قال أنطوان شلحت، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، إن الحرب على غزة أعادت مسألة التهجير إلى الواجهة من جديد؛ إذ أشار إلى أن وزارة شؤون الاستخبارات الإسرائيلية أصدرت وثيقة بشأن السكان في قطاع غزة، وكان من ضمن الخيارات تهجير السكان إلى شبه جزيرة سيناء، موضحًا أنه قبل أيام كتب عضوا الكنيست الإسرائيلي رام بن باراك، وداني دانون، مقالًا في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، اقترحا فيه التهجير الطوعي لسكان قطاع غزة إلى دول العالم، وخاصة دول أوروبا، فضلًا عن تصريح لقيادي في حزب الصهيونية الدينية الذي وصف غزة بـ"الدمل" الذي يجب استئصاله.
وأشار شلحت إلى أن بتسلئيل سومتريتش، صاحب خطة الحسم، رحب بفكرة بن باراك ودانون، وأوضح أن هناك الكثير من اللازمات التي تتكرر في خطابات سومتريتش وكتاباته، منها: "لا يوجد شيء اسمه دولتان لشعبين"، "أرض إسرائيل لنا ولا يمكن أن تسرق"، "هنا توجد دولة يهودية واحدة ولن تقوم أبدًا دولة فلسطينية"، "غزة جزء من أرض إسرائيل"، فضلًا عن أن خطة الحسم التي اقترحها سموتريتش تضمنت الضم.
وتطرق شلحت إلى خطط الضم في الفكر الصهيوني منذ النكبة؛ إذ كان هناك الكثير من الأفكار التي طرحت حول التهجير، وأطلق عليها الكثير من التسميات، ومنها "تبادل المناطق"، وأوضح أنه في أيار 1980، قال أهارون ياريف "هناك آراء تدعو إلى استغلال حالة الحرب من أجل ترحيل ما بين 700 و800 ألف عربي، ولم تتردّد هذه الآراء على ألسنة المسؤولين فحسب، وإنما أيضًا أعدت الوسائل اللازمة لتنفيذها".
وأشار شلحت إلى مقال كتبه رحبعام زئيفي، وزير إسرائيلي وهو من المنادين بفكر التهجير وقد أسس حزب «موليديت» أو الوطن، بعنوان "الترحيل من أجل السلام"، وجاء فيه: "صحيح أنني أؤيد الترانسفير بحق عرب الضفة الغربية وقطاع غزة إلى الدول العربية، لكنني لا أملك حق ابتكار هذه الفكرة، لأنني أخذتها من أساتذة الحركة الصهيونية وقادتها".
جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بعنوان "الحرب على غزة وخطط التهجير في الفكر الصهيوني"، بمشاركة أكثر من 60 مشاركًا/ ة من السياسيين والأكاديميين والباحثين والنشطاء الفلسطينيين من مختلف التجمعات. وقد أدار الحوار سعد عبد الهادي، عضو مجلس الأمناء في مركز مسارات.
ونوه شلحت إلى أن مؤتمر هرتسيليا ركز في مؤتمراته بعد الانتفاضة الثانية وحتى العام 2011 على التهديد الديمغرافي للدولة اليهودية، وطرح حلولًا لهذا التهديد، من ضمنها التهجير وتشجيع الهجرة.
وأشار شلحت إلى عدد من الوثائق الأرشيفية التي جرى الكشف عنها أخيرًا، والتي تلقي الضوء على هذه السياسة التي تم التكتم عليها لعشرات الأعوام بوصفها "سِرّ دولة". وآخر ما كتب حول هذه الوثائق مقال عُمري شيفر رفيف، وهو مؤرّخ للصراع الإسرائيلي الفلسطيني و"إسرائيل الحديثة"، وهذا المقال هو فصل من كتاب بعنوان "غزة: موقعها وصورتها في الحيّز الإسرائيلي".
وأشار إلى عدد من المخططات التي كشفت عنها أرشيفات إسرائيل، وما جاء فيها ما قاله العميد المتقاعد إسحاق بونداك، الذي كان في 1967 ممثلًا لوزارة العمل الإسرائيلية في قطاع غزة، وأصبح لاحقًا الحاكم العسكري للقطاع وشمال سيناء: "هناك من قرّر أنه يجب تفريغ قطاع غزة من سكانه"، إضافة إلى ما قاله ليفي أشكول وفق ما اقتبس ذلك المؤرخ توم سيغف في كتابه "1967"؛ إذ قال: "أنا أؤيد مغادرة الجميع، حتى ولو ذهبوا إلى المريخ".
وتطرق شلحت إلى موقف أيلت شاكيد، الوزيرة السابقة، التي قالت، في العام 2019، إنها تدعم سياسة تشجيع الهجرة من قطاع غزة. فهي "مصلحة إسرائيل وقسمٍ من سكان القطاع. يجب التخفيف عّمن يرغب بالهجرة من هنا".
وختم شلحت حديثه بما قاله زئيفي، وهو يلخص مسألة التهجير؛ إذ قال زئيفي: "لقد زعموا أنّ هذه الفكرة (الترانسفير) غير أخلاقية، وبرأيي أنه ليست هناك فكرة أكثر أخلاقية منها، لأنها تحول دون وقوع الحروب وتمنح شعب إسرائيل الحياة. وإذا كانت هذه الفكرة غير أخلاقية فإنّ الصهيونية كلها وتجسيدها خلال أكثر من مئة عام هما غير أخلاقيين. إنّ مشروع الاستيطان في أرض إسرائيل وحرب الاستقلال حافلان بعمليات ترحيل العرب من قراهم. فهل كان هذا أخلاقيًا ولم يعد كذلك الآن؟".
وطرح المشاركون/ ات العديد من الأسئلة حول التهجير في قطاع غزة، وهل ما زال قائمًا، لا سيما في حال شن الهجوم البري على جنوب القطاع، وكذلك عن التهجير في الضفة، محذرين من هذه المخططات، ودعوا إلى مواجهتها.