الرئيسية » هاني المصري »   19 أيار 2009

| | |
الإعلام العربي .. ثقل المتغيرات وأعباء الأزمات
هاني المصري

بحضور أكثر من 600 مدعوّ يمثلون الصحافة العربية والأجنبية بمختلف أنواعها، وبمشاركة حاكم إمارة دبي الأمير محمد بن راشد آل مكتوم، وعمرو موسى الأمين العام للجامعة العربية، عقد منتدى الإعلام العربي دورته الثامنة في فندق اتلانتس الساحر والذي بداخله اكواريوم خلاب، وهو فندق أقيم على البحر وأصبح جزيرة عائمة، تحت عنوان "الإعلام العربي.. ثقل المتغيرات وأعباء الأزمات".

وعلى جدول أعمال هذه الدورة سلسلة من الورشات وجلسات العمل التي تتعرض لواقع الإعلام العربي وكيفية تطويره، حيث تناولت عناوين متعددة أبرزها، الفضائيات المصرية وهل تعيد للإعلام المصري مجده، وحول الفتوى (الأرضية) والفتوى الفضائية، وتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية على الإعلام العربي واحتمالات المستقبل، والصحف اليومية وظاهرة أنها تعيش أزمة في الغرب وتوسعا في العالم العربي، وحول الإعلام الجديد وهل يمكن أن يغير المشهد، ودور الصحافة الاستقصائية، والنسخ العربية من الفضائيات الأجنبية، وما هي رسالتها وأهدافها، وحول غزة: مكاشفة إعلامية، ثم توزيع جوائز الصحافة العربية لهذا العام، حيث فاز الصحافي اللبناني العربي طلال سلمان بجائزة شخصية العام الإعلامية.

 

إن تنوع المواضيع المطروحة، وحجم الحضور وامتداده على مختلف وسائل الإعلام، يجعل الدورة الثامنة لمنتدى الإعلام العربي، من أضخم وأهم الأحداث التي تتناول الإعلام على أيدي الإعلاميين أنفسهم. يكفي جمع كل هذا العدد من الإعلاميين العرب من مختلف أنحاء العالم العربي وعلى اختلاف الآراء الممتدة من شرم الشيخ الى سعسع، وعلى مدار يومين لكي يجعل هذا الحدث عظيما بامتياز.

إن المواضيع والأفكار والمعلومات التي تناولتها الدورة والتقارير التي وزعت فيها كثيرة جدا ومتشعبة ولا يمكن إيرادها كلها، إلا أن الإصدار الثاني للتقرير الذي يحمل اسم "نظرة على الإعلام العربي.. 2008" كان لافتا للنظر، وقد تم توزيعه وهو يحمل توقعات مستقبلية وتحليلات لواقع وآفاق الإعلام التقليدي والرقمي في العالم العربي.

إن الإعلام العربي يعمل في ظل متغيرات كثيرة ومحيط من الأزمات، وهذا يطرح عليه تحديات ومسؤوليات كثيرة، إذا قام بها على الوجه المطلوب يكون رافعة للنمو والتطور ولنشر الحقائق التي تساعد المواطن العربي على المعرفة لما يدور حوله، بما يزيد من قدرته على المشاركة والتأثير. وإذا كان الإعلام العربي مجرد صدى للحكام وما يريدونه سيتهمش دوره. إن الإعلام يجب ألا يكون اسفنجة لامتصاص الغضبة الشعبية العارمة ضد الحكام العرب والنظام السياسي العربي بشكل عام بسبب استمرار أحوال التخلف والتبعية والجهل والتجزئة في العالم العربي، في عصر العولمة وثورة الاتصالات والفضائيات والانترنت. إن العالم الذي نعيش فيه لا يعترف سوى بالتكتلات الكبرى، بحيث اضطرت أوروبا للتوحد في نظام واحد، كما أصبحت هناك تكتلات كبرى في مختلف المناطق في العالم، باستثناء العالم العربي، الذي هو أشبه بالرجل المريض، الذي تتنافس كل الأطراف الإقليمية والدولية لأخذ ثرواته وأسواقه ومواقع النفوذ والسيطرة فيه بعيدا عن أصحابه شعوب البلدان العربية.

وكما نلاحظ فإن قضية فلسطين التي تشكل أزمة الأزمات كلها، لم تكن حاضرة بقوة، من حيث المواضيع المدرجة ولا من حيث حجم المشاركين وتمثيلهم. ما يدل على تراجع مكانة هذه القضية جراء الانقسام السياسي والجغرافي الذي يهدد بتدمير كل شيء: القضية، والمشروع الوطني، وإلحاق المعاناة المضاعفة بالإنسان الفلسطيني.

إن من أهم ورش العمل التي شهدتها الدورة الثامنة عشرة، الورشة التي تناولت تغطية الإعلام العربي للحرب الأخيرة على غزة، حيث كان الحوار على أشده ما بين آراء وأشكال متعددة من التغطية، تمركزت حول تغطية قناة "الجزيرة" التي نقلت ما يدور أثناء الحرب بكل وحشية مستخدمة كلمة شهيد في وصف ضحايا العدوان، وتغطية قناة "العربية" التي غلبت "المهنية" على القضية ودافعت عن استخدام مصطلح قتيل بحجة أن الشهادة مسألة ربانية، وأن استخدامها في فلسطين يمكن أن يجعلها سابقة تفرض استخدامها في العراق وأفغانستان وكل مكان.

إن الدورة الثامنة فتحت الباب أمام نقاش حياد الإعلام وهل يوجد إعلام محايد فعلاً. كما تركزت الآراء حول التفريق بين ضرورة نقل الخبر والصورة كما هما، وبين الآراء والمواقف التي من حق وسيلة الإعلام أن يكون لها موقف ولكن عليها أن تعرض المواقف بشكل متكامل وموضوعي، وأن يكون الرأي والرأي الآخر حاضرا باستمرار.

إن الأزمة الاقتصادية العالمية، وما نتج عنها من تأثر البلدان العربية بها، وخصوصا جراء تراجع أسعار النفط والإضرار بالاستثمارات العربية في الدول الغربية، والارتباطات المتنوعة مع الاقتصاد العالمي، كانت حاضرة في أكثر من جلسة وورشة عمل، وفي كلمات كافة المتحدثين، ولكننا لاحظنا أن حجم التأثير للأزمة الاقتصادية العالمية على العرب ليس هائلا كما كان متوقعا.

فإذا أخذنا الإعلان على سبيل المثال، وهو أحد الموارد الرئيسية للإعلام بمختلف أشكاله، نجد أن الإعلان العربي يمثل 1ــ2% من حجم الإعلان العالمي الذي بلغ عام 2008 وحده أكثر من 50 مليار دولار. فعلى سبيل المثال تراجع الإعلان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وهي من الدول العربية الأكثر تضررا بالأزمة الاقتصادية العالمية، بنسبة 14%، وتم إغلاق عشرات الصحف والمجلات (خصوصا المتخصصة).

إن التأثير المحدود للأزمة الاقتصادية العالمية يعود الى أن الإعلام العربي في معظمه (العام والخاص) يعتمد بشكل أو بآخر، مباشر أو غير مباشر، على الدعم الذي تقدمه الحكومات العربية، وهذا على الرغم من وجود أكثر من 520 فضائية عربية حتى الآن، عشرات قليلة منها تتبع مباشرة للدولة.

وتوقفت المناقشات أمام المفارقة التي تظهر من خلال أن الغرب يشهد نوعا من الموت البطيء للصحافة المكتوبة وصل الى عدد من أمهات الصحف التي تشكل علامات بارزة في بلدانها، وفي العالم كله، بينما لا تزال الصحافة المكتوبة في مرحلة نمو بالشرق. ففي الهند كان هناك 8 ملايين مشترك جديد بالصحف خلال عام 2008 وحده. وهذا يعود الى الدعم الذي تحصل عليه الصحف من الحكومات، كما يرجع إلى نسبة الأمية العالية، بحيث ينتقل الإنسان الأمي بشكل متدرج الى محو الأمية ثم اعتماد الصحافة المكتوبة قبل أن يصل الى التعامل المكثف مع الصحافة الالكترونية.

ومن أجل حماية الصحف لا بد من توفير مصادر لتمويلها من خلال قيام الشركات المسؤولة عنها بإنشاء مؤسسات استثمارية مختلفة ربحية تقوم بسد العجز الذي تسببه الصحف. يمكن إنشاء مطابع ومؤسسات تعليمية.. الخ. كما أن الفضائيات والانترنت ليس من الضروري أن تقضي على الصحف، مثلما لم يقض التلفزيون على الإذاعة، شرط أن تواكب الصحف المستجدات والتطورات التقنية، وأن تغير في مضمونها بما يقدم ما ليس موجودا في وسائل الإعلام الأخرى.

إن هناك مسؤولية اجتماعية للإعلام مما يفرض ضرورة دعمه من الحكومة والمجتمع وإلا ستندثر البرامج الراقية والجادة وتحل محلها البرامج الخفيفة والهابطة. ففي دراسة عربية أوردت أن 45 ــ 50% من حجم الإعلانات تستقطبه المسلسلات التلفزيونية والبرامج الخفيفة، بينا لا تستقطب البرامج الجادة سوى 5 ــ10% من الإعلانات.

إن الإعلام يتطور ويجب مواكبة التطور دون القفز عن الواقع الذي نعيشه، والتطور وصل الى حد أن التلفزيون المتنقل عبر الهواتف المحمولة بدأ يغزو العالم بما في ذلك البلدان العربية. فمن يتخلف عن التطور لا يستطيع أن يتقدم ولا أن يصمد في المنافسة.

ولكن حتى يستطيع الإعلام العربي أن ينافس يجب أن يتم تأهيله بالعلم والخبرات المختلفة والتقنيات الحديثة والاستثمار بالقضايا القادرة على إحداث التنمية، ومن ضمن أبرز هذه القضايا، الاستثمار في الإعلام، فالإعلام بعد ثورة الاتصالات لم يعد مجرد بوق للهتاف والمديح وإنما أصبح أحد أهم أدوات التنمية والمشاركة والشفافية والمراقبة!!

وهنا تجدر الإشارة الى أن تجربة إنشاء فضائيات عربية من بلدان أجنبية لم تقدم جديدا يذكر، وتفوقت فضائيات عربية عديدة على النسخ العربية من فضائيات أو بلدان أجنبية.

 

مشاركة: