الرئيسية » تقدير موقف » إسراء جمعة »   25 نيسان 2024

| | |
في معاني ودلالات تفعيل "المادة 99" بشأن حرب غزة
إسراء جمعة

تأتي هذه الورقة ضمن إنتاج المشاركين/ات في برنامج "التفكير الإستراتيجي وإعداد السياسات" - الدورة الثامنة، الذي ينفذه مركز مسارات بالتعاون مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي.

مقدمة

تتابع الأمم المتحدة مجريات حرب الإبادة في غزة، التي خلفت بعد 200 يوم من الحرب أكثر من 34 ألف شهيد ونحو 77 ألف جريح، وتشريد نحو مليوني فلسطيني خارج أماكن سكناهم، وتسعى من ذلك إلى تحقيق وقف إطلاق نار إنساني في غزة عبر العديد من الجلسات والنداءات.

وفي هذا الصدد، وجه أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، رسالة، بتاريخ 6 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلى مجلس الأمن بموجب المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة، جاء فيها "إنني أحثّ أعضاء مجلس الأمن على ممارسة الضغط لدرء حدوث كارثة إنسانية ... وأؤكد مجددًا مناشدتي للإعلان عن وقف إطلاق النار لدواعٍ إنسانية[1]". فإلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الخطوة في مسار الحرب في غزة؟

على الرغم من أن دعوة غوتيريش لتفعيل المادة 99 لم تؤد إلى نتائج مباشرة فعلية، فإنّه يمكن النظر إليها بوصفها جزءًا من بناء رأي عام دولي يحاول الاستفادة من القانون الدولي، والمنظمات الدولية، بأفضل السبل الممكنة، وربما لا يمكن فصل اتجاه جنوب أفريقيا لمحكمة العدل الدولية، ضد "الإبادة" الإسرائيلية في غزة، إلا ضمن تداعيات أحدها خطوة غوتيريش، ومن الخطوات الأخرى التي تبناها مراقبون تشكيل محكمة دولية خاصة بما يحدث في قطاع غزة.

المادة 99

هي أقوى أداة يمتلكها الأمين العام، وأكثرها أهمية من بين المواد الخمس التي تحدد مهماته، وتندرج تحت الفصل الخامس عشر من ميثاق المنظمة، وتنص على أن "للأمين العام أن ينبه مجلس الأمن إلى أية مسألة يرى أنها قد تهدد حفظ السلم والأمن الدولي"، وتسمح له ببدء مناقشة في مجلس الأمن حول قضية معينة للضغط على الأعضاء من اجل اتّخاذ إجراءات تحفظ السلم والأمن الدوليين، خاصة في الحالات التي يواجه فيها مجلس الأمن صعوبات في التوصل إلى اتفاق بشأن الصراعات الناشئة[2].

استُخدمت هذه المادة بشكل صريح خمس مرات، الأولى في العام 1954 في بداية الحرب الكورية، والثانية في العام 1960 إبّان الأزمة في الكونغو، والثالثة في العام 1971، من أجل تنبيه مجلس الأمن بشأن الصراع الهندي الباكستاني، والرابعة في العام 1979 عقب استيلاء طلاب إيرانيين على مبنى السفارة الاميركية في طهران، أما المرة الخامسة فكانت في عام 1989 بعد تصاعد حدة القتال في لبنان[3]. ويعد تفعيل هذه المادة من قبل غوتيريش هي المرة السادسة منذ عقود. وفي حالة الكونغو، اجتمع مجلس الأمن في اليوم التالي لتفعيل المادة، وصدّق على إطلاق مهمة حفظ سلام واسعة في البلد الأفريقي. لكن ما دوافع غوتيريش للجوء إلى تفعيل المادة 99 هذه المرة؟

أشار غوتيريش في رسالته إلى مجلس الأمن أن السبب وراء تفعيل المادة 99 هو استمرار الأعمال العدائية في غزة؛ ما أدى إلى كارثة إنسانية تهدد الأمن والسلم الدوليين. وقال إن المدنيين في أنحاء القطاع يواجهون خطرًا جسيمًا بعد تدمير أكثر من نصف المنازل ومقتل أكثر من 15 ألف مدني، نحو 40% منهم أطفال، إضافة إلى تهجير 80% من السكان. ومع انهيار المنظومة الصحية وتحول المستشفيات إلى ساحات معارك، شدد غوتيريش على ضرورة استخدام المجتمع الدولي لنفوذه لوقف الكارثة الإنسانية في غزة[4]؛ بمعنى ممارسة الضغط من قبل الدول على مجلس الأمن للوصول إلى وقف إطلاق النار من دون استخدام الفيتو لمنع القرار.

ردود الفعل الدّولية

أثارت هذه الخطوة غضب إسرائيل؛ إذ اتهم إيلي كوهين، وزير الخارجية الإسرائيلي، غوتيريش بدعم حركة "حماس"، ودعا إلى استقالته، معتبرًا مدة عمله رئيسًا للمنظمة الدولية "خطرًا على السلام العالمي"[5].

في المقابل، رحبت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية بقرار غوتيريش بشأن تفعيل المادة 99؛ إذ وصفت القرار في بيان صدر عنها، بتاريخ 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023، بأنه "خطوة ضرورية جدًا" تنسجم مع مهمات مجلس الأمن، ومؤسسات الشرعية الدولية، والتحذيرات الدولية بشأن تداعيات الكارثة الإنسانية التي حلت بالفلسطينيين في قطاع غزة[6].

أما عربيًا، فرحب أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، بالمبادرة، وشدد على ضرورة تحمّل مجلس الأمن مسؤوليته بعد الإفشال المتكرر لقرار وقف إطلاق النار[7].

من جانبه، دعا جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، أعضاء دول الاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن والشركاء إلى دعم دعوة غوتيريش، وشدد على ضرورة التحرك الفوري لمجلس الأمن لمنع الانهيار الكامل للوضع الإنساني في غزة[8].

بدوره، أعلن تيدروس أدهانوم جيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، دعمه لتفعيل المادة 99، وأكد أهمية الحاجة إلى السلام من أجل الصحة، لا سيما في ظل انهيار النظام الصحي فى غزة[9].

على الجهة الأخرى، استخدمت الولايات المتحدة الأميركية بعد تفعيل المادة 99 حق النقض "الفيتو" ضد مشروع القرار الذي قدم في مجلس الأمن، وتم التصويت عليه في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2023 بشأن وقف إطلاق نار فوري إنساني؛ إذ قال روبرت وود، نائب السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، أمام أعضاء المجلس، إن بلاده لا تؤيد دعوات الوقف الفوري لإطلاق النار.

وأضاف وود أن وقف إطلاق النار لن يؤدي سوى إلى غرس بذور الحرب المقبلة؛ "لأن "حماس" لا ترغب في تحقيق السلام الدائم أو حل الدولتين"، مؤكدًا حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، ومنتقدًا فشل مجلس الأمن الدولي في إدانة هجمات حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023[10].

مدى فاعلية المادة 99 في سياق الحرب على غزة

يعدّ تفعيل هذه المادة بمنزلة جرس إنذار للكارثة الإنسانية التي تخيّم على قطاع غزة بفعل استمرار الحرب. كما تحذر هذه المادة مجلس الأمن من العواقب الوخيمة للحرب التي تهدد حفظ الأمن والسلم الدوليين في المنطقة، علمًا أنه من الصعب وصول مجلس الأمن إلى موقف حاسم بوقف إطلاق نار إنساني فوري طالما هناك دعم مستمر مباشر من الولايات المتحدة لإسرائيل من أجل تحقيق أهدافها في هذه العملية والقضاء على "حماس" في غزة. إضافة إلى ذلك، فإن القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة غير ملزمة، على الرغم من أنها تعبر عن الرأي العام العالمي الأممي بشأن قضية ما؛ ما يؤثر في السيناريوهات السياسية للكثير من الدول في اتخاذ المواقف والقرارات.

إن استخدام هذه المادة يعني تفعيل السلطة الممنوحة من قبل ميثاق الأمم المتحدة للأمين العام، وقد وصفها ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمم المتحدة، بالخطوة الدستورية الكبرى[11].

على الرغم مما سبق، تختلف التقديرات حول مدى فاعلية استخدام المادة 99، فمعظم استخداماتها لم تحقق السلام الذي تسعى إليه؛ ذلك لأن تدخل الأمين العام لا يغير غالبًا الحسابات السياسية للدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن. فعلى سبيل المثال، استمرت الحرب في الكونغو بعد العام 1960، على الرغم من دعوة بلجيكا إلى سحب قواتها وإرسال قوة حفظ سلام للأمم المتحدة، وفي إيران لم تسفر دعوة مجلس الأمن لإطلاق الرهائن الأميركيين عن شيء، إلا بعد عام وثلاثة أشهر، كما استمر الصراع في لبنان لنحو عام آخر بعد أن دعا مجلس الأمن جميع الأطراف إلى وقف إطلاق النار [12].

وفي حالة حرب غزة، فقد عارضت الولايات المتحدة قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن، وبالتالي ضعفت دعوة غوتيريش، لكنها أحرجت الإدارة الأميركية أمام المجتمع الدولي الذي أيد بقوة سرعة التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار.

خاتمة

على الرغم أن المادة 99 لا تؤدي على الفور إلى تنفيذ إجراء مباشر من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن، فإنها يمكن أن تقدم لمجلس الأمن قوة دافعة لإعادة النظر في مشاريع القرارات الفاشلة سابقًا فيما يتعلق بالوضع في غزة، بما في ذلك قرار وقف إطلاق النار. إضافة إلى ذلك، فإن محاولات الأمم المتحدة مستمرة في شأن وقف إطلاق النار الفوري في غزة.

لعل فشل تفعيل المادة 99 من تحقيق شيء على أرض الواقع، حفّز جنوب أفريقيا ومن معها من الدول الداعمة إلى اللجوء إلى محكمة العدل الدولية لرفع شكوى ضد جرائم إسرائيل، وإن لم تؤد هذه الخطوات إلى وقف إطلاق النار، فإنها ستحث دول العالم، لا سيّما دول العالم الثالث، على التحرّك ورفع الصوت بشكل أكبر نحو إعادة النظر في مجلس الأمن وصلاحياته وتطوير بنيته ونظام عمله؛ لينأى العالم من تفرد دولة عظمى من التحكم في مسار عمل منظومة كاملة، لا سيما أن حرب غزة كشفت فشل المنظومة الدولية في تحقيق الأمن والاستقرار، وأن قرار دولة واحدة من شأنه أن يشل إرادة المجتمع الدولي والحدّ من قدرة مجلس الأمن على الاضطلاع بمسؤولياته.

في هذا السياق، دعا مارتن غريفيث، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، في مقابلة مع صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023، إلى إنشاء محكمة خاصة بحرب غزة[13]. ومن هنا يبقى التساؤل مستمرًا حول تأثير قرارات المنتدى العالمي الذي يعرف بمنظومة الأمم المتحدة في قضايا الحياة والموت، وتحديدًا الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

الهوامش

* ما يرد في هذه الورقة من آراء يعبر عن رأي كاتبتها، ولا يعكس بالضرورة موقف مركز مسارات.

[1] رسالة الأمين العام لمجلس الأمن حول تفعيل البند 99 من ميثاق الأمم المتحدة، موقع الأمم المتحدة، 6/12/2023: https://bitly.ws/36LFb

[2] ميثاق الأمم المتحدة (النص الكامل)، موقع الأمم المتحدة، 20/12/2023: https://bitly.ws/AiXP

[3] ما فائدة المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة؟، المشهد، 8/12/2023: https://bitly.ws/36Pz3

[4] رسالة الأمين العام، مصدر سابق.

[5] Israeli FM accuses UN head of backing Hamas after he uses rare clause to urge truce, The Times of Israel, 2/2023: https://bitly.ws/36QA8

[6] "الخارجية" ترحب بمبادرة غوتيريش وتدين التحريض الإسرائيلي عليه وتعتبره "إرهابًا سياسيًا"، وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)، 7/12/2023: https://bitly.ws/36UA4

[7] منشور لأحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، عبر حسابه الخاص في منصة إكس، 6/12/2023: https://bitly.ws/36QCq

[8] منشور لجوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، عبر حسابه الخاص في منصة إكس، 7/12/2023: https://bitly.ws/36QL9

[9] منشور لتيدروس أدهانوم جيبريسوس، مدير منظمة الصحة العالمية، عبر حسابه الخاص في منصة إكس، 6/12/2023: https://bitly.ws/36QNt

[10] الولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد مشروع قرار يطالب بالوقف الإنساني لإطلاق النار في غزة، موقع الأمم المتحدة، 8/12/2023: https://bitly.ws/36Ub7

[11] تفعيلًا للمادة 99، غوتيريش يرسل خطابًا لمجلس الأمن حول الوضع في فلسطين وإسرائيل باعتباره تهديدًا للسلم والأمن الدوليين، موقع الأمم المتحدة، 6/12/2023: https://bitly.ws/36UWa

[12] بعثات حفظ السلام، موقع الأمم المتحدة: https://bitly.ws/36V84

[13] UN aid chief Martin Griffiths: 'The war in Gaza isn’t halfway through’, Financial Times, 18/12/2023: https://bitly.ws/36WqX

مشاركة: