قال الأستاذ الدكتور وليد عبد الحي، الخبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، إن طوفان الأقصى أعاد الاهتمام بالشرق الأوسط من الزاوية الجيوإستراتيجية، وترتب على ذلك عودة الاهتمام بالموضوع الفلسطيني على المستويين الرسمي والشعبي الدولي، وتزايد تدريجي في النقد الدولي للسياسة الإسرائيلية، بما في ذلك في الولايات المتحدة وأوروبا والأمم المتحدة، إلى جانب الموقف الروسي والصيني، مع انكشاف هشاشة وزن القرار العربي والإسلامي في تكييف السياسات الدولية واقتصاره على دور دبلوماسية الإنابة.
وأوضح أن جولة القتال الحالية في غزة ليست آخر الجولات، حتى لو سيطرت إسرائيل على غزة ونزعت سلاح "حماس"، مدللًا على ذلك بما يحصل في الضفة الغربية من عمليات يومية ضد الاحتلال، في ظل سيطرة إسرائيل عليها، فما يجري في غزة استمرار لما جرى في أعوام 1948 و1956 و1967 و1973 و1982 و1987 و2000 ... إلخ، وهو جولة من جولات، فالصراع بين الفلسطينيين وإسرائيل صراع وجودي.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، ضمن سلسلة جلسات المؤتمر السنوي الثاني عشر "رؤى إستراتيجية: فلسطين 2023"، عبر تقنية زووم، بمشاركة أكثر من 80 مشاركًا/ ة من الباحثين والأكاديميين من مختلف التجمعات. وقد أدار الحوار خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات.
وعرض عبد الحي خلال الجلسة ورقته الموسومة بـ "المتغيرات الدولية العام 2023 وانعكاساتها على القضية الفلسطينية"، الذي حدد فيها أهم التغيرات الدولية في العام 2023، وتداعيات كل منها على القضية الفلسطينية، وآفاقها المستقبلية.
وأشار إلى أن التغيرات في المجتمع الدولي في العام 2023 يعود بعضها إلى ما قبل هذا العام، مثل الحرب الأوكرانية الروسية، وأزمة تايوان، واتساع التطبيع العربي مع إسرائيل، إلى جانب ارتفاع حدة الصراع الدولي في مناطق جيوإستراتيجية، مثل أوكرانيا وتايوان.
وبيّن أن الشرق الأوسط يمثل أحد أقاليم التزاحم الجيوإستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين؛ إذ تحاول واشنطن التأثير في جاذبية مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي يمثل الشرق الأوسط معبرًا إجباريًا لها، وزاد من تعقيد الأمر الإعلان عن اتفاق هندي سعودي لإنشاء ما سمي "الممر الاقتصادي" لربط الهند بأوروبا عبر بحر العرب، مرورًا بالسعودية والإمارات والأردن وإسرائيل، الذي يمثل تغيرًا قد تكون له تداعيات عديدة، ويمثل منافسًا جديًا لمبادرة الحزام والطريق الصينية، وهو ما يعني أن العملاقين الصيني والهندي سيتواجهان على الأرض أو الممرات البحرية العربية.
وتطرق عبد الحي إلى عدد من المتغيرات الدولية وتأثيراتها، ومنها انعكاس الأزمات الاقتصادية على تزايد حدة عدم الاستقرار العالمي، وتزايد النزعة السلطوية على المستوى العالمي، وبروز نزعة التسلح النووي مرة أخرى إثر تداعيات الحرب في أوكرانيا، والتوتر العالي بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي الأميركيين على خلفية اتهامات الفساد المتبادلة بين دونالد ترامب الجمهوري وجو بايدن الديمقراطي.
ورصد مجموعة من التغيرات في البيئة الإقليمية العربية، ومنها: استمرار الخرق الإسرائيلي للمقاطعة العربية عبر تطبيع علني وسري، والأزمة الاقتصادية في المصارف اللبنانية وانعكاساتها على الأوضاع المعيشية للاجئين الفلسطينيين، إضافة إلى انضمام دول عربية وإقليمية إلى منظمة البريكس.
ورصد الاتجاهات الكبرى للقوى الدولية وتأثيرها على القضية الفلسطينية، موضحًا وجود عدد من القوى، وهي: الولايات المتحدة؛ قوة عظمى ما تزال تتصدر المشهد الدولي، لكنها تعرف تراجعًا في مركزيتها، وتسعى إلى وقف هذا التراجع أو إبطائه قدر الإمكان، وروسيا؛ وهي قوة عظمى تفككت إلى جمهوريات قومية وفقدت تحالفاتها العسكرية والاقتصادية، ولكن القلق الرئيس لها أصبح من تسلل التفكك إلى داخلها، والصين؛ وهي قوى عظمى ثالثة تسعى إلى بناء "صعود سلمي" استنادًا إلى براغماتية رزينة وتحلل هادئ من التزمت الأيديولوجي، والاتحاد الأوروبي؛ وهو كتلة دولية حائرة بين إرث قومي يتغذى عليه يمين سياسي يتزايد بشكل واضح في السنوات الأخيرة، وبين نزوع تكاملي قاري، واليابان؛ وهي دولة مهمة في المسرح الدولي، لكنها تولي النزعة الميركنتيلية أولوية في علاقاتها الخارجية، إضافة إلى الهند؛ وهي دولة آسيوية تطل من نافذة البناء الدولي لتؤكد حضورها الدولي.
وأشار إلى أن هذه القوى الست تتفق فيما بينها على حل الدولتين، وحق إسرائيل في ضمان أمنها، وعدم الاعتراض على التطبيع بين العرب وإسرائيل، وعدم تطبيق إجراءات عقابية فعلية على إسرائيل، والغموض في الموقف من عودة اللاجئين الفلسطينيين أو حقوقهم، والأهمية الإستراتيجية للشرق الأوسط لكل هذه الدول.
أما نقاط الخلاف بينها – بحسب عبد الحي – فتتمثل في: مدى دور الأمم المتحدة في التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتباين في حدود الدولتين المقترحتين، وبخاصة ما يتعلق بالقدس الشرقية، ودرجة القبول بحق المقاومة الفلسطينية المسلحة في مقاومة الاحتلال، وكثافة التعامل الدبلوماسي مع الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي، وتباين في حجم المساعدات للفلسطينيين وشروط هذه المساعدات، إضافة إلى تباين في "أولويات الأهمية" الإستراتيجية للشرق الأوسط.
وختم عبد الحي حديثه بالقول إن مؤشرات الرأي العام الدولي كشفت عن أن طوفان الأقصى عزز التغير الإيجابي نحو الموضوع الفلسطيني، وهو ما يتضح في مجموعة من المؤشرات، ومنها: التغير في توجهات الرأي العام في الولايات المتحدة خلال شهر تقريبًا من وقوع طوفان الأقصى، ويتضح ذلك في تراجع نسبة المطالبين بدعم إسرائيل، إضافة إلى مشاركة يهود العالم في المظاهرات المناهضة للسياسة الإسرائيلية، والفرق الكبير بين المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين وتلك المؤيدة لإسرائيل (359 مظاهرة لإسرائيل، مقابل 3482 مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين)، وكذلك نسبة تأييد الصينيين في وسائل التواصل الاجتماعي الصينية للفلسطينيين التي تعادل 15 ضعفًا مقارنة بنسبة التأييد للإسرائيليين ... إلخ.