الرئيسية » هاني المصري »   19 حزيران 2006

| | |
نحو إقرار قانون ديمقراطي وعصري للإعلام
هاني المصري

أطلقت وزارة الاعلام اشارة البدء لعملية اعداد مشروع قانون جديد للاعلام، وذلك بعقد ورشة نقاش حول هذا الموضوع، كانت ويجب ان تكون مجرد بداية لسلسلة تحضيرات طويلة وغنية وعميقة.

إعداد مشروع قانون للاعلام عملية يجب ان تأخذ وقتها حتى يأتي القانون على افضل صورة ممكنة، ولكن من المفترض ان تنتهي باسرع وقت ممكن، لان فلسطين بحاجة ماسة ومتزايدة لتنظيم وتطوير الصحافة والاعلام.

 

ورشة العصف الفكري الاولية من المفترض ان تكون فاتحة للعديد من الورشات والمقالات والدراسات التي من المهم جدا ان يشارك بها اوسع عدد ممكن من الصحافيين والاعلاميين والقانونيين والاكاديميين والمثقفين واعضاء المجلس التشريعي ورجال الدين والشخصيات العامة والناس العاديين، لان الصحافة والاعلام لم تعودا مجرد دعاية ولا بوق للهتاف وانما مهنة اندمجت في كل نواحي الحياة، واصبحت تؤثر بشدة على كل نواحي الحياة ويجب أن يشارك بها الجميع.

هل هناك حاجة لقانون الاعلام؟

المعضلة الاولى التي تستحق النقاش هي: هل نحن بحاجة اصلا لوضع قانون للاعلام ام ان حرية الصحافة والاعلام حتى تتحقق بافضل صورة يجب ان لا تتقيد باية قوانين اسوة في البلدان الديمقراطية التي لا يوجد بها قوانين للاعلام؟

للاجابة على هذا السؤال اقول انه من الخطأ ان نقوم باستنساخ تجارب احد، سواء من البلدان الديمقراطية او الديكتاتورية. ففي الحالة الاولى نقع بخطأ حرق المراحل، وفي الحالة الثانية نقع بجريرة الجمود والتخلف. صحيح أننا يجب ان ننطلق ونأخذ ما توصلت اليه الخبرة الانسانية بأرقى صورها، لكن الأخذ بها لا يتطلب الغاء الظروف التي نمر بها ولا الخصائص التي يتميز بها شعبنا ومنطقتنا وثقافتنا.

نحن نعيش تحت الاحتلال، ونمر في مرحلة تتداخل فيها مهمات التحرر الوطني مع مهمات البناء الديمقراطي، وهي تجربة فريدة لا اعتقد انها سبق وان حدثت بهذا الشكل في اي مكان وعلى مدار التاريخ.

في هذا السياق نحن بحاجة الى فترة من الوقت ومراحل بسيطة ننتقل فيها من واقعنا المتخلف والوصول الى واقع ديمقراطي متقدم، بصورة تفرض علينا وضع قانون للاعلام، لان غياب مثل هذا القانون سيحدث فراغاً. والطبيعة تكره الفراغ. والفراغ الناجم سيتم ملؤه، ليس كما نحب ونشتهي بالثقافة الانسانية وبالحرية والديمقراطية والمنافسة الشريفة والتنوع والابداع والتعددية، وانما بالاحتكار وفرض الرأي الواحد والافكار الظلامية والعادات والتقاليد المحافظة وتدخلات قوى الجمود والظلام والانغلاق التي تستقوي بكل ما هو سلبي في مجتمعنا ونظامنا الابوي العشائري والعائلي.

وأمر آخر، صحيح ان البلدان الديمقراطية لا يوجد فيها قانون محدد للاعلام، ولكن يوجد بها اعراف وتقاليد وثقافة تحمي الديمقراطية وحرية الصحافة، كما يوجد بها قوانين تنظم قطاعات مهنية محددة في عمل الاعلام، بدون وضع قانون للاعلام، الذي يجب ان يكون قانونا ديمقراطيا وعصريا سيعني اشاعة نوع من الفوضى، وحرية الصحافة لا تعني حرية الفوضى. تنص المادة 91 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على "ان لكل انسان الحق في اعتناق الافكار دون مضايقة". و"ان لكل انسان الحق في حرية التعبير". ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والافكار وتلقبها ونقلها الى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء على شكل مكتوب او مطبوع او في قالب فني او بأية وسيلة أخرى". كما تنص الفقرة الثالثة على "تستتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة 2 من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة، وعلى ذلك يجوز اخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة ان تكون محددة بنص القانون وان تكون ضرورية:

أ) لاحترام حقوق الآخرين او سمعتهم.

ب) لحماية الامن القومي او النظام العام او الصحة العامة او الاداب العامة.

الثغرة القاتلة تكمن في ان البلدان المتخلفة لا تأخذ بالفقرة الاولى والثانية في الاعتبار، وتتوسع بدون حدود في تفسير الفقرة الثالثة، مما يجعلها ليست قيودا على الحرية وانما الغاء لها.

بناء على سابق، الحفرة التي يجب تجنبها ليس مسألة عدم وضع قانون من حيث المبدأ، وانما وضع قانون ينسجم مع حقوق الانسان وحرياته الاساسية، ويوفر حرية الصحافة على اوسع نطاق ممكن وعلى اساس ان حرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين.

تطوير قانون المطبوعات او اصدار قانون جديد

المعضلة الثانية التي تستحق الوقوف عندها هي: هل نحن بحاجة الى وضع قانون اعلام جديد أم يكفي تطوير وتعديل قانون المطبوعات والنشر لعام 5991؟

للاجابة على هذا السؤال ارى ان نتوقف امام النقاط التالية:

أولاً: لقد اصبح القانون الاساسي ساري المفعول. وهو بمثابة الدستور المؤقت وابو القوانين جميعاً. وبعد المصادقة عليه يفترض بكافة القوانين الدائمة والمؤقتة الصادرة قبله ان تكيف نفسها معه. وبما ان القانون الاساسي ديمقراطي وينطلق من فلسفة الحرية، والاصل في الأمور الاباحة لا المنع، وهو أكثر تقدما وديمقراطية من قانون المطبوعات والنشر لعام 5991، الذي يقف في المسافة ما بين الحرية والديمقراطية من جهة والقمع من جهة اخرى. صحيح أنه اقرب الى الاولى منه الى الثانية الا أنه يحتوي العديد من المواد العامة الفضفاضة والقابلة للتفسيرات المتناقضة، كما يضم بعض المواد التي تقيد بدون مبرر حرية الصحافة. صحيح أنها لم تستخدم ولكن يمكن استخدامها بصورة قانونية متى شاءت السلطة التنفيذية ممثلة بوزارة الاعلام ووزير الإعلام الذي وضع القانون تحت يده سلطات واسعة.

لذا اصبح من الضروري، ان لم اقل من المحتم تغيير وليس تعديل قانون المطبوعات والنشر المعمول به حتى ينسجم مع فضاء الحرية المطلوب ومع القانون الاساسي. لقد جاء في المادة (81) من القانون الاساسي "ان حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية مكفولة شريطة عدم الاخلال بالنظام العام او الاداب العامة". وفي المادة 91 "لا مساس بحرية الرأي، ولكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول او الكتابة او غير ذلك من وسائل التعبير او الفن مع مراعاة احكام القانون". وجاء بند 4 من مادة (72) تحظر الرقابة على وسائل الاعلام ولا يجوز انذارها او وقفها او مصادرتها او الغاؤها او فرض قيود عليها إلا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي". اي لا تستطيع السلطة ان تعتقل صحفياً او تغلق وسيلة اعلام الا بحكم قضائي!!

ما سبق لا يعني باي حال من الاحوال ان قانون المطبوعات والنشر لعام 5991، كان عقبة في وجه الصحافة وانما جاء عند صدوره ليوفر سلاحا في يد حرية الصحافة والاعلام، خصوصاً لأنه استخدم بصورة ديمقراطية، ما اتاح هامشاً من الحرية في فلسطين لا بأس به. ويجب ان نستغله حتى آخر قطرة، ونعمل في نفس الوقت على توسيعه وتطويره في آن واحد. ان التجاوزات التي ارتكبت بحق حرية الصحافة لم تحدث باسم قانون المطبوعات والنشر وانما كانت تجاوزات ضده واستخدمت بدون الاستناد اليه.

ثانياً: قانون المطبوعات والنشر، شاخ واصبح ناقصاً ومتخلفا عن مواكبة التطور الهائل في ثورة المعلومات والاتصالات والفضائيات والانترنت والبريد الالكتروني. فهو قانون حصري بالمطبوعات والنشر، ولم يعالج الفضائيات والبث الفضائي والانترنت ومجمل الاعلام الالكتروني، ولا محطات الاذاعة والتلفزيون، ولا الانتاج المرئي والمسموع، ولم يلحظ مراعاة قوانين حفظ حقوق الملكية والطباعة والنشر والبث والتوزيع. كما لم يعالج الاعلام الحكومي، واعلام المنظمات الاهلية، والاعلام الحزبي ومسائل الصحة والشباب والتعليم والمرأة والطفل....الخ. كما عالج بعض المسائل بطريقة خاطئة او ناقصة او لا داعي لها.

كل ما سبق يفرض اصدار قانون جديد للاعلام يتناول مختلف الجوانب القانونية الاساسية لجميع مكونات العمل الاعلامي، وبصورة تحدد احكام عامة، وتطور القواعد والنصوص الواردة في قانون المطبوعات والنشر، وكل ما يقتضيه ذلك من حذف او اضافة او تعديل.

ثالثاً: قانون المطبوعات والنشر لعام 5991 صدر بمرسوم رئاسي قبل انتخابات المجلس التشريعي، وهذا يضعف من قيمته القانونية خصوصاً بعد ان اصبح لدينا مجلس تشريعي قام ويقوم باصدار قوانين دائمة. وهنا تجدر الاشارة الى ان المبادرة التي قام بها بعض النواب لتعديل قانون المطبوعات والنشر او للتعامل معه باعتباره غير ساري المفعول ردها المجلس التشريعي، مؤكدا على أنه قانون ساري المفعول وليس بحاجة الى إقرار جديد.

لقد مرت سنوات طويلة تقتضي بما حفلت من تطورات وخبرات ومستجدات اصدار قانون جديد، وخصوصا ان هذا القانون جاء من حيث مضمونه وصياغته ومواده وكأنه مجرد نسخة معدلة عن القوانين المشابهة في البلدان العربية خصوصا الاردن. اما الآن فاصبح لدينا تجربة فلسطينية يجب ان تؤخذ بالاعتبار. ما سبق لا يقلل من حقيقة ان قانون المطبوعات والنشر عند صدوره كان يضمن حرية الصحافة والتعبير بدون رقابة، ويرفع طموحات الشعب الفلسطيني في الحرية الى مستوى التشريع القانوني، ويعتبر اقراره احد رموز السيادة الفلسطينية، ان اقراره ضمن اول القوانين التي اصدرتها السلطة الوطنية الفلسطينية بعد تأسيسها يدل على المكانة المميزة في الأولويات التي منحتها لحرية الصحافة والاعلام.

رابعاً: عند مناقشة قانون المطبوعات والنشر في الورشات العديدة التي نظمت قبل اصداره بمرسوم رئاسي امتنعت قطاعات سياسية وثقافية وقانونية واكاديمية واسعة عن المشاركة في ورشات العمل، تأسيسا على معارضتها لاتفاق اوسلو. فهي قاطعت كل ما اعتبرته بني او شكل امتداداً لاتفاق اوسلو. المفارقة ظهرت في ان هذه القطاعات التي رفضت الاستجابة للدعوات العديدة لمناقشة المشروع القانون قبل اقراره، انبرت بعد اقراره لشن الحملات ضده، وعقد الورشات لمناقشته، ولكن بعد ان سبق السيف العذل، وبعد ان اصبح قانوناً ساري المفعول ويحكم الجميع، او من المفترض ان يحكم الجميع سواء المؤيدون له او المعارضون.

الان آمل وادعو الى مشاركة الجميع بكل النشاطات والورشات والمراحل التي ستسبق اقرار قانون جديد للاعلام حتى يخرج بافضل صوره، ويكون ديمقراطياً وعصريا ورافعة في ايدي حرية الصحافة والاعلام في فلسطين.

 

مشاركة: