خلال ورشة عمل نظمها مركز مسارات في البيرة وغزة
إطلاق كتاب "اختراع شعب وتفكيك آخر" للباحث مهند عبد الحميد
البيرة، غزة – خاص: شاركت مجموعة من الشخصيات السياسية والأكاديمية في ورشة عمل نظمها المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات)، لإطلاق إصداره الجديد "اختراع شعب وتفكيك آخر" للكاتب والباحث مهند عبد الحميد، الذي قدم عرضا لمضمون واستنتاجات البحث، وتخلل ذلك نقاش حول أسباب تقدم المشروع الصهيوني وتراجع المشروع الوطني الفلسطيني، وعلاقة ذلك بالفكرة الدينية والظرف الذاتي والعامل الدولي.
وقال عبد الحميد إن الكتاب يمثل محاولة لتعزيز فكر التحرر انطلاقًا من فرضية إفلاس فكري وأكاديمي وأخلاقي للمشروع الكولونيالي في تجلياته الحاضرة، وإفلاس الرهان على مقايضته بحلول أقل مما قدمته الشرعية الدولية تاريخيًا، وعجز النخبة السياسية الفلسطينية عن توحيد الشعب واستنهاضه راهنًا على أساس أهداف قابلة للتحقيق في المدى المنظور.
وأضاف: إن الكتاب يتوقف عند أهمية التجديد، وإعادة البناء للتحرر الوطني الفلسطيني فكريًا ونضاليًا، وتجميع عناصر القوة الفلسطينية، وفتح المجال أمام إعادة تطوير العلاقة مع حلفاء الشعب الفلسطيني، ومحاولة التوقف عند إمكانية تجديد العقد الوطني الاجتماعي الفلسطيني، الذي يصون الحقوق الوطنية والإنسانية والمدنية، ويحافظ على وحدة الشعب في مختلف أماكن وجوده. كما يحاول المساهمة في طرح ونقاش أسئلة لها صلة بالمآلات والاستعصاءات التي تواجه النضال الوطني الفلسطيني راهنًا.
وأوضح أن المؤسسة الرسمية الإسرائيلية تعمل على حسم الصراع مع الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته عبر محاولة فرض الاعتراف الفلسطيني بيهودية الدولة، أو مقايضة اعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، باعتراف إسرائيلي بدولة "بانتوستونات" على أقل من نصف مساحة الضفة الغربية، تكون منزوعة السيادة، وبدون القدس، وبدون حل قضية اللاجئين. وهي محاولة تحظى بدعم من الإدارة الأميركية والكونغرس وأوساط غربية. ويترافق هذا المسعى مع المجاهرة الرسمية الإسرائيلية بإدارة الظهر للقانون الدولي وقرارات الشرعية والمواثيق والاتفاقات الدولية، ورفض اعتمادها مرجعيةً وناظمًا لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والاستعاضة عنها بمرجعية دينية من طرف واحد، تتلخص بمقولات "أرض إسرائيل".
وبين عبد الحميد أنه إذا كانت حركة التحرر الوطني الفلسطينية قد شاخت وتآكلت بنيتها بمرور الزمن، ولم تتمكن من تحقيق مهمتها التاريخية بإنهاء الاحتلال وإقامة دولة مستقلة، فإن هذا التناقض يطرح سؤال تجديد الشرعية التي لم تعد المبادرة التاريخية والشرعية المقترنة بها كافية لاستمرارها، الأمر الذي يدعو إلى إعادة بناء حركة تحرر على أسس ديمقراطية تربط التحرر الوطني بالاجتماعي.
وكان مركز مسارات نظم الورشة في مقريه بالبيرة وغزة عبر نظام "الفيديو كونفرنس"، وأدارها في البيرة خليل شاهين، مدير البحوث والسياسات في المركز، بينما أدارها في غزة صلاح عبد العاطي، مدير مكتب مسارات هناك.
وقال شاهين في افتتاح الورشة، إن هذا الكتاب يأتي في سياق اهتمام مركز مسارات في تحفيز الجهود لبناء رواية فلسطينية تتعلق أولًا بإعادة مراجعة التجرية الوطنية الفلسطينية من جهة، وكذلك في محاولة تقديم فهم فلسطيني لمسار تطور المشروع الصهيوني الاستعماري الاستيطاني العنصري على الأرض الفلسطينية. وأشار إلى أن "مسارات" يعمل على تصميم برنامجين يشرف على كل منهما فريق بحثي متخصص، الأول دراسة المشروع الصهيوني، بينما يتناول الثاني مراجعة التجرية الفلسطينية في سياق المساهمة في الإجابة عن سؤال: لماذا لم ينتصر الشعب الفلسطيني بالرغم من الصمود والمقاومة والتضحيات التي قدمها طوال قرن من النضال والكفاح؟
من جانبهم، أشار الحضور في مداخلاتهم إلى أن بريطانيا لعبت دورًا أساسيًا في نجاح المشروع الصهيوني عبر إعطاء اليهود وعدًا بإقامة "وطن قومي" لهم في فلسطين كما نص على ذلك وعد بلفور في العام 1917، إضافة إلى مساعدة الدول الإمبريالية الرأسمالية، لا سيما الولايات المتحدة الأميركية، وتحالفها مع الحركة الصهيونية وتسهيل جذب اليهود إلى فلسطين من أجل السيطرة على الأمة العربية وتحقيق مصالحها، حيث رفضت أميركا لجوء اليهود الأوروبيين إليها عقب مجازر النازية، مع الدفع بهم نحو الهجرة إلى فلسطين.
وأضافوا أن القيادة الفلسطينية آنذاك لم تنجح في بلورة مشروع وطني قادر على هزيمة المشروع الصهيوني وتفكيكه، بل كان تراهن على دولة الانتداب للحصول على الاستقلال، في المقابل كانت الحركة الصهيوينة تمعن في تطبيق مخططات التطهير العرقي وطرد السكان الفلسطينيين، ولا تزال تمارس ذلك حتى الآن من خلال إصدار سلسلة من القوانين العنصرية، وتلك الداعية إلى اعتبار إسرائيل "دولة يهودية"، وذلك من أجل شطب الحق التاريخي للشعب الفلسطيني.
يشار إلى أن الباحث أنطوان شلحت قد قدم للكتاب، حيث بين أن المؤلف يرى ضرورة حدوث قطع مع المسار الكولونيالي الإخضاعي، ووجوب العودة أو الانتقال إلى مسار التحرّر الفعلي. وهذا يفترض بطبيعة الحال عدة أمور، أهمها برأي المؤلف التوقف عند تناقضات عملية اختلاق الشعب اليهودي والمرتكزات والحجج المؤسِسَة لها بما هي شكل جديد لكولونيالية تقصي السكان الأصليين، بموازاة التوقف عند عملية تفكيك مكوّنات الشعب الفلسطيني وإسكات تاريخه وقطع الطريق على نموه وتطوره الطبيعيين ومنعه من ممارسة حقه الطبيعي في تقرير مصيره بحرية.