شارك العشرات من السياسيين والباحثين والناشطين من الجنسين في جلسة حوارية لتقييم الوضع الفلسطيني خلال العام 2023، واستشراف المستقبل، لا سيما بعد معركة طوفان الأقصى وحرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على قطاع غزة، وفي ظل العمليات العسكرية المتواصلة في الضفة الغربية، ومواصلة الاستيطان والاحتلال وارتكاب المجازر ضد الفلسطينيين.
وأكد المشاركون/ ات ضرورة الشروع في حوار وطني، وتشكيل قيادة انتقالية مؤقتة وحكومة وحدة أو وفاق وطني لإدارة الوضع الفلسطيني ما بعد الحرب، إلى حين إعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير، مشددين على ضرورة وقف العدوان، وإعادة البناء والإعمار.
جاء ذلك خلال جلسة حوارية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بعنوان "فلسطين 2023-2024: تقييم إستراتيجي واستشراف مستقبلي"، عبر برنامج زووم، بمشاركة العشرات من السياسيين والباحثين والناشطين من الجنسين من مختلف التجمعات. وقد أدار الحوار خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات.
وقدم هاني المصري، المدير العام لمركز مسارات، مداخلة خلال الجلسة، تناول فيها السياق الذي أفضى إلى حدوث معركة طوفان الأقصى، موضحًا أنها جاءت بعد أكثر من 75 عامًا من الاستعمار الاستيطاني والاحتلال والتمييز العنصري وارتكاب المجازر والجرائم ومصادرة الأرض واستيطانها، وفي ظل اقتحامات المسجد الأقصى، والعمل على تطبيق التغيير المكاني والزماني، والاقتحامات والاغتيالات والاعتقالات في الضفة الغربية، والتوسع الاستيطاني، إضافة إلى الحصار الخانق على قطاع غزة وتفاقم أوضاعه، وتشكيل حكومة متطرفة في إسرائيل، وتشديد الإجراءات ضد الأسرى، وموت عملية التسوية، وعدم وجود أي أفق لانطلاق مفاوضات جادة، فضلًا عن المساعي المكثفة للتوصل إلى تطبيع سعودي – إسرائيلي، وتوارد معلومات ومؤشرات مسبقة بأن الاحتلال يحضّر لضربة عسكرية قاصمة في قطاع غزة.
وأوضح المصري أن معركة طوفان الأقصى كانت مفاجأة كبيرة، ومثلت زلزالًا كبيرًا بقوة 10 درجات، ودللت على إخفاق إستراتيجي سياسي وعسكري وأمني إسرائيلي، وعلى هشاشة دولة الاحتلال وجيشها، وكذلك على قدرات مميزة لدى المقاومة، إضافة إلى أنها أدت إلى إحياء القضية الفلسطينية، وجعلها في صدارة الأحداث، منوهًا إلى أن الأمور لا يمكن أن تعود إلى ما كانت عليه قبل السابع من أكتوبر.
وتطرق إلى موقف القيادة والسلطة من معركة طوفان الأقصى، الذي اتصف بالانتظار والحياد، والرهان على عدم قدرة المقاومة على الصمود، مع تركيزها على وحدانية التمثيل، وأن منظمة التحرير هي الممثل الوحيد للفلسطينيين، مشيرًا إلى أن السلطة ازدادت ضعفًا على ضعف، بسبب قيام الاحتلال بتجاوز وجودها، وخصم أموال المقاصة الخاصة بقطاع غزة.
وأشار المصري إلى وجود موقفين في إسرائيل حول السلطة، الأول يعبر عنه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ويرى أن السلطة في الضفة تمارس "الإرهاب"، وتريد القضاء على إسرائيل بالتدريج، وأن "حماس" تمارس "الإرهاب"، وتريد القضاء على إسرائيل مرة واحدة، وموقف آخر له فرصة في الحكم بعد الانتخابات القادمة، ويمكن أن يقبل بدور للسلطة، ولكن ضمن صيغة أكثر من حكم ذاتي وأقل من دولة.
وعرج على ردة فعل الفلسطينيين في الضفة الغربية وأراضي 48 والشتات خلال طوفان الأقصى، موضحًا أن الضفة تشهد نوعًا من الانتفاضة المحدودة، ولكنها لم تصل إلى فتح جبهة ثانية، كما طالبتها المقاومة، أما أراضي 48 فلم تشهد تحركات تذكر؛ بسبب الهجوم غير المسبوق من الحكومة الإسرائيلية على فلسطينيي الداخل. أما شعبنا في اللجوء والشتات، فقام بنشاطات وفعاليات متنوعة، كان لها أبلغ الأثر، ولكن التحركات في الدول العربية كانت أقل من المأمول، نتيجة عوامل عدة، من أهمها طبيعة الأنظمة العربية، ومواقفها.
وأوضح أن سيناريوهات الحرب ثلاثة، وهي: السيناريو الأول: صمود وانتصار، والسيناريو الثاني: نكبة وهزيمة، والسيناريو الثالث: لا غالب ولا مغلوب.
وطرح المصري رؤية حول ما العمل تركز على مواجهة العدوان، والعمل على وقفه بشروط مشرّفة، والإعلان الفوري عن الوحدة الوطنية في إطار منظمة التحرير من دون شروط، على أسس وطنية وديمقراطية وكفاحية، وتشكيل قيادة موحدة مؤقتة إلى حين نتائج الحوار الوطني، تعمل على إعادة تشكيل مؤسسات منظمة التحرير إلى حين تشكيل المجلس الوطني الجديد، وإجراء الانتخابات، إضافة إلى تشكيل حكومة وحدة أو كفاءات وطنية تعمل على أساس برنامج طوارئ وفق ما يتم الاتفاق عليه وتتطلبه المرحلة، موضحًا أنه في حال لم تتجاوب القيادة أو أي قوة مع مساعي الوحدة، تسعى الفصائل، والمؤسسات، والأفراد المدركون لأهمية الوحدة، إلى تشكيل إطار جبهوي يبدأ العمل، ويضغط باتجاه الوحدة الشاملة.
وختم المصري حديثه بالقول إنه سيكون هناك تحرك سياسي بعد الحرب، ولكن فرصه في النجاح ليست كبيرة، ولكن يجب استثمارها حتى الأخير، ويجب الحرص أولًا وقبل كل شيء على الاستفادة من دروس المفاوضات السابقة، محذرًا من خطر الفتنة بعد الحرب، ومن استخدام السياسة والاقتصاد والحاجات الإنسانية وإعادة البناء والإعمار لفرض الشروط والأهداف التي لم يستطع ولن يستطيع العدو تحقيقها.