الرئيسية » تحليل سياسات »   06 حزيران 2023

قراءة/تحميل | | | |
ورقة سياسات: سياسات لتطوير خدمات الصحة النفسية للشباب الفلسطيني

هذه الورقة من إصدار أعضاء التكتل الشبابي لدعم الحق والعدالة في الخدمات العامة، اسراء قاعود – قطاع غزة، أمل عبد الله – الضفة الغربية، خالد حمدان – قطاع غزة، إشراف:  د. عماد أبو رحمة، ضمن إطار برنامج الشراكة الإستراتيجية بين مركز مسارات ومؤسسة أكشن إيد - فلسطين.

ملخص

تهدف الورقة إلى تقديم بدائل سياساتية للحد من الزيادة المضطردة لمعدل المشكلات النفسية في أوساط الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة.

مؤشرات المشكلة:

أظهرت نتائج مسح الظروف النفسية العام 2022، أن نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، وبلغت النسبة في قطاع غزة 71% والضفة الغربية 50%، وأن هناك ارتفاعًا في عدد الحالات الجديدة المسجلة في مراكز الإدمان في الضفة بنسبة زيادة تصل إلى 128% مقارنة بالعام 2020، إضافة إلى ارتفاع عدد محاولات الانتحار في الضفة إلى 209 محاولات، وارتفاع معدلات العنف النفسي للأفراد ممن لم يسبق لهم/ن الزواج إلى 39.3% 2019، والمتزوجات إلى 56.6%.

أسباب المشكلة:

  1. ضعف التمويل للقطاع الصحي وعدم كفايته، ونقص الموارد البشرية، وخاصة الأطباء النفسيين والأخصائيين، وضعف برامج التدريب والإشراف والرقابة، وضعف الحوكمة، والافتقار إلى تنسيق نظام خدمات الصحة النفسية، إضافة إلى ضعف مشاريع الصحة النفسية واعتمادها على التمويل الخارجي.
  2. سياسات الاحتلال الإسرائيلي، من عدوان مستمر، وقتل واعتقال وتدمير، وحصار وإغلاق، واستيطان وسيطرة على الموارد.
  3. الانقسام الفلسطيني الداخلي وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
  4. ارتفاع معدلات والبطالة بين الخريجين الشباب لأكثر من 50%، والفقر بنسبة 29.2%، وضعف القدرة الاستيعابية لسوق العمل المحلي؛ حيث يتخرج نحو 40 ألفًا سنويًا، في حين لا يستوعب سوق العمل أكثر من 8000.

التوصيات:

  1. زيادة موازنة وزارة الصحة، واعتماد موازنة خاصة للصحة النفسية، وتقليص النفقات التشغيلية والأجور وزيادة نفقات الموازنة التطويرية.
  2. زيادة الموارد البشرية، وتطوير البرامج التعليمية وبرامج تدريب وتأهيل الكادر في مجال الصحة النفسية.
  3. تشكيل إدارة عامة مستقلة للصحة النفسية، ورفع موازنتها، وتطوير التعاون والشراكة مع القطاعَيْن الأهلي والخاص.
  4. زيادة عدد مستشفيات ومراكز الصحة النفسية، وتشكيل إدارة للجودة والرقابة، وتطوير نظام تكنولوجيا المعلومات.
  5. تطوير المنظومة القانونية للصحة النفسية، وإصدار قانون للصحة النفسية والأمراض العقلية.

مقدمة

تعرف منظمة الصحة العالمية الصحة النفسية بأنها "حالة من الرفاهية (state of well-being) يدرك فيها الفرد قدراته؛ حيث يمكنه التعامل مع ضغوط الحياة العادية، والعمل بشكل منتج ومثمر، ويكون قادرًا على المساهمة في دعم مجتمعه المحلي". وتعد الاضطرابات النفسية من الأسباب العشرة الأولى للعبء الصحي في جميع أنحاء العالم، ومن المتوقع أن يكون الاكتئاب هو العبء الأول بحلول العام 2030. في العام 2019 كان 1-8 أفراد (نحو 970 مليونًا) يعيشون مع اضطراب نفسي، والأكثر شيوعًا من بينها القلق والاكتئاب، وفي العام 2020 ارتفع العدد بشكل كبير بسبب جائحة كورونا، وتشير التقديرات الأولية إلى زيادة بنسبة 26% و28% على التوالي[1].

تتأثر الصحة النفسية للأفراد بمجموعة من العوامل، البيولوجية والنفسية والاقتصادية والاجتماعية والبيئية. ولكن في الحالة الفلسطينية، يعدّ الاحتلال الإسرائيلي المسبب الرئيسي لزيادة معدل الإصابة بالاضطرابات النفسية، وذلك من خلال سياساته العدوانية التي تقوم على العنف، والقتل، والتدمير، والاعتقال، والحصار، والإغلاق، والضم، ومصادرة الأراضي، والسيطرة على الموارد، والتحكم في المعابر، التي أدت إلى تقويض منظومة الرعاية الصحية الفلسطينية، وخاصة في القدس وقطاع غزة والمناطق المحاذية لجدار الفصل العنصري والمستوطنات، فضلًا عن تأثيرها في مجمل أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية.

يضاف إلى ما سبق عوامل تتعلق بالوضع الفلسطيني نفسه (الاقتصاد الهش والتابع، وسوء إدارة الموارد وتوزيعها، والانقسام الداخلي، وضعف موارد الجهاز الصحي). فهذه العوامل مجتمعة كان لها تأثير مباشر في الصحة النفسية للشباب الفلسطيني؛ حيث أدت إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر بصورة حادة، وقلصت الفرص الاقتصادية المتاحة أمامهم، وأغلقت أفق التغيير أو المشاركة في عملية التنمية السياسية والاجتماعية.

وهذا ما تؤكده نتائج مسح الظروف النفسية في فلسطين للعام 2022[2]، التي أشارت إلى أن نصف المجتمع الفلسطيني مصاب بالاكتئاب، وبلغت النسبة في قطاع غزة 71% مقابل 50% في الضفة الغربية، 58% منهم فوق 18 عامًا. وتبين أن 7% من الأشخاص البالغين مصابون باضطراب ما بعد الصدمة، وكانت الأعراض في القطاع أعلى منها في الضفة. كما كشف المسح عن وجود علاقة طردية بين الفقر والفقر المدقع واضطرابات الصحة النفسية؛ حيث بلغت نسبة الأفراد على مستوى خط الفقر المصابين بهذه الاضطرابات 50%، ودون خط الفقر 70%.

تأتي أهمية هذه الورقة كون أعدها شباب من الجنسين هم أعضاء في التكتل الشبابي للخدمات العامة، الذي يعد إحدى الآليات الفاعلة لبرنامج المشاركة المدنية والديمقراطية للشباب الفلسطيني، الذي ينفذه مركز مسارات بالشراكة مع مؤسسة "أكشن إيد - فلسطين"، وتستهدف بحث مشكلة ذات تأثير أساسي في الشباب الفلسطيني، ودورهم ومشاركتهم في عملية التنمية السياسية، إلى جانب الأهمية العملية التي تتمثل في الاستفادة من النتائج والتوصيات في تنفيذ حملة تستهدف تسليط الضوء على المشكلة ومخاطرها، والضغط باتجاه وضع حلول عملية وفعالة لها.

أهداف الورقة

الهدف العام

تقديم بدائل سياساتية من شأنها الحد من الزيادة المضطردة لمعدل الأمراض والمشكلات النفسية في أوساط الشباب في الضفة الغربية وقطاع غزة.

الأهداف الخاصة

  • تسليط الضوء على المشكلات النفسية التي يعاني منها المجتمع الفلسطيني، وخاصة الشباب.
  • تحليل أسباب المشكلة، من خلال التركيز على الأسباب ذات الصلة المباشرة بالسياسات الحكومية.
  • تقييم الجهود الحكومية المبذولة للحد من ازدياد معدلات المشاكل النفسية ومدى فعاليتها.

المشكلة السياساتية

تتبلور المشكلة السياساتية التي تسعى الورقة إلى تقديم حلول وبدائل لها في الزيادة المضطردة لمعدلات الإصابة بالأمراض النفسية بين الشباب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ويؤكد ذلك العديد من المؤشرات التي تضمنتها تقارير وزارة الصحة الفلسطينية، إلى جانب العديد من الدراسات، ومن بينها دراسة البنك الدولي 2022:

أولًا: ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض النفسية

أشارت بيانات وزارة الصحة الفلسطينية للعام 2021، إلى أن نحو مليون مواطن بحاجة إلى الدعم النفسي من قبل مختصين، و22% يعانون من أمراض نفسية، وهي أعلى بنسبة 12% من متوسط البلدان الأخرى. وتبين أن المراهقين في الضفة الغربية وقطاع غزة هم من بين أكثر الفئات السكانية الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط، وأكثر عرضة لتجربة الاضطرابات النفسية، وأنهم يعانون من مستويات أعلى من القلق والاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، وكانت الأعراض بارزة بين من تعرضوا لأحداث مؤلمة للغاية، مثل تدمير منزل الأسرة، ومشاهدة عمليات القتل والاعتقال لأفراد من الأسرة[3].

ووفقًا لتقرير وزارة الصحة في قطاع غزة للعام 2022[4]، بلغ إجمالي المصابين بالأمراض النفسية في القطاع 24.485 حالة، بمعدل انتشار 11.3/1000 من السكان. وكان معدل الانتشار بين الذكور أعلى بنسبة 71%، والإناث 29%. وتبين أن أعلى معدل انتشار في الفئة العمرية 60 فأكثر؛ إذ بلغ نحو 33.1/1000، والفئة 19-39 سنة 21.9/1000. وكانت الاضطرابات الاكتئابية هي الأعلى بنسبة 31% تقريبًا، يليها الفصام والاضطراب بنسبة 16.8%.

ثانيًا: ارتفاع نسبة الحالات الجديدة المسجلة في مراكز الصحة النفسية

وفقًا لتقرير وزارة الصحة السنوي للعام 2021، بلغ عدد الحالات الجديدة المسجلة في مراكز الصحة النفسية في الضفة والقطاع 3607 حالات، بمعدل حدوث 73 حالة/100,000 من السكان. وبلغ عدد الحالات الجديدة في القطاع 1043 حالة، بمعدل حدوث 49.5/100,1000. وشكل انفصام الشخصية أعلى معدل حدوث بواقع 10.9/100,000، وذلك مقابل 2264 حالة في الضفة، بمعدل حدوث 91.1/100,000.

وتبين أن الحالات النفسية الجديدة المسجلة أعلى بين الذكور في الضفة بنسبة 56.2% مقارنة بنسبة 43.8% للإناث، وكان أكبر عدد من الحالات في الفئة العمرية 5-24 سنة بنسبة 40% تقريبًا، تليها الفئة العمرية 25-49 سنة. وكذلك الأمر في قطاع غزة؛ حيث كانت النسبة 59.6% للذكور، وسجلت الفئة العمرية 20-29 أعلى نسبة حدوث بحوالي 31%؛ أي إن النسبة الأكبر من الحالات الجديدة ضمن فئة الشباب[5].

ثالثًا: ارتفاع معدل الحالات الجديدة المسجلة في مراكز الإدمان

ارتفع عدد الحالات الجديدة المسجلة في مراكز الإدمان بالبدائل الأفيونية (الميثادون) في الضفة بشكل ملحوظ، في العام 2021، وبلغت نسبة الزيادة 128% مقارنة بالعام 2020. وكذلك ارتفع عدد المرضى الكلي وعدد زيارات المرضى في جميع المراكز[6].

رابعًا: ارتفاع في عدد محاولات الانتحار

بلغ عدد حالات الانتحار الفعلي المبلغ عنها لوزارة الصحة في الضفة الغربية 10 حالات، خلال العام 2021، بمعدل حدوث 0.4/100,000. وتساوت النسب بين الذكور والإناث، وكان معظمها في الفئة العمرية 25-55 سنة. ولكن تقرير وزارة الصحة أشار إلى أن الإنكار العائلي والأسباب الاجتماعية - خوفًا من وصمة العار - لا تعطي أرقامًا حقيقية؛ ما يقلل نسب الإعلان عن حالات الانتحار.

وتبين أنه مقابل كل حالة انتحار معلنة هناك نحو 21 محاولة انتحار؛ حيث تم رصد 209 محاولات انتحار في الضفة، خلال العام 2021، بمعدل حدوث 7.4/100,000. وكان العدد أكبر بين الإناث بواقع 140 حالة، ومعظم الحالات في الفئة العمرية 19-37[7]؛ أي غالبيتهم من الشباب.

خامسًا: ارتفاع معدلات العنف والعنف المبني على النوع الاجتماعي[8]

يعدّ العنف مؤشرًا رئيسيًا لحالة الصحة النفسية في المجتمع، إلى جانب كونه سببًا من أسباب زيادة معدل الاضطرابات النفسية.

تظهر نتائج مسح العنف في المجتمع الفلسطيني للعام 2019، ارتفاع معدلات العنف في الضفة والقطاع على النحو الآتي:

  • أفادت نسبة 60% من النساء المتزوجات أو سبق لهن الزواج بتعرضهن، أو أحد أفراد أسرهن على الأقل، لأحد أشكال العنف من الاحتلال الإسرائيلي والمستعمرين، بواقع 53% في الضفة و70% في القطاع. وتبين أن القيود على المعابر والحواجز العسكرية أهم أسباب صعوبات الوصول إلى مكان العمل بنسبة 90%.
  • العنف النفسي هو أكثر أنواع العنف الذي يتعرض له الأفراد ممن لم يسبق لهم/ن الزواج؛ إذ ارتفعت النسبة من 25% في العام 2011 إلى 39.3% في العام 2019. وبلغت النسبة بين الذكور 40.4% مقابل 44.7% للإناث. وبلغت نسبة العنف الجسدي متقاربة بين الذكور والإناث، ولكنها كانت أعلى إجمالًا في قطاع غزة (الذكور: 11.8% في الضفة و26.8% في القطاع؛ الإناث: 13.3% في الضفة و21.2% في القطاع).
  • ارتفاع نسبة العنف بين النساء المتزوجات أو سبق لهن الزواج (18-64) سنة؛ إذ بلغت 29.4% (44.3% في الضفة و37.5% القطاع)، وكانت النسبة الأعلى لمن تعرضن للعنف النفسي بنحو 56.6% (51.7% في الضفة و63.5% القطاع).
  • تبين أن العنف لا يقتصر على العنف المنزلي، بل هو منتشر بين الأطفال (12-17 سنة) في الشارع بنسبة 24% (36% ذكور و11% إناث)، ومؤسسات التعليم بنسبة 25% للفئة العمرية نفسها (19% في الضفة و34% في القطاع). وكذلك في أماكن العمل بين الذكور الشباب (18-29 سنة) بنسبة 10%، والمتزوجين (18-64 سنة) بنسبة 8%.
  • أكثر أنواع العنف الذي تتعرض له النساء ذوات الإعاقة المتزوجات أو سبق لهن الزواج، هو العنف النفسي بنسبة 50%، مقابل 20% للعنف الجسدي.
  • 61% من النساء اللواتي تعرضن للعنف من الأزواج فضلن السكوت، مقابل 1% فقط توجهن إلى مركز مساعدة نفسية أو اجتماعية أو قانونية، و1% فقط ذهبن إلى مقر الشرطة أو وحدة حماية الأسرة لتقديم شكوى أو الحصول على الحماية.
  • أظهر التقرير السنوي لوزارة التنمية الاجتماعية 2020[9]، أن 46% من ضحايا العنف المبني على النوع الاجتماعي أعمارهن بين (20-29) سنة، ونسبة 30% أعمارهن بين (30-39) سنة. وبلغت نسبة العنف النفسي نحو 40%، والجسدي 30.4%، وحجر الحرية 7.29%، وخطورة على الحياة نحو %. وكانت نتيجة التعرض للعنف الهروب من المنزل بنسبة 60%، ومحاولة انتحار 17.46%، والمرض النفسي نتيجة للضغط 8.37%. وتلقت نسبة 29% خدمات دعم نفسي، و37% تلقت دعمًا وتوجيهًا اجتماعيًا، و22% حماية، وتم تحويل 18% إلى مراكز الحماية.

نستخلص من المؤشرات السابقة ثلاث نتائج أساسية فيما يتعلق بالمشكلة البحثية:

  • معدل انتشار الاضطرابات النفسية في الضفة والقطاع مرتفع، بل يفوق المتوسط في البلدان الأخرى بكثير، ومعدل الإصابة في القطاع أعلى من الضفة.
  • معدل انتشار الاضطرابات النفسية هو الأعلى بين فئة الشباب، الذين يشكلون أكثر من خُمس السكان في الضفة والقطاع، بنسبة 22%، وذلك في منتصف العام 2022[10].
  • تتضمن التقارير السنوية لوزارة الصحة معطيات وتشخيصًا دقيقًا للمشكلة، حتى أن الوزارة أصدرت إستراتيجية وطنية للصحة النفسية 2015-2019، وأخرى للصحة النفسية للأطفال والمراهقين للأعوام 2023-2028 بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية. ولكن، على الرغم من الجهود التي بذلتها الوزارة، استمرت الزيادة في معدل الاضطرابات النفسية؛ ما يستدعي تحليل الأسباب والعوامل التي أدت إلى تفاقم المشكلة، وخاصة الأسباب ذات الصلة بالسياسات الحكومية.

نظرة على نظام رعاية الصحة النفسية في الضفة الغربية وقطاع غزة[11]

يتكون نظام رعاية الصحة الفلسطيني من أربعة قطاعات رئيسية: الأول، القطاع الحكومي، ويشمل وزارة الصحة والخدمات الطبية العسكرية؛ والثاني، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ والثالث، والمنظمات غير الحكومية؛ والرابع، قطاع الرعاية الصحية الخاص.

تقدم هذه القطاعات خدمات الرعاية الصحية بمختلف المستويات: الرعاية الصحية الأولية، والثانوية، والثالثية. وتشمل الرعاية الصحية الأولية كلًا من: الصحة البدنية، والصحة النفسية والاجتماعية.

يبلغ عدد المستشفيات العامة 89 مستشفى، (بما في ذلك مستشفيين للأمراض النفسية واحد في الضفة والآخر في القطاع)، 54 منها في الضفة و35 في القطاع، بسعة سريرية 1.7/100,000 نسمة. ويبلغ عدد المستشفيات التابعة لوزارة الصحة 29، تشكل 60.4% من إجمالي عدد المستشفيات (16 في الضفة، و13 في القطاع).

كما يبلغ عدد مراكز الصحة الأولية 765 مركزًا (606 مراكز في الضفة و159 في القطاع)، ويبلغ عدد السكان لكل مركز حوالي 6,435 مواطنًا، مقسمة على أربعة قطاعات رئيسية: وزارة الصحة 491 مركزًا (64.2%)، و(الأونروا) 65 مركزًا بنسبة (8.5%)، والمنظمات غير الحكومية 192 مركزًا بنسبة (25.1%)، والخدمات الطبية العسكرية 17 مركزًا بنسبته (2.2%).

تقدم وزارة الصحة خدمات الصحة النفسية من خلال 22 عيادة صحية نفسية ومجمعية متخصصة تابعة للوزارة، 16 عيادة في الضفة، مركز واحد منها متخصص في الصحة النفسية للأطفال واليافعين في شمال الخليل، مقابل 6 مراكز في القطاع. وتقدم الخدمات الطبية العسكرية الخدمة لمنتسبيها وذويهم، الذين يزيد عددهم على 480 ألفًا، إضافة إلى تقديم الدعم الطبي في أوقات الأزمات والطوارئ، وتمتلك 17 مركزًا للرعاية الأولية ومستشفى في غزة بسعة 134 سريرًا.

تقدم الأونروا خدماتها للاجئين الفلسطينيين في الضفة والقطاع، الذين يشكلون حوالي 2.05 مليون نسمة (27.4% من مجمل سكان الضفة و66.2% من سكان القطاع)، وذلك من خلال 65 مركز رعاية أولية، ومستشفى واحد في قلقيلية بسعة 63 سريرًا.

يمتلك القطاع غير الحكومي والأهلي 35 مستشفى بسعة قدرها 2,141 سريرا، تمثل 33.2% من أسرة المستشفيات الفلسطينية، إضافة إلى 182 مركزًا للصحة الأولية، نسبتها 25% من مجموع المراكز في الضفة والقطاع، بينما يدير القطاع الخاص 17 مستشفى تقدم خدمات الرعاية الأولية والثانوية، بسعة 631 سريرًا (حوالي 10% من الإجمالي).

قدرت موازنة وزارة الصحة للعام 2022، بنحو 2.36 مليار شيكل، بنسبة 13.7% من إجمالي النفقات العامة للموازنة، مقابل نسبة 21% لقطاع الأمن، و20% لقطاع التعليم، و20% لقطاع الحماية الاجتماعية[12]. لم تتضمن موازنة الوزارة بنودًا للإنفاق على الصحة النفسية، وهذا له صلة بهيكل الوزارة، وعدم وجود إدارة للصحة النفسية، وبالتالي تحسب النفقات ضمن الإنفاق على المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية. ولكن التقرير الإحصائي للحسابات الصحية 2000-2018، أشار إلى أن التوزيع النسبي للإنفاق الجاري على المستشفيات العامة بلغ 36.3% في العام 2000، و23.1% في العام 2019، بينما الإنفاق على مستشفيات الصحة النفسية بلغ 1.9% في العام 2000 وتراجع إلى 0.7% في العام 2018[13].

أسباب المشكلة

أولًا: أسباب تتعلق بالسياسات الحكومية

هي أسباب لها صلة بالسياسات المالية والتمويل، والموارد البشرية، والبرامج، وبرامج الإعداد والتدريب، والحوكمة، وغيرها، ومنها:

  1. ضعف التمويل للقطاع الصحي وعدم كفايته

تشكل موازنة وزارة الصحة المصدر الأساسي للموارد المتاحة للقطاع الصحي الحكومي، بينما يساهم الشركاء المانحين الخارجيين بتمويل الأنشطة التطويرية ودعمها. ويعد نقص التمويل أحد العوائق الرئيسية لتطوير النظام الصحي الفلسطيني، ومن مؤشرات هذا الضعف:

  1. ضعف التمويل الحكومي[14]

لجأت الحكومة، وتحت ضغط أزمتها المالية وارتفاع الدين العام، إلى اعتماد موازنات الطوارئ منذ العام 2020، التي يتم الصرف منها وفق ما يتاح من تدفقات مالية للخزينة. وقدر العجز المالي قبل التمويل في موازنة العام 2022 بنحو 3.6 مليار شيكل، والتمويل الخارجي بنحو 1.78 مليار شيكل، بينما بلغت الفجوة التمويلية في الموازنة 1.8 مليار شيكل. ولكن قيمة التمويل الخارجي بلغت 262 مليون شيكل فقط، حتى منتصف العام 2022، وارتفع الدين العام إلى 12.1 مليار شيكل منتصف العام، منها 7.6 مليار دين محلي، و4.5 مليار خارجي؛ ما أثر في قدرة الحكومة على تلبية التزاماتها بموجب الموازنة المقدرة.

بلغ نصيب وزارة الصحة من الإنفاق التطويري على أساس الالتزام 2% فقط، مقابل 18% لقطاع التعليم، و13% لسلطة المياه، و10% للحكم المحلي، و9% لقطاع الأمن، بما يتناقض مع الأهداف والسياسات المعلنة حول تطوير النظام الصحي وإصلاحه.

  1. تراجع تمويل المانحين

يشير جدول الموازنة المالية المتاحة لوزارة الصحة، 2021-2023، إلى أن الموارد المالية المتوقعة من المانحين الدوليين (وتمثل المشاريع الجارية والمتوقعة) شهدت تراجعًا بين من 345,419,400 إلى 281,471,700، إلى 201.397.900 شيكل على التوالي؛ ما يرتب أعباء إضافية على الموازنة، ويحد من فرص التطوير للبرامج الصحة، وخاصة الصحة النفسية.

  1. سوء توزيع النفقات على بنود موازنة وزارة الصحة[15]

كان النصيب الأكبر من نفقات موازنة الوزارة، حتى منتصف العام 2022، للرواتب والأجور بنسبة 48%، والنفقات التشغيلية بنسبة 49%، وبلغ الإنفاق على شراء الخدمة والتحويلات إلى الخارج نحو 37% من إجمالي الإنفاق في الوزارة، والأدوية والمستهلكات نحو 19%، في حين بلغت النفقات التطويرية 6%؛ ما أعاق العديد من التدخلات التطويرية التي حددتها الوزارة.

  1.  ضعف الإنفاق على الصحة النفسية

لم تتوفر لمعدي الورقة أرقام دقيقة حول معدل الإنفاق على الصحة النفسية، ولكن إستراتيجية الصحة النفسية للأطفال والمراهقين 2023-2028،[16] أشارت إلى أن آلية تمويل خدمات الصحة النفسية غير مستقرة؛ ما يؤدي إلى الوصول غير العادل إلى خدمات الرعاية الصحية، بحسب القدرة على الدفع، خاصة في ظل نقص التغطية الشاملة لخدمات الصحة النفسية من قبل التأمين الصحي، الذي غالبًا ما يغطي الأدوية فقط. هذا إلى جانب نقص التمويل المؤسسي للبحث العلمي في مجال الصحة النفسية، والاعتماد على التمويل المتقطع والمتبرعين الخارجيين.

وفي هذا السياق، أشار التقرير الإحصائي للحسابات الصحية 200-2018،[17] إلى أن التوزيع النسبي للإنفاق الجاري على المستشفيات العامة بلغ 36.3% في العام 2000، و23.1% في العام 2019، بينما بلغ الإنفاق على مستشفيات الصحة النفسية 1.9% في العام 2000، وتراجع إلى 0.7% في العام 2018، وهذا مؤشر على تدني الإنفاق على الصحة النفسية.

  1. نقص الموارد البشرية العاملة في الصحة النفسية

تشير الإحصاءات إلى أن عدد الأطباء النفسيين في مناطق السلطة يبلغ 1/100,000 نسمة، مقارنة بمعدل 5 و17 و23/100,000 نسمة في تركيا وإيطاليا واليونان على التوالي. ويقدر عدد الأطباء النفسيين المطلوب توفرهم في الموارد البشرية (2030-2050) للوصول إلى معدل 1.5/100.000، نحو 104 أطباء في العام 2030 (56 في الضفة و48 في القطاع) و142 طبيبًا نفسيًا في العام 2050 (71 في الضفة و71 في القطاع) [18].

وفقًا لتقرير القوى العاملة 2021 لوزارة الصحة في قطاع غزة[19]، يبلغ عدد الأخصائيين النفسيين والاجتماعيين العاملين في القطاع الصحي 133، يمثلون 0.8% من إجمالي العاملين في القطاع الصحي، وتوزيعهم كالآتي: 63 يعملون في وزارة الصحة، و40 في الأونروا، و28 في القطاع غير الحكومي، و2 في مستشفيات خاصة، علمًا أن الرقم أقل مما سبق؛ لأن إحصائية المؤسسات غير الحكومية تشمل المتفرغين وغير المتفرغين، وأغلبهم يعملون في وزارة الصحة.

أما في وزارة الصحة في غزة، فيبلغ عددهم 63، ونسبتهم 0.6 من إجمالي العاملين في الوزارة، وفي الخدمات الطبية عددهم 5، ونسبتهم 0.1%. وعلى مستوى المستشفيات، يبلغ عددهم في مستشفيات وزارة الصحة 54، منهم 51 في مستشفى الطب النفسي، و2 فقط في المستشفيات الأخرى (الشفاء وناصر) وبقية المستشفيات لا يوجد، وعددها 12. ويبلغ عددهم في المستشفيات غير الحكومية 19، موزعين على 6 مستشفيات من أصل 17. ومن المؤشرات الدالة على نقص الموارد، أن الحاصلين على مزاولة المهن في قطاع غزة، في العام 2021، كان عددهم 2430، ولم يكن من بينهم معالج نفسي، أو طبيب نفسي، أو صحة نفسية.

يشير دليل خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في الضفة الغربية 2018[20]، إلى أن الأطباء النفسيين في المؤسسات الحكومية عددهم 20، من بينهم 3 في مستشفى الطب النفسي ببيت لحم، و8 أطباء في المؤسسات غير الحكومية. أما الأخصائيون النفسيون فعددهم نحو 26 في المؤسسات الحكومية، من بينهم 17 في وزارة التربية والتعليم، وواحد في مستشفى الطب النفسي، فيما بلغ عددهم في المؤسسات غير الحكومية 68. وبلغ عدد الأخصائيين الاجتماعيين في المؤسسات الحكومية 112، من بينهم 92 في وزارة التنمية الاجتماعية، و2 في مستشفى الطب النفسي، وفي غير الحكومية عددهم 35. أما عدد المرشدين فبلغ 1061 في المؤسسات الحكومية، منهم 1047 في المدارس الحكومية، و6 في المؤسسات غير الحكومية.

تعاني مدارس الضفة والقطاع، التي يبلغ عددها 1200 مدرسة، من نقص عدد المرشدين والأخصائيين النفسيين؛ حيث هناك 40% منها من دون أخصائيين نفسيين، علاوة على تباين الكفاءة والتدريب للمرشدين[21].

  1. ضعف برامج التدريب والإشراف والرقابة

تعد فرص التدريب المتخصص غير كافية، بسبب نقص البرامج الجامعية المتخصصة أو العملية (الإشراف السريري)، فعدد الأطباء تحت التدريب عددهم قليل، مع فرص تدريب محدودة على التخصصات الفرعية في مجال الطب النفسي للأطفال والمراهقين، ويمارس الأطباء والأخصائيون الاجتماعيون والنفسيون عملهم من دون توجيه وإشراف كافٍ[22].

  1. ضعف الحوكمة والافتقار إلى تنسيق نظام خدمات الصحة النفسية

يتجلى ذلك في عدم وجود مسار سريري واضح من الاكتشاف إلى الإحالة والعلاج والتعافي عبر نظام الرعاية الصحية، إضافة إلى عجز الخدمات السريرية عن تلبية عبء الحاجة، خاصة للأطفال والمراهقين؛ حيث لا يوجد نظام مناسب للمرضى الداخلين الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة، فضلًا عن نقص المختصين في الصحة النفسية للأطفال والمراهقين.

ويضاف إلى ما سبق، ضعف نظام تكنولوجيا المعلومات، ونقص جمع البيانات المتكاملة حول الرعاية الصحية النفسية، وعدم وجود أنظمة المراقبة والرصد، وضعف عملية التدقيق والتفتيش المتخصص. وعلى مستوى القوانين، لا يوجد قانون للصحة النفسية والأمراض العقلية، على غرار الدول الأخرى، فضلًا عن وجود حاجة لاستصدار قوانين خاصة تنظم إجراءات الترخيص للمنشآت والمهنيين في مجال الصحة النفسية[23].

  1. عدم وجود إدارة عامة للصحة النفسية

لا يتضمن هيكل وزارة الصحة إدارة عامة للصحة النفسية، فهي وحدة ضمن الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية، التي تقدم خدمات طبية عامة وتخصصية متعددة، إلى جانب الصحة النفسية[24]. وهذا بحد ذاته مؤشر على ضعف الاهتمام بقطاع الصحة النفسية، وينعكس ذلك من خلال:

  • عدم تخصيص موازنة مستقلة للصحة النفسية، ونقص الموارد البشرية، وضعف نظام الحوكمة.
  • لا تصدر الوزارة تقارير سنوية خاصة بالصحة النفسية.
  • لم تتضمن الأهداف العامة للإستراتيجية القطاعية لوزارة الصحة 2021-2023[25]، هدفًا يتعلق بالصحة النفسية أو الشباب.
  •  لم تشمل الإستراتيجية الوطنية للصحة النفسية 2021-2028 الشباب، وإنما تم تخصيصها للأطفال والمراهقين.
  1.  ضعف مشاريع الصحة النفسية في الإستراتيجية القطاعية للوزارة

يظهر ملحق المشاريع الجارية والمعتمدة في وزارة الصحة (2021-2023)، قلة المشاريع المخصصة للصحة النفسية، فضلًا عن جميعها ممول من مانحين؛ حيث اقتصرت على الآتي[26]:

  • تأهيل مركز الصحة النفسية ببيت لحم، بقيمة 1,178,100 شيكل، للعام 2021 فقط، بتمويل من البنك الإسلامي.
  • تقييم موضوع الانتحار وتطوير الإطار المفاهيمي، بمبلغ 1,400,000 شيكل، للعام 2021 فقط، وممول من (MDM-CH)، إضافة إلى البرنامج نفسه من الممول نفسه بقيمة 980,000 دولار، للعام 2021، ضمن برنامج الإدارة والحوكمة.

يتضح أن حصة مشاريع الصحة النفسية 3,558,100 شيكل من الموازنة الإجمالية للمشاريع البالغة 197,897,900 شيكل.

  • دعم منظمة الصحة العالمية للبرامج الصحية بقيمة 500.000 شيكل لكل عام. أما المشاريع المقترحة للأعوام نفسها، فهناك مشروع واحد فقط، وهو تكملة طابق الصحة النفسية بسلفيت، بتكلفة 110,000 شيكل.

نستنتج مما سبق أن المشاريع الجارية والمقترحة، ذات الصلة المباشرة بالصحة النفسية، محدودة للغاية، وكذلك موازنتها، مع الإشارة إلى أنه ربما تكون هناك مشاريع مشتركة بين الصحة النفسية ومجالات الصحة الأخرى، ولكن هذا غير واضح في جداول الملاحق، علمًا أن البرنامج الأوضح هي التي بدأت منظمة الصحة العالمية تنفيذها مع وزارة الصحة لدعم مراكز الصحة النفسية في الرعاية الأولية منذ العام 2008.

ثانيًا: أسباب تتعلق بالاحتلال الإسرائيلي وسياساته

تعدّ سياسات الاحتلال الإسرائيلي المعيق الأول لتطور النظام الصحي الفلسطيني، والمسبب الرئيسي لارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض النفسية. فمن جهة تقوض هذه السياسات العدوانية فرص تنمية القطاع الصحي، إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة في أوساط الشباب بصورة حادة، وانعدام الفرص الاقتصادية أمامهم، وهذه عوامل رئيسية لليأس والإحباط وارتفاع معدل الأمراض النفسية.

ومن جهة أخرى، تؤدي الاعتداءات المستمرة على الشعب الفلسطيني، بوسائل العنف والقتل والاغتيال والملاحقة والاعتقال والتدمير، دورًا رئيسيًا في ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض النفسية، وخاصة في قطاع غزة؛ حيث ترتفع معدلات الإصابة باضطراب ما بعد الصدمة الناتج من العدوان المتتالي على قطاع غزة. ولذلك، كان المصدر الأكبر للضيق لدى عينة تم استطلاع رأيها من قطاع غزة هو التهديد بالصراع والخوف المستمر من القنابل وانعدام الأمن السياسي وعدم استقراره، بينما أفاد 45% من مقدمي الرعاية الصحية أن مصدر إجهادهم الرئيسي العواقب الاجتماعية والصحية للصراع[27].

ثالثًا: الانقسام الفلسطيني الداخلي وتداعياته

كان للانقسام الفلسطيني تداعيات خطيرة على المجتمع الفلسطيني، تركت آثارًا ضارة على الصحة النفسية للمجتمع الفلسطيني، سواء الآثار المباشرة للعنف السياسي والاقتتال الداخلي، التي ربما تزيد أضرارها النفسية على عنف الاحتلال الإسرائيلي، أو التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للانقسام؛ حيث الحصار الخانق، وتوقف تمويل المانحين، وتدمير البنى التحتية والمنشآت، والقتل والتدمير جراء العدوان المتتالي على غزة؛ ما أدى إلى تراجع مساهمة غزة في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وما نجم عن ذلك من مشكلات اجتماعية خطيرة، منها: انتشار المخدرات في أوساط الشباب، وزيادة معدلات العنف والجريمة والطلاق، وارتفاع معدلات هجرة الشباب وهجرة العقول.

يضاف إلى ذلك فشل جهود المصالحة، وما رافقه من إحباطات في ظل انسداد الأفق السياسي، وعدم إجراء الانتخابات، والانتهاكات الخطيرة للحقوق والحريات، وتقليص مساحة المشاركة السياسية والاجتماعية للشباب؛ ما أدى إلى ارتفاع معدل الاضطرابات النفسية لدى الشباب.

رابعًا: ارتفاع معدلات الفقر والبطالة

  1. البطالة

تشير نتائج مسح القوى العاملة، في الربع الأول من العام 2023، إلى أن ربع المشاركين في القوى العاملة (15 سنة فأكثر) في الضفة والقطاع عاطلون عن العمل (46% في القطاع مقابل 14% الضفة) (40% للإناث مقابل 21% للذكور)، بينما بلغت نسبة المستخدمين بأجر 74% من إجمالي العاملين، أكثر من 58% منهم يعملون من دون عقد عمل، و37% يتقاضون أجرًا شهريًا أقل من الحد الأدنى للأجور (1880 شيكلًا)، فيما بلغ معدل أجرهم الشهري 722 شيكلًا في القطاع و1395 شيكلًا في الضفة[28].

وتظهر الإحصاءات وجود فجوة كبيرة بين عدد الشباب الخريجين مقابل فرص العمل التي يوفرها سوق العمل المحلي سنويًا، ففي حين تتزايد نسبة الأفراد (19 سنة فأكثر) الحاصلين على شهادة الدبلوم المتوسط فأعلى، من حوالي 13% في العام 1997 إلى نحو 18% في العام 2007 و25% قس العام 2017، يدخل حوالي 40 ألف شخص سنويًا إلى سوق العمل، ثلثهم تقريبا من الشباب، في حين لا تتجاوز القدرة الاستيعابية لسوق العمل 8 آلاف فرصة بالحد الأقصى؛ ما أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الخريجين الشباب إلى أكثر من 50%[29]، مع وجود فجوة كبيرة بين الذكور والإناث (66.4% للإناث مقابل 38.4% للذكور)، وأخرى بين الضفة والقطاع (73.8% في القطاع غزة مقابل 35.1% في الضفة)[30]، علمًا أن الشباب الأكثر تعليما هم الأكثر بطالة.

  1. الفقر

تنعكس معدلات البطالة المرتفعة على الأوضاع الاجتماعية للشباب، وخاصة الفقر الذي بلغ معدله وفقًا لأنماط الاستهلاك 29.2% في الضفة الغربية وقطاع غزة، بواقع 14% تقريبًا في الضفة و53% في القطاع، بينما بلغ معدل الفقر المدقع 16.8% (5.8% في الضفة و33.8% في القطاع). كما بلغ معدل انعدام الأمن الغذائي 32.7%، ووصل في قطاع غزة إلى 68.5%.

وحتى تتضح أبعاد مشكلة الفقر بصورة أكبر ينبغي ربطها بمعدلات البطالة المرتفعة من جهة، ومعدل الأجور المتدنية مقارنة بالحد الأدنى للأجور وخط الفقر الوطني من جهة أخرى؛ حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور 1880 شيكلًا، وخط الفقر لأسرة مكونة من خمس أفراد 2470 شيكلًا، وخط الفقر المدقع 1974 شيكلًا؛ أي أعلى من الحد الأدنى للأجور، وأعلى بكثير من متوسط أجرة المستخدمين بأجر في القطاع الخاص، وغالبيتهم من الشباب[31].

لقد أشار مسح الظروف النفسية 2022 [32]، إلى وجود علاقة بين الفقر والفقر المدقع وارتفاع معدل اضطرابات الصحة النفسية. ويمكن هنا الإشارة إلى مشكلات اجتماعية أخرى تؤثر في الصحة النفسية للشباب، ومنها:

  • الارتفاع الملحوظ في معدل الحالات الجديدة المسجلة للعلاج من الإدمان وتعاطي المخدرات بين أوساط الشباب.
  • ارتفاع معدل محاولات الانتحار، خاصة بين الشباب والنساء.
  • ارتفاع معدل هجرة الشباب، وخاصة في قطاع غزة[33].
  • ارتفاع معدل العنف الأسري المبني على النوع الاجتماعي، والعنف خارج المنزل.
  • ارتفاع معدلات الطلاق، وانخفاض معدل حالات الزواج؛ حيث ارتفعت حالات الطلاق بنسبة 23.56% بين العامين 2020-2021، بينما انخفض عدد عقود الزواج بمعدل 64%[34].

التوصيات

أولًا: على المستوى المالي:

  • زياد موازنة وزارة الصحة، لتكون بنسبة 30% من الموازنة العامة للحكومة، بما يستجيب للحاجات المتنامية للخدمة الصحية، خاصة في ظل عدوان الاحتلال المستمر.
  • إعادة توزيع الإنفاق على بنود وزارة الصحة على النحو الآتي:
  • تقليص النفقات التشغيلية ونفقات الأجور مقابل زيادة نفقات الموازنة التطويرية.
  • عدم الاعتماد كليًا على التمويل الخارجي لموازنة التطوير.
  • اعتماد موازنة خاصة للصحة النفسية، وزيادة حصتها في الموازنة العامة للوزارة.

ثانيًا: على مستوى الموارد البشرية:

  • وضع إستراتيجية لزيادة الموارد البشرية للصحة النفسية، وخاصة الأطباء النفسيين المتخصصين، والأخصائيين النفسيين والاجتماعيين.
  • تطوير البرامج التعليمية لتخصصات الصحة النفسية في الجامعات الفلسطينية؛ حيث تشمل التخصصات المهنية النادرة، وخاصة الجوانب العملية والسريرية في العلاج.
  • وضع خطة لتطوير الكادر الطبي في مجال الصحة النفسية، ويشمل ذلك: برامج إعداد وتأهيل وتطوير مهارات العاملين، وابتعاث العاملين للتدريب في الدول المتقدمة في هذا المجال، وتحفيز الطلبة المميزين للالتحاق بالبرامج التعليمية للصحة النفسية ... إلخ.

ثالثًا: على المستويين الإداري واللوجستي:

  • إنشاء إدارة عامة مستقلة للصحة النفسية ضمن الهيكل الإداري لوزارة الصحة؛ حيث يتم تقديم خدمات الصحة النفسية بطريقة متخصصة وضمن إدارة مختصة.
  • تطوير نظام متكامل لتكنولوجيا المعلومات؛ حيث تتوفر معلومات كاملة حول الصحة النفسية لمعدي السياسات والخطط والبرامج.
  • تبني خطة وطنية للتوعية حول المرض النفسي، وإزالة المفاهيم الخاطئة حول الوصمة الاجتماعية للمرض.
  • إنشاء هيئة للجودة والرقابة على خدمات الصحة النفسية، وتوفير الموارد البشرية والمادية الكافية لعملها.
  • زيادة عدد مستشفيات الصحة النفسية، وتطوير إمكاناتها البشرية المؤهلة، وزيادة عدد الأسرة والأجهزة المتطورة.
  • زيادة عدد مراكز العلاج النفسي والاجتماعي، وتطوير إمكاناتها، وإقامة عيادات خاصة بالأطفال والمراهقين.
  • تطوير آليات التعاون والتكامل بين مستشفيات ومراكز الصحة النفسية ومستشفيات ومراكز الرعاية الأولية في وزارة الصحة.
  • تطوير آليات التعاون والتكامل مع المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص العاملة في مجال الصحة النفسية.
  • تطوير آليات التعاون مع الوزارات ذات العلاقة بخدمات الصحة النفسية، وخاصة التربية والتعليم والتنمية الاجتماعية.

رابعًا: على مستوى الخطط الإستراتيجية والتقارير

  • إعداد إستراتيجية وطنية شاملة للصحة النفسية وبشكل دوري، وإشراك المنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص في إعدادها.
  • إصدار تقارير سنوية خاصة بالصحة النفسية.
  • تبني خطة وطنية تستهدف تخفيض معدلات العنف والجريمة والإدمان ومحاولات الانتحار، بالتعاون مع الوزارات ذات الصلة (التنمية الاجتماعية، والتربية والتعليم، والتعليم العالي)، ومنظمات المجتمع المدني، والقطاع الخاص.
  • تبني خطة وطنية لتقليص معدلات البطالة والفقر، بوصفها أسبابًا رئيسية لزيادة معدل الاضطرابات النفسية، تستهدف توسيع الفرص الاقتصادية للشباب، من خلال سوق العمل والوظائف الحكومية، إضافة إلى تبني آليات ملزمة للحد الأدنى للأجور ورفعه؛ حيث يتساوى مع خط الفقر (2470 شيكلًا) في الحد الأدنى ... إلخ.

خامسًا: على مستوى التشريعات والقوانين:

  • تطوير البنية التشريعية والقانونية للصحة النفسية من خلال:
  • إعداد قانون خاص بالصحة النفسية والأمراض العقلية، على غرار الدول الأخرى.
  • تطوير القوانين الخاصة بتنظيم المنشآت والمهن في مجال الصحة النفسية.

 


المراجع:

[1] CHILD & ADOLESCENT MENTAL HEALTH NATIONAL STRATEGY 2023 to 2028, State of Palestine Ministry of Health, p. 6: bit.ly/3OFFt3T

[2] البنك الدولي و"الإحصاء" يعلنان نتائج مسح الظروف النفسية في فلسطين للعام 2022، الجـهـاز الـمـركـزي للإحصاء الـفلسطيني، رام الله، 21/2/2023: bit.ly/3orps72

[3] CHILD & ADOLESCENT, ibid, p. 11.

[4] التقرير السنوي لوزارة الصحة 2022، وزارة الصحة الفلسطينية المحافظات الجنوبية - قطاع غزة، نيسان/ أبريل 2023، ص 51-53: bit.ly/3qiWere

[5] التقرير الصحي السنوي، فلسطين 2021، وزارة الصحة الفلسطينية، رام الله، حزيران/ يونيو 2022، ص 24-25: bit.ly/3BWoJOh

[6] المصدر السابق، ص 25-26.

[7] المصدر السابق، ص 26-27.

[8] نتائج المسح الأولية لمسح العنف في المجتمع الفلسطيني 2019، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، تشرين الثاني/ نوفمبر 2019: bit.ly/438bANS

[9] التقرير الإحصائي السنوي للعنف المبني على النوع الاجتماعي للعام 2020، وزارة التنمية الاجتماعية - قطاع المرأة، 2022، ص 2-7.

[10] الإحصاء الفلسطيني يستعرض أوضاع الشباب في المجتمع الفلسطيني بمناسبة اليوم العالمي للشباب، 12/8/2022، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 11/8/2022: bit.ly/3IL1Z7L

[11] اعتمدنا في المعلومات حول القطاع الصحي على مصدرين رسميين: التقرير السنوي لوزارة الصحة 2021، رام الله؛ والتقرير السنوي للوزارة 2022، غزة.

[12] التقرير نصف السنوي للموازنة العامة 2022، الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، رام الله، آب/ أغسطس 2022: bit.ly/3MYE9b4

[13] الحسابات الصحية الفلسطينية 2000-2018، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، رام الله، نيسان/ أبريل 2020: bit.ly/3IKWjdA

[14] التقرير نصف السنوي للموازنة، مصدر سابق.

[15] المصدر السابق.

[16] CHILD & ADOLESCENT, ibid.

[17] الحسابات الصحية الفلسطينية، مصدر سابق.

[18] الخطة الإستراتيجية لوزارة الصحة - المحافظات الجنوبية 2021-2025، وزارة الصحة الفلسطينية، غزة: bit.ly/3BY98hd

[19] التقرير السنوي للقوى العاملة في وزارة الصحة 2021، وزارة الصحة الفلسطينية، غزة: bit.ly/3MDzCcK

[20] دليل خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في الضفة الغربية - الأرض الفلسطينية المحتلة، مجموعة عمل الصحة النفسية والعدالة، 2018: bit.ly/43veb4d

[21] CHILD & ADOLESCENT, Ibid.

[22] Ibid.

[23] Ibid.

[24] انظر: موقع وزارة الصحة: الإدارة العامة للرعاية الصحية الأولية: bit.ly/43cvBmt

[25] الإستراتيجية الصحية الوطنية 2021-2023، وزارة الصحة الفلسطينية، رام الله: bit.ly/3WA1m6B

[26] المصدر السابق، ص 87-98.

[27] CHILD & ADOLESCENT, Ibid.

[28] الإحصاء الفلسطيني يعلن النتائج الأساسية لمسح القوى العاملة للربع الأول، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 10/5/2023: bit.ly/3MI2DDY

[29] الإحصاء الفلسطيني يعقد ورشة عمل وطنية حول "الفجوة بين التعليم وسوق العمل"، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 14/7/2019: cutt.ly/Awwr7tf2

[30] مجالات الدراسة والعلاقة بسوق العمل للأفراد 20-29 سنة، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 13/7/2021: cutt.ly/twwtewoZ

[31] انظر: مؤشرات مستويات المعيشة، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني: bit.ly/3IK8xDu

[32] البنك الدولي و"الإحصاء" يعلنان نتائج مسح الظروف النفسية، مصدر سابق.

[33] انظر: معسكر اعتقال في ظل الحصار.. أرقام "مفزعة" لهجرة الشباب من قطاع غزة، العربي الجديد، 11/9/2022: bit.ly/428seM1

[34] المؤشرات الصحية الوطنية - قطاع غزة، وزارة الصحة الفلسطينية، غزة: bit.ly/45DO2lB

 
 
 
مشاركة: