الرئيسية » هاني المصري »   30 أيلول 2008

| | |
الانتفاضة الثالثة ستندلع والسؤال هو: ضد من؟
هاني المصري

بعد ثماني سنوات على اندلاع الانتفاضة الكبرى الثانية أين أصبحت الانتفاضة؟ هل نستطيع القول إنها مستمرة؟ أو إنها مرشحة للتصاعد؟ أم أن الانتفاضة انتهت ولم يبق منها سوى عبئها (تضحياتها وخسائرها)؟ ماذا حققت الانتفاضة؟ وما هي أضرارها؟ وهل نحن فعلا عشية انتفاضة ثالثة؟ وإذا كان الجواب نعم فما هي أهدافها وأشكال نضالها المتوقعة؟ هل تكون جماهيرية سلمية أو مسلحة صاروخية وجرثومية تستخدم أسلحة الدمار الشامل؟ وهل ستكون انتفاضة ضد الاحتلال أم ضد الانقسام .. انتفاضة داخلية؟

 

يكفي لكي ندرك أين وصلت الانتفاضة أن نعرف أن الخسائر البشرية الإسرائيلية خلال عام 2007 وصلت الى 13 قتيلا فقط، وخلال هذا العام لن يزيد العدد كثيرا وفقا للمعطيات المتوفرة حتى الآن، بينما سقط خلال عام 2007 حوالي ألف شهيد فلسطيني نصفهم تقريبا على أيدي قوات الاحتلال والنصف الآخر جراء الاقتتال الداخلي والحسم العسكري الذي حصل في غزة. وبينما بلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين بعد 8 سنوات على الانتفاضة (65) ألف مواطن و(750) مواطنة و(7500) طفل منهم (6748) خلال العام الثامن للانتفاضة، كما شهدنا اعتقالات داخلية طالت المئات في الضفة ومثلهم في غزة.

إن واقع الانقسام السياسي والجغرافي وما سبقه ويرافقه من أعمال تزيد الشرخ الداخلي وتحريض متبادل واعتقالات سياسية شهدت أعمال تعذيب، كما شهدنا محاصرة أحياء وقصفها بالأسلحة المختلفة، وهذا كله أكبر شاهد أن الانتفاضة فشلت في تحقيق أهدافها.

وإذا كانت الانتفاضة هي انتفاضة الحرية والعودة والاستقلال، انتفاضة الأقصى، فلقد أصبحنا الآن، أبعد عن تحقيق هذه الأهداف عما كنا عليه في الثامن والعشرين من أيلول عام 2000، كما أن الأقصى في خطر أشد، بعد الإجراءات الإسرائيلية المتواصلة لتهويده وتهويد القدس، من خلال عمليات الاستيطان وهدم المنازل والعزل والمنع والتهجير، والبناء تحت وجوار الأقصى، وإقرار مشاريع لبناء كنيس يهودي ملاصق له.

رغم ما تقدم نظلم أنفسنا ونظلم الانتفاضة المباركة، إذا اقتصر الحديث عن أضرارها وخسائرها ونتائجها. فقبل ذلك يجب أن نوضح أن الانتفاضة لم تكن مبادرة فلسطينية أساسا وإنما جاءت ردة فعل على العدوان العسكري الإسرائيلي الشامل الذي كان يهدف، ولا يزال، الى كي الوعي الفلسطيني وتغييره، وكسر إرادة الشعب الفلسطيني ودفعه لقبول ما تعرضه اسرائيل من حلول ومشاريع تصفوية للقضية الفلسطينية من مختلف جوانبها.

رغم كل ما حققته اسرائيل من إنجازات مختلفة ميدانية وسياسية وعلى صعيد التوسع الاستيطاني الرهيب خلال السنوات الثماني الماضية، وبناء أكثر من 450 كم من جدار الفصل والتوسع العنصري، وتدمير البنية التحتية الفلسطينية ومؤسسات السلطة وأجهزتها، والمساهمة البارزة في إحداث الانقسام الفلسطيني عبر تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية المحتلة، سواء بفصل وعزل القدس والأغوار عن بقية الضفة أو تقسيم الضفة الى عدة كانتونات أو بفصل الضفة عن غزة منذ الاحتلال عام 1967 بصورة عامة، ومنذ اتفاق أوسلو وحتى الآن بصورة خاصة، وما حققته اسرائيل من إمساك زمام المبادرة من خلال جعل خارطة الطريق الأمنية هي اللعبة الوحيدة في المدينة، وتطبيق خطة فك الارتباط عن قطاع غزة، وتجريد المفاوضات من مرجعيتها المستندة الى القانون الدولي والشرعية الدولية، وجعلها سيدة نفسها، أي مفاوضات تدور حول نفسها، بدون أن يسبقها وقف أو حتى تجميد المشاريع التوسعية والعنصرية والاستيطانية الإسرائيلية، إلا أن الهدف الإسرائيلي الأساسي من العدوان طوال السنوات الماضية لم يتحقق، فالشعب الفلسطيني أصبح أضعف وحركته السياسية منقسمة، وقيادته متراخية وقبلت بالهبوط بسقف المفاوض الفلسطيني، لكنها لم تقبل بالحلول الإسرائيلية، وذلك بسب أن الشعب لن يقبل ولن يرحم من يقبل هذه الحلول. فإذا كنا ضعفاء ومنقسمين الآن، فلا بأس، وعلينا أن نصبر ونصمد ونستعد لمرحلة أخرى نكون فيها أقوى مما نحن فيه الآن.

كما أن الانتفاضة رغم ويلاتها وأضرارها حققت أمرا هاما هو إعطاء رسالة للإسرائيليين والعالم كله، بأن القضية الفلسطينية لا تزال حية، وأن اتفاق أوسلو لم يحلها، وأنه بدون إقرار الحقوق الفلسطينية لا يمكن توفير الأمن والسلام والاستقرار في المنطقة، فالسلم يبدأ في فلسطين، والحرب تندلع من فلسطين، كما كان يردد الزعيم الراحل ياسر عرفات.

الآن أصبح العالم كله، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية، وأوساط واسعة في اسرائيل تقر بمبدأ قيام الدولة الفلسطينية بعد أن أنكرت اسرائيل هذا الحق تماما وحاولت طوال عشرات السنين أن تشطب من التاريخ والجغرافيا شيئا اسمه فلسطين. ولكن هذا الإنجاز لا يجب المبالغة به، لأن اسرائيل أخذت بالشكل من خلال الموافقة على مبدأ قيام الدولة الفلسطينية وتريد أن تفرغه من مضمونه الأساسي من خلال تجريد الدولة الفلسطينية العتيدة من كافة مقومات الدول ما عدا الاسم. فإسرائيل تريد دولة تحقق المصالح والأهداف الإسرائيلية ولا تحقق المصلحة والأهداف والحقوق الفلسطينية، وذلك من خلال السعي لفرض "دولة" على أرض مساحتها تشكل 60% من الأرض المحتلة عام 1967، فهي تريد ضم أو استمرار سيطرتها على أجزاء واسعة من القدس والضفة والأغوار، بما نسبته 40%، وأن تفرض على الدولة ترتيبات أمنية وعسكرية تجعلها محمية إسرائيلية وليست دولة. فهذه الدولة تريد اسرائيل أن تصممها على مقاسها وبالتالي يجب مقاومتها والإصرار على قيام دولة على حدود عام 1967 عاصمتها القدس وحل مشكلة اللاجئين حلا عادلا على أساس القرار 194 الذي يضمن حق العودة والتعويض. لأن مثل هذا الحل يؤمن الحد الأدنى من التوازن ومن الحق الفلسطيني. فيكفي التنازل التاريخي الذي قدمته القيادة الفلسطينية بالاعتراف بإسرائيل التي قامت على 78% من أرض فلسطين التاريخية، بدون اعتراف اسرائيل بدولة فلسطينية على حدود 1967.

إن الذي أفشل الانتفاضة أنها وقعت وعانت من التعددية في الاستراتيجيات والسلطات ومصادر القرار التي أدت في البداية الى حالة الفوضى والفلتان الأمني التي استنزفت المجتمع الفلسطيني ثم تحولت الى حالة انقسام سياسي جغرافي مثلت كارثة على القضية الفلسطينية.

وبدون التغلب على الانقسام واستعادة الوحدة على أساس برنامج وطني ديمقراطي واقعي، يعيد الحياة للأهداف والحقوق الفلسطينية، ويعيد الصراع الى طبيعته الأصلية بوصفه صراعا بين شعب تحت الاحتلال وبين الاحتلال، يمكن أن يؤدي الواقع الحالي الذي نعيشه الى انتفاضة شعبية فلسطينية توجه ضد القوى الفلسطينية المسيطرة. فالمفاوضات فشلت ومرشحة للمزيد من الفشل، والأوضاع الاقتصادية والمعيشية تسير، بالنسبة لأغلبية الفلسطينيين وتتدهور الى الأسوأ، وغزة لن تتحول الى إمارة إسلامية وقاعدة لاستكمال التحرير، بل تعاني من الحصار وعقدت تهدئة مع الاحتلال وأصبح أقصى ما تسعى إليه فتح معبر أو تفكيك الحصار.

لو لم يوجه ياسر عرفات الانتفاضة ضد الاحتلال لكانت ضد السلطة. والآن نحن في واقع أسوأ وإذا لم نستعد لانتفاضة ضد الاحتلال ستندلع انتفاضة بل انتفاضات داخلية.

 

 

مشاركة: