
تُفهم نتائج انتخابات نقابة المهندسين – كما غيرها من النقابات المهنية – أحيانًا على أنها مؤشر على توجهات الشارع الفلسطيني، غير أن هذا الفهم يبقى قاصرًا إن لم يؤخذ في سياقه الصحيح، الذي يُظهر الفارق الجوهري بين الانتخابات النقابية والاستحقاقات الوطنية العامة.
في الانتخابات النقابية، تتداخل الاعتبارات المهنية والشخصية والمصلحية، وتغلب عليها التحالفات المناطقية والعلاقات الوظيفية، ما يجعلها ساحة لا تخضع بالضرورة للفرز السياسي الحاد. أما في الانتخابات العامة، فالوضع يختلف؛ هناك يُختبر التنظيم من حيث تماسكه وانضباطه، وتُختبر الأحزاب من حيث قدرتها على تقديم برنامج سياسي موحد وشامل.
ليست أزمة حركة "فتح" في الانتخابات العامة ضعفًا في شعبيتها، بل في تفتتها التنظيمي وتعدد قوائمها وتشرذم بنيتها القيادية. لقد أثبتت التجربة مرارًا أن الحركة، كلما اتجهت إلى الانتخابات العامة، أخفقت في تقديم قائمة موحدة، ما يشتت أصوات أنصارها ويمكّن الخصوم من الهيمنة بنتائج محسومة سلفًا.
هذا ما ظهر بوضوح في آخر تجربة انتخابية عامة، حينما قُسمت الانتخابات بين القوائم والأفراد. في تلك اللحظة، التزمت حركة "حماس" بعدد مرشحيها وفق احتياجات كل محافظة – سبعة مرشحين في رام الله على سبيل المثال – بينما تقدمت "فتح" بأكثر من ثلاثين مرشحًا، مما أدى إلى تفتيت الأصوات وسقوط شبه مؤكد في الدوائر الفردية. ومع أن "فتح" حاولت تعديل القانون نحو نظام القوائم بالكامل لتدارك خسارتها، فإنها لم تتمكن من تقديم كتلة موحدة، بل دخلت بـ38 قائمة انتخابية. في المقابل، خاضت "حماس" الانتخابات بقائمة واحدة واضحة هي "القدس موعدنا"، ورافقها التزام حزبي مماثل من قوى يسارية أخرى مثل "قائمة المبادرة الوطنية"، و"قائمة الجبهة الشعبية"، و"قائمة الجبهة الديمقراطية"، و"قائمة حزب الشعب"، و"قائمة فدا". أما القوائم الأخرى، فقد كانت بمعظمها فتحاوية الهوى أو مقربة منها، ما جعل حركة "فتح" تخوض معركة ضد ذاتها أكثر مما كانت تخوضها ضد خصومها، فأصبحت الهزيمة محسومة حتى قبل بدء الاقتراع، مما أدى إلى اتخاذ قرار تأجيل الانتخابات، في محاولة لتجنّب الانكشاف السياسي والتنظيمي.
من هنا، فإن نتائج الانتخابات النقابية، مهما بدت إيجابية لصالح "فتح"، لا يمكن أن تُقرأ كدليل على استعادة شعبية أو تعافٍ تنظيمي ببساطة لان النجاح في انتخابات النقابات لا يُقاس على ذات المعيار في الانتخابات العامة، حيث يتطلّب الموقف وحدة داخلية، وضبطًا تنظيميًا، وبرنامجًا سياسيًا يلامس هموم الشارع الفلسطيني بكل تنوعاته. إن أزمة "فتح" اليوم ليست في الناس، بل في بنيتها، وليست في خصومها، بل في ذاتها فالخصم موحد، والذات مفتتة.