الرئيسية » مقالات »   03 نيسان 2025

| | |
الأسرى الإسرائيليون والضغط على حكومة الاحتلال بقلم: فادي البرغوثي

 بعد فشل العالم ومؤسساته في وقف حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، يظل ملف الأسرى الإسرائيليين الورقة الأكثر تأثيرًا داخل حكومة الاحتلال، وهو السيف الأخير الذي يمكن استخدامه للضغط على إسرائيل. أما الدعوات إلى الاستسلام وإنهاء حكم حماس قبل وقف الحرب، فإنها تمثل دعوة صريحة للانتحار الوطني، وليس مجرد إنهاء لحكم حركة سياسية. فالتصريحات الصادرة عن القادة الإسرائيليين تؤكد بوضوح استمرار الاحتلال والمضي قدمًا في سياسة الإبادة الجماعية والتهجير القسري، بما يتجاوز مجرد استهداف المقاومة المسلحة.

 تجربة 1982: دروس من الماضي

في هذا السياق، تبرز تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت عام 1982، حينما اضطرت المنظمة للخروج من لبنان بعد حصار طويل. آنذاك، كان نبيل شعث ممثلًا للمنظمة في المفاوضات مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، فيليب حبيب، حيث وضع شعث شرطًا أساسيًا للمغادرة، وهو ضمان حماية المخيمات الفلسطينية في لبنان من أي اعتداءات مستقبلية. وعلى الرغم من أن حبيب قدم تعهدًا شفويًا بهذا الصدد، إلا أن الواقع كان مختلفًا تمامًا. بمجرد خروج منظمة التحرير من بيروت، اجتاح الاحتلال الإسرائيلي المدينة، وارتُكبت مجزرة صبرا وشاتيلا، التي صدمت العالم بأسره. تلك المجزرة لم تكن مجرد عملية إبادة جماعية بحق المدنيين الفلسطينيين، بل كانت دليلًا حيًا على أن الاحتلال لا يلتزم بتعهداته، وأن الضمانات الدولية لا تعدو كونها وعودًا خاوية تستخدم كأدوات تكتيكية لتمرير مشاريع الاحتلال، دون أي التزام أخلاقي أو قانوني حقيقي.  

نتنياهو وحرب غزة: الطموح السياسي والمشروع الاستيطاني

 اليوم، لا يوجد حتى تعهد شكلي، وتصريحات رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال عيد الفطر كانت واضحة وصريحة: إنه لا يسعى فقط لنزع سلاح المقاومة وخروجها من غزة بلا شروط، بل يسعى لاستمرار القتال والتهجير، في إطار مشروع استيطاني طويل الأمد. حرب غزة بالنسبة لنتنياهو ليست مجرد صراع عسكري، بل هي حربه الشخصية، التي يخوضها كفرصة أخيرة قد تمنحه صفة المنقذ لدولة الاحتلال، ليس فقط عبر القضاء على حكم حماس، بل عبر تحقيق الحلم الإسرائيلي القديم بالتخلص من قطاع غزة. هذا الحلم يعود إلى عقود مضت، حينما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين قائلًا: "أتمنى أن يغرق قطاع غزة في البحر". واليوم، يحاول نتنياهو إعادة إحياء هذا المشروع، مدفوعًا باعتبارات سياسية داخلية، حيث يرى في استمرار الحرب وسيلة لضمان بقائه في السلطة، مستفيدًا من حالة الطوارئ والصراع المستمر. المخطط الاستراتيجي: الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني إلى جانب ما يحدث في غزة، فإن الضفة الغربية ليست بمنأى عن المخطط الإسرائيلي وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد اصدر الاحتلال اليارحة عن إصدار إخطارات هدم لمنازل فلسطينية في المنطقة (A) بمدينة رام الله والبيرة، وهي مناطق خاضعة لسيطرة الفلسطينية وفق اتفاقية أوسلو. هذه الإجراءات تعكس رؤية نتنياهو القائمة على أن السيطرة الكاملة على الضفة الغربية هي الهدف النهائي.  

لفهم هذا التوجه، يمكن الرجوع إلى كتاب "مكان تحت الشمس"، الذي يعتبر بمثابة المرجعية الأيديولوجية للحكومة الخالية وهو من تاليف نتتياهو وقد اكد فيه أن الضفة الغربية هي "المكان الأهم لدولة إسرائيل"، وهو ما يتلاقى مع توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة، التي تتبنى خطابًا مشابهًا، حيث تعتبر أن مساحة إسرائيل الحالية غير كافية، ما يبرر - وفق منطقهم - الحاجة إلى التوسع الاستيطاني وضم المزيد من الأراضي الفلسطينية وتهحير اهلها مباشرة بعد الخلاص من غزة .

النتيجة: إن التصعيد الإسرائيلي المستمر في قطاع غزة، إلى جانب التصريحات الواضحة من المسؤولين الإسرائيليين بشأن ضرورة نزع سلاح المقاومة واستمرار العمليات العسكرية، يكشف عن استمرار السعي الإسرائيلي لتحقيق أهداف استعمارية غير قابلة للتفاوض. بالإضافة الى ذلك فان هذه الحرب ليست مجرد نزاع عسكري مع فصيل سياسي، بل هي جزء من مخطط شامل يهدف إلى استكمال سياسة التهجير القسري للفلسطينيين، وتقويض أي أمل في بناء دولة فلسطينية ذات سيادة.  

كما ان السياسات الاستيطانية التي تُمارس في الضفة الغربية تُظهر بجلاء أن الاحتلال لا يكتفي بالسيطرة على الأرض الفلسطينية فحسب، بل يعمل على تغيير المعالم الجغرافية والديمغرافية لصالح المشروع الاستيطاني الإسرائيلي. من هنا، يتضح أن أي مسعى نحو حل سياسي حقيقي بات مستبعدًا، في ظل استمرار هذه السياسات الاحتلالية. في هذا السياق، يصبح الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين هو مقاومة هذا المشروع الاستعماري بكل الوسائل المتاحة، إذ أن أي استسلام يعطي الاحتلال فرصة لتصفية القضية الفلسطينية.

مشاركة: