الرئيسية » هاني المصري »   23 أيلول 2008

| | |
الرئاسة بين التمديد والتهديد بنزع الشرعية
هاني المصري

يخيم شبح توجيه ضربة حاسمة لكل المحاولات الرامية لاستعادة الوحدة على خلفية تهديد "حماس" بأنها لن تعترف بشرعية الرئيس أبو مازن بعد التاسع من كانون الثاني القادم، لأن مدته الدستورية وفقا للقانون الأساسي، وهي 4 سنوات، تكون قد انقضت، ولا يمكن تمديدها بدون انتخابات رئاسية وتوافق وطني.

بدأت القصة عندما أصدر ديوان الفتوى والتشريع فتوى أجاز فيها التمديد للرئيس لمدة عام آخر، حتى تعقد الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع الانتخابات التشريعية، تطبيقا لما ورد في قانون الانتخابات حول هذا الأمر.

 

وإذا طبقت "حماس" تهديدها، وتم التمديد للرئيس بدون توافق وطني، سيصل الانقسام الفلسطيني الى نقطة حاسمة، يصبح بعدها الانقسام نهائيا، أو مرشحا للاستمرار لفترة طويلة قادمة.

حتى الآن، هناك ما يجمع الفلسطينيين رغم انقسامهم، وهو الاعتراف بشرعية الرئيس، وشرعية المجلس التشريعي. وبما أن المجلس التشريعي معطل وغائب بسبب اعتقال عشرات النواب، وبسبب عدم الاتفاق على عقده جراء التجاذبات السياسية المختلفة، يبقى الاعتراف بشرعية الرئيس بوصفه شعرة معاوية، وإذا قطعت يمكن أن يصبح الانقسام نهائيا ولا رجعة عنه، على الأقل حتى إشعار آخر.

وإذا طبقت "حماس" تهديدها فهذا يعني أنها ستكلف رئيس المجلس التشريعي المعتقل حاليا الدكتور عزيز الدويك، إذا أفرج عنه حتى ذلك التاريخ، أو نائبه أحمد بحر، بأن يتولى الرئاسة، علما بأن القانون الأساسي لم يعالج حالة وجود فراغ قانوني ناجم عن انتهاء مدة الرئيس، بل عالج حالة شغور منصب الرئيس في حالة الوفاة، مثلما حدث بعد اغتيال الرئيس الراحل ياسر عرفات، حيث تولى روحي فتوح رئيس المجلس التشريعي، الرئاسة الفلسطينية لمدة ستين يوما أجريت خلالها الانتخابات الرئاسية.

وإذا تجاوزت "حماس"، وتجاوزنا جدلا، عدم نص القانون الأساسي على كيفية ملء منصب الرئيس إذا انتهت المدة الرئاسية بدون انتخاب رئيس جديد، فإنها ستواجه واقع أن احمد بحر سيكون رئيسا لمدة ستين يوما، لن يكون قادرا فيها على تنظيم انتخابات رئاسية لنفس الأسباب التي تمنع إجراءها الآن، في الظروف القائمة والانقسام الذي يدمر الفلسطينيين سياسيا وجغرافيا.

وهذا يعني أن احمد بحر، سيفقد الشرعية بعد ستين يوما، وتصبح السلطة أمام رئيسين واحد في رام الله (لا شرعي) والآخر في غزة (لا شرعي) مما يساهم بتدمير الشرعية القائمة بدون بناء شرعية جديدة. هذا طبعا، إذا لم تذهب "حماس" أو "فتح" الى الدعوة لإجراء انتخابات منفصلة في غزة والضفة، بحيث يتعمق الانقسام الى غير رجعة أفقيا وعموديا، وبحيث يشمل كافة مجالات الحياة إضافة الى المجال السياسي.

إن الرد المحتمل على نزع الشرعية من "حماس" عن الرئيس أبو مازن هو إعلان قطاع غزة إقليما متمردا يجب إنهاء تمرده بكافة الطرق، والإعلان عن حركة حماس كتنظيم محظور خارج عن القانون، وهذا سيفتح الباب مجددا، لاستمرار الانقسام والاقتتال، وبأفق زمني مفتوح، لا يعلم إلا الله متى يتم إغلاقه.

ويمكن أن تذهب "حماس" للإعلان عن قطاع غزة دولة فلسطينية، بوصفها أرضا محررة، التعامل معها يجب أن يكون مختلفا عن التعامل مع الضفة المحتلة، رغم أن قطاع غزة في الواقع وبحكم القانون الدولي لا يزال أرضا محتلة، وجزءا من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، فوفقا للقانون الدولي تبقى المنطقة المحتلة محتلة إذا مارست دولة الاحتلال، أي شكل من أشكال التأثير فيها وعليها.

وإسرائيل، بوصفها الدولة المحتلة، لا تزال تمارس كل أنواع التأثير على قطاع غزة من خلال الحصار وإغلاق الحدود والمعابر، والاقتحامات والاعتداءات العسكرية المختلفة، فقوات الاحتلال لم تنسحب من قطاع غزة، وإنما أعادت انتشارها فيه، بحيث لم تعد تتواجد بصورة دائمة في داخله وإنما أبقت جيوبا واسعة على حدودها معه، وتهدد وتستعد لتوجيه ضربات واسعة ضده عندما ترى الظرف سانحا.

وتبقى نقطة أخيرة، هي أن التسلح بالقانون من قبل الفريقين لا يعدو أن يكون محاولة للدفاع عن موقف مسبق. فالمسألة سياسية أولا وأخيرا والقانون رغم أهميته الفائقة ليس سيد الموقف هنا، ولم يعد محترما ولا مطبقا لدى كافة الأطراف.

فـ"حماس" لم توافق يوما على القانون الأساسي ولا عملت على تطبيقه، والدليل على ذلك أنها لم تقبل المرسوم الرئاسي بإقالة حكومة الوحدة الوطنية رغم أن إقالة الحكومة من ضمن صلاحيات الرئيس وفقا للقانون الأساسي. و"فتح" والرئيس تجاوزوا القانون عندما شكلوا حكومة لتسيير الأعمال بدون حصولها على الثقة من المجلس التشريعي، وبحيث طال عمرها أكثر من 14 شهرا حتى الآن.

وهنا الشيء بالشيء يذكر، عندما انتخب الرئيس أبو مازن بتاريخ 9/1/2005 كان القانون الأساسي الساري المفعول حينذاك ينص على أن مدة الرئاسة تنتهي مع نهاية المرحلة الانتقالية، وقد تم تعديل القانون في أواخر عام 2005 لتنص إحدى مواده على أن مدة الرئاسة 4 سنوات فقط.

كما أن كل المرشحين الذين شاركوا في الانتخابات التشريعية المنعقدة في شهر كانون الثاني عام 2006 وقعوا على إقرار بالموافقة على قانون الانتخابات الذي تنص إحدى مواده بعد تعديله على ضرورة تزامن الانتخابات التشريعية والرئاسية.

كان على من ينادي بالتمديد للرئيس الآن أن يجري التعديل على القانون الأساسي ليتناسب مع قانون الانتخابات المعدل. أما إقرار قانون انتخابات يتعارض في إحدى مواده مع مواد القانون الأساسي فهذا لا يجوز قانونا، فالقانون الأعلى، وأبو القوانين جميعا، هو القانون الأساسي، وكل القوانين يجب أن تنسجم معه وتسعى لتطبيقه.

نعم إن المسألة ليست قانونية، وإنما سياسية، ولكن الحجة القانونية تستخدم من كل الأطراف لتبرير الموقف المسبق المتخذ لصالحها بغض النظر عن انسجامه أو عدم انسجامه مع القانون.

إن التركيز على حل المشكلة بالتوافق الوطني، سواء وحدها أو ضمن صفقة شاملة، قبل أن نصل الى استحقاق التاسع من كانون الثاني، هو الحل الوحيد الممكن، وأمامنا فترة أكثر من كافية لتحقيق ذلك، وهي فترة أكثر من ثلاثة أشهر، إذا توفرت الإرادة والاستعداد لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة.

وللمساعدة في التوصل الى وفاق وطني حول هذه المسألة وغيرها، يجب أن يكف جميع الأطراف عن التهديد بإصدار المراسيم بتمديد فترة الرئيس، أو بسحب الشرعية عن الرئيس، فالقضية في خطر، والمشروع الوطني يضيع، والإنسان الفلسطيني تتضاعف معاناته جراء الانهماك في صراع على القيادة، وعلى السلطة، المستفيد الأول والأكبر منه هو الاحتلال. وهذا الصراع إذا استمر لن يؤدي الى انتصار طرف على الآخر، بل الى تراجع الخيار الفلسطيني لصالح الخيارات الأخرى الإسرائيلية والعربية والإقليمية والدولية. فهل نتعظ قبل فوات الأوان؟

لتتكثف الجهود لإنجاح الحوار، وإذا لم ينجح حتى التاسع من كانون ثاني القادم، لنتفق على الاحتكام للشعب عبر انتخابات تشريعية ورئاسية، وللمجلس الوطني، في كافة المناطق والتجمعات التي يمكن إجراء الانتخابات فيها، مع الاتفاق على توفير كل الضمانات لكي تكون انتخابات حرة ونزيهة، يتعهد الجميع أن يحترم نتائجها. إن الانتخابات وحدها لا تحل المشكلة، ويجب أن يسبقها اتفاق على المرجعية والاستراتيجية والتعددية وعلى قواعد اللعبة، ولكن إذا تعذر الاتفاق، تكون الانتخابات أهون الشرور!! أليس كذلك؟!

 

مشاركة: