الرئيسية » تقدير موقف » ياسر بربخ »   15 آب 2023

قراءة/تحميل | | | |
آفاق انعقاد الانتخابات الطلابية في قطاع غزة
ياسر بربخ

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة الثامنة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

كشف بكر التركماني، عضو الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بتاريخ 31 تموز/ يوليو 2023، عن توصل الفصائل الفلسطينية والكتل الطلابية التابعة لها في قطاع غزة، إلى توافق لإجراء انتخابات مجالس الطلبة في جامعات قطاع غزة، وفق مبدأ نظام التمثيل النسبي الكامل، في النصف الأول من العام 2024[1].

يأتي هذا التصريح تتويجًا لمبادرة طرحتها الهيئة عقب فوز الكتلة الإسلامية في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية؛ حيث صرّح حينها زكريا أبو معمر، عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس" في قطاع غزة، أن الحركة جاهزة فورًا لإجراء الانتخابات الطلابية في جميع جامعات القطاع، كما دعا الفصائل والقوى كافة، وفي مقدمتهم حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح"، إلى الاتفاق على جدول زمني لإجراء هذه الانتخابات[2].

وهو ما طرح تساؤلًا في الأوساط عن مدى جدّية الأطراف، وعن الخلفيات والدوافع في هذا الوقت بالتحديد، إذا أخذنا بالاعتبار أن الانتخابات الطلابية في معظم جامعات قطاع غزة معطلة منذ 16 عامًا، فضلًا عن أنها لم تكن تُجرى بشكل منتظم تاريخيًا؛ أي من قبل تعطيلها في العام 2007، إلا أن تصريحه يتناغم مع الرغبة العامة لدى المواطنين والتنظيمات الفاعلة، بضرورة تفعيل الحياة الديمقراطية في قطاع غزة، بوصفها عاملًا مساعدًا على خلق بيئة داعمة لإنهاء الانقسام، حتى لو من بوابة الجامعات.

خلفية

في واقع سياسي استثنائي مثل الواقع الفلسطيني، تعدّ انتخابات المجالس الطلابية في الجامعات - وخاصة المركزية منها - انعكاسًا لوزن التنظيمات، لاسيما في أوساط فئة الشباب الواسعة في الشارع الفلسطيني، ومعيارًا لنشاطها ونفوذها وتأثيرها في المواطنين. وفي ظل حالة الاستقطاب الحزبي الحادّ في المؤسسات التعليمية، فإن انتخابات الطلبة في بعض الجامعات باتت تحظى بالتركيز، وتستنفر جهودًا متكاملة على كافة المستويات وفي مختلف المفاصل داخل الإطار التنظيمي للحزب، بما يعكس أهمية تلك الانتخابات.

الحركة الطلابية الفلسطينية التي قارعت الاحتلال على مدار سنوات طويلة من الصراع، والتي خرّجت قيادات وطنية ومجتمعية متقدمة، وكان لها بصمتها في مختلف المحطات، هي ذاتها التي أثرت وتأثرت بشكل فاعل خلال أحداث الاقتتال الداخلي بين حركتي فتح وحماس في العام 2007، فما زالت أحداث بعض الجامعات مثل الأزهر والإسلامية والعلوم والتكنولوجيا حاضرة في أذهان الجميع، التي فاضت في نهاية الأمر إلى قمع الطلبة الفاعلين واعتقالهم والتنكيل بهم، وربما كان هذا عاملًا أساسيًا في تعطيل العملية الديمقراطية داخل الانتخابات منذ ذلك الحين.

وباستثناء الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية للعلوم التطبيقية اللتين تعقدان انتخابات مجالس الطلبة بشكل منتظم وفقًا لنظام الانتخاب الفردي، وتفوز فيهما الكتلة الإسلامية بالتزكية في ظل مقاطعة باقي الأطر لها، فإن عجلة الديمقراطية الطلابية في جامعات قطاع غزة ما زالت معطلة، فجامعة الأزهر أعلنت حظر جميع الأنشطة الطلابية، بما فيها الانتخابات داخل أسوارها إبان مواجهات العام 2007، وبذا فإن آخر انتخابات جرت في جامعة الأزهر كانت يوم 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2006، وعلى المنوال ذاته، لم تُجرَ الانتخابات في جامعة القدس المفتوحة أو جامعة الأقصى[3].

وإلى حين المبادرة التي تقدمت بها الهيئة المستقلة، لم تتوافر الجدية لدى الفصائل لصياغة رؤية وطنية موحدة تدفع باتجاه إجراء الانتخابات الطلابية في جامعات قطاع غزة، على الرغم من عديد المحاولات، التي كان أهمها مبادرة النائبين في المجلس التشريعي جمال الخضري وجميل المجدلاوي في العام 2010؛ حيث تم الاتفاق على اعتماد قانون انتخابات اتحاد مجلس طلبة جامعة النجاح الوطنية بوصفه إطارًا لإقرار نظام انتخابي لكافة جامعات القطاع.

مواقف الأُطر

كانت الشبيبة الفتحاوية تشترط للموافقة على المشاركة في انتخابات مجالس الطلبة في جامعات القطاع الحصول على ضمانات أمنية، أو بحسب ما تحدث به مفوض العلاقات العامة في حركة الشبيبة بأنها تطالب "بتوفير ضمانات العمل بحرية داخل الجامعات وخارجها، وحرية الاجتماع، وحرية التعبير، وفتح المقرات الحزبية، وعدم الملاحقة الأمنية لكوادر الحركة الطلابية على خلفية العمل النقابي". وتعتقد أن السبب الحقيقي لتعطيل الانتخابات هو تعنت حركة حماس ومنعها أي عملية ديمقراطية في القطاع[4].

وهو ما تراه حركة حماس ذريعة للتهرب من الانتخابات؛ إذ ذكر ممثل الكتلة الإسلامية في سكرتارية الأطر الطلابية أن حركة فتح لا تشترط مثلَ ذلك للمشاركة في استحقاقات انتخابية أخرى، على غرار انتخابات نقابة المحاميين، أو حتى في إجراء انتخاباتها التنظيمية الداخلية، كما أنها تقيم مهرجاناتها في غزة بحرية تامة، كما نفى وجود أي تدخلات أمنية فيما يتعلق بموضوع الانتخابات[5].

بيد أن الكتلة الإسلامية كان موقفها أكثر ضبابيةً؛ حيث كانت ترفض إجراء الانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي في الجامعة الإسلامية والكلية الجامعية، مع أن هاتين الجامعتين تعدّان الأقوى من حيث وجود وتأثير الكتلة فيهما، بينما تلتزم خلال التصريحات الحرص على إجرائها؛ إذ أكد محمد فراونة، القيادي في الكتلة الإسلامية، أنّ الانتخابات أولوية بالنسبة إلى الكتلة في هذه الفترة[6]، كما أكد نائبه، أمجد مزيد، أن التحضير للانتخابات الطلابية في جامعات قطاع غزة يتم من دون مشاكل[7].

أما باقي الأطر الطلابية في الجامعات، التي تنطوي تحت سكرتاريا الأطر الطلابية، فقد عمدت طوال السنوات السابقة إلى تقريب وجهات النظر بين الطرفين، والدفع باتجاه إجراء الانتخابات مع بعض التحفظات بما يخص النقاط الخلافية، مثل نسبة الحسم والنظام الانتخابي.

أبرز نقاط الخلاف

كانت مسألة نسبة الحسم نقطة خلاف بين الأطر؛ إذ اشترطت أُطر اليسار نسبة حسم صفرية (صفر%)، ويُعنى بنسبة الحسم الحد الأدنى من الأصوات التي يجب الحصول عليها من أجل المنافسة على المقاعد في الانتخابات، والتي في حال لم يتم بلوغها يُستبعد المرشحون من المنافسة، وتُلغى الأصوات التي تم الحصول عليها. وهذا ما كان يرفضه كل من الشبيبة الفتحاوية والكتلة الإسلامية على حدٍ سواء، كذلك بما يتعلّق بالنظام الانتخابي؛ حيث اشترطت الشبيبة الفتحاوية إجراء الانتخابات وفقًا لنظام التمثيل النسبي بدلًا من النظام الفردي المعمول به في بعض الجامعات التي تدعم باتجاهه الكتلة الإسلامية، فضلًا عن مسألة الطلاب مزدوجي التسجيل في الجامعات والطلاب المنقطعين عن الدراسة.

لكن، وبحسب تصريح بكر التركماني، فقد اتفق جميع الأطر على مبدأ التمثيل النسبي، واعتماد نظام "سانت ليغو" في الفرز وتوزيع المقاعد بغية تقليل العيوب الناتجة بين عدم التماثل في الأصوات وعدد المقاعد التي تم الحصول عليها، بما يضمن للأطر والتحالفات الصغيرة فرصةً للفوز والمشاركة، أما نسبة الحسم فستكون بحسب عدد الأصوات الصحيحة؛ أي لن تكون صفرية، ولكن مرضية لجميع الأطراف؛ حيث تم الاتفاق عليها بالرجوع إلى بعض القيادات السياسية وباستشارة لجنة الانتخابات المركزية[8].

وبالعموم، فقد تم حل معظم الخلافات الرئيسية فيما يتعلق بانتخابات مجالس الطلبة، وإن وجدت خلافات حالية فهي خلافات سطحية لا تؤثر في جوهر سير العملية. وذكرت الأطر أنه هناك مرحلة لإطلاق الحريات، كذلك تم الاتفاق على عدم أحقية مزدوجي التسجيل في أكثر من جامعة بالانتخاب إلا في جامعة واحدة كما سيُحدد في اللائحة، إضافة إلى التوافق على مسألة الطلبة المنقطعين لأكثر من سنة، وضرورة حل المجالس والهيئات الطلابية الحالية[9].

خاتمة

بصرف النظر عن التصريحات الإعلامية المثالية لمختلف الأطراف، فإن اتفاقها على فتح حوار جاد من أجل إجراء الانتخابات الطلابية في جامعات قطاع غزة، يعزز من فرص التوافق على صيغة اتفاق للتوصل إلى قواسم مشتركة، وتذليل العقبات التي حالت دون إجرائها، أولها موقف حركة حماس المعلن من إجراء الانتخابات في كافة الجامعات وفقًا لمبدأ التمثيل النسبي، وثانيًا، ربط حركة فتح موقفها من الانتخابات الطلابية بتوافق وطني شامل على القضايا السياسية العالقة، وليس الطلابية فقط، وأخيرًا موقف إدارات الجامعات.

وبناء عليه، فإن كل فريق لديه تخوفاته في حال إجرائها، على الصعيدَيْن الطلابي والسياسي، فالانقسامات الداخلية في حركة فتح والتجاذبات المستمرة بين الهيكل الرسمي وتيار الإصلاح الديمقراطي بقيادة محمد دحلان انعكست على كافة المكونات التنظيمية، لا سيما الشبيبة الطلابية في الجامعات. وبطبيعة الحال، فإنه من الصعب عليها أن تُقدم على الانتخابات قبل ترتيب الصفوف الداخلية، فهي تعلم جيدًا أن عشوائية التنظيم ستؤدي إلى فقدان نواتها الصلبة في أي انتخابات، بما يؤدي إلى فقدانها بعض الجامعات التي تسيطر عليها بالتقادم، أو بفعل تبعية بعض الجامعات للحركة.

كما أن نجاح العملية الديمقراطية في الجامعات هو تكذيب لروايات الطرفين؛ لأنه وإن نجحت في الجامعات سيصبح من غير المنطقي تعطيل حركة حماس لانتخابات المجالس المحلية على مستوى القطاع وغيرها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى ذريعة الضمانات الأمنية التي تبرر فيها حركة فتح عزوفها عن المشاركة في بعض النقابات.

وبحسب تصريحات الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان وكافة الأطر المشاركة في الحوار الذي دعت إليه، فإن الجو العام كان إيجابيًا جدًا، وبذا فالجميع متفائل بإمكانية كسر سنوات تعطيل عجلة الديمقراطية وإجراء الانتخابات خلال الشهور الأولى من العام القادم، فلا توجد خلافات كبيرة عالقة، لكن من الممكن في حال حدثت أزمة سياسية أن تؤثر سلبًا في إجراء الانتخابات، إلا أن طول المدّة حتى الموعد المتفق عليه في ظل المشهد السياسي المتقلّب يجعل التوافق عرضةً للانفجار في أي وقت. وعلى الرغم من التجهيزات الكبيرة من كافة الأطر تحضيرًا لمرحلة إجراء الانتخابات، فإنه لا يمكن الحسم بإمكانية إجراء انتخابات مجالس الطلبة من عدمها، والأيام وحدها كفيلة بحسم ذلك.

الهوامش

* ما يرد في هذه الورقة من آراء يعبر عن رأي كاتبها، ولا يعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] مقابلة مع بكر التركماني، عضو الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، غزة، 31/7/2023.

[2] أبو معمر يؤكد جهوزية "حماس" لإجراء انتخابات طلابية في جامعات غزة، الموقع الرسمي لحركة حماس، 24/5/2023: hamas.ps/ar/p/17372

[3] قائمة الشهيد ياسر عرفات تحقق فوزًا ساحقًا في انتخابات مجلس اتحاد طلبة جامعة الأزهر بغزة، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 20/11/2006: 2u.pw/vuidctC

[4] مقابلة مع سليم الأغا، مفوض العلاقات العامة في حركة الشبيبة الفتحاوية، غزة، 30/7/2023.

[5] مقابلة مع محمد الفرا، ممثل الكتلة الإسلامية في سكرتاريا الأطر الطلابية، غزة، 1/8/2023.

[6] فادي الشافعي، هل تُعقد الانتخابات الطلابية في جامعات غزة قريبًا؟، بوابة الهدف، 23/7/2022: cutt.us/5ctFn

[7] مقابلة مع أمجد مزيد، نائب رئيس الكتلة الإسلامية، غزة، 6/6/2023.

[8] مقابلة مع بكر التركماني، مصدر سابق.

[9] مقابلة مع سامي البسيوني، مسؤول الرابطة الإسلامية، غزة، 29/7/2023.

 
 
 
 
 
 
مشاركة: