الرئيسية » هاني المصري »   06 آب 2015

| | |
أزمة الأونروا .. مفتعلة أم حقيقية؟
هاني المصري

أعلنت "الأونروا" منذ فترة قريبة أنه في حال استمرار العجز في موازنتها خلال الأسابيع القادمة فهناك خطورة في ألا تتمكن من تقديم خدماتها، خصوصًا فيما يتعلق بتمكين المدارس التابعة لها  التي يتعلم فيها 500 ألف طفل فلسطيني من مواصلة عملها، لدرجة التلويح بإغلاق مدارس والاستغناء عن موظفين، وتحديدًا معلمين من عشرات آلاف الموظفين الذين يعملون فيها.

وحتى كتابة هذه السطور لم يتم التوصل إلى سد العجز البالغ 101 مليون دولار وهو أقل قليلًا من عُشْر الموازنة التي تصرفها.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل هذه الأزمة التي تعاني منها "الأونروا" مفتعلة أم حقيقية؟ وهل هي جزء من المؤامرة المستمرة لتصفية قضية اللاجئين، أو أنها تؤدي إلى هذه النتيجة حتى ولو من دون قصد؟

من أجل الإجابة عن هذا السؤال، بل الأسئلة، يجب الإشارة إلى:

أولًا: الأزمة قديمة بدأت منذ سنوات وتتفاقم باستمرار، لدرجة أدت إلى تقليص مستمر في الخدمات التي تقدمها "الأونروا"، ما أدى إلى سلسلة من الاحتجاجات نظمها اللاجئون الفلسطينيون في المناطق الخمس التي تشهد خدماتها، ولم نشهد بالرغم من مرور هذه المدة الطويلة أي محاولات جدية لحل الأزمة.

ثانيًا: منذ نشوء ما سمي قضية اللاجئين كرمز على النكبة التي حلت بالفلسطنيين جرّاء إقامة إسرائيل على حساب الشعب الفلسطيني، التي حدثت بمشاركة دوليّة كما ظهر منذ البداية، وكما تم تتويجه بصدور قرار التقسيم الذي قسّم فلسطين بين أصحاب البلاد الأصليين وبين الغزاة الصهاينة المستعمرين العنصريين؛ هناك مخططات لتصفية قضية اللاجئين من خلال إفراغ القرار 194 الصادر عن الأمم المتحدة الذي يقضي بعودة وتعويض اللاجئين وتقديم الخدمات لهم إلى حين حل قضيتهم من مضمونه.

فمنذ النكبة طُرحت مشاريع لتوطين اللاجئين منها المشروع الذي طرحه العام 1952 مفوض "الأونروا" بلاندفورد الذي يستهدف توطين اللاجئين، فرفضه الفلسطنيون وتم إفشاله وإفشال كل المشاريع المشابهة التي ظلت تتواتر وتهدف إلى تصفية قضية اللاجئين بأشكال مختلفة، منها توطينهم في الأماكن التي هجروا إليها، أو تهجيرهم إلى بلاد ثالثة، أو الاكتفاء بتعويضهم وطرح عودة جزء بسيط منهم إلى المناطق التي ستقوم الدولة الفلسطينية عليها، هذا إذا قامت طبعًا.

وأقصى ما تم تداوله في المفاوضات أو خارجها في قمة "كامب ديفيد" العام 2000 و"مباحثات طابا" العام 2001 والمفاوضات التي جرت طوال العام 2008 بعد استئنافها بعد انعقاد "مؤتمر أنابوليس" أواخر 2007؛ الموافقة على عودة عدد رمزي صغير (عشرين ألفًا أو أكثر قليلًا) إلى ديارهم التي هجروا منها، ممن لهم أقارب مباشرون، على أن يتم عودة 2000 أو أكثر كل عام على مدار عشر سنوات، ولكن على أساس قانون "لم الشمل" الإسرائيلي وليس تحقيقًا لحق العودة.

ثالثًا: إن إسرائيل والولايات المتحدة ودول أخرى مثل كندا يقومون بالعمل على تصفية قضية حق العودة بأشكال متعددة مثل تنظيم استطلاعات وندوات ووضع خطط ومشاريع ومقترحات مثل الاقتراح الذي قدمه جميس جي ليندسي، المستشار العام للأونروا خلال الفترة (2002-2007) في التقرير الذي عرضه العام 2009 بعنوان "إصلاح الأونروا" في معهد "واشنطن لسياسات الشرق الأدنى"، طالب فيه بالوقف التدريجي للخدمات التي تقدم إلى قرابة مليوني لاجئ، الذين أصبحوا مواطنين أردنيين منذ العام 1948. وأضاف ليندسي في مقترحه الطلب من الفلسطينيين المقتدرين ماديًا أن يدفعوا على الأقل بعضًا من تكاليف التعليم والرعاية الصحية.

وتنطلق الأطراف الساعية لتصفية قضية اللاجئين من ادعاءات زائفة، مثل الادعاء بأن معظم اللاجئين لا يفكرون في العودة، أو بما أن ملايين منهم قد حصلوا على جنسيات أخرى، خصوصًا الأردنية، فبالتالي ليسوا بحاجة إلى خدمات "الأونروا"، أو من خلال المساواة بين "اللاجئين اليهود" الذين هاجروا من الدول العربية باللاجئين الفلسطينيين بالرغم من أن الحركة الصهيونية، و"الوكالة اليهودية" تحديدًا، هما من شجعتهما على الهجرة، ووصل الأمر إلى حد تنظيم العصابات الصهيونية أعمالًا إرهابية ضدهم لإجبارهم على الهجرة.

في هذا الصدد نشير إلى المعايير التي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في أواخر ولايته الرئاسية (2000 و2001) التي تستهدف تصفية حق العودة من خلال طرح خمسة خيارات ليس من ضمنها خيار حق العودة إلى الديار التي هجروا منها كما ينصّ قرار 194. نلاحظ أن التحركات اللاحقة تستند إلى "معايير كلينتون" وتسعى لتحقيق الأهداف التي تقف وراءها.

وفي هذا السياق لاحظنا كيف قامت الإدارة الأميركية بالسعي لشطب أي حديث عن قرار 194 في مبادرة السلام العربية، ونجحت في تضمينها نصًا يفرغه من مضمونه، من خلال الإشارة إلى "حل متفق عليه لقضية اللاجئين"، ما يضع الفيتو بيد إسرائيل، لأنّ الحق ينفّذ وليس يُتفق ويُتفاوض عليه.

هناك محاولة لتبسيط الأزمة المالية التي تعاني منها "الأونروا" بالادّعاء أنها ترجع أساسًا إلى انخفاض سعر صرف اليورو مقارنة بالدولار، وبسبب أنّ الاتحاد الأوروبي هو المانح الأكبر لوكالة تشغيل اللاجئين، بينما الحقيقة أنها أزمة مفتعلة إلى حد كبير، ومستمرة منذ سنوات طويلة، وتستخدم لتحقيق أهداف ومخططات وضغوط الأطراف المؤثرة على القرار الدولي لتصفية حق العودة، خصوصًا من قبل الولايات المتحدة وكندا وأوروبا وإسرائيل، وإذا لم يكن هذا صحيحًا فلماذا لم تأخذ بالخيارات والحلول التي طرحها العديد من الجهات والأشخاص الذين تعاملوا مع هذه الأزمة منذ ظهورها؟ ومن هذه الحلول:

- تشكيل "لجنة أزمة" تضم ممثلين عن كل الأطراف المعنية ("الأونروا"، اللاجئين، الموظفين، وغيرهم)، تكون مهمتها العمل المشترك للتوصل إلى حلول للأزمة تجسيدًا لأسلوب الإدارة التشاركية المعتمد في الأمم المتحدة، الذي يمكن تحقيقه بخصوص هذه القضية.

يمكن لمثل هذه اللجنة أن تقترح على "الدول الصناعية" وأعضاء منظمة "الأوبك" الذين معظمهم من الدول المانحة للأونروا زيادة سعر برميل النفط سنتات قليلة وتحويلها لموازنة "الأونروا"، ما يقدم حلًا جذريا للأزمة. كما يمكن لهذه اللجنة أن تشكل وفدًا لزيارة الدول العربية والإسلامية الغنية وحثّها على حل أو المساهمة في حل الأزمة.

- يمكن الاستناد إلى موازنة الأمم المتحدة مباشرة وليس الاعتماد الكلي على الدعم المقدم من الدول المانحة، وهذا إجراء يمكن اللجوء إليه لو توفرت الإرادة اللازمة لحل الأزمة.

- توسيع اللجوء إلى الدول المانحة للأونروا، إذ إن هناك 28 دولة مانحة أساسية تقدم الدعم للأونروا من أصل 80 دولة مانحة، فلماذا لا يتم اللجوء إلى الدول الأخرى التي يصل عددها إلى أكثر من 100 دولة، منها دول مقتدرة مثل البرازيل والأرجنتين وروسيا والهند؟

- بمقدور الأمم المتحدة تسهيل الأمور على "الأونروا" بترحيل العجز إلى السنة المالية التالية مثلما كانت تعمل في السنوات السابقة .

تأسيسًا على ما سبق، يمكن الجزم بعدم وجود إرادة دولية لحل الأزمة، بل يوجد سعي إلى استمرارها وتعميقها أو عجز وانتظار ما يَصُبُّ قصدًا أو من دون قصد المياه في طاحونة الضغوط الممارسة على اللاجئين والقيادة الفلسطينية؛ لدفعهم إلى الموافقة أو تسهيل أو التغاضي عن تصفية حق العودة. ولعل ما يجري من محاولات لتصفية حتى وجود اللاجئين من خلال دمجهم في البلدان التي يقطنونها، أو تصفية مخيماتهم مثلما حصل في لبنان وسوريا ودفعهم للهجرة بالرغم من مخاطر التشرد والغرق، أو تحويل المخيمات إلى أحياء يقطنها اللاجئون وغيرهم خير شاهد على ما تقدم.  فاللاجئون رمز لضياع الحقوق وللنضال من أجل استعادتها، لذا يتواصل العمل لتصفية قضيتهم في ظل الأمل بأن ما تشهده المنطقة العربية من تدهور وحروب وتقسيم يوفر الفرصة للنجاح فيما لم يتم تحقيقه حتى الآن.

نقطة أخيرة لا بد من إثارتها، وهي شبه الغياب الرسمي الفلسطيني الذي يتعامل مع القضية من قبيل التضامن، أو في ظل فقدان الثقة بإمكانية فعل شيء أكثر مما يُفْعل. وهذا غير صحيح، لأن الفلسطينيين، وقيادتهم تحديدًا، بمقدورها أن تفعل الكثير، خصوصًا بعد الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتأكيد القرار 194 من خلال التصويت لصالحه سنويًا.

يمكن عمل خطة شاملة للتصدي لمخطط تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين وعدم الاكتفاء باحتجاجات سياسية وإعلامية وجماهيرية محدودة تقتصر على التظاهر أمام مقرّات الأمم المتحدة وتسليمها مذكرات احتجاج، وإنما تنظيم احتجاجات وتحركات كبرى منظّمة ومتعاظمة تنطلق من الوعي بأنّ المسؤول عن مخطط تصفية "الأونروا" ليس الأمم المتحدة وحدها، وإنما الدول والأطراف المتحكمة بقرارها ولا تريد لأزمة "الأونروا" أن ترى أي حل.

نقلًا عن "الخلييج" الإماراتية

Hanimasri267@hotmail.com

 

مشاركة: