قال د. أشرف بدر، المختص بالشأن الإسرائيلي، زميل باحث للمجلس العربي للعلوم الاجتماعية، إنّ أحداث السابع من أكتوبر قد تدفع باتجاه تطوير النظرية الأمنية الإسرائيلية وتغييرها في جوانب عدة؛ من بينها زيادة عدد أفراد الجيش وميزانيته، وما يعنيه ذلك من مغادرة "مفهوم جيش صغير وذكي" باتجاه جيش كبير وميزانية أكبر، موضحًا أنه حتى تنتهي الحرب سيبقى الجدل قائمًا بين صناع القرار الإسرائيلي بشأن مفهومَيْ الحسم والنصر الكافي، لكن في حال بقيت المقاومة قائمة في قطاع غزة، يتوقع أن تتجه الأمور إلى إعادة تبني مفهوم النصر الكافي.
فيديو الجلسة الحوارية نص الورقة
جاء ذلك ذلك جلسة حوارية نظّمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، لمناقشة ورقة تقدير إستراتيجي أعدّها بدر، بعنوان "تأثير السابع من أكتوبر على النظرية الأمنية الإسرائيلية"، بمشاركة أكثر من 30 باحثًا وأكاديميًا وناشطًا من الجنسين من مختلف التجمعات الفلسطينية، عبر تقنية زووم. وقد أدار الحوار خليل شاهين، مدير البرامج في مركز مسارات.
وأشار بدر إلى أن الورقة تهدف إلى تحليل ودراسة النظرية الأمنية الإسرائيلية، والتأثيرات الإستراتيجية والتغيّرات المتوقعة عليها عقب السابع من أكتوبر، وما تبعه من حرب دموية على قطاع غزة، وذلك عبر الإجابة عن سؤال رئيس يتعلق بأسس العقيدة الأمنية الإسرائيلية، والتغيرات الإستراتيجية المتوقعة عقب طوفان الأقصى.
وأوضح أن الورقة تستند إلى منهجية متعددة التخصصات، من خلال دراسة وتحليل المصادر الأولية المتوفرة، كتقرير لجنة الوزير دان مريدور، وكذلك إستراتيجية الجيش الإسرائيلي المنشورة في العام 2018. ويضاف إلى ذلك أبرز الخطط المقترحة من الجنرالات الإسرائيليين لتطوير النظرية الأمنية الإسرائيلية.
وتجادل الورقة بحصول تحوّلات وتغيّرات في النظرية الأمنية الإسرائيلية؛ نتيجة لفاعلية المقاومة وتأثير القوى الإقليمية، إضافة إلى التناقضات الداخلية الإسرائيلية.
وأوضح بدر أنه على الرغم من وجاهة الرأي الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي بأهمية الاعتماد على التكنولوجيا مقارنة بزيادة عدد القوى البشرية للجيش، فإن الرأي السائد في الحيز العام الإسرائيلي يميل إلى ضرورة زيادة عدد الجيش. فالتوجه العام لدى القيادة السياسية الحالية وقيادة أركان الجيش يذهب باتجاه أولوية زيادة العدد، وهذا الرأي سابق لأحداث السابع من أكتوبر، وغير متأثر بصدمتها كما يدعي تقرير معهد دراسات الأمن القومي.
وتوقّع المزاوجة بين مساريْ زيادة عدد أفراد الجيش والاهتمام بالجانب التكنولوجي، من خلال تعزيز التفوق التكنولوجي، وتخصيص الميزانيات لذلك، بالتوازي مع زيادة عدد المجندين في الجيش عبر سن قانون جديد للخدمة العسكرية، يلزم قطاع الحريديم بالمشاركة في الخدمة العسكرية أو المدنية؛ ما سيزيد عدد المنتسبين إلى الجيش.
وقال بدر إن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق دافيد بن غوريون وَضَعَ في خمسينيات القرن العشرين مبادئ الأمن القومي الإسرائيلي، التي بنيت على مبدأين مركزيين: "جيش الشعب"، و"الثالوث الأمني"؛ إذ يتحقق مفهوم "جيش الشعب" من خلال فرض التجنيد الإجباري على جميع الإسرائيليين (مع الاستثناء الخاص بالحريديم من طلاب المعاهد الدينية)، وبذلك يتحولون إلى جنود احتياط، فيما تأسس "الثالوث الأمني" على ثلاثة أسس: الردع، والإنذار، والحسم.
وأشار إلى أن هرتسي هليفي، رئيس الأركان الإسرائيلي، وضع في خطته "المتعددة السنوات لكل الجبهات" أربعة محاور، مع إشارته إلى أن الجيش الإسرائيلي، منذ حرب لبنان الثانية (2006)، يعمل لمواءمة قدراته لكي يستطيع خوض حرب مع تنظيمات عسكرية قد تتحول إلى جيوش. والمحاور هي: أولًا، علاقة المجتمع بالجيش، ومفهوم "جيش الشعب". ثانيًا، الخطر الإيراني واحتمالية اندلاع مواجهة متعددة الجبهات، وأهمية امتلاك الجيش القدرات الملائمة لمواجهة حرب متعددة الجبهات. ثالثًا، وجود مستوى معين من الإنجازات في الحرب لا يمكن تحقيقها من دون الاجتياح، وهذا بدروه يتطلب استخبارات جيدة، ونيرانًا دقيقة، وفاعلية. رابعًا، "لا مركزية القرار"، وإعطاء الصلاحية للضباط من أجل اتخاذ القرارات وقيادة المهمات.
وتطرق إلى التحوّل في طبيعة المواجهة العسكرية، الذي حدث عقب حرب أكتوبر في العام 1973، من حروب مع جيوش نظامية إلى حرب غير نظامية مع التنظيمات والحركات العسكرية؛ ما ساهم في إدخال مفاهيم جديدة عدة؛ من بينها "عقيدة الضاحية"، و"جز العشب"، و"المعركة بين الحروب". وانعكس هذا التحوّل على استبدال "الحسم" بتحقيق "النصر".
وأضاف: انعكس التحوّل إلى مفهوم النصر على إستراتيجية الجيش الإسرائيلي للعام 2018، التي تضع ضمن أهداف الجيش السعي إلى تحقيق حالة من العجز عند الخصم، أو حالة من عدم الرغبة في مهاجمة إسرائيل؛ لعدم قدرته على الدفاع عن نفسه؛ ما يعزز حالة الردع، ويحقق هدوءًا أمنيًا لمدّة زمنية طويلة.
وتناول بدر إستراتيجية "المعركة بين الحروب"، التي تعدّ امتدادًا للتطوّرات في النظرية الأمنية الإسرائيلية، بوصفها إستراتيجية وقائية؛ إذ تستند هذه الإستراتيجية إلى سلاح الجو الإسرائيلي، واستخدام "الضربات الاستباقية" ضد الخصم خارج إطار الحرب؛ بهدف الوصول إلى حالة من منع تصاعد قوة العدو وردعه. وقد تبنى الجيش الإسرائيلي في إستراتيجيته للعام 2018 سياسة "المعركة بين الحروب"؛ بهدف تعزيز الردع والحفاظ عليه. ويمكننا القول إن استهداف التواجد الإيراني في سوريا يندرج تحت هذه السياسة.
وأشار إلى أن هليفي أضاف إلى النظرية الأمنية، قبل 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مفهوم "الردع النسبي" بدلًا من الردع الكامل، ضاربًا مثال حزب الله في جنوب لبنان، الذي ادّعى أنّه "مردوع نسبيًا"، فهو مردوع من خوض معركة شاملة مع إسرائيل، لكنه غير مردوع من خوض مواجهة لن تؤدي إلى حرب شاملة؛ لأن ما حصل في حرب 2006 من تدمير للبنية التحتية (عقيدة الضاحية) سيردعه عن ذلك.
وقال بدر إن الفشل الأمني الإسرائيلي في السابع من أكتوبر دَفَعَ باتجاه إعادة النظر في مركبات النظرية الأمنية الإسرائيلية. كما طرأ تغيّر في النظرية الأمنية الإسرائيلية بفعل عوامل عدة؛ من بينها فاعليّة المقاومة التي ساهمت في التحوّل من مفهوم الحسم إلى النصر الكافي، ومن الردع الشامل إلى الردع النسبي. كما دفعت الفاعلية الفلسطينية (وكذلك اللبنانية) المتمثلة في الهجمات الصاروخية، باتجاه إضافة عنصر الدفاع إلى النظرية الأمنية الإسرائيلية. وفيما يتعلق بتأثير القوى الإقليمية في النظرية الأمنية لإسرائيل، نلمس التوجه نحو عقد التحالفات الإقليمية لمواجهة تعدد الجبهات والساحات.