الرئيسية » هاني المصري »   24 تشرين الأول 2009

| | |
هل يكون المجلس المركزي في مستوى التحديات؟
هاني المصري

 

اليوم يعقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، دورة اجتماعات في مرحلة دقيقة وحساسة.

فالمفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية متوقفة على خلفية رفض حكومة نتنياهو تجميد الاستيطان والالتزام بمرجعية واضحة وملزمة لعملية السلام، وفي ظل تراجع الإدارة الأميركية عن وعودها بتقديم خطة سلام ملموسة وحل الصراع خلال عامين، وعن سياستها المعلنة بضرورة تجميد الاستيطان تجميدا تاما، واستبداله بالضغط على الفلسطينيين لاستئناف المفاوضات فورا وبدون شروط مسبقة، وفي ظل استمرار العدوان الإسرائيلي بكل أشكاله خصوصا تكثيف الاستيطان ومواصلة بناء جدار الفصل العنصري والحصار الخانق على غزة وشن حملة محمومة لتعميق تهويد وأسرلة مدينة القدس المحتلة.

وتقرير غولدستون اجتاز بنجاح المرحلة الأولى على طريق تطبيقه، وهو بحاجة الى متابعة جادة لا يمكن أن تكون كافية ما لم يتم تجاوز الجذور والأسباب التي أدت الى ارتكاب الخطأ الفادح بتأجيله، وذلك باعتماد العمل المؤسسي والجماعي داخل المنظمة، وإعادة النظر بكيفية صنع القرار الفلسطيني، بحيث يتخذ بعد الدراسة والتشاور مع الخبراء والمعنيين، على أن يصدر في المؤسسات وبما يضمن أن تتم المساءلة والمحاسبة في حال العمل بصورة معاكسة له، أو اتخاذه من وراء المؤسسات.

كما أن الانقسام الفلسطيني السياسي والجغرافي مستمر ويتعمق بشكل متزايد مولدا أمرا واقعا وجماعات من مصلحتها استمرار الانقسام، في وقت وصلت الرعاية المصرية للحوار الى لحظة حاسمة، بعد أن قدمت مصر ورقة المصالحة الوطنية، التي سارعت "فتح" بتوقيعها بينما لا تزال "حماس" مترددة بين الدعوات للتوقيع وبين المطالبة بالتعديل فيما يشكل تهربا من استحقاق المصالحة الوطنية، وذلك رغم أن الخامس والعشرين من الشهر الجاري، أي غدا هو الموعد النهائي الذي يجب أن يصدر فيه الرئيس مرسوما بتحديد موعد لإجراء الانتخابات في موعد أقصاه 25- 10- 2009، قبل ثلاثة أشهر على إجراء الانتخابات وفقا للقانون الأساسي، حتى تجري الانتخابات في موعدها الدستوري.

إن المجلس المركزي هو الهيئة الوسيطة في منظمة التحرير، والتي من المفترض أن تقوم مقام المجلس الوطني في حالة عدم انعقاده، وعليها أن تكون مؤسسة وطنية تسعى لتجسيد المصلحة الوطنية العليا، بدون انحياز لفريق على حساب فريق آخر، وبدون استخدامها من فريق ضد الفريق الآخر.

إن المصلحة الوطنية العليا توجب أولاً وأساساً وقبل أي شيء آخر وضع استراتيجية فلسطينية قادرة على تحقيق الأهداف الوطنية، وبالتالي قادرة على توحيد الشعب الفلسطيني بكل أطيافه داخل الوطن المحتل وخارجه، وهذا الأمر غائب الى حد كبير عن الحوار الوطني، الذي يطغى عليه الصراع على السلطة، والسعي لاتفاق محاصصة فصائلي ثنائي او جماعي.

فالاستراتيجية الوطنية القادرة على تحقيق الحرية والعودة والاستقلال، هي الغائب الأكبر، وبدون تركيز الجهود من أجل بلورتها والاتفاق عليها، سنسير من الوضع السيئ الى الوضع الأسوأ وصولا الى ضياع القضية الفلسطينية بعد أكثر من مائة عام على ميلادها، وبعد التضحيات الغالية والدماء الغزيرة التي سالت أنهارا من أجلها.

لقد جربنا طريق المفاوضات من أجل المفاوضات، والمفاوضات كخيار وحيد، خلال أكثر من 16 عاما، ووصلنا الى وضعنا الحالي الذي يغيظ كل صديق، ويسر كل الأعداء. وجربنا طريق المقاومة التي لا تستند الى استراتيجية واضحة وواقعية، والى الوحدة الوطنية، والى القانون الدولي، والتي لا يكون هاجسها الوحيد المصلحة الوطنية العليا، ووجدنا أننا وصلنا الى وضع نجد فيه دعاة المقاومة كخيار وحيد يعلقون المقاومة ويدخلون منذ عام 2003 في هدن مؤقتة الواحدة وراء الأخرى، وصولا الى هدنة من جانب واحد مفتوحة زمنيا الى أجل غير مسمى.

لا بديل عن استراتيجية وطنية جديدة تأخذ الدروس والعبر من التجارب السابقة، وتنطلق من المعطيات والمستجدات بدون استخفاف أو مبالغة، وعلى أساس العمل من أجل التعاطي مع الواقع باتجاه تغييره وليس تكريسه.

وفي سياق البحث عن الاستراتيجية الواحدة القادرة على تحقيق الأهداف الوطنية يتم اعتماد المفاوضات المثمرة والمقاومة المثمرة ووضع السلطة في مكانها الطبيعي في النظام السياسي الفلسطيني، كمرحلة على طريق قيام الدولة الفلسطينية ووسيلة من أجل قيامها، وليس غاية بحد ذاتها، واصلاح وتفعيل وإعادة تشكيل م.ت.ف بحيث تضم كافة أطياف العمل الفلسطيني.

وفي سياق تطبيق الاستراتيجية الفلسطينية ينظر الى مسألة إجراء الانتخابات من زاوية هل هي ضرورية أم لا؟ هل تخدم المصلحة الوطنية أم لا؟ هل تقربنا من تحقيق أهدافنا بدحر الاحتلال وتحقيق الحرية والعودة والاستقلال أم لا؟

فالتعامل مع الانتخابات تحت الاحتلال بوصفها أمرا مقدسا، وأنها العصا السحرية، لحل كل مشاكلنا وخصوصا الانقسام، وتجاهل وجود الاحتلال أمر خاطئ على طول الخط، وأن الانتخابات تحت الاحتلال في ظل السيادة الكاملة له، يمكن أن تعطي الشرعية للاحتلال. فالانتخابات ليست مطلوبة لذاتها وإنما لكونها وسيلة لممارسة الحرية. فإذا كانت الحرية مفقودة بسبب الاحتلال، فكيف يمكن ممارسة الحرية تحت الاحتلال. فالوفاق الوطني، ما دمنا تحت الاحتلال والانقسام، شرط للانتخابات.

إن الأوهام بإمكانية الحل الوطني، من خلال المفاوضات وعملية السلام فقط، هي التي أوصلتنا الى توقيع اتفاق اوسلو، والى إجراء الانتخابات تحت الاحتلال مرتين، وأوصلتنا الى الاعتقاد بأن بالإمكان إقامة دولة تحت الاحتلال. لقد تصورنا أن الدولة تقوم إذا كان لدينا علم ونشيد وطني وأجهزة أمنية ووزراء ووزارات، أي كل رموز الدولة بدون السيادة. إن السيادة هي العنصر الرئيس الذي يعطي معنى لبقية مقومات الدولة. فبدون سيادة لا يمكن قيام دولة. والدولة ليست مؤسسات مع أهمية المؤسسات. إن الدولة أولا تعاقد بين كافة فئات وطبقات الشعب على عقد اجتماعي بجمعهم معا، (الدستور). فبدون الدستور المتفق عليه من الأغلبية الساحقة من أبناء الشعب، لا يمكن أن يكون لديهم دولة أو ان يسيروا باتجاه الدولة. المؤسسة لا تصنع دولة. وإنما الاتفاق الوطني على العقد الجديد هو الذي يصنع الدولة، وهو الذي يقيم مؤسسات لخدمة الشعب وليس لخدمة فئات على حساب الشعب.

تأسيسا على ما سبق، اعتقد أن المجلس المركزي مطالب بأن يرتفع الى مستوى التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني، لا أن يصغر بحيث يكون دوره مجرد تسويغ خطوات محدودة من شأنها تكريس الانقسام وشرعنته وإدامته. إن البعض من الذين رقصوا على أنغام الانقسام، يريدون للمجلس القيام بهذا الدور حتى يستمر الانقسام ويتعمق ويتحول الى قطيعة كاملة ودائمة.

إن الدعوة لإجراء الانتخابات بحجة الاحتكام للشعب، بدون وفاق وطني، لا يعطي الشرعية لأحد، حتى لو صادق عليها المجلس المركزي الفلسطيني. بل أن المجلس إذا خطا هذه الخطوة فإنه يشل دوره أكثر، ويبتعد أكثر عن القيام بدور المنظمة بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.

وحتى لا يكون تأجيل الانتخابات تسليما بأن "حماس" تمتلك حق "الفيتو"، فإن وضع الاستراتيجية الموجهة أساسا ضد الاحتلال، واستخلاص الدروس والعبر من الأخطاء والخطايا السابقة، سيعيد بناء النظام السياسي الفلسطيني على أسس جديدة تضمن المساواة والشراكة والتعددية والمنافسة في إطار الوحدة، وإذا تخلفت "حماس" أو غيرها عن الالتحاق، ستعزل نفسها، لأن الأغلبية الساحقة، الوطنية الديمقراطية، ستفرض إرادتها على الجميع.

كما أن وقف المفاوضات وحده لا يقدم بديلا عن المفاوضات العبثية التي كانت قائمة، والتي يراد إحياؤها بصورة أسوأ، بل نحن بحاجة الى وضع بديل متكامل بحيث يصبح وقف المفاوضات جزءا من استراتيجية جديدة، وليس مجرد ردة فعل مؤقتة، يمكن ان تزول ويتم إعادة انتاج مسلسل المفاوضات من اجل المفاوضات. استراتيجية تضم توفير مقومات الصمود والمقاومة المثمرة، الشعبية أساسا، والمقاطعة والعقوبات ومقاومة التطبيع وملاحقة إسرائيل على جرائمها في كافة المستويات والمحافل الدولية.

السؤال هو: هل يكون المجلس المركزي في مستوى التحديات؟ هذا ما نتمناه ونعمل من أجله!!

 

مشاركة: