هناك مبادرة يمنية لاستئناف الحوار الفلسطيني قبلتها "حماس" ورفضها الرئيس أبو مازن. وبالتالي سيكون مصير هذه المبادرة الجديدة الفشل كسابقاتها الفلسطينية والعربية والروسية. في الظاهر الذي يُفشل الحوار والمبادرات الشروط المختلفة الموضوعة لاستئنافه حيث طالب أبو مازن وحركة فتح والمنظمة بضرورة اعتذار حماس عما فعلته والتراجع عن نتائج الحسم العسكري قبل الشروع في الحوار، لأن استئناف الحوار بدون تحقيق هذه الشروط يكون بمثابة مكافأة للانقلاب وتشجيعاً للانقلابيين. فالحوار في ظل سلطة الأمر الواقع التي اقامتها حماس في غزة يجعلها تتفاوض من موقع قوة مستفيدة من "انتصارها" هناك.
في الباطن الذي يُفشل الحوار هو التعنت الفلسطيني المتبادل والتدخلات والتداخلات الاقليمية والخارجية، خصوصاً الاميركية الاسرائيلية. فقد استغلت ادارة بوش وحكومة اولمرت حالة الانقسام الفلسطيني وتسعى لتعميقها من خلال ابداء الاستعداد لاستئناف المفاوضات حول القضايا الاساسية، والدعوة لعقد اجتماع دولي للسلام في الخريف المقبل. والشرط الأميركي - الاسرائيلي المعلن للمضي في هذا الاتجاه هو استمرار القطيعة بين الضفة وغزة، بين حركتي فتح وحماس، مقابل عربون عبر تقديم بعض بوادر "بناء الثقة" في اطلاق بعض الاسرى وتحسين شروط الاحتلال والحصار والعدوان.
وإذا كان المرء بعيداً عما يجري، يمكن ان يستنتج للوهلة الأولى ان استنفاد امكانيات الفرصة الجديدة التي تلوح بالافق لاحياء المفاوضات تستحق المجازفة حتى لو كان الثمن هو ابقاء القطيعة ما بين السلطة الشرعية وسلطة الأمر الواقع.
ولكن اذا تعمق المرء قليلاً فيما يجري، ويمكن ان يجري يرى بأن القادم وما يجري اعداده، ليس فرصة للسلام وانما هو خطر يتراوح بين بعث وهم جديد يوحي بالسلام بدون سلام حقيقي، وبين محاولة اميركية اسرائيلية لقطف ثمار الانقسام الفلسطيني لصالح اسرائيل من خلال محاولة تصفية القضية الفلسطينية بدلا من حلها.
ان التمعن في شكل ومضمون دعوة الرئيس الأميركي بوش للاجتماع الدولي الذي سترأسه رايس في الخريف المقبل، وستدعى اليه اطراف محددة ومرجعياته وصلاحياته غير واضحة وسط اشارات كافية بأنه سيعقد بعيداً عن القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، وانه مطلوب منه ان يأخذ الحقائق القديمة والجديدة بالحسبان، كما قال بوش، اي عليه ان يأخذ الحقائق التي اقامها الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 7691 بالحسبان.
وهذا ينسجم تماماً مع ما جاء في وعد بوش لشارون في ورقة الضمانات الاميركية لاسرائيل التي منحت لها في العام 2002، والتي اعتبرت بمثابة وعد بلفور اميركي لاسرائيل.
ان اسرائيل لن تعطي لأبو مازن والفلسطينيين وهم ضعفاء ومنقسمون ما لم تعطه لهم وهم موحدون وبحالة افضل من التي هم عليها الآن.
ومن اجل الوصول الى هذا الاستنتاج لسنا بحاجة الى تجربة مفاوضات جديدة. فالمكتوب يقرأ من عنوانه. فاذا كان التحضير للاجتماع الدولي يتطلب اثبات السلطة الفلسطينية جدارتها في مجال توفير الامن لاسرائيل اولا ومكافحة وعزل وإقصاء "حماس" ثانياً واستمرار الانقسام الفلسطيني ثالثاً، وفي ظل استمرار العدوان العسكري الاسرائيلي بكل اشكاله، ومواصلة تكثيف الاستيطان واستكمال بناء الجدار وعزل القدس وتقطيع اوصال الضفة وتعميق الانقسام بينها وبين الضفة، فان وقائع المؤتمر ونتائجه لن تحمل الخير للفلسطينيين، فالمطلوب ان يدفع الفلسطينيون قبل وفي المؤتمر وما بعده!! اما اسرائيل فستقدم عطايا حسبما ترى مناسباً.
تأسيساً على ما سبق، على الفلسطينيين والعرب ان يصروا على ان تكون مبادرة السلام العربية هي المرجعية المعتمدة للمؤتمر المقبل لأنها تقوم على معادلة الانسحاب الكامل مقابل السلام الكامل، وتنطوي على استعداد لتقديم تنازلات عربية جماعية كبيرة مقابل انسحاب اسرائيل من الاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة. فمبادرة السلام العربية مبادرة متكاملة تقبل او ترفض ولا يجب السماح بجعلها نقطة انطلاق للموقف العربي بدلاً من ان تكون سقفاً له.
وفي هذا السياق لا يكفي (بل يضر) الاكتفاء بأن تكون مرجعية المؤتمر خارطة الطريق ورؤية بوش وقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية، لان هذه المرجعية حتى اذا تحققت تقدم خلطة عجيبة غريبة تجمع ما بين اشياء متناقضة. ورؤية بوش تتضمن دولة ولكن تترك امر التفاوض بشأنها للفلسطينيين والاسرائيليين ما يعطي ميزة هائلة لاسرائيل.
اما مبادرة السلام العربية فهي تطرح حلاً شاملاً على اسس محددة، اما خارطة الطريق فهي خطة امنية مغلفة بعدة مراحل يطغى فيها الانتقالي على النهائي وهدفها الجوهري اقامة دولة ذات حدود مؤقتة تتفاوض بعد اقامتها مع اسرئيل على قضايا الوضع النهائي، ما يجعل هذه القضايا محل خلاف ونزاع بين دولتين. ويمكن ان يستمر هذا النزاع الى أجل غير مسمى. الافضل كثيراً ان لا نضيع وقتنا وجهودنا على استنفاذ فرصة لن تؤدي الى حل مقبول ولو بالحد الأدنى، وعلى الارجح، ان تفشل وسيكون للفشل تداعيات خطيرة، بل الاولوية يجب ان تكون استعادة الوحدة بين جناحي الوطن واعادة وحدة الحركة الوطنية الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني على اسس جديدة مختلفة عن اتفاق مكة، اسس تتضمن الاتفاق على برنامج سياسي واضح يحفظ الحقوق ويمكن من الحركة الفاعلة على كل المستويات المحلية والعربية والدولية. كما تتضمن تحقيق شراكة وطنية حقيقية، بعيداً عن المحاصصة الفصائلية، وبما يضمن إعادة بناء السلطة، وخصوصاً الأجهزة الأمنية بصورة مهنية، وبعيداً عن الحزبية.
وحتى تتحقق الوحدة مطلوب من حماس أولاً أن لا تكتفي بالدعوة للحوار غير المشروط، لأن هذه الدعوة في ظل الاستمرار بالتمسك بسلطة الأمر الواقع، ونتائج الانقلاب تكون مشروطة، بل على حماس أن ترفق دعوتها مع استعداد واضح للتراجع عما فعلته وإدانة اللجوء للحسم العسكري مهما كانت المبررات، والاعتراف بالشرعية. ومطلوب من الرئيس وحركة فتح ثانياً عدم رفض الحوار من حيث المبدأ، وعدم تصعيد الموقف سياسياً واعلامياً، وطرح شروط من خلال الإصرار على تحقيقها أولاً بما يوحي بأنها شروط مطروحة للتعجيز وليست مطروحة من أجل التوصل إلى حل للقطيعة. الأمر الحاسم اتفاق وطني يعالج الأسباب والجذور ولا يكتفي بمعالجة القشور. وبغض النظر عن المطلوب والنوايا فإن الذي سيجري ان الحوار سيكون مؤجلاً والانقسام سيتواصل على الأقل لحين استنفاد فرصة استئناف المفاوضات ومعرفة إلى أين يمكن أن تؤدي!.
علينا تذكر الحديث الشريف "المؤمن لا يلدغ من الجحر الواحد مرتين"، فإسرائيل في عهد أولمرت غير جاهزة ولا راغبة للسلام. وإدارة بوش ليست بوارد الضغط عليها بل تفعل كل ما في وسعها لدعمها والشد على أياديها!.