الرئيسية » هاني المصري »   15 تشرين الثاني 2008

| | |
القدس المحتلة عاصمة الثقافة العربية عام 2009
هاني المصري

حسنا، لقد تم اختيار القدس المحتلة، (وأصر على إضافة كلمة المحتلة) عاصمة للثقافة العربية عام 2009، حتى لا ينسى أحد أنها محتلة وحتى لا تكون المناسبة فرصة للتطبيع مع الاحتلال، بل تكون محطة للصمود.

وإذا كانت القدس محتلة، وكانت وستكون رافعة لمقاومة الاحتلال حتى دحره. وحتى تظل عاصمة للثقافة العربية فيجب إظهار صمودها وشموخها وحضارتها وثقافتها التي تضرب عميقاً في التاريخ، بجدارة وبكافة المجالات، بما يؤكد زيف الادعاءات الصهيونية أن القدس كانت ولا تزال وستبقى العاصمة الأبدية الموحدة لإسرائيل.

 

ورغم أن القدس محتلة، يجب أن نشعر هذه الأيام بالفخر بشكل خاص، لأنها أكدت أنها فلسطينية وعربية وصامدة ومقاومة للاحتلال حين قاطع 98% من أهالي القدس انتخابات البلدية التي جرت بالمصادفة في 11/11 أي في الذكرى الرابعة لرحيل واغتيال ياسر عرفات، حيث أفادت التقارير الصحافية أن التزامن بين الانتخابات وذكرى رحيل أبو عمار ساهم في تقليل عدد المشاركين المقادسة في الانتخابات البلدية، الذين كانوا الأقل عدداً بالمقارنة مع كافة الانتخابات البلدية التي شهدتها القدس سابقاً.

إن هذا يعني أن 41 عاماً من الاحتلال لم تجعل أهل القدس ينسون قضيتهم الوطنية وهويتهم، وإذا عرفنا أن الذي شارك في الانتخابات الإسرائيلية هم نفر من الموظفين في المؤسسات الإسرائيلية، خصوصاً البلدية، وهم فعلوا ذلك خشية على وظائفهم التي تؤمن لهم سبل العيش في مرحلة تعاني القدس وأهلها بطش الاحتلال ومحاولاته استكمال عزل وتهويد المدينة وتفريغها من سكانها الأصليين، وذلك عبر هدم المنازل والاعتقالات وتضييق سبل العيش أمام ابنائها ، ومواصلة الحفريات حول وتحت المسجد الأقصى والبلدة القديمة ونشر وتشجيع الجريمة والمخدرات والرذيلة، وفرض أنظمة عنصرية مثل تعريض المواطن المقدسي لفقدان حقه في الإقامة وهويته إذا أقام عددا من السنوات خارج مدينته، حتى لو كان يقيم على بعد أمتار منها.

بكل صراحة، استطاعت اسرائيل أن تمضي شوطاً واسعاً في طريق تهويد القدس، لدرجة أنها روجت أن الاستيطان في القدس، والمستوطنات فيها التي وصل عدد المستوطنين فيها حوالي 200 ألف مستوطن ليسوا في إطار الالتزامات الدولية التي تنص على أن الاستيطان غير شرعي ولا قانوني ولا بد من إزالته، لأن ما بني على الاحتلال الباطل باطل، وهذا أدى الى أن المشاريع المطروحة لحل الصراع في معظمها لا تستند الى القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية التي تنص على إزالة الاحتلال عن كافة الأراضي المحتلة عام 1967 بما فيها القدس، وإنما تنص على انسحاب اسرائيل من الأحياء العربية في القدس وليس من القدس الشرقية المحتلة.

وهذا يبقي مساحة واسعة من القدس تحت الاحتلال تحت مسميات وبدواعٍ مختلفة أمنية وسياسية ودينية واستراتيجية.

إذا أردنا تحقيق الرؤية العامة للاحتفاء بالقدس المحتلة عاصمة للثقافة العربية عام 2009 والتي جاء فيها أن هذا الاحتفاء يأتي تأكيداً على أنها جزء لا يتجزأ من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام 1967، وتكريساً لبعدها السياسي كعاصمة للدولة الفلسطينية المستقلة ومكانتها في الوجدان الديني والإنساني، وتجذيرا لهويتها الثقافية العربية، ودعما للوجود الفلسطيني وصموده فيها، وتصديا لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، وتعزيزا للشعور بالانتماء الوطني والعربي تجاه هوية ثقافية عربية موحدة، فلا بد أن تكون الاحتفالات والمعارض والمشاريع والندوات التي ستجرى طوال العام مركزة في القدس وتهدف الى مشاركة الفلسطينيين وغيرهم في مختلف أنحاء العالم، حتى لو أدى ذلك، ومن المرجح أن يؤدي، إن لم أقل من المحتم الى صدام مع قوات الاحتلال التي تحارب كل المؤسسات والنشاطات والاجتماعات والمشاريع في القدس حتى تفرغ القدس من عروبتها وتسهل تهجير سكانها.

بهذه المناسبة لماذا لا يقوم الرئيس أبو مازن ورئيس الحكومة والوزراء، خصوصاً أنهم يزورون القدس بمناسبة (اللقاء مع القادة الإسرائيليين) وبدون مناسبة، بالمشاركة في إحياء القدس كعاصمة للثقافة العربية من القدس، عبر المشاركة في صلاة يوم الجمعة، أو المشاركة في ندوات أو مؤتمرات أو افتتاح مشاريع أو رعاية حفلات فنية أو ثقافية.

إن الاحتفاء بالقدس يجب أن يكون أساساً في القدس، وتحويل هذه المناسبة الى فرصة لتمكين الفلسطينيين من زيارة عاصمتهم، فالقدس لها مكانة عظمى عند الفلسطينيين فهي قلب وعقل وروح فلسطين، وهي مسرى النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، ومقر كنيسة القيامة وغيرها من المقدسات لكافة الأديان.

القدس ليست القدس إذا لم تكن مدينة مفتوحة، وهي لن تكون مفتوحة إلا إذا تم تحريرها، لذلك يجب وضع الاحتفاء باعتبارها عاصمة للثقافة العربية في سياق عملية تحريرها بدون أن يصب ذلك بأي شكل من الأشكال في مطب الإيحاء بأن الحياة طبيعية في القدس، وأن الحوار أو التعايش يمكن أن يحل الصراع. إن الصراع لا يحل إلا باستعادة الأرض والحقوق. إن الاحتلال يغلق القدس أمام شعبها ومحبيها من كافة الشعوب والبلدان ومن معتنقي كافة الآراء والأديان، لأنه يريد أن يستكمل ضمها وتهويدها وجعل العرب أقلية فيها، يتراجع دورهم باستمرار لصالح أغلبية يهودية متزايدة.

لنجعل الاحتفاء بالقدس المحتلة عاصمة للثقافة العربية 2009 مناسبة لتأكيد وحدة الشعب والقضية داخل الوطن وخارجه، في الضفة وغزة وداخل أراضي 1948، فالوحدة هي الكفيلة بالحفاظ على القضية حية، وهي الطريق لتحقيق الحرية والعودة والاستقلال.

 

مشاركة: