الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   29 آب 2023

| | |
رب ضارة نافعة
غانية ملحيس

يصح هذا المثل خصوصا على الصراع الداخلي المحتدم حاليا في الساحة الإسرائيلية. رغم أن الشعب الفلسطيني في كامل فلسطين الانتدابية هو الأكثر تضررا من تداعياته . إلا أن هذا الصراع يشكل فرصة تاريخية غير مسبوقة لنمو الوعي المعرفي لكل من الفلسطينيين وخاصة الطبقة السياسية، ولغالبية اليهود، أيضا، وخصوصا يهود إسرائيل - من تحمس منهم ومن تم توريطه بالإسهام في تحقيق المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري، بالبدء بإدراك مخاطره الحقيقية التي تمتد إليهم، ولا تقتصر فقط على الشعب الفلسطيني والمنطقة العربية والإقليم، وفقا للقاعدة التاريخية الثابتة (أكلت يوم أكل الثور الأبيض).

فالمجرم القوي الذي يفلت من العقاب - إنسانا أم تنظيما أم دولة، وخصوصا إذا كان مأفونا بعقيدة التفوق العنصري/العرقي أو الإثني أو الديني أو اللون أو النوع الاجتماعي/ يتحول إلى خطر داهم يطال كل من يختلف معه سواء في الفكر أو المنهج أو الأسلوب. ما يتعذر معه مهادنته والتعايش معه. إذ يرى فيهم جميعا أيا كانوا، عائقا أمام تحقيق أهدافه، ما يتوجب معه إخضاعهم، وإن استعصىوا فبالقوة .

مشكلة غالبية اليهود، ويهود إسرائيل خصوصا، أنهم ظنوا، وما يزالون، أن بإمكانهم مواصلة المواءمة بين حرب الإبادة التي يخوضونها ضد الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي لاقتلاعه من الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ. وبين العيش الآمن المستقر المزدهر فوق أنقاضه.

ولا يتعظون من دروس التاريخ وعبره، وأهمها: أن لا مستقبل للمشاريع الاستعمارية الاستيطانية الأجنبية العنصرية في منطقة مأهولة بسكانها الأصليين (الفلسطينين الذين يشكلون جزءا أصيلا من شعوب المنطقة العربية - الإسلامية الممتدة، المتنوعة الأعراق والاثنيات والعقائد والأديان والطوائف والألوان، والتي تعايشت سويا على مدى قرون طويلة، وأسهمت في إثراء الحضارة الإنسانية) المصممين على بلوغ حقوقهم الوطنية والتاريخية والإنسانية المشروعة في الحياة والحرية وعودة اللاجئيين وتقرير المصير في وطنهم، مهما طال الزمن وعظمت التضحيات.

ومشكلة يهود إسرائيل الأشكناز "العلمانيين" رغم ان ارتكاز المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني على الدين اليهودي فقط يتنافى مع مفهوم العلمانية)، وعموم اليسار والوسط الإسرائيلي. أنهم ما يزالون يعتقدون بأن المشكلة المحتدمة في إسرائيل حاليا، تكمن في الصهيونية الدينية وجناحها اليميني الاستيطاني الأكثر تطرفا. رغم أنها ترتكز على الإرث الغربي الكهاني وداعميه ومموليه الإنجيليين الامريكيين خصوصا والغربيين عموما، والذي بات يسيطر على الحكم ويقود الانقلاب القضائي. إلا أنهم يلقون بالمسؤولية على الجاليات الشرقية / السفارديم والمزراحيين /، ويرون في تزايد وزنهم الديموغرافي وتنامي نفوذهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي تهديدا لسلطة الأشكناز الغربيين وطريقة عيشهم.

ويتجاهلون جذر المشكلة الكامن في جوهر المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني ذاته، وارتكازه على الدين اليهودي. ويتغافلون عن حقيقة أن الصهيونية الدينية نمت وترعرعت خلال العقود الثمانية الماضية في البيئة الاستعمارية الاستيطانية العنصرية للصهيونية"العلمانية".التي سعت بعد استكمال احتلال فلسطين في عدوان عام 1967، لتوظيفهم في استكمال ذات المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، باستبدال كامل فلسطين الانتدابية بإسرائيل، واستبدال شعبها العربي الفلسطيني بالمستوطنين اليهود. فشجعت تمددهم الاستيطاني في كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وعززت حكومات إسرائيل الأشكنازية المتعاقبة المنتخبة قوتهم العسكرية.ورعت جميعها جرائم المستوطنين اليهود ضد السكان الفلسطينين الأصليين، ووفرت لهم الدعم الاقتصادي والمالي، ومنحتهم محكمة العدل العليا الحماية القانونية. وبددت كافة القوى السياسية الإسرائيلية/ اليسار والوسط واليمين/ كل فرص التسوية السياسية.

 وما يزالون يغفلون أن ما تشهده إسرائيل حاليا من صراعات داخلية، ليست سوى تمرد الإبن الفتي على أبيه العجوز، الذي يراه عاجزا عن استكمال المشروع الأساس الذي بدأه الصهاينة "العلمانيين" بالسرعة المطلوبة. ويعتقد أن الأوان قد آن لأخذ زمام المبادرة للحسم، بتوظيف فائض القوة المكتسبة للتخلص من الديموغرافيا الفلسطينية، واستكمال السيطرة اليهودية على كامل فلسطين .

ما يقلق الصهيونية العلمانية/ الأشكناز/ من ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل، هوية الدولة اليهودية عند تعذر التخلص من السكان الفلسطينين الأصليين، الذين يتساوى عددهم مع عدد المستعمرين المستوطنين اليهود. وما يخيفهم من سيطرة الصهيونية الدينية على الحكم تقويض نفوذهم ونمط عيشهم الغربي، وفقدان الحصانة التي ما يزال يتيحها لهم النظام الدولي لاستثنائهم من نفاذ القانون الدولي والإنساني.

والمقال المرفق المعنون "الصهيونية الدينية: سنكمل ما فوتناه عام 1948.. سنطردهم من "بلادنا" ليئير غولان في صحيفة معاريف بتاريخ 25/8/2023 والمنشور في صحيفة القدس اللندنية، نموذج لما يفكر به اليهود "العلمانيين" -القلقون فقط على مستقبلهم ونمط عيشهم- وليس استكمال حرب الإبادة والاقتلاع والتطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني كما قد يوحي عنوان المقال.

وما يزالون يعتمدون في مواقفهم السياسية على الوعي الحسي، بمعنى عدم القدرة على تحسس المخاطر إلا عند اقترابها منهم . وما يزالون يعجزون عن تلمس السبل الصحيحة لدرئها بمعالجة جذورها. حيث الخطر الحقيقي الذي يتربص بهم يكمن في عقيدتهم الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية العنصرية وعقدة التفوق اليهودي على الأغيار .

 

 
 
 
 
 
 
مشاركة: