الرئيسية » هاني المصري »   17 شباط 2007

| | |
اتفاق مكة بدأ بالإقلاع، فهل يحلق رغم الرفض الأميركي-الإسرائيلي؟
هاني المصري

بعد فشل محاولة اللحظات الاخيرة التي حاولت فيها حماس تحسين شروطها في اتفاق مكة، أقلع هذا الاتفاق من خلال تقديم اسماعيل هنية استقالة حكومته، وقبول الرئيس أبو مازن هذه الاستقالة وتكليفه بتشكيل الحكومة الحادية عشرة وفقاً لما تم الاتفاق عليه في مكة.

منذ ظهور بوادر ازمة جراء اطلاق تصريحات من بعض قادة حماس، بأن رئيس الحكومة لن يقدم استقالته الى ان يتم حل القضايا العالقة، والمتمثلة بمصادقة الرئيس على مراسيم وقرارات الحكومة الحالية، بما فيها قرارتشكيل القوة التنفيذية، واحتساب وزير الخارجية المقترح على حصة فتح من المستقلين، وحسم شخصية وزير الداخلية، كان لديّ تقدير بأن هذه المطالب يمكن أن تكون تكتيكاً لتحسين شروط حماس، وان الجواب القاطع سيأتي بعد لقاء ابو مازن-هنية وجاء الجواب وبدأ اقلاع اتفاق مكة.

 

بالتأكيد إن الموقف الحازم الذي اتخذه الرئيس عبر تأجيل خطابه الذي كان مقرراً إلقاؤه يوم الخميس الماضي، والاصرار على عدم فتح اتفاق مكة، والموقف المسؤول الذي اتخذه خالد مشعل رئيس حركة حماس، ساعدا في قبر هذه الازمة قبل ان تكبر وتستطيع ان تعطل البدء في تطبيق الاتفاق.

ان دفن الازمة قبل أن تكبر مؤشر جيد، على أن لدى اتفاق مكة فرصة جيدة للتطبيق لادراك الموقعين عليه بأنه يشكل الفرصة الاخيرة لحقن الدماء الفلسطينية وتحقيق السلام الداخلي، بعد أن ثبت لغالبية فتح وحماس بأن طريق الاقتتال لا يوصل سوى الى الدمار لكلتيهما وللشعب والقضية.

إلا أن تجاوز الازمة لم يكن بحلها وإنما بتأجيلها، ولا تزال مطالب حماس خصوصاً المتعلقة بالمراسيم والقرارات السابقة تحلق فوق الرؤوس وتحتاج الى حل. وأعتقد ان الحل يكون باخضاع هذه المراسيم والقرارات، وتلك المراسيم والقرارات التي صدرت منذ شهر تشرين الثاني العام 2005,للتقييم واخضاعها للقانون، وحل عقدة القوة التنفيذية من خلال دمجها في الاجهزة الامنية في سياق اصلاحها وتفعيلها وتحويلها الى أجهزة للوطن وأن تخضع للقانون والمساءلة والمحاسبة، ولا تدين بالولاء لهذا التنظيم أو ذاك، أو لمركز القوة هذا او ذاك.

بوادر الازمة التي دفنت في مهدها تدل على أن هناك اوساط في حماس ترى أنها او فصيلها غبنت أو غبن، أو ان هناك مشكلة داخلية حول توزيع الحصص والوزارات، فمن يرضي ومن يغضب. فبعد أن كانت حماس لوحدها تشكل الحكومة أصبحت ملزمة الآن بتولي تسع حقائب وما يعنيه ذلك أن اربعة عشر وزيراً سيصبحون دون حقائب وزارية. ولحل هذه المشكلة كانت حماس تفضل زيادة عدد الوزراء الى 34، عندها سيكون الحل اسهل.

طبعاً هناك في حماس من يعتقد أن شمس فتح غربت ولا مبرر لاعطائها طوق النجاة، وان برنامجي فتح وحماس متوازيان ولا يلتقيان. ويتناسى هذا البعض التقارب الذي حدث بين البرنامجين منذ اعلان القاهرة وحتى اتفاق مكة.

وهناك في فتح من لا يريد الاتفاق لانه يشعر أن فتح كفصيل مغبونة من خلال الحصة التي حصلت عليها. ففتح التي شكلت الحكومات التسع السابقة تقريباً بمفردها، ملزمة الان بقبول ست حقائب ليس من بينها المالية والخارجية والداخلية. ولا يقلل من شعور فتح بالغبن ان وزيري الخارجية والمالية مستقلان قريبان منها سياسياً، خصوصاً ان برنامج الحكومة المتفق عليه، سيستند الى خطاب التكليف. وهو قابل للتفسيرات المتناقضة، كل على هواه، وسيكلف الفلسطينيين عموماً وحركة فتح خصوصا غاليا. وهناك في فتح وخارج فتح من كان يرغب ولا يزال بالتوصل الى برنامج واضح يتعامل مع شروط الرباعية بقراره فلسطينية وبالاستناد للقانون الدولي وباشتراط موافقة إسرائيل على شروط مقابلة.

كان الرئيس وممثلو حركة فتح يرددون دائما بأن فتح تريد برنامجاً قادراً على فك الحصار، ولا تهمها المشاركة بالحكومة، وإنها تكتفي بوزير دولة. ولكن عندما اتفق في مكة على برنامج غير قادر على فك الحصار على الاقل في المرحلة الاولى، ذهبت السكرة وأجت الفكرة، واصبحت فتح تغلي غضباً على الاتفاق. وما يزيد الطين بلة، ان الادارة الاميركية انتقلت من الموقف الحذر ودراسة الاتفاق والاستعداد للتعامل مع وزراء في الحكومة القادمة، الى موقف الرفض الكامل للتعامل مع الحكومة الجديدة بسبب عدم التزامها بشروط اللجنة الرباعية. وكان ديفيد ولش مساعد وزيرة الخارجية الاميركية (على الرغم من النفي الذي اعلنته رايس) قد ابلغ ليل الاربعاء-الخميس الماضي الرئيس الفلسطيني بهذا الموقف، كما حمله اليه مكتوبا يوم الخميس جيكوب والاس القنصل الاميركي العام في القدس. وذكرت مصادر مطلعة ان الموقف الاميركي أسوأ من ذلك، فهو ينظر بخطورة بالغة الى اتفاق مكة، ويعتبره انتقالاً من فتح الى مواقع مجادليها (حماس)، وهذا يعني ان المقاطعة لفتح أصبحت قاب قوسين او ادنى.

وأضافت المصادر، ان مصير اللقاء الثلاثي على كف عفريت، لأن الادارة الاميركية ابلغت ابو مازن بأنه مطالب باصدار بيان يؤكد فيه التزامه وحكومته بشروط اللجنة الرباعية، وأنه اذا لم يفعل فمن المشكوك به ان يعقد هذا اللقاء، واذا عقد فلن يخرج بأي شيء.

وتغطي المواقف الاميركية الاخيرة على الموقف الاسرائيلي الذي كشّر عن انيابه، وعن وجهه الحقيقي الرافض لاتفاق مكة سواء من خلال التصريحات او التحركات الدبلوماسية لدرجة ان حكومة اولمرت تدرس جدياً قطع الاتصالات مع الرئيس أبو مازن واعتباره ليس ذا صلة.

إن أولمرت لم يكن يريد عقد اللقاء الثلاثي، حتى قبل توقيع اتفاق مكة، لأنه لا يفضل تجاوز المرحلة الاولى من خارطة الطريق، ولا الحديث عن افق سياسي، وجاء هذا الاتفاق ليعطيه الذريعة المناسبة. فمنذ اللحظات الاولى لتوقيع اتفاق مكة، حاول اولمرت إلغاء الاجتماع، واستجاب على مضض للموقف الاميركي المصر على عقده. ولكن اولمرت يعمل كل شيء لضمان تفريغ الاجتماع من مضمونه، هذا اذا عقد اصلا.

وللتدليل على ما سبق، نذكّر بالتزام اولمرت أمام لجنة الخارجية والامن في الكنيست بعدم التطرق الى قضايا الوضع النهائي، وأضافت مصادر مطلعة ان الجانب الاسرائيلي رفض رفضا قاطعاً في اجتماع عقد يوم الاثنين الماضي للتحضير للاجتماع الثلاثي، طلباً فلسطينياً بأن تركز القمة على قضايا الحل الدائم، وطالب وسيطالب بتطبيق شروط اللجنة الرباعية وإطلاق الجندي جلعاد شاليت، ووقف إطلاق القذائف والصواريخ ومنع تهريب الاسلحة من مصر الى قطاع غزة.

ورفض متحدثون باسم اولمرت امكانية ان يقدم اولمرت قبل الاجتماع او بعده، على أية لفتات حسن نية مثل اطلاق سراح دفعة من الاسرى، وأكدوا أن الاجتماع سيضع ابو مازن تحت الاختبار، وسيركز على مساءلته حول اتفاق مكة وموقف حكومة الوحدة من شروط الرباعية، على اعتبار أن ابو مازن انحاز في هذا الاتفاق الى حماس، الامر الذي سيدفع اسرائيل التي اعتبرت ابو مازن معتدلاً، وتعاملت معه، الى قطع صلاتها به، فاسرائيل تعتبر الاقرار بشروط الرباعية حجر الاساس لأي تحرك في المستقبل.

نأمل ان يستطيع اتفاق مكة تجاوز عقدة الرفض الاميركي-الاسرائيلي عبر الاصرار على أن الوحدة على اساس برنامج وطني واقعي مستند الى المصلحة الوطنية الفلسطينية هي التي لها الاولوية على كل شيء. والوحدة هي التي تستطيع فك الحصار. اما الخلاف والشقاق والاقتتال فلن يدفع اسرائيل الى ان تقدم شيئاً للفلسطينيين. لو أرادت اسرائيل ان تقدم شيئاً يستجيب للحقوق الفلسطينية لقدمت للرئيس الراحل ياسر عرفات الذي اعترف باسرائيل والتزم بالاتفاقيات الموقعة ونبذ العنف، ولكانت قدمت للرئيس ابو مازن الذي مضى ابعد من ياسر عرفات بالاعتدال ولم يحصد شيئاً.

على الفلسطينيين ان يبلوروا موقفا واحدا يقوم على أنهم لن يوافقوا او يلتزموا بشروط اللجنة الرباعية كما هي، ما لم تلتزم اسرائيل بشروط مماثلة، بحيث تعترف بالحق الفلسطيني باقامة دولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وتنبذ العنف بما في ذلك العدوان العسكري بكل اشكاله، والاستيطان والجدار والحصار والاعتقال وتقطيع الاوصال التي تعتبر كلها اشكالا من العنف. وتلتزم بالاتفاقيات السابقة التي تجاوزتها كليا، ونورد فقرة من مقال كتبه كاتب اسرائيلي اسمه جدعون سامت في صحيفة "هآرتس" جاء فيه: "اتفاق مكة يتضمن موافقة حماس على احترام الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل وقرارات الجامعة العربية التي تتحدث عن التطبيع. لذلك تكون حماس قد قبلت اتفاقات اوسلو مبدئياً أكثر مما يوجد لدى غالبية اعضاء الكنيست الان من استعداد للقيام به".

عدم عقد الاجتماع الثلاثي افضل

أخيراً الافضل ان يبادر ابو مازن الى رفض المشاركة في الاجتماع الثلاثي، ما دام لا يضمن خروجه بأي شيء لمصلحة الفلسطينيين، لأن عقده دون ضمان على الأقل ان لديه فرصة للاتفاق على تحديد الهدف النهائي من المفاوضات يكون ذراً للرماد بالعيون، ويعطي اسرائيل الغطاء والوقت اللازمين لاستكمال مشاريعها الاحتلالية الاستيطانية العنصرية.

لا بد من الاصرار على تحديد الهدف النهائي، والمتمثل بالاستعداد لانهاء الاحتلال عن الاراضي المحتلة عام 1967, بما في ذلك القدس، وليس انهاء الاحتلال الذي بدأ العام 1967. وبعد تحديد الهدف النهائي يتم التفاوض حول كيفية تحقيقه ومتى. اما بدون ذلك فالمفاوضات تدور في حلقة مفرغة، ولا يستفيد منها سوى الاحتلال. والحل ليس على الابواب. فامامنا فترة صعبة علينا ان نستعد لتحملها وتجاوزها باسرع وقت واقل التضحيات. والدولة تلوح بالافق، وسنحصل عليها اذا تجاوزنا الفترة القادمة بنجاح!!

 

مشاركة: