الرئيسية » تقدير موقف » معتصم زيدان »   09 تشرين الأول 2024

| | |
الفعل السياسيّ والمدنيّ في الداخل بعد السابع من أكتوبر
معتصم زيدان

هذه الورقة من إعداد معتصم زيدان، ضمن إنتاج أعضاء "منتدى الشباب الفلسطيني للسياسات والتفكير الإستراتيجي" الذي يشرف عليه مركز مسارات.

مقدمة

فرضت عملية السابع من أكتوبر الماضي، وما تلاها من حرب إبادة جماعيّة على أهالي قطاع غزّة، وتصعيد إسرائيلي في الضفة الغربية والقُدس، واقعًا جديدًا على الفلسطينيّين في المناطق المُحتلة العام 1948، شملت حملات قمعٍ للأفراد والتنظيمات السياسيّة، بما فيها لجنة المتابعة العُليا لقضايا الجماهير العربيّة، واعتقال المئات، وتهديد وملاحقة الطلبة والنخب الأكاديميّة والمهنيّة، ومحاكتهم وفض المظاهرات[1].

في المقابل، شهدت الساحة السياسيّة الفلسطينيّة في الدّاخل تحركاتٍ عدّة داخل الأحزاب والحركات السياسيّة، إذ حمل مؤتمر التجمع الوطنيّ الديمقراطيّ الثامن عنوان "القضية قضيتنا"[2]، ونظّمت الشبيبة الشيوعيّة مؤتمرها الثاني والعشرين[3]، إضافة إلى قرار الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة والحركة العربيّة للتغير مدّ جسور التحالف والشراكة السياسيّة مع المُنافسين[4]، فضلًا عن السجال بين قيادات الحركة الإسلاميّة الجنوبيّة بشأن تصريحات منصور عباس بما يتعلق بالحرب على غزّة[5]. وأبرز هذه التحركات هي التي شهدتها تصريحات ممثلي الأحزاب بشأن تشكيل القائمة المُشتركة مُجدّدًا[6].

تطرح التحركات المذكورة أعلاه تساؤلاتٍ عدّة بشأن شكل الفعل السياسيّ في الدّاخل الفلسطينيّ بعد السابع من أكتوبر، وتبعات حملات القمع على التحرك السياسيّ الفلسطينيّ، والمعوقات التي تقف أمام تشكيل الوحدة النضاليّة الحقيقيّة لتحدي الهيمنة الصهيونيّة.

ترى الورقة أنّ لحظة السابع من أكتوبر حملت معها تداعيات على المشهد السياسيّ الفلسطينيّ في الدّاخل، فضلًا عن تعميق الخلافات بشأن شكل العمل السياسيّ وحدوده بين القوى المختلفة، ما سيؤدي إلى انقسام فلسطينيّ فيما بينهم.

من أوسلو إلى هبة الكرامة

مارس الفلسطينيّون في الدّاخل منذ نشأة إسرائيل السياسة من خلال التنظيم الحزبيّ والحركيّ، متمثلًا في دخول المعترك التمثيليّ في سلطات إسرائيل التشريعيّة أو التنفيذيّة المحليّة، فضلًا عن التظاهر والاحتجاج وغيرهما من الأدوات[7].

في المقابل، لم تكف الأذرع الإسرائيليّة عن ملاحقة الفعل التنظيميّ والتضييق عليه، وضربه. وفي بعض الأحيان حلّها وتفريغها من قدرتها على التأثير السياسيّ والمُجتمعيّ. كانت أبرز هذه المحطات خلال العقود الماضية إخراج الحركة الإسلاميّة عن القانون في نهاية العام 2015، والملاحقة القضائيّة لحزب التجمع بعد فترة وجيزة[8].

كما عمدت إسرائيل إلى ضرب قادة التنظيمات ومناصريهم بهدف زعزعة بُناها الداخليّة بشكل مُستمر، كملاحقة مُؤسّس التجمع، عزمي بشارة، والسجن المُتكرّر للشيخ رائد صلاح من الحركة الإسلاميّة بشقها الشماليّ[9]، والتحريض المُستمر على عضو الجبهة عوفير كسيف[10]. وطالت هذه المُلاحقات الحركات الطُلابيّة الفلسطينيّة في الجامعات الإسرائيليّة، وشبيبة الحركات والأحزاب ونشطاء مُستقلين[11].

ومارس فلسطينيو الداخل العمل السياسي من خلال مُؤسّسات المُجتمع المدنيّ في مجال تقديم الخدمات، ومقارعة النظام الإسرائيليّ، بغية تحدي هياكل القوة السلطويّة في الدولة، وكذلك النضال في السلك القضائيّ، والتعبئة الاجتماعيّة، وتقديم المعونات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة وغيرها التي أنتجتها حالة عدم المساواة البنيويّة في سياسات المؤسّسات البيروقراطيّة الإسرائيليّة[12].

لم تسلم هذه المؤسّسات من القمع الإسرائيليّ، إذ شُنت الحملات على الحركات التابعة لها، كما حصل عند إغلاق المكاتب التابعة للحركة الإسلاميّة لحظة حظرها عن القانون، إضافة إلى دور السياسات الاقتصاديّة في إغلاق بعضها. كما هُدّدت هذه المؤسّسات بقانون "النكبة" الذي يقضي بمنع تمويل مُؤسّسات تحيي ذكرى النكبة[13].

قُبيل السابع من أكتوبر

كشفت مظاهرات الفلسطينيين في الدّاخل خلال هبّة الكرامة، في أيار/ مايو 2021، عن مدى التلاحم الجماهيريّ لهذه المجموعة مع باقي أجزاء الشعب الفلسطينيّ، ما أدّى إلى اشتعال مناطق تماس عديدة، تحديدًا بما يُعرف بالمُدن المُختلطة. وفي ضوء ذلك، صعّدت إسرائيل حدّتها تجاه الفلسطينيّ، بما فيها من مُؤسّسة شُرطيّة ومستوطنين[14].

لم تقتصر دلالات هبة الكرامة على تأكيد وحدة وانتماء الجغرافيا الفلسطينيّة، بل أشارت إلى تحولات جذريّة في المجتمع، منها ضعف التنظيمات السياسيّة في التوجيه والاستثمار في الصراع أمام إسرائيل شعبًا ومُؤسّسات، ما أظهر أزمة ثقة الجمهور بالتنظيمات السياسيّة وبيانًا بأنّنا على أعتاب مرحلة جديدة[15].

أجملت الأبحاث أنّ التغيّرات القادمة ستحمل أبعادًا جذريّة على مناحٍ عدّة، منها العلاقات الفلسطينيّة – الإسرائيليّة، والنهج السياسيّ الإسرائيليّ تجاه القوى السياسيّة في الدّاخل، وطرق التعامل معها، وردعها، وتطويع القاعدة الشعبيّة وردعها مُستقبلًا. كما لوحظ أنّ هذه المرحلة من الممكن أن تؤدي إلى ردّ الاعتبار للخطاب الوطنيّ الفلسطينيّ ومأسّسته من جديد وفقًا لظروف مرحليّة جديدة[16].

يشهد المجتمع الفلسطينيّ منذ الانتفاضة الثانية، وتحديدًا بعد انضمام إسرائيل إلى منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (ـOECD) في العام 2009، تغيراتٍ في الوعي السياساتيّ الإسرائيليّ بشأن ضرورة دمج الفلسطينيّين في سوق العمل الإسرائيلية.

فلسطينيًّا، نُظر إلى السياسيات على أنها نهج قمعيّ للهويّة الجمعيّة. ولوحظت تغيرات مشابهة في السجون – باعتباره تجسيدًا للعالم الأكبر – ووصفت على أنها انتقال من سياسات محاربة الوعي إلى سياسات الإغراء والإغواء، الّتي تعمل على فرز المشهد الفلسطينيّ وفقًا لعاملَين اثنين: تفكيك البُنى التنظيميّة، وإقصاء مخالفي تعاليم الهيمنة[17].

تُشير المُعطيات الاقتصاديّة الظاهرة منذ دخول إسرائيل إلى مُنظمة التعاون الاقتصادي إلى أنّ إسرائيل عملت ونجحت في دمج الفلسطينيّين في سوق العمل الإسرائيلية بشكل كبير، من خلال مُنظمات مجتمع مدنيّة فلسطينيّة تعمل على دمج المواطنين العرب في القطاعيْن العامّ والخاصّ، ما يدل على دخول لاعبين جُدد حقل المؤسّسات المدنيّة الفلسطينيّة[18].

كما أفرز الخطاب السياسيّ بين أوساط القوى الوطنيّة والإسلاميّة نمطًا اندماجيًّا للمرة الأولى، عبر التأثير مُباشرةً في صنع القرار من قلب المشهد الإسرائيليّ، إذ توجّه النائب في الكنيست، منصور عباس وتيارٌ من حزبه، الحركة الإسلاميّة بشقها الجنوبيّ، نحو الدخول إلى الائتلاف الحكوميّ في العام 2021.

خلال هبة الكرامة، أثّرت الرؤية الاندماجيّة في الفعل السياسيّ لعباس، حيث امتنع عن زيارة المسجد الكبير والأهالي المتضرّرين في اللد، بتبريرات الضرر السياسي الناتج من ذلك. في المقابل، زار الكنيس المُتضرر بفعل الأحداث في المدينة، ما أثار استياء القاعدة والقيادة المحليّة[19].

لم تُؤثر الهبة في الخطاب السياسيّ الدّاخليّ فقط، بل امتد أثرها إلى المستوى السياسيّ الإسرائيليّ، فمع انتهاء حكومة الوحدة في نهاية العام 2022 التي ضمت منصور عباس، صعدت حكومة نتنياهو المتحالفة مع اليمين الفاشيّ والمتطرف، وضمت الأحزاب "الكهانيّة" الّتي كان خارج الحيز الإسرائيليّ العامّ على مدار العقدين الماضيين، فضلًا عن صعود الصهيونيّة الدينيّة الاستيطانيّة إلى مركز صناعة القرار الإسرائيليّ بعد أنّ كانت على هامشه[20].

ومن أبرز  دلالات صعود اليمين الفاشيّ هي سياسات الحكومة تجاه الفلسطينيّين في كافة أماكن تواجدهم، خصوصًا في ظلّ إعلانات مستندة إلى إيمان عقائديّ بضرورة حسم الصراع على الطريقة الميثولوجيّة، وذلك من خلال الدعوة إلى تطبيق "خطة الحسم"، وتخيّير الفلسطينيّين إمّا بالتطهير العرقيّ، أو قبول وجودهم بوصفهم أشخاصًا أقل حقوقًا، أو الإبادة. ولعل أبرز الاستنتاجات عن تركيبة الخريطة السياسيّة الإسرائيليّة بحُلتها الجديدة هو القرار المُبطن على صعيد الجماهير الإسرائيليّة بعدم استمرار رغبتها في حكم الفلسطينيّ ومجاورته في الظروف السابقة[21].

الجغرافيا الموازية للسابع من أكتوبر

تتذرع إسرائيل بعملية السابع من أكتوبر لفرض واقعٍ جديد على أرض فلسطين التاريخيّة، حيث سُربت وثائق قدّمتها وزيرة الاستخبارات الإسرائيليّة تدعو إلى تهجير أهالي غزّة إلى سيناء[22]، وتعديل السياسات لضم الضفة الغربيّة بطريقة تثير أقل استياءات دوليّة[23]. كما أُعلن عن الدّاخل أنّه جبهة للحرب، والتحريض المُستمر عليه، الذي نُظر إليه بوصفه حكمًا عسكريًّا غير مُعلن تم فرضه، على الرغم من الحقوق الّتي تكفلها حُزمة المواطنة.

وفي ضوء ذلك، شهد الواقع السياسيّ والاجتماعيّ تغيّرًا جذريًّا في كل ما هو مُؤثر في حياة الفلسطينيّ في الدّاخل، ما بيّن هشاشة المواطنة لكل ما هو غير يهوديّ في إسرائيل، وبشكلٍ خاص المشاريع الجمعيّة[24].

المشاريع الجمعيّة: الفعل ورد الفعل

وضع اليمين الفاشيّ مع تشكيل حكومة نتنياهو الجديدة مهمة ضرب المشاريع الجمعيّة الفلسطينيّة في الدّاخل على أجندتهم السياسيّة، وتحديدًا لجنة المتابعة، إذ شهد شهر تموز/ يوليو 2023 محاولات تشريعيّة لحظر عمل اللجنة بتهم هبّة الكرامة 2021، كما حُرضت عليها جماهيريًّا من خلال عريضة تطالب بحظرها قبل الحدث بأشهر[25]. وخلال حرب الإبادة على غزة قامت الشرطة باعتقال قادتها في مظاهرة ضد الحرب. ولا تتوقف عملية التحريض على قادتها منذ ذلك الحين بتوجيه من مُشرعين فاشيّين ومُؤسّسات خلايا تفكير مُؤثرة في صناعة القرار الإسرائيليّ[26].

وأظهرت الأحزاب العربية أثناء الحرب محاولات لإعادة بناء التنظيم والتطلّع الحزبيّ، بهدف خلق قواعد شعبيّة جديدة، وإعادة الثقة مع القاعدة، ولوحظت محاولات إعادة ترميم التنظيم والتصدي للقمع المفروض عليها في هذه المرحلة.

على الصعيد السياسي داخل الخط الأخضر، ظهرت ثلاثة أنماط للفعل السياسيّ، وهي:

النمط الأول: المراجعة الجذريّة للتجربة وصب الطاقات الحزبيّة لردّ الاعتبار للمشروع الوطنيّ الفلسطينيّ. وظهر ذلك في مؤتمر التجمع الثامن الّذي اختار عنوانًا له "القضية قضيتنا"، في إشارة إلى القضية الفلسطينيّة، وخاصةً غزة. كما عُرض فيه تسجيل مصوّر لمصطفى البرغوثي، الأمين العام للمبادرة الوطنيّة الفلسطينيّة، بشأن ضرورة الوحدة ومد جسورها[27].

النمط الثاني: تصريحات منصور عباس الّتي خاطبت المجتمع الإسرائيليّ، ونصلته من اتهامات الإبادة الجماعيّة وجرائم الحرب الّتي رُفعت بدعوى جنوب أفريقيا المُقدّمة في محكمة العدل الدوليّة. ووصف رئيس الحركة ذاتها السابق، إبراهيم صرصور، تصريحاته أنها هادفة إلى استرضاء المستوى السياسيّ الإسرائيلي، ما يشير إلى رغبة في التنصل من الانتماء الفلسطينيّ على حساب الشراكة[28].

النمط الثالث: ظهر في فعل الجبهة الديمقراطيّة بشأن إعادة بناء القائمة المشتركة بصيغتها التقنيّة، أو بناءً على برنامجٍ توافقيّ، من دون حتى الخوض في تفاصيل التغيّرات الحاصلة أخيرًا، وتقاطب خطابين سياسيين كلٌ إلى جهة[29].

في المجمل، تدل الأنماط المُختلفة للأفعال السياسيّة عن وجود انقسام بشأن ماهيّة الخطاب السياسيّ ورؤيته بين الأحزاب، وتشير التقديرات إلى أنّ هذا الأمر تعمق بشكل جذريّ بعد السابع من أكتوبر.

إسرائيليًّا، لم تكف أذرع السلطة عن محاولات قمع التنظيمات السياسيّة، وظهر تحريض أكثر حدةً منذ السابع من أكتوبر، ما يشير إلى أنّ محاولات التنظيم ما لم يرافقها توسع جدّيّ ومدروس إستراتيجيًّا، متجذّر قاعديًّا، قابل للتغيّر هيكليًّا وفقًا للظروف، والمُعتمد في لأساس على مواطن القوة في الجماهيريّة وفي الخارج، تحديدًا بعد تعوّلم القضية الفلسطينيّة، لن تصمد أمام البطش الإسرائيليّ. في المقابل، قد يجد الخطاب المُتقدّم بشكلٍ حاد نحو الاندماج في النظام السياسيّ الإسرائيليّ طريقه إلى الجماهير نظرًا لتفضيله إسرائيليًّا.

أمّا بالنسبة إلى مُؤسّسات المجتمع المدنيّ الفلسطينيّة في الدّاخل، فتتعرض الأخرى لحملات قمع، وهذه الحالة ليست وليدة الحرب، إنما نتاج السياسات الاقتصاديّة الّتي تنتهجها حكومات إسرائيل المُتعاقبة، والّتي تفاقمت مع الحكومة الجديدة وتسلّم صاحب خطة الحسم بتسلئيل سموتريتش، هذه الحقيبة الوزاريّة. فمنذ اندلاع الحرب تفاقم القمع الاقتصادي بحق هذه المؤسّسات بطريقة غير مسبوقة، تحديدًا بما يخص الأموال الآتية من الصناديق العالميّة والفلسطينيّة. تملك هذه السلطات مفتاح قنوات هذه الأموال الّتي تُعدّ أساسيّة ووحيدة عند بعض المُؤسّسات الّتي ترفض تمويلات إسرائيل المشروطة[30].

في المقابل، تعمل إسرائيل بأذرعها على تعزيز حضور مُؤسّسات مجتمع مدنيّ فلسطينيّة تحمل خطابًا اندماجيًّا، وذلك من خلال تقديم التمويل والدعم وأخذ الشرعية من المُشغّل والمجتمع الإسرائيلي. وإستراتيجيًّا، تبيّن هذه المرحلة تنافس مُؤسّسات جديدة على مدى الظهور في الحيّز الفلسطينيّ والتأثير في حياة الناس وتقديمهم للخدمات، ما يجعل جوهر عمل المؤسّسات الأكثر فاعليّةً في المجتمع الفلسطينيّ في الدّاخل اندماجيًّا[31].

هل نحن أمام انقسام فلسطينيّ - فلسطينيّ؟

إنّ أبرز التداعيات الإستراتيجيّة لعملية السابع من أكتوبر والتصعيد العامّ تجاه الشعب الفلسطينيّ غير المُباشر على العمل السياسيّ، هو تعميق جهوزيّة الانقسام الفلسطينيّ – الفلسطينيّ الداخليّ على أصعدة عديدة، منها السياسيّ والاجتماعيّ الاقتصادي، الذي بدأ بظروف سياسيّة أنتجتها الانتفاضة الثانية، وعمقتها هبّة الكرامة. ولم تكن هذه اللحظة الفارقة وليدة العمليّة والحرب، بل هي تراكم لسياسات إسرائيل في ضرب المشروع الوطنيّ الجمعيّ، ومُمارسة سياسات الإغراء والإغواء. في المقابل، هناك فعل سياسيّ من القوى المختلفة على كافة المستويات الفلسطينيّة لا يرتقي إلى مستوى يجابه السياسات الإستراتيجيّة الإسرائيليّة.

يُظهِر الواقع السياسيّ أنّ المشاريع الجمعيّة غير محصّنة أمام ضربات النظام الإسرائيليّ المرتقبة، ولذلك ستعمد إسرائيل إلى ضربها، حتى لو كانت جامعة لكافة مُركّبات الشعب الفلسطينيّ في الدّاخل. كما يُظهر أيضًا أنّ الانقسام الّذي حصل في الرؤيا السياسيّة تعمق بفعل هذه المرحلة ليصل إلى جوهر الخطاب والبوصلة السياسيّة، ما سيقلص مساحة الحياد في المرحلة المُقبلة أمام المؤسّسة الإسرائيليّة والشركاء السياسيّين، ومن الممكن أن يؤدي إلى استقطاب حاد بين رؤيتين وتوجهين سياسيين، ما يدل على عدم واقعيّة أي تكتل وحوديّ حزبيّ، حتى لو كان تقنيًّا.

خاتمة

الواقع التنظيميّ الحاليّ للأحزاب في الداخل لا يحاكي تطلّعات أجزاء من القاعدة الشعبيّة، لذلك فإنّ الدافعيّة لإنشاء تجربة تنظيميّة جديدة هي مؤشر لإمكانيّة إقامتها في حال توفرت الظروف السياسيّة السانحة.

في هذه المرحلة، يوجّه الخطاب الاندماجيّ المُتطلّع إلى المُستقبل عددًا كبيرًا من مُنظّمات المجتمع الفلسطينيّ، تحت مسميات التطوّر الاقتصاد الفرديّ والنخبويّ. بينما تعاني المؤسّسات المدنيّة الّتي تُصر على الارتكاز على إحياء النكبة، من التضييق وشحّ الموارد والمقارعة السلطويّة. وككافة العوامل السياسيّة المدنيّة الأخرى، سيكون أيضًا لهذا العامل والخطابين المنبثقين عنه أثرًا على انقسام فلسطينيّ - فلسطينيّ في الدّاخل وُلد بفعل خلافات على الرؤيا والخطاب.

الهوامش

[1] تداعيّات أوليّة للحرب على غزة، مدى الكرمل - المركز العربي للدراسات الاجتماعية التطبيقيّة، 22/10/2023: mada-research.org/post/15922

[2] التجمع الوطني الديمقراطي يعقد مؤتمره الثامن، صفحة حزب التجمع على منصة فيسبوك، 7/6/2024:

https://www.facebook.com/tjamoa/videos/450746690897748

[3] مهرجان مهيب في افتتاح مؤتمر الشبيبة الشيوعية، صحيفة الاتحاد، 29/6/2024: https://shorturl.at/adtbD

[4] اجتماع قيادة الجبهة بقيادة العربية للتغيير بهدف توسيع الشراكة والتحالف، قناة محمد مجادلة على تيلغرام، 7/6/2023: https://web.telegram.org/a/#-1001314402837

[5] أحمد حازم، هل تجاوز منصور عباس الخطوط الحمراء؟، كل العرب، 24/5/2024:

https://www.kul-alarab.com/Article/1091829

[6] سجال حول عودة الكتلة المُشتركة، قناة محمد مجادلة على تيلغرام، 23/7/2024: https://t.me/magadli/8346

[7] وليد العمري، الدّاخل الفلسطيني يُحلل أزمته، مجلة الدراسات الفلسطينيّة، العدد 10، ربيع 1992.

[8] نضال محمد وتد، ملاحقة مُستمرة وصمت رهيب، عرب 48، 15/4/2017: https://shorturl.at/Y6O2W

[9] اعتقالات وملاحقات مُستمرة للشيخ رائد صلاح، عرب 48، 15/8/2017: https://shorturl.at/NUU7b

[10] المطالبة بمحاكمة عوفير كسيف، قناة مساواة، 4/10/2022: youtube.com/watch?v=aygydbMH9mU

[11] عبير بكر ورنا عسلي، الاحتجاج المحظور، المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل (عدالة)، 2009: https://shorturl.at/p4WRf

[12] أمل جمّال، المجتمع المدنيّ العربيّ في إسرائيل، مجلة قضايا إسرائيليّة، العدد 26.

[13] قانون النكبة، مركز عدالة، 2011: adalah.org/ar/law/view/303

[14] خالد عنبتاوي، هبة في وضعية العتبة، مجلة عمران، العدد 46، 2023.

[15] المصدر السابق

[16] أنطوان شلحت، في الصورة الحالية لإسرائيل والفلسطينيّين في الـ 48، (غير منشور).

[17] وليد دقة، ما بعد صهر الوعي: سياسات الإغراء والإغواء، مجلة الدراسات الفلسطينيّة، العدد 139، صيف 2024.

[18] أريس بشارة، مشاريع الهايتك في القدس، بودكاست مدار، 2/1/2022: https://shorturl.at/fkwMM

[19] استنكار اللجنة الشعبية في اللد لزيارة منصور عباس، صحيفة القبس على 16/5/2021: https://shorturl.at/iB9iz

[20] هنيدة غانم، صعود أقصى اليمين، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيليّة – مدار، 6/11/2022: https://shorturl.at/lkK9S

[21] المصدر السابق.

[22] عميتي جازيت، اقتراح وزيرة الاستخبارات: ترانسفير لأهالي غزّة، كلاكليست، 24/10/2023: https://shorturl.at/2zlWK

[23] تغيير التركيبة في الضفة: تسريبات لوزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش، واينت، 12/6/2024: https://shorturl.at/wtTXh

[24] إمطانس شحادة، مواطنة هشة: العنصريّة والقمع، مدى الكرمل، حزيران/ يونيو 2024: https://shorturl.at/kdzAa

[25] كلمان ليفسكيند، لجنة التحريض، واللا، 25/9/2022: https://shorturl.at/YYuDz

[26] نوعا شفيغل وجاكي خوري، أعضاء الائتلاف يطالبون بإخراج لجنة المتابعة عن القانون، صحيفة هآرتس، 10/7/2023: https://shorturl.at/sxl57

[27] التجمع الوطني الديمقراطي يعقد مؤتمره الثامن، مصدر سابق.

[28] هل تجاوز منصور عباس الخطوط الحمراء؟، مصدر سابق.

[29] سجال حول عودة الكتلة المُشتركة، مصدر سابق.

[30] مقابلة خاصة مع مدير مُؤسّسة مجتمع مدنيّ، محفوظة في سجّلات الباحث الخاصّة.

[31] المصدر السابق.

مشاركة: