الرئيسية » هاني المصري »   09 تشرين الثاني 2010

| | |
استقالة الرئيس
هاني المصري

لمرة الثانية خلال فترة وجيزة لوح الرئيس أبو مازن بالاستقالة اذا فشلت المفاوضات.
المرة الاولى كانت بقوله للصحافيين اثناء عودته من زيارة نيويورك : هذه المرة ستكون الأخيرة التي ستسافرون معي فيها.
اما المرة الثانية فقوله أثناء لقائه مؤخراً، مع اعضاء المجلس الوطني في عمان إن " هذا الكرسي ربما أجلس عليه لأسبوع واحد فقط".


من الملاحظ ان الرئيس لم يطرح فكرته بالاستقالة اثناء الاجتماع القيادي الفلسطيني في الثاني من الشهر الجاري، ولا في اي اجتماع قيادي فلسطيني آخر، ما يدل على ان المسألة لا تزال حتى الآن فكرة تراوده اومجرد تكتيك وتلويح وليست قراراً محسوماً، لذا هو يلوح بها حتى الآن بدون وضعها فعلاً على جدول الأعمال.
إن مجرد التلويح بالاستقالة أمر خطير جداً، لأنه يأتي في هذا الظرف الدقيق والحساس، ولأن استقالة الرئيس اذا قدمت ستكون في ظل الانقسام السياسي والجغرافي، وبالتالي لن تؤدي الى انتقال سلس وسريع للسلطة بل تفتح باب الفوضى والفلتان الأمني.
ان الرئيس من خلال التلويح بالاستقاله يوظف الفوضى التي يمكن ان تحدث جراءها للضغط من اجل تحسين شروطه التفاوضية، والا الفوضى هي البديل. لو لم يكن هناك انقسام لكان رئيس المجلس التشريعي يتولى مهمة الرئاسة لمده ستين يوماً في حالة استقالة الرئيس، لحين تنظيم انتخابات رئاسية جديدة، مثلما حصل بعد الغياب المفاجئ للرئيس ياسر عرفات.
في هذه المرحلة، لا يمكن ان يقوم رئيس المجلس التشريعي بهذه المهمة لأنه ينتمي لحركة مدرجة ضمن قائمة "الإرهاب"، ولا تعترف بها اسرائيل واميركا والكثير من دول العالم، ولأنها انقلبت على الشرعية التي يمثلها الرئيس، ولأن المجلس التشريعي غائب ومغيب منذ سنوات عديدة.
طبعاً هناك مخرج محتمل في حالة استقالة الرئيس رغم كل ما تقدم، يتمثل باحالة الأمر برمته الى منظمة التحرير بوصفها المرجعية العليا للنظام السياسي الفلسطيني، بحيث يمكن ان تعين أو لاً تعين رئيساً مؤقتاً لحين إجراء الانتخابات الرئاسية، التي من المستحيل ان تعقد في ظل الانقسام، ما يجعل الرئيس المعين رئيساً الى أجل غير مسمى وبدون شرعية يستند اليها، مثله مثل الرئيس والمجلس التشريعي الذين انتهت مدتهما القانونية، وتم تمديد ولايتهما بقرار صادر عن المجلس المركزي للمنظمة.
إن الأمر الأخطر في استقالة الرئيس اذا لم يكتف بالتلويح بها، بل اذا حدثت فعلا، فانها تحدث في ظل غياب بديل معروف ومتفق عليه، ليحل محل الرئيس.
عشية غياب ياسر عرفات كان معروفاً للجميع من هو البديل، اما اليوم فحركة فتح لم تبحث ولم تتفق على البديل عن أبي مازن، وهناك عدة مرشحين محتملين، وابو مازن لم يقم باعداد البديل عنه، ما يجعل استقالته نوعاً من القفز الى المجهول. واذا حدثت رغم ذلك، فهي يمكن ان تكون مع وقف التنفيذ. اي ان الرئيس سيقدم استقالته، ولن يغادر منصبه الا عندما يتوفر البديل عبر انتخابات رئاسية او بقرار من المنظمة، وهذا يشبه اعلان الرئيس عزمه على عدم الترشح في الانتخابات الرئاسية القادمة عندما تعقد.
اذا كان الأمر كذلك فلماذا يلوح الرئيس بالاستقالة، وهو يعرف ان مجرد التلويح بها، يلقي ظلالاً كثيفة على موقع الرئاسة تؤدي الى إضعافه والى المزيد من التعقيدات، والى المساس بالمصداقية الفلسطينية، والى اضعاف الموقف الفلسطيني أكثر وأكثر.
ان ما يدفع الرئيس الى التفكير أو التلويح بالاستقالة، وليس الاستقالة فعلاً، هو انه يريد ان يوجه رسائل في اتجاهات مختلفة.
فهو يريد ان يوجه رسالة للادارة الاميركية واسرائيل والعالم والعرب خصوصاً المعتدلين منهم، انه لا يستطيع ان يستمر اذا كان المطلوب منه تنفيذ الشروط والاملاءات الإسرائيلية كافة.
فلا يستطيع الرئيس ان يواصل طريقه بدون اعطائه شيئا، بعد ان وصل الى حائط مسدود، بسبب التعنت والتطرف الاسرائيلي الذي جعل مجرد تجميد الاستيطان لمدة شهرين، بشكل جزئي ومؤقت، قضية كونية بحاجة الى رسالة امتيازات وضمانات اميركية سخية جداً لاسرائيل، وبحاجة الى تأكيد التزام إدارة اوباما برسالة الضمانات التي قدمها بوش لشارون بتاريخ 14/4/2004 والتي اعطى فيها لاسرائيل انجازات كبرى مثل التعهد بأخذ الحقائق التي اقامتها اسرائيل منذ احتلال عام 1967 بالحسبان عند ترسيم الحدود، اي حقها بضم غور الاردن والكتل الاستيطانية، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى داخل اسرائيل.
كما يريد ابو مازن ان يستبق اية ضغوطات جدية عليه اميركية واسرائيلية لقبول المفاوضات في ظل الاستيطان ووسط مؤشرات توضح أكثر وأكثر ان اقصى ما يمكن ان تحققه المفاوضات، لا يتجاوز اتفاق اطار يكون اتفاقاً انتقالياً جديداً طويل الامد متعدد المراحل، يعطي لاسرائيل كل ما تريده، ولا يعطي للفلسطينيين شيئاً.
ويوجه أبومازن رسالة للفلسطينيين، خاصة لحركة فتح، التي تخشى من فقدان موقع الرئاسة، اذا استقال بدون اتفاق على البديل عنه، لحثها لكي لا تصعب الوضع عليه أكثر مما هو صعب، وان لا يزايدوا اويناقصوا عليه، ويقبلوا بالطريق الذي اختاره، كما هو بدون زيادة أونقصان.
ابو مازن لا يزال رغم كل شيء مؤمناً بأن لا طريق سوى طريق المفاوضات، مع التأكيد على رفض استمرار المفاوضات في ظل الاستيطان، اي يريد ان يبقي شعرة معاوية مع المفاوضات الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.
فابو مازن لا يريد ان يواجه مصيراً مشابهاً لمصير ياسر عرفات، ولا يريد ان يستسلم، ولا ان يشق طريقاً آخر.
ان هذا الموقف يعني سياسة قد تمكن من البقاء انتظاراً لتطورات قد تساعد على الحسم مثل تغيير الحكومة الاسرائيلية الحالية بحكومة افضل اواقل سوءاً منها !
ان المشكلة تكمن وتظهر في ان الانتظار ليس سياسة، بل هو لا سياسة قاتلة ولا يحل شيئاً وانما يعقد كل شيء ويجعله أسوأ!

 

مشاركة: