الرئيسية » مقالات » غانية ملحيس »   17 أيلول 2023

| | |
خطأ الرئيس والمثقفين ‎
غانية ملحيس

ردود الفعل الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية والدولية على خطاب الرئيس محمود عباس أمام الدورة الحادية عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح، التي انعقدت برام الله بتاريخ 24/8/2023 وما تلاه من حملة إعلامية مسعورة وفاضحة في صفاقتها وانحطاطها الأخلاقي ونفاقها كانت متوقعة. فلم تتوقف محاولاتهم لإلصاق تهمة معاداة السامية بالشعب الفلسطيني لشيطنته. عبر اتهام قياداته المتتالية بمعاداة السامية.

تارة بالتذرع بلقاء الحاج أمين الحسيني مع هتلر - الذي كان قد التقاه، آنذاك، عشرات الزعماء في العالم وخصوصا الأوروبيين والصهاينة. وتواطؤوا معه لتنفيذ المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني في فلسطين، فأبرمت معه الوكالة اليهودية والاتحاد الصهيوني الألماني اتفاقية هافارا للنقل في آب /أغسطس/ 1933 ” بعد أشهر قليلة من وصوله للسلطة في ألمانيا، لتنسيق وتنظيم اقتلاع اليهود من المناطق الأوروبية الخاضعة لسيطرته وتهجيرهم إلى فلسطين، وتصفية ممتلكاتهم وتحويل العوائد لإعادة توطينهم وضمان استقرارهم فيها.

وتارة ثانية بالتشكيك بنوايا الرئيس عرفات واتهامه بالإرهاب، ثم تحميله مسؤولية فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، لتبرير الانقلاب الأمريكي الصهيوني على اتفاق أوسلو، بعد استنفاذ أغراضه في انتزاع اعتراف منظمة التحرير الفلسطيني بشرعية وجود إسرائيل فيما سبق احتلاله من فلسطين عام 1948، وتكريس احتلالها وتوسعها الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في العام1967.

وتارة ثالثة باستغلال الرد الانفعالي للرئيس المسالم محمود عباس -لتعذر اتهامه بالإرهاب -على سؤال استفزازي في المؤتمر الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أثناء زيارته لألمانيا في آب/ أغسطس/ 2022، بتوظيف استعارته لمصطلح "الهولوكوست” لوصف حرب الإبادة والتطهير العرقي التي ما يزال يشنها النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري على الشعب الفلسطيني للعقد الثامن على التوالي فاتهموه بإنكار المحرقة ومعاداة السامية. وتجند المعسكر الاستعماري الغربي الصهيوني بأسره لإدانته لتجرؤه على كسر الاحتكار اليهودي الحصري لدور الضحية.

والآن بتوظيف خطابه في افتتاح الدورة الحادية عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح في 24/8/2023، لاستئناف ذات الحرب الشعواء ضد كل من يتجرأ على كشف توظيف الجناة الغربيين والصهاينة لعذابات ضحايا الهولوكوست لخدمة مصالحهم الاستعمارية. ولمنع وتجريم أي محاولة لإخضاع جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي تواصل إسرائيل ارتكابها ضد الشعب الفلسطيني للمساءلة والمحاسبة. وما يزال حماتها الأمريكيون والأوروبيون يوفرون لها حصانة تستثنيها من نفاذ القانون الدولي والإنساني،

 ولم يكن مفاجئ، أيضا، تجدد إجماع غالبية أبناء الشعب الفلسطيني على سوء أداء النظام السياسي الفلسطيني، وتنامي الإحباط بسبب افتقار قطبية لأهلية مواصلة قيادة الشعب الفلسطيني، لإخفاقهما البين في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني. وفي إدارة شؤون الشعب الفلسطيني في مناطق سيطرتهما من جهة.

والتوافق، أيضا من جهة أخرى، على بؤس أداء المعارضة الفلسطينية، وانغماس أقطابها وقادتها في الصراع على السلطة والنفوذ. وافتقارها إلى رؤية ناضجة بديلة لإدارة الصراع مع العدو الصهيوني، ولإدارة شؤون الشعب الفلسطيني وتعزيز صموده. وإلى بنى تنظيمية ومؤسسية وقيادات مؤهلة للاطلاع بمهمة التغيير الفلسطيني المستحق، واستبدال النظام السياسي الفلسطيني الفصائلي القديم العاجز، بنظام حديث مؤهل لقيادة الشعب الفلسطيني، ومواجهة الأخطار الوجودية التي تتربص به في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة.

يعكس الإجماع الفلسطيني على بلوغ تردي الوضع الفلسطيني مستويات غير مسبوقة، انفضاض الجماهير الشعبية داخل الوطن وخارجه، ووقف التعاطي مع الطبقة السياسية برمتها. والبحث عن بدائل خارج أطر النظام الفصائلي الفلسطيني والمعارضة على السواء.

وقد سبق لي ولغيري توصيف الحالة الفلسطينية في مئات المقالات المنشورة. وعقدت العزم على التوقف عن المشاركة في الجدل الفلسطيني عند كل حدث. لتجنب تكرار ما بات يعرفه الكل الفلسطيني.

لكن ما حفزني هذه المرة على المشاركة، خروج مجموعة من المثقفين الفلسطينيين -وجلهم باحثون وفنانون وناشطون سياسيون ومجتمعيون وطنيون مرموقون - ببيان سياسي غير مسبوق في تقاطع مضمونه مع الحملة الإسرائيلية والأمريكية والأوروبية والدولية المحمومة على أبو مازن، المستهدف بصفته الرسمية. وكيل ذات الاتهامات ضده بمعاداة السامية وإنكار المحرقة. ما يستدعي التوقف ودق جرس الإنذار لخطورة ما بلغته الحالة الفلسطينية من ترد.

وقبل الانخراط في الجدل الفلسطيني المحتدم، أرى ضرورة البدء بتحديد إطار مرجعي يمكن التوافق عليه للانطلاق منه. وأعني، بذلك، تعريف السياسة والثقافة، للتمييز بين دور السياسيين ودور المثقفين. والاسترشاد بمعايير موضوعية لقياس أخطار الخلط بينهما على الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية.

فالسياسة لغويا كلمة مشتقة من فعل ساس ويسوس، وتعرف بأنها طريقة معالجة الأمور. أما اصطلاحا فتعرف بأنها رعاية شؤون الدولة الداخلية والخارجية. وقد عرف ديفيد إيستون السياسة الداخلية بأنها عملية تقسيم الموارد الموجودة في المجتمع عن طريق السلطة. وعرفها الشيوعيون بأنها دراسة وتنظيم العلاقات بين الطبقات. فيما عرفها الواقعيّون بأنها فن دراسة الواقع وتغييره موضوعيا. وليس -كما هو شائع- الخضوع له بناء على حسابات القوة والمصلحة.

والسياسي كلمة مشتقة من فعل ساس. وتناط به مسؤولية معالجة الشؤون العامة، والتأثير عبر موقعه في السلطة على حركة تطور المجتمع من خلال رؤية واضحة، وأهداف محددة يسعى لتحقيقها، ومناهج وآليات يستخدمها لتوفير موجبات بلوغها.

والسياسيون أنواع، منهم الزعيم الذي يؤثر على مسار حركة التاريخ بإشراك شعبه في تغيير حاضره والتأسيس لمستقبل أفضل مرغوب.

ومنهم القائد/ بنوعيه الديموقراطي والمستبد / الذي يوظف الموارد البشرية والمادية لبلوغ الأهداف المبتغاة.

ومنهم السياسي الموظف الذي يتقيد بتنفيذ ما يوكل إليه.

وفيهم النزيه الذي يسخر موقعه لخدمة شعبه. والانتهازي الذي يستغل منصبه لخدمة مصالحه الخاصة.  

والثقافة لغويا -وفقا لمجمع اللغة العربية- "كل ما فيه استنارة للذهن، وتنمية لملكة النقد والحكم لدى الفرد والمجتمع".

والمثقف كلمة مشتقة من فعل ثقف، ومعناها سرعة التعلم والفهم. وقد استخدم رواد علم الاجتماع مصطلح المثقف وأعطوه الصفة المعرفية للقيام بدور في التنمية المجتمعية. ويرى إدوارد شيلر أن «المثقفين هم فئة بين المتعلمين يسعون إلى صياغة ضمير مجتمعهم ليتجه اتجاها راشدا، ويؤثرون، بذلك، على القرارات الكبرى لهذا المجتمع». ويعرف نعوم تشومسكي المثقف بأنه من "يحمل الحقيقة في وجه القوة».

 والمثقفون، أيضا، أنواع. منهم المثقف العضوي المنتمي المنخرط بقضايا وهموم شعبه وأمته. الواعي لدوره التنويري في نشر المعرفة وتوظيفها للارتقاء بالوعي العام. بغية إشراك الشعب في صنع مصيره عبر تبصيره بحقائق واقعه، باعتبارها نتاج لتفاعل منظومة متكاملة من الظروف والمصالح والسياسات والسلوكيات التي تم انتهاجها في الماضي. وتعريفه بإمكانية التغيير وجدواه للبدء في تفكيك المنظومة التي شكلته. وتوعيته بمستلزمات إعادة تركيبها لخلق وقائع جديدة مستهدفة تؤسس لمستقبل مغاير مرغوب.

ومنهم المثقف الناقد الذي يكتفي بالتشخيص والنقد وتسجيل المواقف، دون أن يضع حلولا لمعالجة السلبيات. والمثقف الناقل المفتون بإنجازات الدول الأجنبية، والساعي لمحاكاتها في بلاده دون الأخذ بعين الاعتبار الاختلافات الجوهرية القائمة. والمثقف الجامد الذي يتشبث بالماضي، ويتبنى أفكار ونظريات قدامى العلماء. ويسقطها على الحاضر دون مراعاة تأثير الزمن والتحولات التي أفرزت واقعا جديدا. والمثقف السلطوي وهو نوعان : هذا الذي يشوه الواقع ويزيف الحقائق ويضلل العامة للتقرب من الحاكم للحفاظ على مصالحه الشخصية على حساب المصلحة العامة. وذاك الذي يمتهن المعارضة للضغط على السلطة من أجل استيعابه في صفوفها.

وعادة ما يسترشد السياسيون والمثقفون بهدف يسعون لبلوغه في خطاباتهم وبياناتهم. ويحكم على فعالية أدائهم بمعيار العائد والكلفة، الذي يقاس بمدى اقترابهم من تحقيق الهدف، أو ابتعادهم عنه.

وعند إمعان النظر في الخطاب وتداعياته، يتعذر فهم الهدف الذي سعى إليه أبو مازن بتضمين خطابه في افتتاح الدورة الحادية عشرة للمجلس الثوري لحركة فتح في 24/8/2023، ما سبق وخلص إليه عشرات الباحثين والمؤرخين وعلماء الأنثروبولوجيا الإسرائيليين واليهود والأوروبيين والأمريكيين.

سواء بشأن الأصول اللاسامية لليهود الأشكناز. أمثال فائيل باتاي) وهو يهودي كان يعمل مديراً لمعهد هرتزل في نيويورك، وفريدريش هيرست عالم الأجناس اليهودي، ويوجين بيتار أستاذ علم الأنثروبولوجيا في جامعة جنيف، وجميس فنتون الأنثروبولوجي البريطاني وعشرات غيرهم.

أم باعتبار اليهود كباقي الأقليات العرقية والدينية التي تميزت وتمايزت وظيفيا عن الشعوب التي تقيم بينها. واستهدفوا من الأغلبية بدافع الحقد والغيرة. فقد ربط هاينزيش هاينة -وهو كاتب ألماني يهودي- في ثلاثينيات القرن التاسع عشر، اليهود بتحول القيم الذي حول عالم ما قبل الحداثة إلى عالم حديث. ووصف هذا التحول بشكل منهجي كل من عالم الاجتماع الألماني فرديناند توريس، وموسى هيس وكارلماركس. وأسهب يوري سلزكين، وهو يهودي أمريكي من أصل روسي في تفصيل ذلك في كتابه المهم " القرن اليهودي " الصادر عام2004 عن مطبعة جامعة برينستون.

أم لجهة ما تضمنته الوثائق التاريخية المنشورة حول عملية لافون والدور الصهيوني فيها لاقتلاع يهود مصر وتهجيرهم إلى فلسطين. وما تضمنته، أيضا، شهادات المؤرخين الإسرائيليين حول دور الحركة الصهيونية في تهجير يهود العراق، وأحدثها شهادة المؤرخ البريطاني الإسرائيلي آفي شلايم التي ضمنها سيرته الذاتية بكتابه "ثلاثة عوالم : مذكرات ليهودي عربي " الصادر في لندن في أيار/ مايو / 2023.

وعليه، فإن أبو مازن لم يأت بجديد، ولم يجاف الحقائق التاريخية التي كشفها المؤرخون والباحثون اليهود والإسرائيليون والغربيون، ونقلها عنهم العديد من المثقفين الموقعين على البيان الذي يتهمه بمعاداة السامية وإنكار المحرقة، بسبب تضمينها في خطابه الإشكالي.

ولم يكن هناك ما يستدعي التوضيحات التي تعاقب على تقديمها الناطق الرسمي باسم الرئاسة، وبعض مسؤولي السلطة والإعلاميين. واتخذت طابعا دفاعيا -كما المرات السابقة- في أعقاب الهجوم الصهيوني والغربي الشرس على الشعب الفلسطيني. كلما أتيح لهم التقاط فرصة لتوظيفه لشيطنة الشعب الفلسطيني.

ويمكن القول إن أبو مازن السياسي ارتكب خطأ جسيما عندما تقمص دور الباحث الأكاديمي.

فلا الظروف السياسية الراهنة ملائمة لتناول قضايا تطال الأسس التي قام عليها، وما يزال، التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني وتسبب الخطاب في استنفاره ضد الشعب الفلسطيني في وقت تفجر الصراع الداخلي الإسرائيلي غير المسبوق في عمقه وحدته وشموليته. والذي يعود لأسباب بنيوية تراكمت مفاعيلها على مدى 75 عام. وأحدثت تحولات جوهرية في موازين القوى الديموغرافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية الإسرائيلية. ويسهم الصراع الداخلي المحتدم على القوة والنفوذ بكشف الحقائق حول الطبيعة العنصرية للنظام الصهيوني، ويؤذن استمراره واستماتة اليمين القومي والديني الفاشي لحسمه لصالحه بتفكك وحدة المجمع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني، وإرباك رعاته وداعميه.

ولا التوقيت الزمني مناسب للإيغال في التاريخ اليهودي عوضا عن مناقشة سبل مواجهة المخاطر الوجودية المتنامية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني المستهدف من طرفي الصراع بالإبادة والاقتلاع. في ظل حكومة اليمين القومي والديني الصهيوني الأعنف والأكثر عنصرية وفاشية. والتي لا يتورع وزراؤها عن الجهر بأهدافهم ومخططاتهم الإجرامية بمحو حوارة ومخيمات جنين ونابلس. ويسلحون غلاة المستوطنين اليهود ويتقدمون صفوفهم في الاعتداءات اليومية التي يشنوها على المدنيين العزل في الأحياء السكنية الفلسطينية. ويقودون الاقتحامات المسلحة للمقدسات الإسلامية والمسيحية.

ولا المجلس الثوري لحركة فتح هو المكان المناسب لخطاب أقرب إلى درس في التثقيف السياسي بطبيعة المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري. فالإطار القيادي الأعلى في حركة فتح - التي توشك على بلوغ العقد السابع لتأسيسها - وتقود حركة التحرر الوطني الفلسطيني المعاصرة منذ 58 عاما، يفترض به أن يكون ملما بتاريخ وطبيعة المشروع الصهيوني الذي يواجهه. وكان يفترض تضمين الخطاب الافتتاحي لدورة المجلس المناط بها التحضير للمؤتمر الحركي العاشر، مراجعة نقدية شاملة لأداء الحركة، ومكاشفة بالأسباب التي أدت إلى تدهور الوضع الفلسطيني، بالرغم من التضحيات الجسيمة التي تقدمها الأجيال الفلسطينية المتتابعة، دون إغفال دور العوامل الخارجية. والاعتراف بمسؤولية الحركة وأطرها القيادية عن الإسهام فيه. فحركة فتح تتحمل المسؤولية الرئيسية في قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وتقود السلطة منذ ثلاثة عقود.

والمراجعة النقدية الجادة والشاملة، والتعلم من دروسها، وتوظيف نتائجها في استراتيجية وطنية نهضوية قادرة على توفير مستلزمات صمود الشعب الفلسطيني وتعزيز مناعته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمؤسسية، هي وحدها الكفيلة باستعادة ثقة الشعب الفلسطيني بأهلية فتح في مواصلة قيادة الحركة الوطنية الفلسطينية، وضمان عبورها الآمن في هذه المرحلة التاريخية الحاسمة من مراحل التحول الكوني.

وبالتوازي مع ما تقدم، فقد ارتكب المثقفون الفلسطينيون، بالبيان السياسي الذي أصدروه بعد الخطاب، خطأ لا يقل جسامة.

سواء من حيث مضمون البيان، الذي - كما سبقت الإشارة - يتقاطع مع الخطاب المعادي للشعب الفلسطيني في توجيه الاتهامات المغرضة لعباس بمعاداة السامية وإنكار المحرقة. خصوصا وأنه سبق لعديد الموقعين على البيان تناول ذات الحقائق التاريخية الواردة في الخطاب بأبحاثهم. ما يثير القلق بشأن اعتماد الميكافيلية / الغاية تبرر الوسيلة/ منهجا للمعارضة.

أم من حيث تزامن توقيت إصدار البيان مع إحكام الحصار الصهيوني والغربي للشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجه. وتصعيد الهجوم عليه بالتوازي مع تكثيف الجهود الأمريكية والغربية لإنقاذ إسرائيل من مأزقها الراهن. بالتغاضي عن تنامي عنصرية وفاشية حكومتها اليمينية المتطرفة، ورعاية توسع إسرائيل في كامل فلسطين الانتدابية وجوارها العربي. ومواصلة استثنائها من نفاذ الاتفاقيات والقوانين والقرارات الدولية. وضمان تفردها بامتلاك السلاح النووي خارج إطار الرقابة الدولية. والتعهد بتفوقها عسكريا على كافة دول الإقليم. وقيادة عملية تطبيع علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية.

أم من حيث إسهام البيان في تأجيج الصراع الاستقطابي الفلسطيني / الفصائلي والتنظيمي والفئوي والشخصي / لأغراض يعلم الجميع أهداف توظيفها في الصراعات البينية على السلطة والنفوذ، وأن لا علاقة لها بحقوق الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية ومصالحه.

وكان يمكن لبيان المثقفين أن يكون مفيدا، لو لم يتساوق مع الاتهامات الصهيونية والغربية المغرضة لأبو مازن بمعاداة السامية وإنكار المحرقة. فجميع الموقعون عليه يعون أن الشعب الفلسطيني العصي على الاستسلام هو المستهدف بها، وليس أبو مازن بصفته الشخصية.

وكان يمكن للبيان أن يؤدي الدور التوعوي المناط بالمثقفين. لو توجهوا للشعب الفلسطيني باللغة العربية التي يفهمها، وبينوا دوافع احتجاجهم على الخطاب، والأضرار التي تسبب بها، سواء لإسهامه في استدعاء الإجماع الصهيوني الغربي ضد الشعب الفلسطيني، أم بحرف أنظار العالم عن تنامي الفاشية والعنصرية في المستعمرة الصهيونية.

وأغلب الظن أنهم، بذلك، كانوا سيسهمون بدورهم التنويري في النهوض بالوعي الجمعي، وسيحظون بتأييد كافة الفئات المجتمعية. وربما يؤثرون إيجابا على محتوى خطاب عباس القادم في الجمعية العمومية للأمم المتحدة أواخر الشهر الجاري.

لقد قدم شعبنا الفلسطيني المناضل على مدى أجياله المتتابعة، وما يزال، تضحيات جسيمة. ولم يثنه تآمر الأعداء الكثر، وتواطؤ ذوي القربى عن مواصلة نضاله التحرري على امتداد أكثر من قرن. وها هم فتية فلسطين رغم عشقهم للحياة، يواصلون التضحية بأنفسهم في ميدان الاستشهاد بهمة وعزم دفاعا عن حق شعبهم في الحياة والحرية والعودة وتقرير المصير على ارض وطنهم. ومن حقهم أن يحظوا بقيادة مؤهلة ومعارضة مسؤولة، وبقادة ومثقفين يعون واجباتهم ويقيسون كلماتهم بميزان الذهب قبل نطقها.

 

 
 
 
 
 
 
مشاركة: