الرئيسية » تقدير موقف » فارس عويس »   12 آذار 2024

| | |
دور المستوطنين في ظل عملية طوفان الأقصى
فارس عويس

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة الثامنة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

منذ اندلاع حرب الإبادة الإسرائيلية التي طالت بالدرجة الأولى قطاع غزة، في أعقاب عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ضد مستوطنات وجنود الاحتلال في المنطقة المحاذية للقطاع، شهدت الضفة الغربية ارتفاعًا حادًا في هجمات الجيش الإسرائيلي ضد المخيمات والقرى والمدن الفلسطينية. ورافق ذلك هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين؛ ما دفع حتى أقرب حلفاء إسرائيل، الولايات المتحدة ودول أوروبية، إلى إدانة عنف المستوطنين، وطالبوا بمحاكمة المذنبين بارتكاب الجرائم[1].

يتم تسليح المستوطنين ودعمهم من قبل حلفاء أقوياء في الحكومة الإسرائيلية، أمثال إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية، الذي يتولى أيضًا مسؤوليات أمنية في الضفة الغربية، ضمن رؤية متكاملة لإحداث تحول في الوضع الديمغرافي والسياسي في الضفة الغربية، يوازي الخطط في قطاع غزة.

أعلن بن غفير عبر حسابه على منصة "إكس" في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، إنشاء "فرق احتياطية في المجالس الإقليمية وفي المدن، من خلال الآلاف من المتطوعين الذين سيتم تجنيدهم وتزويدهم بالأسلحة ووسائل الحماية"، مشيرًا إلى أن "عدد الفرق بلغ 600 فريق"[2]. وشوهد بن غفير وهو يوزع بنادق هجومية على مستوطنين[3].

استّغلّ المستوطنون الإسرائيليون المناخ العالمي المرافق للحرب، خصوصًا الانحياز السافر في الأسابيع الأولى بعد بدء العدوان لكل ما تفعله إسرائيل، لتصعيد اعتداءاتهم الممنهجة ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية في ظل التركيبة اليمينية المتطرفة للحكومة. ويشكل دعم "الرأي العام" الإسرائيلي، وخاصة الرأي العام "للمستوطنين" الداعمين لسياسات تعزيز الاستيطان في الحكومة الحالية، أحد أهم العوامل الداعمة لتحويل هذه السياسات إلى واقع حقيقي. ولعل ملف الاستيطان، هو الملف الوحيد الذي لا تختلف حوله الأحزاب الإسرائيلية، أو لا تجرؤ على الاختلاف حوله علنًا، سواء الأطراف المشاركة في الائتلاف الحكومي أو المعارضة، وهذا ما يعزز دور المستوطنين ويعزز من قدرتهم على استغلال اللحظة لتنفيذ المزيد من مخططاتهم بتسارع أكبر[4].

مستوطنو الغلاف ودورهم في معركة طوفان الأقصى

في كل مستوطنات غلاف غزة توجد "لجان شعبية مسلحة" تتشكل من مستوطنين متطوعين من أصحاب الخلفيات القتالية، وتدعى هذه اللجان "فرق إنذار" أو بترجمة حرفية "فرق تأهب"، وتتكون الفرقة من 15-40 مقاتلًا في كل مستوطنة، ويبلغ عدد المستوطنات المقامة في غلاف غزة (أي في محيط يصل إلى حوالي 70 كيلومترًا مربعًا) 59 مستوطنة (معظمها على شكل كيبوتس) تشمل مدينة سديروت. ويسكنها نحو 70 ألف إسرائيلي. وهاجمت حركة حماس 22 مستوطنة منها، وسيطرت على بعضها لساعات عدة، وكان لهذه الفرق الدور في استدعاء الجيش لعدم مقدرتهم على مواجهة المقاومين الفلسطينيين داخل المستوطنات[5].

تجربة المستوطنين في الحكم

يُشكّل المستوطنون ما نسبته 7.3% من الإسرائيليين في مجمل فلسطين، لكن تمثيلهم السياسي يفوق نسبتهم العددية. فهم يشكلون في الكنيست أكثر من 15% من الأعضاء؛ أي 14 مقعدًا[6]، وفي الحكومة 20% بواقع 8 وزارات، يتم توزيعها بحسب المقاعد الانتخابية لكل حزب[7]. وتتضاعف قوتهم أيضًا عبر التحالفات التي يدخلونها، لا سيما من خلال الائتلاف مع حزب الليكود الحاكم[8]؛ حيث يشكلون الكتلة المرجّحة التي تحسم هوية الأحزاب التي تقود الحكومة.

الحركة الاستيطانية الحالية، وقيادتها السياسية والحزبية، غير منفصلة عن إرث سابق. لقد تشكلت حركة غوش إيمونيم اليمينية في مطلع العام 1974، وأقامت الحركة ذراعًا استيطانية أسمتها "أمناه"، وقد دعمت الحركة آنذاك حزب الليكود، خصوصًا بعد وصوله إلى الحكم في العام 1977؛ إذ شكل ذلك تأسيسًا جديدًا للحركة ومشروعها الاستيطاني للمستوطنين[9].

عملت غوش إيمونيم في نشاطاتها على محورين: الأول، سياسي، وتمثل في تشكيل قوة ضاغطة سياسيًا لمنع الحكومات "الإسرائيلية" من تقديم تنازلات إقليمية؛ بمعنى منع الانسحاب من الأراضي التي احتلتها في العام 1967، والمحور الآخر، عملي، يتمثل في الاستيطان في الضفة الغربية وقطاع غزة[10].

في العقدين الأخيرين، برز مصطلح الصهيونية الدينية، بوصفها وريثة لقوى مثل غوش إيمونيم، وبرزت بوصفها قوة سياسية مهمة لها دور مهم في تعزيز الاستيطان في الضفة، وازداد تأثيرها خاصة في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة؛ إذ أصبح لها وزراء في الحكومة الإسرائيلية وأهمهم الآن بن غفير وسموتريتش، اللذان أصبحا يشاركان في صناعة القرار وتغيير الإجراءات التي هيأت الأرضية لسياسات تتجلى في مستوى أعلى، من تصعيد عنف المستوطنين واعتداءاتهم، بل أصبح هذا التيار قوة سياسية مُنظّمة تؤثر في السياسات الداخلية والخارجية، ومن أبرز تأثيراتها مواقفها الرافضة لأي حل يقضي بتقسيم الأرض أو التنازل عن جزء منها[11].

بعد عملية طوفان الأقصى

شرع بن غفير، بعد السابع من أكتوبر في إنشاء المئات من فرق الأمن المدنية، وعملية تسليح واسعة للمستوطنين. وتلقت السلطات الإسرائيلية أكثر من 175 ألف طلب لترخيص أسلحة منذ بداية الحرب، تمت الموافقة على 8800 رخصة، وأطلق بن غفير حُمّى السلاح في إسرائيل الذي دعا إلى توزيع السلاح على المستوطنين، وبدأ هو بنفسه توزيع أسلحة على سكان مدينة عسقلان، كما أمر بتسهيل الحصول على تراخيص الأسلحة للمواطنين العاديين[12].

وقال في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، على منصة "إكس": "تم شراء نحو 4000 قطعة سلاح من أصل نحو 20 ألف قطعة سيتم شراؤها"، مضيفًا أنه تم بالفعل "توزيع نحو ألفي قطعة سلاح على عشرات المستوطنات في المناطق الشمالية والساحلية"[13].

هجَّر المستوطنون منذ الحرب على غزة، نحو 1000 فلسطيني من عشرات التجمعات البدوية وسط الضفة الغربية وجنوبها وفي الأغوار الفلسطينية، وبقوة السلاح مارسوا "تطهيرًا عرقيًا" كاملًا في خمس تجمعات بدوية شرق رام الله، وطردوا أهلها[14].

ما يقوم به المستوطنون ليس مجرد اعتداءات، إنما هي سياسة ممنهجة مرتبطة بتطلعاتهم وأطماعهم تجاه الضفة؛ نظرًا إلى القوة السياسية والحزبية والميدانية التي باتوا يمتلكونها، والتي أصبحت بالفعل تشكل تهديدًا وجوديًا للفلسطينيين، وهذا ما يتضح من خلال تنظيمهم الآخذ في التعاظم؛ إذ بدؤوا يتحركون بوصفهم ميليشيات منظمة على الأرض وليسوا أفرادًا[15].

المستوطنون في عيون الغرب

دعت بريطانيا وأكثر من 12 دولة شريكة، من بينها أستراليا وكندا وفرنسا، في 15 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إسرائيل إلى اتخاذ خطوات فورية وملموسة للتصدي لعنف المستوطنين المتصاعد في الضفة؛ حيث وصل عنفهم إلى "مستويات غير مسبوقة". وفي بيان مشترك مع الدول الشريكة، نشرته الحكومة البريطانية، في 14 كانون الأول/ ديسمبر 2023، قالت إن "ازدياد وتيرة عنف المستوطنين المتطرفين ضد الفلسطينيين غير مقبول"، مضيفة أنه "يجب الآن اتخاذ خطوات استباقية لضمان الحماية الفعالة والفورية للتجمعات الفلسطينية".[16]

أعلنت الإدارة الأميركية سعيها إلى كبح جماح إسرائيل في توسعها في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، فضلًا عن هجمات المستوطنين الإسرائيليين على التجمعات الفلسطينية. من الجدير بالذكر أنه لا تحظى المستوطنات ولا عمليات الضم التي تقوم بها إسرائيل بشعبية في الولايات المتحدة، خاصة ما بين الناخبين المستقلين أو الديمقراطيين؛ ما يجعل من الممكن أن تستبعد إدارة الرئيس حو بايدن القضية من الدعم الأميركي لإسرائيل بشكل كبير[17]، بمعنى أنها قد تشكل ورقة ضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف جماح المستوطنين من خلال حجب الأسلحة الأميركية، وبالامتناع عن استخدام الفيتو الأميركي في مجلس الأمن ضد إدانات مجلس الأمن للمستوطنات الإسرائيلية.

استطلاع الرأي ضد حكومة نتنياهو الحالية وتراجع الثقة

 بدأت تُنشر استطلاعات رأي عام إسرائيلية حول سيناريوهات الانتخابات البرلمانية، وبعضها عن مدى مسؤولية نتنياهو عما جرى. وتُظهر الاستطلاعات انهيارًا للائتلاف الحكومي الأساسي، الذي يرتكز على 64 مقعدًا حاليًا، من أصل 120 مقعدًا في الكنيست، فيما تتضاعف قوة كتلة "المعسكر الرسمي" بقيادة بيني غانتس، من 12 مقعدًا إلى ما بين 36-40 مقعدًا، مقابل انهيار قوة الليكود من 32 مقعدا إلى 17-18 مقعدًا[18].

وفق استطلاع رأي صدر في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تأتي وزارة الأمن القومي برئاسة بن غفير ووزارة المالية برئاسة سموتريتش في أسفل مستوى الرضا العام عن الوزارات الحكومية؛ إذ عبر 29% فقط من الجمهور عن رضاهم عن عمل وزارة الأمن القومي، بينما أعرب 24% فقط عن رضاهم عن وزارة المالية، كما حصلت وزارة العدل، بقيادة ياريف ليفين، على تقييمات رضا منخفضة؛ حيث شعر 25% فقط من المستطلعين بالرضا. من ناحية أخرى، كانت وزارتا "الأمن" والصحة على رأس القائمة، بنسبة 61% و55% على التوالي[19].

كما واجه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الرفض الشعبي؛ حيث أعرب 73% من المستطلعين عن عدم رضاهم عن أدائه. وعلى النقيض من موقفهم تجاه الحكومة، أظهر الجمهور مستوى عاليًا من الثقة بالجيش الإسرائيلي؛ حيث آمن 72% من المستطلعين إلى حد كبير بقدرة الجيش على الحفاظ على الأمن القومي، بينما أعرب 9% فقط عن عدم ثقتهم بالجيش[20].

خاتمة

من المهم التأكيد أن ما يحصل داخل الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر ليس مجرد تصاعد حاد في كمية اعتداءات المستوطنين. بل إن هناك أيضًا تحولًا مؤسسيًا في دور مجالس المستوطنات التي باتت تتحلى أكثر من ذي قبل بصلاحيات، ومساحات عمل. يترافق ذلك، على ما يبدو، بـ "تفهم" من قبل الجيش الإسرائيلي بأن مجالس المستوطنات تمارس دورها في الدفاع عن "أرض إسرائيل"، لكن بـ"طريقتها التوراتية الاستيطانية"[21].

تعدّ الحكومة الإسرائيلية الحالية من أكثر الحكومات اليمينية تطرفًا بسبب صعود المستوطنين إلى سدة الحكم، ويبدو أنّها ستحوّل إسرائيل إلى دولة مستوطنين في ظل زيادة وتيرة الاستيطان والتأثير الفعال للمستوطنين على الأرض ومحاولة تهجير الفلسطينيين، وإن التيار الاستيطاني لم يكن في يوم من الأيام أكثر نفوذًا وسطوة داخل الحكومة الإسرائيلية كما هو عليه اليوم.

الهوامش

* ما يرد في هذه الورقة من آراء يعبر عن رأي كاتبها، ولا يعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] عنف المستوطنين الإسرائيليين يجلب الدمار والخوف إلى الضفة الغربية مع احتدام الحرب، بي بي سي عربي، 6/12/2023: cutt.us/oQj8B

[2] بعد ميليشيات بن غفير، توقعات برد عارم في الضفة الغربية، سكاي نيوز عربية، 30/10/2023: cutt.us/OjvJ5

[3] المصدر السابق.

[4] فراس القواسمي، الاستيطان الصهيوني في الضفة في ظل حكومة اليمين المتطرّفة، مركز رؤية للتنمية السياسية، 2023: tinyurl.com/zbsf6jw4

[5] وليد حباس، فرق الإنذار "التأهب": لجان شعبية مسلحة من المستوطنين، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية (مدار)، 6/10/2023: 2u.pw/8CAzejC

[6] مهند مصطفى، قراءة في نتائج انتخابات الكنيست الـ 25 وتوجهات الحكومة القادمة، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تقدير موقف، 2022: cutt.us/Bxmge

[7] السيرة الذاتية لوزراء الحكومة الإسرائيلية الـ 37، مركز مدار، 2022: cutt.us/jgbIY

[8] رامي علي خير، المنظمات الإرهابية الصهيونية ودورها في تعزيز الاستيطان بعد العام 1967، رسالة ماجستير، جامعة النجاح الوطنية، نابلس، 2021، ص 71.

[9] الميزانيات المخصصة للاستيطان، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، 12/12/1982: 2u.pw/fiSuxaO

[10] مهند مصطفى، المستوطنون من الهامش إلى المركز، مركز مدار، 2013: 2u.pw/GBRBwQn

[11] الصهيونية الدينية في الكيان من تيار هامشي إلى صانع القرار، شبكة الهدهد، 14/8/2023: cutt.us/3by5j

[12] تسارع تسليح المستوطنين يثير قلقًا واسعًا ... كيف علق الفلسطينيون وإسرائيليون، الجزيرة نت، 12/12/2023: cutt.us/2P4hT

[13] المصدر السابق

[14] شذى حماد، المستوطن وسلاحه على رأسك: معك ساعة لترحل، متراس، 28/11/2023: cutt.us/LCGM4

[15] باسل المحمد، بعد طوفان الأقصى: كيف زادت اعتداءات المستوطنين في الضفة، تي آر تي عربية، 8/11/2023: cutt.us/ni5fw

[16] 13 دولة غربية تطالب إسرائيل بالتصدي لعنف المستوطنين بالضفة، عربي بوست، 15/12/2023: cutt.us/4aKAm

[17] خالد محمد، إعادة توجيه: الاهتمام الأميركي بالشرق الأوسط بعد طوفان الأقصى، المركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، 3/12/2023: cutt.us/sBQGr

[18] برهوم جرايسي، مستقبل الحكومة الإسرائيلية الحالية منوط بتماسك الائتلاف وشكل انتهاء الحرب على غزة وقرار نتنياهو، مركز مدار، 23/11/2023:  cutt.us/bVKE7

[19] Israeli political poll sees major dissatisfaction with Ben-Gvir, Smotrich, The Jerusalem post, 28/11/2023: 2u.pw/zfRV7GP

[20] المصدر السابق.

[21] وليد حباس، مصدر سابق.

مشاركة: