
    • تنمية مصادر الدخل البديلة للجامعات مثل تقديم خدمات استشارية وتدريبية، وتقديم برامج متخصصة للتعليم المستمر والتدريب المهني.
    • تشجيع الجامعات على تنويع مجالات البحث والتطوير التي يمكن أن تجلب تمويلاً خارجياً عبر الحصول على المنح البحثية، وتنفيذ مشاريع التعاون مع القطاع الخاص والحكومي.
  4. تحسين الإدارة المالية للجامعات:
    • تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الموارد المالية للجامعات، وتطوير نظم المراقبة المالية والتقارير المالية.
    • تعزيز قدرات إدارة المؤسسات التعليمية في التخطيط المالي.
    • مراقبة النفقات بشكل فعال، وتحقيق أقصى استفادة من الموارد المتاحة.

ثانياً. في ما يتعلق بمحدودية دور البحث العلمي في ترقية الجامعات والكادر الأكاديمي:

  1.  تعزيز التمويل والدعم المادي للبحث العلمي:
    • زيادة الميزانية المخصصة للبحث العلمي في الجامعات، وتوفير التمويل اللازم لإجراء الأبحاث، وتأمين المعدات والمواد اللازمة.
    • توفير المنح البحثية والمشاريع الممولة للباحثين والأكاديميين لتشجيعهم على القيام بأبحاث ذات جودة عالية، وترقية النشر العلمي.
  2. تطوير البنية التحتية للبحث العلمي:
    • تحسين وتطوير المختبرات والمرافق البحثية في الجامعات لتوفير بيئة ملائمة للأبحاث العلمية، وتشجيع التعاون البحثي بين الجامعات والمؤسسات الأخرى.
    • تعزيز التقنيات والمنصات الرقمية والتحليلية في الجامعات لتمكين الباحثين من الوصول إلى المعلومات، وتحليل البيانات بشكل أكثر فاعلية.
  3. تعزيز التعاون والشراكات البحثية:
    • تشجيع وتعزيز التعاون البحثي بين الجامعات والمؤسسات الحكومية والخاصة والمجتمع المدني، لتبادل المعرفة، وتنفيذ مشاريع بحثية مشتركة.
    • توفير الدعم والتشجيع للباحثين للمشاركة في المؤتمرات والندوات الدولية والمحلية لتبادل الخبرات، وتعزيز شبكات التواصل العلمية.

ثالثاً. في ما يتعلق بقلة مساهمة القطاع الخاص في ترقية الجامعات:

  1. تشجيع الاستثمار والتعاون مع القطاع الخاص:
    • توفير حوافز مالية وضريبية للشركات التي تستثمر في مجال التعليم العالي، وتقدم تمويلاً للجامعات لتطوير برامجها وبنيتها التحتية.
    • تشجيع الشراكات الاستراتيجية بين الجامعات والشركات لتطوير برامج تدريبية مشتركة وتبادل الموارد والخبرات.
    •   توفير اليات وأطر دائمة للتعاون والشراكة بين وزارة التعليم العالي ووزارة العمل والقطاع الخاص.
    •   وضع خطة مشتركة تستهدف تقليص العرض في التخصصات الشائعة بنما يتناسب مع حاجات سوق العمل.
  2. توفير برامج تدريبية مهنية معتمدة:
    • تطوير برامج تدريبية مهنية معتمدة تلبي احتياجات سوق العمل، بالتعاون مع القطاع الخاص، لتطوير مهارات الطلاب وتحسين فرص التوظيف؛ مثل برامج "بالتل شباب"، و"أنا جوال"، على سبيل المثال.
    • تشجيع الشركات على تقديم فرص التدريب المهني والتعاون العملي للطلاب، ما يمكّنهم من اكتساب المهارات اللازمة وزيادة فرص التوظيف.
  3. تعزيز البحث والابتكار بالتعاون مع القطاع الخاص:
    • تشجيع الجامعات على تطوير وتعزيز الأبحاث والابتكارات التي تلبي احتياجات القطاع الخاص، وتعزز التنافسية والتطور الاقتصادي.
    • توفير التمويل والدعم لمشاريع البحث والابتكار التي تستهدف حل المشكلات، وتحقيق التطور في التكنولوجيا والصناعات المحلية.
  4. تنظيم الشراكات الجامعية-الصناعية:
    • تعزيز التعاون بين الجامعات والصناعات المحلية، من خلال تنظيم الشراكات الجامعية-الصناعية، وتبادل المعرفة والتقنية، وتوفير الدعم اللازم لتنفيذ المشاريع المشتركة بين الطرفين.
  5. تشجيع ريادة الأعمال والابتكار:
    • تطوير برامج ومرافق داعمة لريادة الأعمال في الجامعات، مثل مساحات العمل المشتركة، والمسابقات الريادية، والدورات التدريبية.
    • توفير التمويل والمساعدة المالية للطلاب وأعضاء هيئة التدريس الراغبين في تأسيس شركات ناشئة وتطوير ابتكاراتهم.

رابعاً. في ما يتعلق بضعف برامج التعليم التقني:

  1. تطوير المناهج والبرامج: وتحديثها:
    • تقويم وتحليل احتياجات سوق العمل للمهارات التقنية، وتعديل المناهج والبرامج التعليمية لتلبية هذه الاحتياجات.
    • تعزيز الجوانب العملية والتطبيقية في المناهج التقنية لتمكين الطلاب من اكتساب المهارات والمعرفة العملية المطلوبة.
  2. تعزيز التدريب المهني والتقني:
    • توفير برامج تدريبية مهنية وتقنية عالية الجودة، تتماشى مع تطلعات سوق العمل، وتلبي احتياجات القطاعات الصناعية المختلفة.
    • تعزيز التعاون بين المدارس والمؤسسات التدريبية والشركات لتوفير فرص التدريب العملي والتعلم على أرض الواقع.
  3. تعزيز التوجيه المهني والوعي:
    • توفير برامج توجيه مهني واستشارات للطلاب وأولياء الأمور لمساعدتهم في اختيار التخصصات التقنية المناسبة، وفهم احتياجات سوق العمل.
    • زيادة الوعي بأهمية التعليم التقني وفرص التوظيف المتاحة في هذا المجال، من خلال حملات توعية وبرامج تثقيفية.
  4. تعزيز الشراكات الاستراتيجية:
    • تعزيز التعاون بين الجامعات والمدارس التقنية والشركات والمؤسسات الحكومية لتطوير برامج مشتركة وتبادل الموارد والخبرات.
    • تشجيع الاستثمارات والشراكات الاستراتيجية بين القطاع الخاص والحكومة لتطوير مرافق وبرامج التعليم التقني.

خامساً. في ما يتعلق بالتوسع غير المخطط لمؤسسات التعليم العالي:

  1. وضع استراتيجية واضحة للتوسع المخطط:
    • تحديد احتياجات التعليم العالي المستقبلية وتطوير استراتيجية واضحة للتوسع المخطط وفقاً لهذه الاحتياجات.
    • تحليل الطلب والعرض في سوق التعليم العالي، وتحديد المجالات التي تحتاج إلى توسيع وتنمية.
  2. تعزيز الرقابة والمتابعة:
    • تطوير نظام فعال للرقابة والمتابعة لضمان تنفيذ التوسع المخطط بشكل ملائم وفقاً للمعايير المحددة.
    • تقييم دور الجامعات الموجودة ومراقبة مدى تلبيتها لاحتياجات الطلاب وسوق العمل.
  3. تعزيز التعاون بين الجامعات والقطاعين الحكومي والخاص:
    • تشجيع التعاون والشراكات بين الجامعات والقطاعين الحكومي والخاص لتوفير فرص التوسع المشترك، وتبادل الموارد والخبرات.
    • تعزيز التعاون في مجالات البحث والتطوير والابتكار لتعزيز التوافق بين المؤسسات التعليمية واحتياجات سوق العمل.
  4. تطوير البنية التحتية والموارد المالية:
    • توفير التمويل الكافي والمستدام لمؤسسات التعليم العالي لتحقيق التوسع المخطط وتطوير البنية التحتية اللازمة.
    • استخدام الابتكارات التكنولوجية لتعزيز الكفاءة وتقليل التكاليف في المؤسسات التعليمية.

سادساً. في ما يتعلق بتقادم البرامج والخطط الدراسية وضعف مواكبتها للثورة المعلوماتية والتكنولوجية:

  1. تحديث البرامج والخطط الدراسية:
    • إجراء تقييم دوري للبرامج والخطط الدراسية لتحديد الاحتياجات التحديثية، وتكامل التكنولوجيا الحديثة في المواد الدراسية.
    • تعزيز الروابط بين الجامعات وصناعة التكنولوجيا للتأكد من مواكبة البرامج التعليمية التكنولوجيا الجديدة والمتطلبات العملية.
  2. تطوير برامج التدريب التقني للأساتذة والمحاضرين:
    • تقديم دورات تدريبية وورش عمل لأعضاء هيئة التدريس لتعزيز مهاراتهم في استخدام التكنولوجيا التعليمية وتطبيقها في العملية التعليمية.
    • تشجيع ودعم الأساتذة لإجراء أبحاث وتطوير موارد تعليمية تكنولوجية مبتكرة تناسب البرامج والخطط الدراسية.
  3. توفير البنية التحتية التكنولوجية:
    • تحديث وتطوير البنية التحتية التكنولوجية في الجامعات، بما في ذلك شبكات الإنترنت ومختبرات الحاسوب والبرامج التعليمية.
    • توفير الأجهزة والتجهيزات التكنولوجية الحديثة للطلاب والأساتذة لتمكينهم من الوصول إلى الموارد التعليمية الحديثة والتفاعل معها.
  4. تعزيز التعلم عن بُعد والتعليم الإلكتروني:
    • توسيع استخدام التعلم عن بُعد والتعليم الإلكتروني في الجامعات لتلبية احتياجات الطلاب، وتمكينهم من الوصول إلى الموارد التعليمية عبر الإنترنت، والمشاركة في التفاعل الفعّال مع المحتوى.

المراجع:

[2] الإحصاء الفلسطيني يعقد ورشة عمل وطنية حول "الفجوة بين التعليم وسوق العمل"، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، 14/7/2019: https://bit.ly/3OPxQIi

[3] الإحصاء الفلسطيني يستعرض نتائج مسح القوى العاملة في فلسطين خلال العام 2022، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، 15/2/2023: https://bit.ly/3N8ayf6

[4] الكتاب الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 2021- 2022، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، رام الله، تشرين الثاني 2022، ص V, VII, IX: https://bit.ly/3qjcMzF

[5] الكتاب الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 2021/2022، المرجع السابق، ص X.

[6] الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحافياً تحت عنوان: "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20-29 سنة"، 2021، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، 6/7/2022: https://bit.ly/3oOpg1z

[7] الإحصاء الفلسطيني يعقد ورشة عمل وطنية حول "الفجوة بين التعليم وسوق العمل"، مرجع سابق.

[8] الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحافياً تحت عنوان: "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20- 29 سنة"، مرجع سابق.

[9] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021- 2023، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، رام الله، ص 20: https://bit.ly/3N4fz8K

 

[10] الإحصاء الفلسطيني يعقد ورشة عمل وطنية حول "الفجوة بين التعليم وسوق العمل"، مرجع سابق.

[11] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021- 2023، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مرجع سابق، ص 16-17.

[12] قرار بقانون رقم (6) لسنة 2018م بشأن التعليم العالي، موقع وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، الدخول بتاريخ 5/5/2023: https://bit.ly/3WL05JL

[13] الكتاب الإحصائي السنوي لمؤسسات التعليم العالي الفلسطينية 2021- 2022، مرجع سابق.

[14] طاهر المصري.  "الحق في التعليم والأزمة المالية في الجامعات العامة"، الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم"، سلسلة التقارير الخاصة (89)، رام الله، حزيران 2017، ص 19، 27- 29: https://bit.ly/3C7NGq6

[15] للمزيد، انظر: غازي الصوراني.  "أزمة التعليم العالي في الجامعات الفلسطينية"، موقع بوابة الهدف الإخبارية، 8 حزيران/يونيو 2022، ص 9-10:https://hadfnews.ps/post/101085/

[16] طاهر المصري.  "الحق في التعليم والأزمة المالية في الجامعات العامة"، مرجع سابق، ص 23- 24.

[17] المرجع نفسه، ص 30.

[18] "أزمة تمويل التعليم العالي في الأراضي الفلسطينية"، دائرة مستديرة (9)، معهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس)، 29 أيلول/سبتمبر 2011، ص 4: https://bit.ly/45Ia2vC

[19] للمزيد، انظر: الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021- 2023، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، مرجع سابق، ص 38-39.

[21] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021-2023، مرجع سابق، ص 41-42.

[22] انظر: الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحافياً تحت عنوان: "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20-29 سنة"، 2021، مرجع سابق.

وكذلك: طاهر المصري.  "الحق في التعليم والأزمة المالية في الجامعات العامة"، مرجع سابق، ص 28.

[23] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي، مرجع سابق، ص 36.

[24] الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017-2022، الخطة الاستراتيجية المطورة للاستراتيجية القطاعية الثالثة للتعليم، وزارة التربية والتعليم العالي، رام الله، نيسان 2017: https://bit.ly/3WL05JL

[25] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021-2023، مرجع سابق، ص 56.

[26] للمزيد، انظر: المرجع السابق نفسه، ص 41-43.

[27] "الإحصاء الفلسطيني يعقد ورشة عمل وطنية حول "الفجوة بين التعليم وسوق العمل""، مرجع سابق.

[28] "الإحصاء الفلسطيني يصدر بياناً صحافياً تحت عنوان "مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20-29 سنة"، 2021، مرجع سابق.

[29] تقرير أداء الموازنة العامة 2021.  الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، رام الله، آذار 2022: https://bit.ly/3IP6sWS

[30] انظر/ي: الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017-2022، مرجع سابق، ص 80-87.

[31] الاستراتيجية القطاعية للتعليم 2021-2023، وزارة التربية والتعليم، رام الله، ص 43، 69: https://bit.ly/3qff7vb

[32] انظر/ي: الخطة الاستراتيجية لقطاع التعليم 2017- 2022، مرجع سابق، ص 86-87.

[33] الاستراتيجية القطاعية للتعليم 2021-2023، مرجع سابق، ص 39.

[34] الاستراتيجية القطاعية للتعليم العالي والبحث العلمي 2021-2023، مرجع سابق، ص 27-28.

[35] مجلس الوزراء يقر موازنة العام 2023 ويرفعها للرئيس للمصادقة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 3/4/2023: https://bit.ly/43gu8vz

 

 
 
 
مشاركة: