الرئيسية » هاني المصري »   17 تشرين الثاني 2007

| | |
الاعتراف بالدولة لا يكفي بل المطلوب استراتيجية بديلة
هاني المصري

أعربت الحكومة الإسرائيلية عن قلقها من التهديدات الفلسطينية بالإعلان عن قيام دولة من جانب واحد، والسعي للحصول على اعتراف دولي بهذا الإعلان.

لقد هدد بنيامين نتنياهو باتخاذ خطوات إسرائيلية أحادية الجانب مقابلة، تقوض الاتفاقيات الموقعة، وأوضحت مصادر مقربة منه بأن هذه الخطوات ستشمل ضم الكتل الاستيطانية. كما هدد وزراء في الحكومة الإسرائيلية بأن الرد الإسرائيلي سيشمل وقف المفاوضات ووقف تحويل الأموال وتكثيف الحواجز، والإعلان أن المناطق المصنفة (ج) تابعة لدولة إسرائيل، والإعلان عن الحق الديني والإلهي لدولة إسرائيل بهذه المناطق.

من جهته قال ايهود باراك وزير جيش الاحتلال إن انسداد الأفق السياسي واستمرار حالة الجمود السياسي وغياب الاتفاق أو إمكانية الاتفاق سيؤدي بالضرورة الى زيادة الدعم الدولي لفكرة الإعلان أحادي الجانب عن قيام دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967. وحذر من مخاطر عدم الاتفاق وغياب المفاوضات والتعاون لإحراز السلام، وأن من يفكر بالخطوات أحادية الجانب يخاطر مخاطرة كبيرة.

لاحظوا، إن مجرد التفكير بالسعي للحصول على الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية، وتبني لجنة المتابعة العربية لهذه الفكرة أدى الى قلق حكومة إسرائيل، فكيف باللجوء فعلا الى مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، إن هذا من شأنه ان يقلق اسرائيل تماما لانه يمكن ان يحدث حراكا دوليا يوفر سلاحا للفلسطينيين وينقذهم من الاستفراد الاسرائيلي بهم.

لا يجب أن تثني التهديدات الإسرائيلية الفلسطينيين عن عزمهم على القيام بهذه الخطوات، لأن "أكثر من القرد ما سخط الله"، وأكثر من الاحتلال والتشريد لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يعاني.

إن كل ما تقوم به إسرائيل هو خطوات أحادية الجانب، من قيامها نفسه، الى احتلال الضفة والقطاع، الى ضم القدس والسعي لإسرلتها وتهويدها، الى خلق الوقائع الاحتلالية والاستيطانية التي تجعل الحل العادل أو المتوازن عن طريق المفاوضات أبعد وأبعد. كما أن إسرائيل قضت عمليا على اتفاق اوسلو بحيث لم يتبق منه سوى الالتزامات الفلسطينية وحدها، الى اعادة احتلال الضفة ومحاصرة واغتيال ياسر عرفات، وشن الحرب على قطاع غزة ومحاصرته حصارا خانقا، وبالتالي لن يخسر الفلسطينيون شيئا مهما جديدا إذا نفذت إسرائيل تهديداتها، بل إسرائيل هي التي ستخسر لأنها ستظهر على حقيقتها أمام العالم كله بوصفها قوة احتلال.

إن الاحتلال غير شرعي ولا قانوني وفقا للشرعية الدولية، وبالتالي كل ما يقوم به من إجراءات وخطوات من ضم وتهويد واستيطان ..الخ يعتبر لا شرعياً ولا قانونياً. فكل ما تقوم به سلطات الاحتلال لا يخلق حقا لإسرائيل ولا ينشأ عنه أي التزام على الفلسطينيين.

فإسرائيل تريد أن تستمر المفاوضات الثنائية الى الأبد، وأن تكون مفاوضات من أجل المفاوضات وبدون مرجعية واضحة ملزمة، وأن تستمر "عملية سلام" بدون سلام، لأن الحراك الدائم يوحي للعالم بوهم السلام وبإمكانية التوصل الى اتفاق، وهذا يقطع الطريق على أية خيارات فلسطينية بديلة، وعلى أية جهود ومبادرات عربية ودولية، لأن الإيحاء بقرب السلام يحيد العالم ويعطي إسرائيل الوقت الذي تحتاجه لاستكمال فرض أمر واقع احتلالي أحادي على الأرض، سيفرض نفسه على الجميع سواء إذا تم التوصل الى حل نهائي، أو إذا لم يتم التوصل الى حل.

وحتى تكون خطوة بسط الدولة الفلسطينية على الأرض، والسعي للحصول على اعتراف دولي بها مفيدة، يجب أن تكون جزءا من استراتيجية بديلة عن استراتيجية المفاوضات الثنائية، استراتيجية تسعى للتوصل لحل شامل لكل مكونات القضية الفلسطينية، وليست مجرد قفزة في الفراغ، او خطوة تكتيكية هدفها الضغط من أجل إقناع إسرائيل باستئناف المفاوضات على أساس تجميد الاستيطان تجميدا تاما وتحديد مرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات، ولا يجب أن تترافق مع تكرار الدعوة لمبدأ "تبادل الأراضي" لأن هذه المسألة تعتبر تنازلا مجانيا مسبقا. فعلى إسرائيل أن تعترف أولا بأنها محتلة وتبدي الاستعداد للانسحاب من الأراضي المحتلة عام 1967، أي بالحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية، وبعد ذلك يمكن أن يبدأ التفاوض معها حول "تبادل أراض" وليس البدء في ذلك والهبوط بسقف التفاوض الفلسطيني، بحيث لم نعد نعرف ماذا لنا وماذا يمكن أن يتبقى لنا.

فإذا كان الأمر كله لا يعدو أن يكون ردة فعل وليس جزءا من استراتيجية جديدة، فسينتهي سريعا بعد ضياع وقت ثمين جدا او باتفاق حل وسط، يقدم مخرجا ويتضمن الاتفاق على أسس وشكل الحل النهائي، بصورة ضبابية يمكن أن توافق عليها حكومة نتنياهو، وبحيث يستبدل التركيز على بداية المفاوضات بالتركيز على نهايتها. ويمكن أن يضاف الى ذلك توفير ضمانات أميركية ودولية (أثبتت التجربة أنها، على أهميتها، شيكات بلا رصيد)، ومن خلال فبركة عقد مؤتمر دولي جديد لا يسمن ولا يغني من جوع، أو إصدار قرار من مجلس الأمن يصاغ بطريقة يمكن أن يتجنب فيها الفيتو الأميركي. لقد اكتفينا من المبادرات والمؤتمرات بحيث أية مبادرة أو مؤتمر دولي جديد، يجب أن تملكان فرص النجاح بحيث تتضمنان مرجعية واضحة وملزمة تستند الى القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بحيث يكون التفاوض لتطبيقها وليس حولها، وبوجود ضمانات دولية حقيقية، وآلية تطبيق ملزمة وجداول تنفيذ قصيرة.

لقد تم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية في إعلان الاستقلال بتاريخ 15/11/1988، وقد حصلت الدولة على اعتراف 104 دول خلال فترة قياسية، والمطلوب الآن توفير شروط قيام الدولة فعلا. وهذا لا يمكن من غير إنهاء الاحتلال فإنهاء الاحتلال هو المهمة الأساسية المباشرة للفلسطينيين.

إن إنهاء الاحتلال لا يمكن بدون وضع استراتيجية جديدة يكون أساسها إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني بحيث يمكن إنهاء الانقسام وتوحيد الشعب الفلسطيني على أساسه. وإنهاء الاحتلال لا يمكن بدون الاعتماد على مقاومة مثمرة متعاظمة تكبر بحيث تجعل الاحتلال يخسر من احتلاله أكثر مما يربح.

إن الإعلان عن الدولة حدث سابقاً، ولسنا بحاجة الى اعلان جديد. فالمطلوب السعي للحصول على الاعتراف الدولي بالدولة.

وإذا أردنا إقامة الدولة فلا يكفي الاعتراف الدولي بها بل يجب أن نركز على إنهاء الاحتلال أولا، وبناء المؤسسات التي تخدم هذا الغرض. وتحقيق هذا الهدف بحاجة الى روافع على الأرض من خلال تعزيز مقومات الصمود والاحتفاظ بحق الشعب الفلسطيني بالمقاومة المشروعة بكافة أشكالها، وممارسة المقاومة الشعبية كاستراتيجية أساسية يجب أن ينخرط بها الجميع، وبما يشمل مقاومة الجدار والاستيطان، ومقاطعة الاستيطان عملا وتعاملا وتجارة، وملاحقة إسرائيل على جرائمها في جميع المحافل الدولية، واستعادة البعد العربي للقضية الفلسطينية، واستنهاض حالة تضامن دولي متصاعدة قادرة على مساعدة الفلسطينيين للحصول على حقوقهم بإنهاء الاحتلال وتقرير المصير والعودة، وإعادة ملف القضية الى الأمم المتحدة ومجلس الأمن حتى تعود الى طبيعتها كقضية تحرر وطني، قضية استعمار احتلالي وشعب تحت الاحتلال.

المطلوب ليس تخريجة لاستئناف المفاوضات، او تخريجة لتراجع الرئيس ابو مازن عن رغبته بعدم الترشح بدون ضمان قيام عملية سلام جادة قادرة على إنهاء الاحتلال، وإنما وضع استراتيجية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، إن انجاز الحرية والعودة والاستقلال لا يمكن من خلال استمرار التعلق بأذيال المفاوضات الثنائية العقيمة وبعملية سلام ماتت منذ زمن طويل، ولا يمكن إحياؤها، لأن الله وحده يستطيع إحياء العظام وهي رميم، ولا يمكن إطلاق عملية سلام حقيقية بدون كفاح عنيد متعدد الأشكال ويشمل الجمع ما بين المقاومة المثمرة والمفاوضات المثمرة.

إن نقطة البدء هي توفر القناعة الفلسطينية والعربية أولا بأن خيار المفاوضات الثنائية قد استنفد أغراضه، وألحق أضرارا لا حد لها بالقضية الفلسطينية، وأن الاستراتيجية الجديدة البديلة أصبحت ضرورة لأن طريق المفاوضات وصل الى طريق مسدود، ولا ينفع معه محاولات اللحظة الأخيرة لاختراق الطريق المسدود. فالحاجة تتعاظم الى عمل استراتيجي مثابر طويل الأمد يسعى لاستعادة زمام المبادرة بما يكفل تغيير الواقع وليس سياسة انتظار الفرج لكي يهبط من السماء. فالانتظار قاتل ووقف المفاوضات لوحده لا يوقف الاستيطان ولا ينهي الاحتلال، بل قد يقود، بغض النظر عن النوايا الى فشل ذريع آخر، أو إقامة دولة الأمر الواقع، دولة البقايا، الدولة ذات الحدود المؤقتة التي ستكون دائمة!!.

 

مشاركة: